وصلت مهى، ابنة الخمس سنوات، جثة هامدة إلى المستشفى الإسلامي في طرابلس شمال لبنان، بعدما اعتدى عليها أبوها بالضرب وألحق كامل جسمها بكدماتٍ وكسور.
هذا الخبر وقع كالصاعقة، إلا أن قصة هذه الطفلة، التي “ضُرِبت حتى الموت” بحسب تقرير الطبيب الشرعي، هي واحدة من مئات قصص التعنيف المنزلي لا سيما في فترة الحجر الصحي هذه. وقد استهدفت قصص العنف هذه الكثير من الزوجات والبنات والأخوات، ليتحوّل البيت من فضاء آمن إلى مساحة تفيض بالأخطار، خلال هذه الفترة. فقد تختبئ إحداهن في منزلها خوفاً من الموت بفايروس “كورونا”، وتموت قتلاً على أيدي من يشاركها السكن، وهذا ما حصل مع الطفلة مهى.
منذ انتشار “كورونا” والتزام البقاء في البيت، تتفاقم الخشية على النساء والأطفال العالقين في بقعة واحدة مع معنِّف او أكثر. فالبيت يُعتبر أصلاً من أكثر الأماكن التي سُجّلت فيها جرائم قتل النساء بحسب تقرير للأمم المتّحدة. فكيف إذا لم يعد الخروج متاحاً، إضافة إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة، التي تفاقمت بسبب الوضع الصحي المستجد، والتي بدورها تزيد الضغط والتوتر، وبالتالي يمكن أن ترتفع احتمالات العنف الموجّه إلى الفئات المستضعفة.
“العنف يزيد ومراكز الإيواء غير متوفرة”
استقبلت منظمة “كفى عنف واستغلال” في شهر الحجر المنزلي 75 اتصالاً لنساء يتصّلن للمرة الأولى بالجمعية، وهو عدد لا يتجاوز عدد الاتصالات التي تلقّتها “كفى” في شهر آذار/ مارس من السنة الماضية. أما عدد النساء اللواتي اتّصلن بالمساعدات الاجتماعيات للمتابعة فهو 55.
فسّرت “كفى” استقرار الأرقام على الوتيرة نفسها، بخوف النساء من اللجوء إلى مساعدة المراكز الاجتماعية بسبب وجود المعنّف في البيت. فالمفارقة، كانت زيادة تلقي المؤسسة الرسائل المكتوبة والنصوص، التي لا تشكّل خطراً كبيراً عليهن.
في المقابل، أفادت قوى الأمن الداخلي بأن الخط الساخن 1745 المخصّص لشكاوى العنف الأسري، شهد ارتفاعاً بنسبة 100 ف المئة في عدد التبليغات التي وصلته، مقارنة بعدد الحالات التي تلقّاها في آذار 2019.
ووفقاً لتقرير “كفى” لشهر آذار، فإن دائرة العنف خلال فترة الحجر توسّعت لتشمل إضافة إلى الزوج، الأب والأخ والخال في لبنان. كما أن 70 في المئة من الاتصالات التي كانت ترد إلى مركز الدعم في البقاع هي من لبنانيات، مقابل 30 في المئة للاجئات سوريات، بينما كانت النسبة في الأشهر السابقة 55 في المئة لبنانيات، 45 في المئة سوريات.
أما في مضمون الاتصالات، فأغلبها كان لاستشاراتٍ قانونية متعلّقة بقضايا الضرب والإيذاء، مشاهدة أو استلام أطفال وقضايا النفقة. وهناك شكاوى تتعلّق بالأوضاع الاقتصادية وطلب مساعدات عينية وغذائية، أو سؤال عن مأوى للجوء إليه، إضافة إلى تبليغات من النساء تعرّضن للعنف.
يُعتبر البيت من أكثر الأماكن التي سُجّلت فيها جرائم قتل النساء بحسب تقرير للأمم المتّحدة.
إلا أن المشكلة اليوم تكمن في استحالة إيجاد مأوى للسيدات المتّصلات أو تأمين بديل سكني لهنّ، إذ إن مراكز الإيواء الموجودة لم تعد تستقبل نساء جديدات بسبب “كورونا”. كما أن إقفال المحاكم وتأجيل الجلسات المتعلقّة بقرارات الحضانة أو النفقة أو الطلاق، زادت همّاً على هموم النساء.
عربياً وعالمياً: خيار الهرب غائب
كشفت فترة العزلة مدى هشاشة علاقة الرجل بشريكته. فنسبة تعرّض النساء للعنف اللفظي كما الجسدي، سجّلت ارتفاعاً ملحوظاً في معظم دول العالم، حتى تلك التي وعدت بخفض نسبة العنف ضد النساء إلى الصفر، وليس في الدول العربية حصراً.
الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيرش، دعا إلى حماية النساء والفتيات من العنف الأسري خلال فترة الحجر المنزلي، بجعل “منع العنف ضدّ المرأة وجبر الضّرر الواقع من جرّاء هذا العنف جزءاً رئيساً من خطط الحكومات الوطنية للتصدي لكوفيد-19”.
ففي فرنسا مثلاً، سجّلت السلطات زيادة كبيرة في حوادث العنف المنزلي، إذ ارتفعت بنسبة 32 في المئة في مناطق، و36 في المئة في مناطق أخرى في الأسبوع الأول فقط.
وأشارت صحيفة ديلي ميل البريطانية إلى وقوع 12 جريمة قتل في 5 أيام فقط في بريطانيا! وكذلك الصين، التي سجّلت ارتفاعاً مهولاً في نسبة الاعتداءات على النساء، وصل إلى ثلاث مرات أكثر مما كان عليه في الفترة نفسها من العام الماضي، في مقاطعة هوباي.
في المقابل، هناك دول اتخذت تدابير جدية لمناهضة العنف الأسري، منها إسبانيا، التي طرحت خدمة الرسائل الفورية مع تحديد الموقع الجغرافي، وكذلك خدمة الدردشة الفورية مع فرق الدعم النفسي… إلا أن الخوف الحقيقي هو اتخاذ العنف ضد النساء انعطافاً أكثر تعقيداً، كطرد النساء من بيوتهن من دون أن يكون لهن مكان آخر يتوجهن إليه في أزمة “كورونا”.