fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

كيف تتجنب إيران الحرب المفتوحة؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تشتري إيران الوقت من خلال تأجيج النزاع ضمن “المنطقة العازلة” بين أذرعها وبين إسرائيل، كجزء لا يتجزأ من استراتيجيتها المتعدّدة الجوانب لإدارة المخاطر في المنطقة سعياً لاستكمال برنامجها النووي بأقل أضرار ممكنة، فيما تشكل الأدوات الدبلوماسية وسلوكيات خفض التصعيد جزءاً أساسياً من هذه الاستراتيجية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في ظل تصاعد الحديث عن حرب موسعة في المنطقة، تبرز أسئلة حول الاستراتيجيات التي تعتمدها كل من إسرائيل وإيران. 

بات واضحاً أن سياسة إسرائيل في غزة وتحديداً رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، تقوم على مبدأ شراء الوقت لتوسيع رقعة الدمار والقتل لفرض شروطه. نتنياهو يرى في اتفاق وقف إطلاق النار قبل تحقيق أهدافه مدخلاً لسقوطه وانهيار حكومته. 

لكن كيف يقارب الإيرانيون من جهتهم الوضع؟ وأي ردّ متوقع منهم خصوصاً بعد اغتيال إسرائيل زعيم “حماس” اسماعيل هنية في قلب طهران؟

لا شك أن كثيراً من التحليلات تحاول الإحاطة بكيفية عمل العقل الإيراني، ومقاصد السياسة الخارجية الإيرانية في المنطقة، فالجمهورية الإسلامية الإيرانية ليست قوة إقليمية عادية، نظراً لموقعها الجغرافي الاستراتيجي من جهة، وقدرتها على التحكّم بمضيق هرمز وحركة نقل النفط العالمية، ومن جهة أخرى، قدرتها على استخدام الدين والأيديولوجيا لتعزيز حضورها ونفوذها السياسي والعسكري، وبناء تحالفات معقّدة في العمق العربي ولو كانت ترتكز على بعدٍ طائفي محدّد.

الاحتلال الإسرائيلي ووضوح الأهداف

شنت إسرائيل أربع حروب كبيرة على غزة منذ عام 2008 حتى عام 2021، تسببت فيها بقتل الآلاف وجرح عشرات الآلاف وتدمير واسع للبنى التحتية والمساكن والمدارس والمستشفيات، وقد صار واضحاً وقبل حرب الإبادة المستمرة منذ عشرة أشهر، رداً على هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، التي فاقت بحجم أضرارها بعشرات المرات كل الحروب الإسرائيلية السابقة على غزة مجتمعة، بأن لدى إسرائيل استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى تغيير الواقع في غزة لصالحها.

هدف إسرائيل هو إحداث تغيير في المعادلة الديموغرافية وليس القضاء على حركة “حماس” كما هو معلن، وكان الرد على هجوم “7 أكتوبر” فرصة ذهبية لها لا يمكن تفويتها. 

كان نتنياهو يعلم مسبقاً أن قواته لن تحقق هدف استئصال “حماس”، وهو هدف مبالغ فيه بسبب شبكة الأنفاق المعقّدة والمحصّنة التي بنتها الحركة، لكنه كان لزوم الدعاية السياسية للالتفاف على هجوم “7 أكتوبر” وما خلّفه من تداعيات سياسية وأمنية على الجانب الإسرائيلي. ما يسعى إليه نتنياهو الآن هو تدمير غزة بشكل كامل، حتى آخر مؤسسة عامة، وآخر مؤسسة تعليمية، وآخر مركز صحي، وآخر سوق شعبي، وإن لم يستطع ليّ الذراع المصرية لفرض تهجير الغزيين من أرضهم إلى سيناء، فإنه عاقد العزم على جعل مستقبلهم جحيماً لعقود مقبلة.

يتشابه الخطاب الإسرائيلي، إلى هذا الحد أو ذاك، مع الممارسات الإجرامية، بل يفوقها أحياناً، حين ينادي بعض المسؤولين الإسرائيليين باستخدام السلاح النووي وارتكاب مجازر على نطاق أوسع بكثير مما نشهده حالياً. 

لكن في المقابل، فإن الخطاب الإيراني يتّسم بالتناقضات التي تعكس تعقيدات السياسة الإيرانية، بجانبيها الداخلي والخارجي.

إيران: تناقضات الخطاب والممارسة

يستخدم القادة الإيرانيون خطاباً عدائياً تجاه إسرائيل، حيث يصفونها بأنها “كيان يجب إزالته”، ومع ذلك، في الواقع العملي، تتجنب إيران الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل رغم محاولات نتنياهو المستمرة جرّها إليها، مفضّلة دعم حلفائها لتنفيذ العمليات ضدّها. ويدلّ تتابع الأحداث على أن هذا الدعم مشروطٌ بمصالح إيران الاستراتيجية، وأنه لا وجود لتحالف عسكري بين قوى مستقلة تنخرط فيه إيران بشكل مباشر وتتحمّل فيه التكلفة البشرية والمادية بشكل متساوٍ مع حلفائها، بل هناك أذرع تابعة تعتمد على المال والسلاح والوقود الإيراني، تقاتل بالنيابة عن إيران لحفظ نفوذها الجيوستراتيجي، فيما تحمل في طبيعتها المركّبة امتدادات وطنية وقومية وطائفية في الآن ذاته.

الخطاب التصعيدي الذي تستخدمه إيران تجاه إسرائيل يقابله على أرض الواقع سعيٌ دؤوب لتجنب التصعيد الذي يمكن أن يؤدي إلى مواجهة عسكرية شاملة. وفي الوقت نفسه، فإن هذا الخطاب العدائي يساهم في تمتين علاقة إيران بأعداء إسرائيل المباشرين الذين خاضوا حروباً حقيقية ضدها في المنطقة، أي “حزب الله” وحركة “حماس” و”الجهاد الإسلامي” وحركة “أنصار الله” والجهات المقاتلة الأخرى، التي تضمن لإيران تعزيز تحالفاتها الإقليمية من جهة، وتشكيل قوة ردعٍ ومنطقةٍ عازلة لصالحها من جهة أخرى.

هذا بعكس السلوك الأميركي الذي تشوبه التناقضات ذاتها أيضاً، حيث يكرّر الأميركيون الدعوات إلى خفض التصعيد، وفي الوقت نفسه يعملون على تأجيج الصراع المسلّح عبر مضاعفة تسليح إسرائيل وتحشيد القوات العسكرية الأميركية في المنطقة.

من يتحمل تكلفة التصعيد؟

تتحمّل إيران جزءاً من التكلفة الاقتصادية والسياسية للقتال الدائر، في حين تتحمّل شعوب المنطقة تكلفته الحقيقية على حساب لحمها الحيّ وبناها التحتية وتماسك مجتمعاتها ومستقبل أجيالها القادمة، حيث إن الجهود العسكرية التي تبذلها تلك الأذرع بوجه إسرائيل لا تترافق مع “أهداف وطنية عليا” ولا تحظى بالإجماع والدعم الشعبي الكاملين، لسببين بديهيين: الأول هو التركيز على الهوية الطائفية، مما يعزّز الانقسامات والصراعات الداخلية، وقد شهدت المنطقة تصاعد مثل هذه الصراعات منذ حرب الخليج الأولى، والثاني هو إضعاف الدول الوطنية ومؤسساتها المركزية، وشيوع ظاهرة “الدويلات”، على أكثر من مستوى وفي أكثر من بلد، ولهذه الإشكاليات تداعيات وتكاليف اقتصادية واجتماعية هائلة منفصلة عن تكاليف المواجهة مع إسرائيل.

بالإضافة إلى ما تمارسه تلك الأذرع من إخلال بالحقوق الإنسانية لشرائح اجتماعية مختلفة، وترهيب سياسي للمعارضين لدرجة تثير الضحك أحياناً، إذا ما قورنت قدرة صحافي عراقي أو يمني أو لبناني أو سوري بتوجيه نقدٍ حرّ لتلك الأذرع من دون تعرّضه للقمع المباشر، الذي يصل حد الاغتيال في بعض الأحيان، بقدرة صحافي إسرائيلي مثل جدعون ليفي على قول ما يريده بوجه السلطات الإسرائيلية التي ترتكب جرائم إبادة جماعية، من دون تعرّضه إلى نفس القدر من القمع والإسكات أو حتى الاغتيال المعنوي والاجتماعي.

سراب الردع الإيراني: ما بين الحرب الإعلامية والحرب الحقيقية

في حين تخوض الفصائل الفلسطينية واللبنانية قتالاً حقيقياً مع إسرائيل، فإن قوة الردع الإيرانية تقتصر على الحملات الإعلامية الخادعة والهجمات المنسّقة مسبقاً مع الولايات المتحدة، وهدف التنسيق بالطبع عدم وقوع الطرفين في مواجهة مباشرة، وهذا هو الحد الأدنى المتّفق عليه بينهما، وهو بالتالي حد كافٍ لتحييد إيران عن المواجهة المباشرة مع إسرائيل، حتى لو اشتعلت المنطقة بأكملها وتعرض عدد من العواصم العربية إلى التدمير. 

لكن المشكلة الأكبر التي تواجهها إيران الآن، هي أن إسرائيل فهمت جيداً أن خطاب التصعيد الإيراني تجاهها ليس إلا وسيلة للضغط في المفاوضات النووية، وهدفه الحصول على تنازلات.

إسرائيل تفعل كل ما بوسعها لجرّ إيران إلى الحرب، في حين تحافظ الأخيرة على الحد الأدنى من العلاقة السليمة مع الولايات المتحدة، متفادية الحرب الحقيقية، على الرغم من إطلاقها مئات المسيرات والصواريخ البالستية في أبريل/نيسان 2024 على إسرائيل رداً على استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق. لكن الهجوم العسكري الإيراني تحت مسمى “الوعد الصادق” لم يكن مفاجئاً بالنسبة لإسرائيل وحلفائها، ولم يحقّق سوى أهداف إعلامية، إذ قامت إيران، باعتراف وزير خارجيتها الراحل حسين أمير عبد اللهيان بمراسلة الولايات المتحدة قبل الهجوم وبعده، حيث أنذر الإيرانيون الأميركيين بأن “إيران لن تستهدف القواعد والمصالح الأميركية في المنطقة”، والجميع يعلم بأن لدى الولايات المتحدة قدرات تكنولوجية تمكّنها من رصد الصواريخ واعتراضها حتى لو كان الهجوم مفاجئاً، وذلك بسبب المسافة البعيدة التي تتخطى ألف كيلومتر (من الحدود الإيرانية إلى تل أبيب) فكيف إذا كان الهجوم بحد ذاته مرصوداً مسبقاً، وكان اعتراض المسيرات والصواريخ مشتركاً بين إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبية وأيضاً عربية؟

ربما يكون الهجوم الإيراني قد حقق هدفاً آخر، يمكن النظر إليه من زاويتين مختلفتين: فضح تحالفٍ عسكري دولي- عربي متين تمكّنت إسرائيل من نسجه سرّاً في المنطقة، أو تمتين تحالفٍ جديد وهشّ كان لا يزال قيد النشوء، وبتمتينه تخلّصت إسرائيل من عدم اليقين في عدد كبير من المسائل الاستراتيجية والأمنية، وبذلك تتمكّن من تجاوز خطوط حمراء جديدة لم تكن تحلم بتجاوزها من قبل، خوفاً من تضرّر علاقاتها الدبلوماسية والتجارية التي جهدت لبنائها في العمق العربي طوال عقود، ولو اكتفى الرد بفضح المفضوح لبدا إنجازاً، لكنه ساهم بالفعل في تحويل التحالفات الإسرائيلية- العربية الدبلوماسية والتجارية إلى تحالفات عسكرية وأمنية مباشرة وعلنية، مقابل ردة فعل خجولة من الشعوب العربية الخائفة من توسّع إطار الحرب، وهي تشهد أبشع حرب إبادة منذ عشرة أشهر، وذلك في الحقيقة إنجاز إسرائيلي.

البرنامج النووي الإيراني: المنطقة العازلة وشراء الوقت

عن طريق هذه البهلوانيات الإعلامية، حافظت إيران مؤقتاً على معادلة الردع، لكنها عادت فخسرتها في عملية اغتيال هنية في طهران، ولم تعد الردود الشكلية نافعة في التعامل مع الوضع المستجد، وعلى ما يبدو أن نتنياهو أدرك جيداً أن ما تحاول إيران فعله هو شراء الوقت أيضاً سعياً لتطوير برنامجها النووي، بينما هو يحاول شراء الوقت لتوسيع الحرب وتكبيد أعدائه خسائر بشرية ومادية جسيمة. 

تشتري إيران الوقت من خلال تأجيج النزاع ضمن “المنطقة العازلة” بين أذرعها وبين إسرائيل، كجزء لا يتجزأ من استراتيجيتها المتعدّدة الجوانب لإدارة المخاطر في المنطقة سعياً لاستكمال برنامجها النووي بأقل أضرار ممكنة، فيما تشكل الأدوات الدبلوماسية وسلوكيات خفض التصعيد جزءاً أساسياً من هذه الاستراتيجية.

تعوّض إيران ضعفها التكنولوجي من خلال المناورة ضمن هذه المنطقة العازلة، ولكنها في الوقت نفسه، تقوم بدعم قوى ساهمت في تفتيت أو إضعاف الدولة والمؤسسات في أكثر من بلد، مما أدى إلى ظهور تناقض جديد بين الميليشيات والأنظمة، استغلته إسرائيل بالكامل لمصلحتها، فصارت المنطقة العازلة هي نفسها منطقة صراع بين الشرعيات الدستورية، التي تقترب أكثر فأكثر إلى الحلف الإسرائيلي والميليشيات المعادية للانتظام العام وهي الأقرب إلى الحلف الإيراني. هذه الوضعية ليست لمصلحة شعوب المنطقة ولا إيران على حد سواء، وهي فقط تخدم مصلحة إسرائيل على المدى البعيد، فإسرائيل تعمّق علاقاتها مع دول المنطقة، في حين تعمّق إيران علاقاتها مع قوى مسلحة يهدّد وجودها باشتعال حروب أهلية طويلة الأمد.

العامل الأساسي في زيادة التوتر الإقليمي هو المنافسة النووية بين إيران وإسرائيل، بخاصة مع اقتراب موعد انتهاء القيود المفروضة على البرنامج النووي الإيراني بحسب القرار 2231 وإغلاق مجلس الأمن للملف بتاريخ 25 أكتوبر/تشرين الأول 2025، وذلك بعد عشر سنوات من يوم التبني في إطار خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA). هذه أكثر القضايا حساسية في التاريخ الحديث للشرق الأوسط، ولها الكثير من التداعيات على الاستقرار العالمي. كل التصعيد العسكري الإسرائيلي ومحاولة نتنياهو جرّ إيران إلى الحرب المفتوحة يتمحور حول منعها من التقدم في تطوير برنامجها النووي بذريعة منعها من امتلاك الأسلحة النووية، ما تعتبره إسرائيل تهديداً لتفوّقها العسكري وتغييراً في ميزان القوى في المنطقة، وما سيقود بدوره إلى سعي قوى إقليمية أخرى مثل السعودية ومصر لتطوير برامج نووية خاصة بها. في حين يقول الإيرانيون أن البرنامج مخصص للأغراض السلمية حصراً.

الهجمات الإسرائيلية على البرنامج النووي الإيراني

تعتمد إيران على تكتيكات دفاعية ذكية في ما يتصل بتطوير برنامجها النووي، مثل توزيع منشآتها النووية في مواقع متعددة وتحت الأرض، مما يجعل من الصعب تدميرها في هجوم واحد، لذلك فمن مصلحة إسرائيل فرض الحرب المفتوحة على إيران وعدم الاكتفاء بالاحتكام إلى الجهات الدولية للضغط وفرض العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية، خاصة وأن هجماتها التي هدفت إلى إبطاء وتيرة برنامج تخصيب اليورانيوم لم تأتِ بالنتيجة المطلوبة. رغم ذلك، اتخذت إسرائيل خطوات عملية من خلال تنفيذ عمليات مباشرة ضد البرنامج النووي الإيراني، كان أهمها:

1) عام 2010: تدمير أكثر من 1000 جهاز طردٍ مركزي في منشأة نطنز النووية من خلال الهجمات السيبرانية (فيروس ستوكس نت) وقد اتهمت إيران شركة سيمنس الألمانية للهندسة بالمساعدة في تنفيذ الهجوم على منشآتها النووية.

2) عام 2013: تفجير في منشأة فوردو النووية السرية (تحت الأرض) وقد نفت السلطات الإيرانية وقوعه معتبرة التقارير حوله “دعاية غربية” للتأثير على المفاوضات النووية ونتائجها.

3) عام 2014: تفجير كبير في منشأة بارشين النووية بتاريخ 6 أكتوبر/تشرين الأول 2014، قالت حينها وكالة أنباء “إيسنا” شبه الرسمية إن النار اشتعلت في “وحدة إنتاج مواد متفجرة”، لكن اللافت كان قيام “حزب الله” بهجوم تلقائي على دورية عسكرية إسرائيلية في منطقة مزارع شبعا بعد يوم واحد فقط بتاريخ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2014، ما يعني أن تفجير بارشين لم يكن عن طريق الخطأ بل بأيدي إسرائيلية.

4) عام 2018: تمكّنت وكالة “الموساد” الإسرائيلية من سرقة الأرشيف النووي لإيران وتهريبه إلى إسرائيل، في عملية جريئة ومعقّدة تعتبر إنجازاً استخباراتياً غير مسبوق لها، حيث قام جواسيس الموساد بالاستيلاء على نصف طن من الوثائق والملفات المكونة من 55000 صفحة و55000 ملف آخر على 183 قرصاً مضغوطاً.

5) عام 2020: تفجير كبير في منشأة نطنز النووية أدى إلى أضرار جسيمة في أجهزة الطرد المركزي. واعتبرته إيران عملاً تخريبياً وووجهت الاتهام لإسرائيل. وألحق التفجير أضراراً بمصنع ينتج أجهزة الطرد المركزي المتقدمة من طراز IR-4 وIR-6 القادرة على تخصيب اليورانيوم بشكل أسرع من أجهزة الطرد المركزي من طراز IR-1 المسموح بها بموجب الاتفاق النووي لعام 2015.

6) عام 2021: هجوم آخر على منشأة نطنز النووية ألحق أضراراً بإمدادات الطاقة لأجهزة الطرد المركزي، يتطلب إصلاحها تسعة أشهر. وقال رئيس مركز أبحاث البرلمان الإيراني علي رضا زكاني: “إن آلاف أجهزة الطرد المركزي دمرت أثناء انقطاع التيار الكهربائي”، وزعم أن “300 رطل من المتفجرات تم تهريبها إلى المنشأة في معدات تم إرسالها إلى الخارج للإصلاح”.

7) عام 2021: استهداف منشأة في كرج لتصنيع أجهزة الطرد المركزي بطائرة رباعية المراوح بدون طيار، واتهمت إيران إسرائيل بتنفيذ الهجوم.

وقد لجأت إسرائيل أيضاً إلى الاغتيالات، فقامت باستهداف العلماء النوويين الإيرانيين (من بين علماء آخرين في مجالات أخرى تم استهدافهم أيضاً): أردشير حسين بور (2007) مسعود علي محمدي (2010) مجيد شهرياري (2010) داريوش رضائي زاده (2011) مصطفى أحمدي روشن (2012) محسن فخري زاده (2020). فيما نجا فريدون عباسي دوائي عام 2010 من محاولة اغتيال تعرض لها حين قام رجل على دراجة نارية بإلصاق عبوة ناسفة بسيارته، في اليوم نفسه الذي تعرض فيه مجيد شهرياري للاغتيال بهجوم مماثل.

إلى الواهمين الذين ينتظرون “الردّ الإيراني”

الإيرانيون يدركون طبيعة التوازن العسكري في المنطقة، ويعلمون جيداً بأن التفوق الإسرائيلي الحاسم في مجالي الدفاع والهجوم، لن يكون في مصلحتهم، هذا بالإضافة إلى التدخل الأميركي المباشر وهو الأشد حسماً. الإيرانيون غير مستعدّين للتضحية الكاملة كما يفعل الحوثيون ومقاتلو “حزب الله” و”حماس” و”الجهاد الإسلامي” وباقي الفصائل الفلسطينية المقاتلة في ما يتعلّق بأية مواجهة مباشرة مع إسرائيل، لذلك هم يسعون إلى تجنب تصعيد التوترات، وتفادي تدخل دولي أوسع في الصراع القائم. كل سلوك إيران تجاه التعديات الإسرائيلية منذ عام 2007 عاماً يثبت ذلك.

الاستراتيجية الحربية الإيرانية تعتمد على تحريك الأذرع في “المنطقة العازلة”، تلك هي الورقة الرابحة الوحيدة لها للحفاظ على نفوذها الجيوستراتيجي، من دون الدخول في مواجهة مباشرة خاسرة. وأي ردٍ إيراني محتمل على اغتيال هنية سيكون على شاكلة عملية “الوعد الصادق” التي تساوى فشلها العسكري مع الصخب الإعلامي المصاحب لها، لأنها عملية مكشوفة ومرصودة بطبيعة الحال، بل تمت بإنذار وإعلان من الإيرانيين أنفسهم تجنباً للتصعيد الفعلي. باختصار، إن إيران تلعب الشطرنج، وحلفاؤها في المنطقة هم البيادق.

15.08.2024
زمن القراءة: 10 minutes

تشتري إيران الوقت من خلال تأجيج النزاع ضمن “المنطقة العازلة” بين أذرعها وبين إسرائيل، كجزء لا يتجزأ من استراتيجيتها المتعدّدة الجوانب لإدارة المخاطر في المنطقة سعياً لاستكمال برنامجها النووي بأقل أضرار ممكنة، فيما تشكل الأدوات الدبلوماسية وسلوكيات خفض التصعيد جزءاً أساسياً من هذه الاستراتيجية.

في ظل تصاعد الحديث عن حرب موسعة في المنطقة، تبرز أسئلة حول الاستراتيجيات التي تعتمدها كل من إسرائيل وإيران. 

بات واضحاً أن سياسة إسرائيل في غزة وتحديداً رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، تقوم على مبدأ شراء الوقت لتوسيع رقعة الدمار والقتل لفرض شروطه. نتنياهو يرى في اتفاق وقف إطلاق النار قبل تحقيق أهدافه مدخلاً لسقوطه وانهيار حكومته. 

لكن كيف يقارب الإيرانيون من جهتهم الوضع؟ وأي ردّ متوقع منهم خصوصاً بعد اغتيال إسرائيل زعيم “حماس” اسماعيل هنية في قلب طهران؟

لا شك أن كثيراً من التحليلات تحاول الإحاطة بكيفية عمل العقل الإيراني، ومقاصد السياسة الخارجية الإيرانية في المنطقة، فالجمهورية الإسلامية الإيرانية ليست قوة إقليمية عادية، نظراً لموقعها الجغرافي الاستراتيجي من جهة، وقدرتها على التحكّم بمضيق هرمز وحركة نقل النفط العالمية، ومن جهة أخرى، قدرتها على استخدام الدين والأيديولوجيا لتعزيز حضورها ونفوذها السياسي والعسكري، وبناء تحالفات معقّدة في العمق العربي ولو كانت ترتكز على بعدٍ طائفي محدّد.

الاحتلال الإسرائيلي ووضوح الأهداف

شنت إسرائيل أربع حروب كبيرة على غزة منذ عام 2008 حتى عام 2021، تسببت فيها بقتل الآلاف وجرح عشرات الآلاف وتدمير واسع للبنى التحتية والمساكن والمدارس والمستشفيات، وقد صار واضحاً وقبل حرب الإبادة المستمرة منذ عشرة أشهر، رداً على هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، التي فاقت بحجم أضرارها بعشرات المرات كل الحروب الإسرائيلية السابقة على غزة مجتمعة، بأن لدى إسرائيل استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى تغيير الواقع في غزة لصالحها.

هدف إسرائيل هو إحداث تغيير في المعادلة الديموغرافية وليس القضاء على حركة “حماس” كما هو معلن، وكان الرد على هجوم “7 أكتوبر” فرصة ذهبية لها لا يمكن تفويتها. 

كان نتنياهو يعلم مسبقاً أن قواته لن تحقق هدف استئصال “حماس”، وهو هدف مبالغ فيه بسبب شبكة الأنفاق المعقّدة والمحصّنة التي بنتها الحركة، لكنه كان لزوم الدعاية السياسية للالتفاف على هجوم “7 أكتوبر” وما خلّفه من تداعيات سياسية وأمنية على الجانب الإسرائيلي. ما يسعى إليه نتنياهو الآن هو تدمير غزة بشكل كامل، حتى آخر مؤسسة عامة، وآخر مؤسسة تعليمية، وآخر مركز صحي، وآخر سوق شعبي، وإن لم يستطع ليّ الذراع المصرية لفرض تهجير الغزيين من أرضهم إلى سيناء، فإنه عاقد العزم على جعل مستقبلهم جحيماً لعقود مقبلة.

يتشابه الخطاب الإسرائيلي، إلى هذا الحد أو ذاك، مع الممارسات الإجرامية، بل يفوقها أحياناً، حين ينادي بعض المسؤولين الإسرائيليين باستخدام السلاح النووي وارتكاب مجازر على نطاق أوسع بكثير مما نشهده حالياً. 

لكن في المقابل، فإن الخطاب الإيراني يتّسم بالتناقضات التي تعكس تعقيدات السياسة الإيرانية، بجانبيها الداخلي والخارجي.

إيران: تناقضات الخطاب والممارسة

يستخدم القادة الإيرانيون خطاباً عدائياً تجاه إسرائيل، حيث يصفونها بأنها “كيان يجب إزالته”، ومع ذلك، في الواقع العملي، تتجنب إيران الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل رغم محاولات نتنياهو المستمرة جرّها إليها، مفضّلة دعم حلفائها لتنفيذ العمليات ضدّها. ويدلّ تتابع الأحداث على أن هذا الدعم مشروطٌ بمصالح إيران الاستراتيجية، وأنه لا وجود لتحالف عسكري بين قوى مستقلة تنخرط فيه إيران بشكل مباشر وتتحمّل فيه التكلفة البشرية والمادية بشكل متساوٍ مع حلفائها، بل هناك أذرع تابعة تعتمد على المال والسلاح والوقود الإيراني، تقاتل بالنيابة عن إيران لحفظ نفوذها الجيوستراتيجي، فيما تحمل في طبيعتها المركّبة امتدادات وطنية وقومية وطائفية في الآن ذاته.

الخطاب التصعيدي الذي تستخدمه إيران تجاه إسرائيل يقابله على أرض الواقع سعيٌ دؤوب لتجنب التصعيد الذي يمكن أن يؤدي إلى مواجهة عسكرية شاملة. وفي الوقت نفسه، فإن هذا الخطاب العدائي يساهم في تمتين علاقة إيران بأعداء إسرائيل المباشرين الذين خاضوا حروباً حقيقية ضدها في المنطقة، أي “حزب الله” وحركة “حماس” و”الجهاد الإسلامي” وحركة “أنصار الله” والجهات المقاتلة الأخرى، التي تضمن لإيران تعزيز تحالفاتها الإقليمية من جهة، وتشكيل قوة ردعٍ ومنطقةٍ عازلة لصالحها من جهة أخرى.

هذا بعكس السلوك الأميركي الذي تشوبه التناقضات ذاتها أيضاً، حيث يكرّر الأميركيون الدعوات إلى خفض التصعيد، وفي الوقت نفسه يعملون على تأجيج الصراع المسلّح عبر مضاعفة تسليح إسرائيل وتحشيد القوات العسكرية الأميركية في المنطقة.

من يتحمل تكلفة التصعيد؟

تتحمّل إيران جزءاً من التكلفة الاقتصادية والسياسية للقتال الدائر، في حين تتحمّل شعوب المنطقة تكلفته الحقيقية على حساب لحمها الحيّ وبناها التحتية وتماسك مجتمعاتها ومستقبل أجيالها القادمة، حيث إن الجهود العسكرية التي تبذلها تلك الأذرع بوجه إسرائيل لا تترافق مع “أهداف وطنية عليا” ولا تحظى بالإجماع والدعم الشعبي الكاملين، لسببين بديهيين: الأول هو التركيز على الهوية الطائفية، مما يعزّز الانقسامات والصراعات الداخلية، وقد شهدت المنطقة تصاعد مثل هذه الصراعات منذ حرب الخليج الأولى، والثاني هو إضعاف الدول الوطنية ومؤسساتها المركزية، وشيوع ظاهرة “الدويلات”، على أكثر من مستوى وفي أكثر من بلد، ولهذه الإشكاليات تداعيات وتكاليف اقتصادية واجتماعية هائلة منفصلة عن تكاليف المواجهة مع إسرائيل.

بالإضافة إلى ما تمارسه تلك الأذرع من إخلال بالحقوق الإنسانية لشرائح اجتماعية مختلفة، وترهيب سياسي للمعارضين لدرجة تثير الضحك أحياناً، إذا ما قورنت قدرة صحافي عراقي أو يمني أو لبناني أو سوري بتوجيه نقدٍ حرّ لتلك الأذرع من دون تعرّضه للقمع المباشر، الذي يصل حد الاغتيال في بعض الأحيان، بقدرة صحافي إسرائيلي مثل جدعون ليفي على قول ما يريده بوجه السلطات الإسرائيلية التي ترتكب جرائم إبادة جماعية، من دون تعرّضه إلى نفس القدر من القمع والإسكات أو حتى الاغتيال المعنوي والاجتماعي.

سراب الردع الإيراني: ما بين الحرب الإعلامية والحرب الحقيقية

في حين تخوض الفصائل الفلسطينية واللبنانية قتالاً حقيقياً مع إسرائيل، فإن قوة الردع الإيرانية تقتصر على الحملات الإعلامية الخادعة والهجمات المنسّقة مسبقاً مع الولايات المتحدة، وهدف التنسيق بالطبع عدم وقوع الطرفين في مواجهة مباشرة، وهذا هو الحد الأدنى المتّفق عليه بينهما، وهو بالتالي حد كافٍ لتحييد إيران عن المواجهة المباشرة مع إسرائيل، حتى لو اشتعلت المنطقة بأكملها وتعرض عدد من العواصم العربية إلى التدمير. 

لكن المشكلة الأكبر التي تواجهها إيران الآن، هي أن إسرائيل فهمت جيداً أن خطاب التصعيد الإيراني تجاهها ليس إلا وسيلة للضغط في المفاوضات النووية، وهدفه الحصول على تنازلات.

إسرائيل تفعل كل ما بوسعها لجرّ إيران إلى الحرب، في حين تحافظ الأخيرة على الحد الأدنى من العلاقة السليمة مع الولايات المتحدة، متفادية الحرب الحقيقية، على الرغم من إطلاقها مئات المسيرات والصواريخ البالستية في أبريل/نيسان 2024 على إسرائيل رداً على استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق. لكن الهجوم العسكري الإيراني تحت مسمى “الوعد الصادق” لم يكن مفاجئاً بالنسبة لإسرائيل وحلفائها، ولم يحقّق سوى أهداف إعلامية، إذ قامت إيران، باعتراف وزير خارجيتها الراحل حسين أمير عبد اللهيان بمراسلة الولايات المتحدة قبل الهجوم وبعده، حيث أنذر الإيرانيون الأميركيين بأن “إيران لن تستهدف القواعد والمصالح الأميركية في المنطقة”، والجميع يعلم بأن لدى الولايات المتحدة قدرات تكنولوجية تمكّنها من رصد الصواريخ واعتراضها حتى لو كان الهجوم مفاجئاً، وذلك بسبب المسافة البعيدة التي تتخطى ألف كيلومتر (من الحدود الإيرانية إلى تل أبيب) فكيف إذا كان الهجوم بحد ذاته مرصوداً مسبقاً، وكان اعتراض المسيرات والصواريخ مشتركاً بين إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبية وأيضاً عربية؟

ربما يكون الهجوم الإيراني قد حقق هدفاً آخر، يمكن النظر إليه من زاويتين مختلفتين: فضح تحالفٍ عسكري دولي- عربي متين تمكّنت إسرائيل من نسجه سرّاً في المنطقة، أو تمتين تحالفٍ جديد وهشّ كان لا يزال قيد النشوء، وبتمتينه تخلّصت إسرائيل من عدم اليقين في عدد كبير من المسائل الاستراتيجية والأمنية، وبذلك تتمكّن من تجاوز خطوط حمراء جديدة لم تكن تحلم بتجاوزها من قبل، خوفاً من تضرّر علاقاتها الدبلوماسية والتجارية التي جهدت لبنائها في العمق العربي طوال عقود، ولو اكتفى الرد بفضح المفضوح لبدا إنجازاً، لكنه ساهم بالفعل في تحويل التحالفات الإسرائيلية- العربية الدبلوماسية والتجارية إلى تحالفات عسكرية وأمنية مباشرة وعلنية، مقابل ردة فعل خجولة من الشعوب العربية الخائفة من توسّع إطار الحرب، وهي تشهد أبشع حرب إبادة منذ عشرة أشهر، وذلك في الحقيقة إنجاز إسرائيلي.

البرنامج النووي الإيراني: المنطقة العازلة وشراء الوقت

عن طريق هذه البهلوانيات الإعلامية، حافظت إيران مؤقتاً على معادلة الردع، لكنها عادت فخسرتها في عملية اغتيال هنية في طهران، ولم تعد الردود الشكلية نافعة في التعامل مع الوضع المستجد، وعلى ما يبدو أن نتنياهو أدرك جيداً أن ما تحاول إيران فعله هو شراء الوقت أيضاً سعياً لتطوير برنامجها النووي، بينما هو يحاول شراء الوقت لتوسيع الحرب وتكبيد أعدائه خسائر بشرية ومادية جسيمة. 

تشتري إيران الوقت من خلال تأجيج النزاع ضمن “المنطقة العازلة” بين أذرعها وبين إسرائيل، كجزء لا يتجزأ من استراتيجيتها المتعدّدة الجوانب لإدارة المخاطر في المنطقة سعياً لاستكمال برنامجها النووي بأقل أضرار ممكنة، فيما تشكل الأدوات الدبلوماسية وسلوكيات خفض التصعيد جزءاً أساسياً من هذه الاستراتيجية.

تعوّض إيران ضعفها التكنولوجي من خلال المناورة ضمن هذه المنطقة العازلة، ولكنها في الوقت نفسه، تقوم بدعم قوى ساهمت في تفتيت أو إضعاف الدولة والمؤسسات في أكثر من بلد، مما أدى إلى ظهور تناقض جديد بين الميليشيات والأنظمة، استغلته إسرائيل بالكامل لمصلحتها، فصارت المنطقة العازلة هي نفسها منطقة صراع بين الشرعيات الدستورية، التي تقترب أكثر فأكثر إلى الحلف الإسرائيلي والميليشيات المعادية للانتظام العام وهي الأقرب إلى الحلف الإيراني. هذه الوضعية ليست لمصلحة شعوب المنطقة ولا إيران على حد سواء، وهي فقط تخدم مصلحة إسرائيل على المدى البعيد، فإسرائيل تعمّق علاقاتها مع دول المنطقة، في حين تعمّق إيران علاقاتها مع قوى مسلحة يهدّد وجودها باشتعال حروب أهلية طويلة الأمد.

العامل الأساسي في زيادة التوتر الإقليمي هو المنافسة النووية بين إيران وإسرائيل، بخاصة مع اقتراب موعد انتهاء القيود المفروضة على البرنامج النووي الإيراني بحسب القرار 2231 وإغلاق مجلس الأمن للملف بتاريخ 25 أكتوبر/تشرين الأول 2025، وذلك بعد عشر سنوات من يوم التبني في إطار خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA). هذه أكثر القضايا حساسية في التاريخ الحديث للشرق الأوسط، ولها الكثير من التداعيات على الاستقرار العالمي. كل التصعيد العسكري الإسرائيلي ومحاولة نتنياهو جرّ إيران إلى الحرب المفتوحة يتمحور حول منعها من التقدم في تطوير برنامجها النووي بذريعة منعها من امتلاك الأسلحة النووية، ما تعتبره إسرائيل تهديداً لتفوّقها العسكري وتغييراً في ميزان القوى في المنطقة، وما سيقود بدوره إلى سعي قوى إقليمية أخرى مثل السعودية ومصر لتطوير برامج نووية خاصة بها. في حين يقول الإيرانيون أن البرنامج مخصص للأغراض السلمية حصراً.

الهجمات الإسرائيلية على البرنامج النووي الإيراني

تعتمد إيران على تكتيكات دفاعية ذكية في ما يتصل بتطوير برنامجها النووي، مثل توزيع منشآتها النووية في مواقع متعددة وتحت الأرض، مما يجعل من الصعب تدميرها في هجوم واحد، لذلك فمن مصلحة إسرائيل فرض الحرب المفتوحة على إيران وعدم الاكتفاء بالاحتكام إلى الجهات الدولية للضغط وفرض العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية، خاصة وأن هجماتها التي هدفت إلى إبطاء وتيرة برنامج تخصيب اليورانيوم لم تأتِ بالنتيجة المطلوبة. رغم ذلك، اتخذت إسرائيل خطوات عملية من خلال تنفيذ عمليات مباشرة ضد البرنامج النووي الإيراني، كان أهمها:

1) عام 2010: تدمير أكثر من 1000 جهاز طردٍ مركزي في منشأة نطنز النووية من خلال الهجمات السيبرانية (فيروس ستوكس نت) وقد اتهمت إيران شركة سيمنس الألمانية للهندسة بالمساعدة في تنفيذ الهجوم على منشآتها النووية.

2) عام 2013: تفجير في منشأة فوردو النووية السرية (تحت الأرض) وقد نفت السلطات الإيرانية وقوعه معتبرة التقارير حوله “دعاية غربية” للتأثير على المفاوضات النووية ونتائجها.

3) عام 2014: تفجير كبير في منشأة بارشين النووية بتاريخ 6 أكتوبر/تشرين الأول 2014، قالت حينها وكالة أنباء “إيسنا” شبه الرسمية إن النار اشتعلت في “وحدة إنتاج مواد متفجرة”، لكن اللافت كان قيام “حزب الله” بهجوم تلقائي على دورية عسكرية إسرائيلية في منطقة مزارع شبعا بعد يوم واحد فقط بتاريخ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2014، ما يعني أن تفجير بارشين لم يكن عن طريق الخطأ بل بأيدي إسرائيلية.

4) عام 2018: تمكّنت وكالة “الموساد” الإسرائيلية من سرقة الأرشيف النووي لإيران وتهريبه إلى إسرائيل، في عملية جريئة ومعقّدة تعتبر إنجازاً استخباراتياً غير مسبوق لها، حيث قام جواسيس الموساد بالاستيلاء على نصف طن من الوثائق والملفات المكونة من 55000 صفحة و55000 ملف آخر على 183 قرصاً مضغوطاً.

5) عام 2020: تفجير كبير في منشأة نطنز النووية أدى إلى أضرار جسيمة في أجهزة الطرد المركزي. واعتبرته إيران عملاً تخريبياً وووجهت الاتهام لإسرائيل. وألحق التفجير أضراراً بمصنع ينتج أجهزة الطرد المركزي المتقدمة من طراز IR-4 وIR-6 القادرة على تخصيب اليورانيوم بشكل أسرع من أجهزة الطرد المركزي من طراز IR-1 المسموح بها بموجب الاتفاق النووي لعام 2015.

6) عام 2021: هجوم آخر على منشأة نطنز النووية ألحق أضراراً بإمدادات الطاقة لأجهزة الطرد المركزي، يتطلب إصلاحها تسعة أشهر. وقال رئيس مركز أبحاث البرلمان الإيراني علي رضا زكاني: “إن آلاف أجهزة الطرد المركزي دمرت أثناء انقطاع التيار الكهربائي”، وزعم أن “300 رطل من المتفجرات تم تهريبها إلى المنشأة في معدات تم إرسالها إلى الخارج للإصلاح”.

7) عام 2021: استهداف منشأة في كرج لتصنيع أجهزة الطرد المركزي بطائرة رباعية المراوح بدون طيار، واتهمت إيران إسرائيل بتنفيذ الهجوم.

وقد لجأت إسرائيل أيضاً إلى الاغتيالات، فقامت باستهداف العلماء النوويين الإيرانيين (من بين علماء آخرين في مجالات أخرى تم استهدافهم أيضاً): أردشير حسين بور (2007) مسعود علي محمدي (2010) مجيد شهرياري (2010) داريوش رضائي زاده (2011) مصطفى أحمدي روشن (2012) محسن فخري زاده (2020). فيما نجا فريدون عباسي دوائي عام 2010 من محاولة اغتيال تعرض لها حين قام رجل على دراجة نارية بإلصاق عبوة ناسفة بسيارته، في اليوم نفسه الذي تعرض فيه مجيد شهرياري للاغتيال بهجوم مماثل.

إلى الواهمين الذين ينتظرون “الردّ الإيراني”

الإيرانيون يدركون طبيعة التوازن العسكري في المنطقة، ويعلمون جيداً بأن التفوق الإسرائيلي الحاسم في مجالي الدفاع والهجوم، لن يكون في مصلحتهم، هذا بالإضافة إلى التدخل الأميركي المباشر وهو الأشد حسماً. الإيرانيون غير مستعدّين للتضحية الكاملة كما يفعل الحوثيون ومقاتلو “حزب الله” و”حماس” و”الجهاد الإسلامي” وباقي الفصائل الفلسطينية المقاتلة في ما يتعلّق بأية مواجهة مباشرة مع إسرائيل، لذلك هم يسعون إلى تجنب تصعيد التوترات، وتفادي تدخل دولي أوسع في الصراع القائم. كل سلوك إيران تجاه التعديات الإسرائيلية منذ عام 2007 عاماً يثبت ذلك.

الاستراتيجية الحربية الإيرانية تعتمد على تحريك الأذرع في “المنطقة العازلة”، تلك هي الورقة الرابحة الوحيدة لها للحفاظ على نفوذها الجيوستراتيجي، من دون الدخول في مواجهة مباشرة خاسرة. وأي ردٍ إيراني محتمل على اغتيال هنية سيكون على شاكلة عملية “الوعد الصادق” التي تساوى فشلها العسكري مع الصخب الإعلامي المصاحب لها، لأنها عملية مكشوفة ومرصودة بطبيعة الحال، بل تمت بإنذار وإعلان من الإيرانيين أنفسهم تجنباً للتصعيد الفعلي. باختصار، إن إيران تلعب الشطرنج، وحلفاؤها في المنطقة هم البيادق.