fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

كيتش سوري في باريس: “أدونيسيون” و”مُطبّلون” يتوسّطهم صدّام حسين! 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أثناء التظاهرات والتجمّعات السورية في باريس، سواء كانت مع أو ضد زيارة أحمد الشرع، ردد المحتشدون شعار “واحد واحد واحد… الشعب السوري واحد”، تناقضات هائلة وقع فيها السوريون يكشفها تكرار هذا الشعار ضمن سياقات كانت متناقضة ومتباينة حد الخصومة الجذرية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

استنفر السوريون سكّان باريس منذ إعلان زيارة أحمد الشرع؛ الرئيس المؤقت لسوريا، إلى فرنسا، أولئك الذين جعل بعضهم من المدينة عاصمة منفاهم، إذ استقبلت تظاهراتهم ضدّ الأسد، وشجاراتهم مع موظّفي سفارة الأسد، وفيها رفعوا قضاياهم ضدّ نظام الأسد، ويحضر فيها تمثال المعرّي شاهداً حجرياً على الفظاعات في سوريا. واليوم، يزور باريس “رئيس” تختلف الآراء حوله بشدّة، حدّ تداخل التصنيفات التي تلخَّص بسؤال أصبح أقلّ وضوحاً عمّا كان عليه، سؤال من المعارض والموالي الآن؟

 سؤال يطرحه كثيرون، خصوصاً مع تغيّر الاصطفافات السياسية بين محبّي أحمد الشرع، وكارهي أبو محمد الجولاني، وتشكّل أجسام مدنية وسياسية جديدة، لا ترى في الشرع “محرّراً” بل قائد ميليشيا سيطرت على “الدولة”.

أول ملامح الإجابة عن هذا الانقسام تتّضح في أنواع التظاهرات التي شهدتها المدينة منذ مجازر العلويين في الساحل، والتي صادف أنها تزامنت مع تظاهرات داعمة لأحمد الشرع؛ نتفادى كلمة “مؤيّدة” لحساسيتها لدى السوريين، ويوم زيارة الشرع، انقسمت التجمّعات والتظاهرات أيضاً، واختلفت فيها الآراء والصور وأحياناً الأعلام.

تحوّلات علم الثورة: بين ساحة القدّيس أوغسطين وساحة الجمهورية

الاحتشاد الأوّل كان في ساحة القدّيس أوغسطين، التي لا تبعد إلا مسير دقائق عن قصر الإليزيه، هناك اجتمع سوريون، وحملوا أعلام الثورة، بانتظار الموكب الرئاسي، حينها وقبل تجمّع الناس، كان “نجم” الموجودين رجل جاء من أقصى المدينة يسعى، رجل يحمل علماً سوريالياً، علم الثورة وعليه عبارة “لا إله إلا الله محمد رسول الله”، وصورتا عبد الباسط الساروت وصدّام حسين. مشهد أذهل الكثيرين، لكن لم يتجرّأ أحد على انتقاده، ظننا أنه سيُستبعد أو يقف وحيداً، لكنّ كثير من المتحمّسين للشرع، سارعوا إلى التقاط الصور معه، كانت هذه الصدمة الأولى بيننا أسود للسنّة، لا أسد واحد!

كنت مع مجموعة قرّرنا الابتعاد عن الحشود، والمراقبة من بعيد، خصوصاً أن الصورة في أي مظاهرة الآن أصبحت تهمة، إما “أدونيسيون” وإما مطبّلون، والحلّ هو المسافة وتفادي الكاميرات، لكن هناك المؤثّرون و”التيكتوكرز” في كلّ مكان، والحذر قد لا ينفع أحياناً أمام عدساتهم!

“زيّن” الحشد أبيات شعر كُتبت على لافتة على سور الكنيسة في الساحة، أبيات شديدة الابتذال نطقها وزير الثقافة المُكلّف محمد ياسين في خطاب تولّيه منصبه: “لقد صمنا عن الأفراح دهراً… وأفطرنا على طبق الكرامة”،كيتش سوري بامتياز.

تضخّم الحشد وبدأ الهاتفون بالهتاف، وأبرز شعار رُفع “واحد واحد واحد… الشعب السوري واحد”،  الشعار الذي اتّضح منذ العام 2011 أنه غير واقعي، واشتدّ معناه المتخيّل والإقصائي بعد سقوط النظام، مع تعالي الهتافات وانتظام شكل الجمع وأطياف من فيه، اتّجهت ومن معي نحو ساحة الجمهورية.

في ساحة الجمهورية مظاهرة أخرى ضدّ زيارة أحمد الشرع، لكنّها مظاهرة أخطر، إذ نظّمها بعض المعروفين بكونهم من شبّيحة النظام السابق الذين اعتدوا على المتظاهرين بالضرب خلال سنوات الثورة الأولى، لكن الآن، الأمر اختلف، هم يرفعون صور الضحايا من العلويين، ويهتفون ضدّ الشرع وضدّ زيارته، بل إن أحدهم بدأ يدعو الناس إلى عدم رفع علم الثورة، كونه علم الانتداب!

لكن من أين جاء علم الثورة؟ كان هناك مظاهرة أخرى، ترفع “علم الحدود الخمسة” الخاصّ بالطائفة الدرزية، وتندّد أيضاً بزيارة الشرع، وتشير إلى مجازر الساحل والهجمات على الدروز، لكنّ القائمين عليها أصرّوا على رفع علم الثورة، كونه “ليس علم الجولاني!”.

بدأت المناوشات بين الطرفين، وانفصل الحشدان، وجاءت الشرطة لمحاولة فهم ما يحصل، ولم يفهموا بدقّة، لكنّهم تركوا الحشدين، قسم وقف دقيقة صمت على أرواح الضحايا، وقسم هتف ضدّ الشرع.

المفارقة أنه في كلّ التظاهرات والتجمّعات، ردّد كلّ الأطراف، شعار “واحد واحد واحد… إلخ”، تناقضات هائلة وقع فيها السوريون يكشفها تكرار هذا الشعار، أي شعب واحد هذا الذي اتّفق على شعار غامض، لم يعد له معنى في ظلّ الانفلات الأمني الذي تشهده سوريا.

الطريق نحو الإليزيه

اتّجهنا نحو قصر الإليزيه، بانتظار وصول موكب الشرع، الذي مرّ لاحقاً من قرب تجمّع ساحة القدّيس أوغسطين، وارتمى أحدهم في سيارته، بينما نحن نتأمّل القصر، وطوابير الصحافيين الذين ينتظرون الدخول، كنّا نحن في الخارج، نضحك مع الأصدقاء، ليفاجئنا موسى العمر بالظهور في ساحة القدّيس أوغسطين، وكأنه اختار أن يسرق الأضواء من الشرع، بينما يتّجه الأخير نحو القصر الرئاسي، حيث التقى سابقاً، فريد المذهان (قيصر) صورة رمزية تثير القشعريرة، وكأن المذهان يحمّل صرخات الضحايا ومطالبهم بالعدالة لرجل لا نعلم قدر التزامه بتحقيقها!

طلب منّا حرس القصر الرئاسي الابتعاد، فقد وصل الشرع، والمؤتمر الصحافي والمراسم على وشك أن تبدأ، هنا كلّ واحد التقف هاتفه المحمول، لمشاهدة المؤتمر الصحافي، الذي قال فيه ماكرون عبارة مسّت الكثيرين منّا ، إذ ذكر  ماكرون أسماء ثلاثة سوريين: حسّان عبّاس، بسمة قضماني، عمر عزيز… ثلاثة لا يشبهون أبو محمد بشيء.

أمام الإنتركونتيننتال

علمنا لاحقاً أن الشرع سيلتقي مساء مع “الجالية السورية”؛ الكلمة الغامضة في باريس وفرنسا، كونه لا توجد جالية بالمعنى الرسمي والتمثيلي، هناك أفراد وجماعات وتيّارات مختلفة، لكن لا يهمّ، انتظرنا عند باب الإنتركونتيننتال قرب أوبرا غارنييه في باريس، سبقنا إلى هناك مجموعة من الشبّان والشابّات، “تيكتوكرز” ومؤثّرين ومحبّين للشرع، حين سألت أحدهم: “لِمَ أنتم هنا؟”، أجاب: “لالتقاط صورة مع السيّد الرئيس”، قلت له: “الرئيس غير المنتخب تقصد”، فامتعض، واتّهمني بصورة غير مباشرة بأني من فلول النظام السابق!

“إنفلونسرز” ومعجبون وصحافيون  ومدعوّون، كلّهم كانوا أمام الفندق، لا يتجاوز عددهم الثلاثين، لكن ما زال هناك قرابة ساعتين، ولا منطق لدخول البناء الآن، وفجأة، ظهر موسى العمر مرّة أخرى أمامنا، تراكض محبّو الصور إليه فالتقطوا ما يمكن التقاطه من صور، ثم بدأت الأسئلة، متى يصل الشرع؟ من مسموح له بالدخول!؟

موسى العمر لا يملك إجابات واضحة، مرّة يقول “ستدخلون جميعاً بنور الله”، ومرّة أخرى “حادثت الشيباني وقال ستدخلون”، في هذه الأثناء بدأ يتوافد المدعوّون الذين كنّا منهم! وحين بحثنا عن أسمائنا في قائمة المدعوّيين مع أمن الفندق، قالوا إن اسمي وأسماء آخرين معي غير موجودة!

كثير من المنتظرين خارجاً لم تكن أسماؤهم موجودة، بعضهم قدم من مدن أخرى، وترك عمله ليجد نفسه ينتظر خارجاً، وبالطبع كلّ يتّصل بمن يعرفه علّه يستطيع إدخاله، لنكتشف لاحقاً أن قائمة المدعوّين تغيّرت عدّة مرات، من دعتهم الخارجية الفرنسية غير الذين دعاهم وفد الشرع، الذي تدخّل في أسماء المدعوّين، طبعاً المفارقة، أن برهان غليون نفسه، لم يجد اسمه في قائمة المدعوّين! فاتّصل بأحدهم ودخل.

دخلت أيضاً أسر بكاملها، ومحسوبون على “الإخوان المسلمين”، أصدقاء وخصوم، و”إنفلونسرز” وصنّاع محتوى، الواضح أن علاقات القوّة لعبت دوراً في من يدخل ومن لا يدخل، وبينما ننتظر وصول “أبو محمد”؛ لم نعد نناديه أحمد الشرع بعد ساعات الانتظار، حاولنا الالتفاف ودخول الفندق من باب خلفي، ففشلنا، وبعد فقدان الأمل، قلنا لننتظر خارجاً على الأقلّ نراه داخلاً، ليتبيّن أنه دخل من باب آخر!

غضبنا، حاولنا الدخول، تواصلنا مع الأصدقاء في الداخل أثناء الاجتماع مع الشرع، أخبرنا بعضهم أن هناك الكثير من المقاعد فارغة، ادخلوا! لكن لا جدوى، ومع فقدان الأمل بدأت السخرية، أكثر من 10 سيّارات لحماية أحمد الشرع ومن معه، ضحكنا، منذ نحو 6 أشهر فقط، كان الرجل مطلوباً عالمياً، مكروهاً من طيف واسع من السوريين، اليوم، في الإنتركونتيننتال مع مرافقة، أُحبطنا إثر تأخّر الشرع في النزول، فقرّرنا المغادرة للأكل، وأنشد بعضنا سخرية: “سلامي على النصرة، على الكفر منتصرة… قايدها جولاني، أهديه ألحاني”.

ملاحظة: انتشرت شائعة أثناء اتّجاهنا للأكل، أن الشرع سيحضر النصف الثاني من مباراة فريق “باري سان جيرمان” ضدّ “أرسنال”، لكن تبيّن أنه اتّجه إلى ساحة تروكاديرو كي يشاهد السيّدة الحديدية، أو برج إيفيل، هناك قرب متحف الإنسان، حيث تقبع جمجمة سليمان الحلبي.

رنا الصبّاغ- كاتبة وصحافية أردنية | 23.05.2025

الرقص على أوجاع الغزّيين !…عندما تعطّل واشنطن وتل أبيب ديناميات الأمم المتّحدة 

أثناء كتابة هذا المقال، بدأت كوادر في الشركات الجديدة ومتعهّدون أمنيون ومرتزقة، بالوصول مع معدّاتهم إلى إسرائيل، استعداداً لدخول غزّة، وتطبيق الخطّة الإشكالية البديلة عن المسار الأممي.
09.05.2025
زمن القراءة: 5 minutes

أثناء التظاهرات والتجمّعات السورية في باريس، سواء كانت مع أو ضد زيارة أحمد الشرع، ردد المحتشدون شعار “واحد واحد واحد… الشعب السوري واحد”، تناقضات هائلة وقع فيها السوريون يكشفها تكرار هذا الشعار ضمن سياقات كانت متناقضة ومتباينة حد الخصومة الجذرية.

استنفر السوريون سكّان باريس منذ إعلان زيارة أحمد الشرع؛ الرئيس المؤقت لسوريا، إلى فرنسا، أولئك الذين جعل بعضهم من المدينة عاصمة منفاهم، إذ استقبلت تظاهراتهم ضدّ الأسد، وشجاراتهم مع موظّفي سفارة الأسد، وفيها رفعوا قضاياهم ضدّ نظام الأسد، ويحضر فيها تمثال المعرّي شاهداً حجرياً على الفظاعات في سوريا. واليوم، يزور باريس “رئيس” تختلف الآراء حوله بشدّة، حدّ تداخل التصنيفات التي تلخَّص بسؤال أصبح أقلّ وضوحاً عمّا كان عليه، سؤال من المعارض والموالي الآن؟

 سؤال يطرحه كثيرون، خصوصاً مع تغيّر الاصطفافات السياسية بين محبّي أحمد الشرع، وكارهي أبو محمد الجولاني، وتشكّل أجسام مدنية وسياسية جديدة، لا ترى في الشرع “محرّراً” بل قائد ميليشيا سيطرت على “الدولة”.

أول ملامح الإجابة عن هذا الانقسام تتّضح في أنواع التظاهرات التي شهدتها المدينة منذ مجازر العلويين في الساحل، والتي صادف أنها تزامنت مع تظاهرات داعمة لأحمد الشرع؛ نتفادى كلمة “مؤيّدة” لحساسيتها لدى السوريين، ويوم زيارة الشرع، انقسمت التجمّعات والتظاهرات أيضاً، واختلفت فيها الآراء والصور وأحياناً الأعلام.

تحوّلات علم الثورة: بين ساحة القدّيس أوغسطين وساحة الجمهورية

الاحتشاد الأوّل كان في ساحة القدّيس أوغسطين، التي لا تبعد إلا مسير دقائق عن قصر الإليزيه، هناك اجتمع سوريون، وحملوا أعلام الثورة، بانتظار الموكب الرئاسي، حينها وقبل تجمّع الناس، كان “نجم” الموجودين رجل جاء من أقصى المدينة يسعى، رجل يحمل علماً سوريالياً، علم الثورة وعليه عبارة “لا إله إلا الله محمد رسول الله”، وصورتا عبد الباسط الساروت وصدّام حسين. مشهد أذهل الكثيرين، لكن لم يتجرّأ أحد على انتقاده، ظننا أنه سيُستبعد أو يقف وحيداً، لكنّ كثير من المتحمّسين للشرع، سارعوا إلى التقاط الصور معه، كانت هذه الصدمة الأولى بيننا أسود للسنّة، لا أسد واحد!

كنت مع مجموعة قرّرنا الابتعاد عن الحشود، والمراقبة من بعيد، خصوصاً أن الصورة في أي مظاهرة الآن أصبحت تهمة، إما “أدونيسيون” وإما مطبّلون، والحلّ هو المسافة وتفادي الكاميرات، لكن هناك المؤثّرون و”التيكتوكرز” في كلّ مكان، والحذر قد لا ينفع أحياناً أمام عدساتهم!

“زيّن” الحشد أبيات شعر كُتبت على لافتة على سور الكنيسة في الساحة، أبيات شديدة الابتذال نطقها وزير الثقافة المُكلّف محمد ياسين في خطاب تولّيه منصبه: “لقد صمنا عن الأفراح دهراً… وأفطرنا على طبق الكرامة”،كيتش سوري بامتياز.

تضخّم الحشد وبدأ الهاتفون بالهتاف، وأبرز شعار رُفع “واحد واحد واحد… الشعب السوري واحد”،  الشعار الذي اتّضح منذ العام 2011 أنه غير واقعي، واشتدّ معناه المتخيّل والإقصائي بعد سقوط النظام، مع تعالي الهتافات وانتظام شكل الجمع وأطياف من فيه، اتّجهت ومن معي نحو ساحة الجمهورية.

في ساحة الجمهورية مظاهرة أخرى ضدّ زيارة أحمد الشرع، لكنّها مظاهرة أخطر، إذ نظّمها بعض المعروفين بكونهم من شبّيحة النظام السابق الذين اعتدوا على المتظاهرين بالضرب خلال سنوات الثورة الأولى، لكن الآن، الأمر اختلف، هم يرفعون صور الضحايا من العلويين، ويهتفون ضدّ الشرع وضدّ زيارته، بل إن أحدهم بدأ يدعو الناس إلى عدم رفع علم الثورة، كونه علم الانتداب!

لكن من أين جاء علم الثورة؟ كان هناك مظاهرة أخرى، ترفع “علم الحدود الخمسة” الخاصّ بالطائفة الدرزية، وتندّد أيضاً بزيارة الشرع، وتشير إلى مجازر الساحل والهجمات على الدروز، لكنّ القائمين عليها أصرّوا على رفع علم الثورة، كونه “ليس علم الجولاني!”.

بدأت المناوشات بين الطرفين، وانفصل الحشدان، وجاءت الشرطة لمحاولة فهم ما يحصل، ولم يفهموا بدقّة، لكنّهم تركوا الحشدين، قسم وقف دقيقة صمت على أرواح الضحايا، وقسم هتف ضدّ الشرع.

المفارقة أنه في كلّ التظاهرات والتجمّعات، ردّد كلّ الأطراف، شعار “واحد واحد واحد… إلخ”، تناقضات هائلة وقع فيها السوريون يكشفها تكرار هذا الشعار، أي شعب واحد هذا الذي اتّفق على شعار غامض، لم يعد له معنى في ظلّ الانفلات الأمني الذي تشهده سوريا.

الطريق نحو الإليزيه

اتّجهنا نحو قصر الإليزيه، بانتظار وصول موكب الشرع، الذي مرّ لاحقاً من قرب تجمّع ساحة القدّيس أوغسطين، وارتمى أحدهم في سيارته، بينما نحن نتأمّل القصر، وطوابير الصحافيين الذين ينتظرون الدخول، كنّا نحن في الخارج، نضحك مع الأصدقاء، ليفاجئنا موسى العمر بالظهور في ساحة القدّيس أوغسطين، وكأنه اختار أن يسرق الأضواء من الشرع، بينما يتّجه الأخير نحو القصر الرئاسي، حيث التقى سابقاً، فريد المذهان (قيصر) صورة رمزية تثير القشعريرة، وكأن المذهان يحمّل صرخات الضحايا ومطالبهم بالعدالة لرجل لا نعلم قدر التزامه بتحقيقها!

طلب منّا حرس القصر الرئاسي الابتعاد، فقد وصل الشرع، والمؤتمر الصحافي والمراسم على وشك أن تبدأ، هنا كلّ واحد التقف هاتفه المحمول، لمشاهدة المؤتمر الصحافي، الذي قال فيه ماكرون عبارة مسّت الكثيرين منّا ، إذ ذكر  ماكرون أسماء ثلاثة سوريين: حسّان عبّاس، بسمة قضماني، عمر عزيز… ثلاثة لا يشبهون أبو محمد بشيء.

أمام الإنتركونتيننتال

علمنا لاحقاً أن الشرع سيلتقي مساء مع “الجالية السورية”؛ الكلمة الغامضة في باريس وفرنسا، كونه لا توجد جالية بالمعنى الرسمي والتمثيلي، هناك أفراد وجماعات وتيّارات مختلفة، لكن لا يهمّ، انتظرنا عند باب الإنتركونتيننتال قرب أوبرا غارنييه في باريس، سبقنا إلى هناك مجموعة من الشبّان والشابّات، “تيكتوكرز” ومؤثّرين ومحبّين للشرع، حين سألت أحدهم: “لِمَ أنتم هنا؟”، أجاب: “لالتقاط صورة مع السيّد الرئيس”، قلت له: “الرئيس غير المنتخب تقصد”، فامتعض، واتّهمني بصورة غير مباشرة بأني من فلول النظام السابق!

“إنفلونسرز” ومعجبون وصحافيون  ومدعوّون، كلّهم كانوا أمام الفندق، لا يتجاوز عددهم الثلاثين، لكن ما زال هناك قرابة ساعتين، ولا منطق لدخول البناء الآن، وفجأة، ظهر موسى العمر مرّة أخرى أمامنا، تراكض محبّو الصور إليه فالتقطوا ما يمكن التقاطه من صور، ثم بدأت الأسئلة، متى يصل الشرع؟ من مسموح له بالدخول!؟

موسى العمر لا يملك إجابات واضحة، مرّة يقول “ستدخلون جميعاً بنور الله”، ومرّة أخرى “حادثت الشيباني وقال ستدخلون”، في هذه الأثناء بدأ يتوافد المدعوّون الذين كنّا منهم! وحين بحثنا عن أسمائنا في قائمة المدعوّيين مع أمن الفندق، قالوا إن اسمي وأسماء آخرين معي غير موجودة!

كثير من المنتظرين خارجاً لم تكن أسماؤهم موجودة، بعضهم قدم من مدن أخرى، وترك عمله ليجد نفسه ينتظر خارجاً، وبالطبع كلّ يتّصل بمن يعرفه علّه يستطيع إدخاله، لنكتشف لاحقاً أن قائمة المدعوّين تغيّرت عدّة مرات، من دعتهم الخارجية الفرنسية غير الذين دعاهم وفد الشرع، الذي تدخّل في أسماء المدعوّين، طبعاً المفارقة، أن برهان غليون نفسه، لم يجد اسمه في قائمة المدعوّين! فاتّصل بأحدهم ودخل.

دخلت أيضاً أسر بكاملها، ومحسوبون على “الإخوان المسلمين”، أصدقاء وخصوم، و”إنفلونسرز” وصنّاع محتوى، الواضح أن علاقات القوّة لعبت دوراً في من يدخل ومن لا يدخل، وبينما ننتظر وصول “أبو محمد”؛ لم نعد نناديه أحمد الشرع بعد ساعات الانتظار، حاولنا الالتفاف ودخول الفندق من باب خلفي، ففشلنا، وبعد فقدان الأمل، قلنا لننتظر خارجاً على الأقلّ نراه داخلاً، ليتبيّن أنه دخل من باب آخر!

غضبنا، حاولنا الدخول، تواصلنا مع الأصدقاء في الداخل أثناء الاجتماع مع الشرع، أخبرنا بعضهم أن هناك الكثير من المقاعد فارغة، ادخلوا! لكن لا جدوى، ومع فقدان الأمل بدأت السخرية، أكثر من 10 سيّارات لحماية أحمد الشرع ومن معه، ضحكنا، منذ نحو 6 أشهر فقط، كان الرجل مطلوباً عالمياً، مكروهاً من طيف واسع من السوريين، اليوم، في الإنتركونتيننتال مع مرافقة، أُحبطنا إثر تأخّر الشرع في النزول، فقرّرنا المغادرة للأكل، وأنشد بعضنا سخرية: “سلامي على النصرة، على الكفر منتصرة… قايدها جولاني، أهديه ألحاني”.

ملاحظة: انتشرت شائعة أثناء اتّجاهنا للأكل، أن الشرع سيحضر النصف الثاني من مباراة فريق “باري سان جيرمان” ضدّ “أرسنال”، لكن تبيّن أنه اتّجه إلى ساحة تروكاديرو كي يشاهد السيّدة الحديدية، أو برج إيفيل، هناك قرب متحف الإنسان، حيث تقبع جمجمة سليمان الحلبي.

09.05.2025
زمن القراءة: 5 minutes
|
آخر القصص
وثائق إيلي كوهين تعود إلى تل أبيب: حفظ الحقيقة أم تكريس للسلطة الاستعمارية؟
جيفري كرم - أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الأميركية | 23.05.2025
شهر على جيرة البحيرة
بادية فحص - صحافية وكاتبة لبنانية | 23.05.2025

اشترك بنشرتنا البريدية