fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

كيف تساهم أزمة النفايات في لبنان في التغيّر المناخي؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تتجاوز الجرائم البيئية الناجمة عن سوء إدارة النفايات في لبنان منذ أربعة عقود حدود البلاد. أما الاستراتيجية الوطنية لإدارة النفايات، فقد فشلت في تلبية التوقعات، حيث حُددت مدة تنفيذها بـ 20 عاماً، وهو أمر مبالغ فيه بالنظر إلى الدراسات الحالية والتجارب الكثيرة التي يمكن الاستفادة منها لاستخلاص الحلول بسرعة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“20 في المئة من انبعاثات الميثان العالمية مصدرها النفايات الصلبة”، صرّح مختار باباييف، رئيس مؤتمر تغيّر المناخ، الذي انعقد هذا العام في العاصمة الأذربيجانية باكو. وأطلقت رئاسة المؤتمر “إعلان الحد من غاز الميثان الناتج من النفايات العضوية”، إذ التزمت 30 دولة، تمثل 45 في المئة من الانبعاثات العالمية للميثان، بتقليص هذه الانبعاثات بنسبة 30 في المئة بحلول عام 2030. في حين شهدت المنطقتان “الزرقاء” و”الخضراء” تنظيم جلسات وفعاليات عدة مرتبطة بقضية النفايات.

وخلال الجلسة التي انعقدت في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر حول قضية انبعاثات الميثان من النفايات الصلبة، قالت مارتينا أوتو، رئيسة أمانة “تحالف المناخ والهواء النظيف” (CCAC) الذي يديره برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، “إن نحو ثلث الطعام المنتج سنوياً يتم فقده أو هدره”. وأضافت أن “هذا الإعلان يتناول صحة المجتمع وسيساهم في تعزيز التعاون، وتوفير التمويل، ما يساعدنا على إبقاء الطعام بعيداً من مكبات النفايات”. وأوضح نائب رئيس وزراء سلوفاكيا ووزير البيئة أن “الانبعاثات تأتي من تحلّل النفايات في مكبات النفايات، وهذا يؤثر على المجتمعات الضعيفة”.

وخلال الجلسة، استعرضت الدول خططها للحد من انبعاثات غاز الميثان الناتجة من النفايات الصلبة. وأعلنت الإمارات العربية المتحدة التزامها بخفض النفايات في المكبات بنسبة 80 في المئة بحلول نهاية العقد الحالي، ما يُتوقع أن يؤدي إلى تقليص الانبعاثات من قطاع النفايات بنسبة 37 في المئة. من جانبها، أشارت ألمانيا إلى أنها حظرت تماماً طمر النفايات العضوية في المكبات.

يشكل قطاع النفايات 87.5 في المئة من إجمالي انبعاثات الميثان (CH₄) الوطنية في لبنان، ويعد المصدر الأكبر لهذه الانبعاثات، بحسب وزارة البيئة اللبنانية. ومع ذلك، برز غياب الوفد اللبناني المنتدب إلى باكو عن هذه الجلسة، ما أثار تساؤلات حول مدى التزام لبنان بالتصدي لهذه القضية البيئية وتأثيرها على المناخ.

وأوضح رئيس الوفد اللبناني الصحافي حبيب معلوف  لـ “درج”،  أن لبنان “لديه أزمة داخلية لناحية قطاع النفايات ولا يمكن للدول حلّها لأنها ليست موضوعاً مالياً”. وأضاف أن لبنان “حصل على هبات من الاتحاد الأوروبي لبناء معامل في مختلف القرى اللبنانية، إلا أن أياً من المعامل لا تعمل حالياً”. 

خلال المؤتمر، حثّت الجمعية الدولية لإدارة النفايات الصلبة (ISWA) الدول الأعضاء على إدراج استراتيجيات إدارة النفايات المستدامة في مساهمتها المحددة وطنياً (NDCs). وفي مقابلة مع “درج” في “جناح النفايات والموارد” في “المنطقة الخضراء”، أوضح رئيس الجمعية جايمس لو  أن “افتقار نظم التحكم الفعّالة في إدارة النفايات يؤدي إلى انبعاث غازات الميثان في الغلاف الجوي، ما يساهم في تفاقم أزمة تغير المناخ”. وأضاف أن “طناً واحداً من غاز الميثان يعادل تأثير 80 طناً من ثاني أكسيد الكربون”.

خطوط ناريّة جراء اشتعال غاز الميثان

في العام 2015، قدم  لبنان مساهمته المحددة وطنيّاً(NDC) إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، ثم حدّثها عام 2021. وتعهدت السلطات اللبنانية بخفض الانبعاثات الناتجة من عدد من القطاعات منها النفايات الصلبة. 

وخلال مؤتمر تغيّر المناخ الذي عُقد في مدينة غلاسغو في بريطانيا أو “كوب 26″،  وقّع لبنان على التعهد العالمي للميثان “Global Methane Pledge – GMP”، الذي يضم 159 دولة تهدف إلى خفض انبعاثات الميثان بنسبة 30 في المئة مقارنة بمستويات عام 2020 بحلول عام 2030. ومع ذلك، لم يُحرز أي تقدم ملموس في ملف إدارة النفايات حتى اليوم. تشكّل النفايات العضوية الجزء الأكبر من النفايات المنتجة في لبنان، إذ تمثل نحو 52 في المئة من إجمالي النفايات، وفقاً لقانون الإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة لعام 2018. ومع ذلك، لا يوجد قانون يمنع إرسال هذه النفايات إلى المكبات والمطامر، ما يعمق الأزمة البيئية ويساهم في تفاقم الانبعاثات مثل الميثان.

قبل أسبوعين من بدء الحرب الإسرائيلية الشاملة على لبنان، اندلع حريق في مكب برج حمود شمال شرقي بيروت، ما سلط الضوء مجدداً على عجز لبنان في معالجة أزمة النفايات من خلال خطط الطوارئ الحكومية التي أثبتت عدم فعاليتها. 

“ظهرت خطوط من النار على سطح المكب نتيجة تسرب غاز الميثان”، وفقاً لما قاله المهندس البيئي زياد أبي شاكر لـ “درج”. وشرح أن “تكديس النفايات العضوية في المكبات يؤدي إلى عزل الأكسجين عن الطبقات السفلية، ما يسبب عملية تخمير لا هوائي تُنتج غاز الميثان، وهو غاز شديد القابلية للاشتعال”. 

من جهتها، قالت الاختصاصية في الإدارة البيئية وعضو “ائتلاف النفايات” سمر خليل، لـ “درج” إن مطمر برج حمود “يحتوي على أنواع مختلفة من النفايات، بما في ذلك النفايات الخطرة والنفايات العادية، بالإضافة إلى البلاستيك والنفايات الطبية ومواد أخرى تحتوي على معادن ثقيلة”. وأوضحت خليل أنه نتيجة الحريق الذي اندلع في المطمر، “تسربت هذه المواد إلى الهواء، ما أدى إلى تكوّن مركبات سامة مثل الديوكسينات والفورانات”. وأضافت أن “تعرض الإنسان لهذه المواد قد يسبب تطور أمراض خطيرة مثل السرطان، وقد يؤدي إلى تشوّهات خلقية إذا انتقلت هذه المركبات من الأم إلى الجنين”.

يؤكد أبي شاكر أن مطمر برج حمود لم يعد مطمراً صحياً بل هو أقرب إلى المكب العشوائي. وبحسب منظمة غرينبيس، فإن الحريق  الذي حصل في مطمر برج حمود “أطلق دخاناً ساماً ناتجاً من احتراق المواد العضوية وغير العضوية مثل البلاستيك. هذه النفايات تتحول إلى كتلة مشتعلة يصعب إخمادها وتستمر في التجدد، بخاصة في حجم مطمر كبرج حمود. الدخان السام يحتوي على مواد خطيرة مثل غاز الميثان، الديوكسينات، والفورانات، التي تشكل تهديداً خطيراً على الصحة العامة، ما يزيد من احتمالات الإصابة بأمراض تنفسية وسرطانية”.  

يشرح المحامي جاد طعمة لـ “درج”، أن  مطمر برج حمود “مخالف للمادة 30 من القانون 444/ 2002، الذي يمنع تصريف أو غمر أو حرق في المياه الإقليمية اللبنانية لكل مادة من شأنها بصورة مباشرة أو غير مباشرة، أن  تمس بصحة الإنسان والموارد الطبيعية البحرية،  تؤذي الأنشطة والكائنات البحرية، بما فيها الملاحة وصيد الأسماك والنباتات والطحالب وتفسد نوعية المياه البحرية”. ويضيف طعمة أن المطمر”مخالف  للقانون 80/2018 لإدارة النفايات الصلبة في المادة 4 منه، التي تنص على إدارة النفايات الصلبة بطريقة مناسبة بيئياً وتحول دون تلوث المياه السطحية والجوفية وإلحاق الضرر بالصحة العامة”. 

يشكّل حريق مكب برج حمود مثالاً على الأثر البيئي الناتج من انتشار المكبات العشوائية واشتعالها بشكل متكرر في مختلف أنحاء البلاد.  وبحسب الوكالة الدولية للطاقة (IEA)، يعدّ غاز الميثان مسؤولاً عن نحو 30 في المئة من الزيادة الحالية في درجة الحرارة العالمية”، وهو أحد الملوثات الرئيسية الناجمة من هذه الممارسات. 

خطط الطوارئ للنفايات الصلبة

أثارت أزمة مطمر برج حمود تساؤلات حول إمكانية عودة أزمات النفايات التي شهدها لبنان في عامي 1996 و2015.  لكن”أزمة النفايات لم تُحلّ أساساً لتعود”، تقول الاختصاصية في الإدارة البيئية وعضو “ائتلاف النفايات”، سمر خليل، في مقابلة مع “درج” . وتعرّف خليل أزمة النفايات بأنها “افتقار الى حماية البيئة والصحة العامة، وسوء إدارة للموارد”.

تدعو الحلول الحديثة لإدارة النفايات الصلبة إلى التحوّل من مفهوم “التخلص” منها إلى اعتبارها “موارد” قابلة للاستفادة. ومع ذلك، يفتقر لبنان إلى نظام متكامل لإدارة النفايات يتيح الانتقال من الاقتصاد الخطي إلى الاقتصاد الدائري. على مدار أكثر من عقدين، اقتصر دور الحكومات على إصدار تشريعات طارئة، بدلاً من تبني خطة وطنية شاملة لإدارة النفايات، التي تأخرت حتى بداية عام 2024.

على مدار عقدين، كانت الحكومات تركز فقط على إخفاء النفايات عن أعين المواطنين من خلال إنشاء مكبات جديدة أو توسيع المكبات القديمة، كما حدث في مطمر الناعمة بين عامي 1996 و2015، وفي مطمري كوستابرافا وبرج حمود بين عامي 2015 و2024، بعدما تجاوزت هذه المكبات قدرتها الاستيعابية.

بالعودة إلى عام 1996، نشأت أزمة نفايات بعد إغلاق مطمر برج حمود القديم واندلاع حريق في محرقة العمروسية في ظروف غامضة. أسفرت هذه الأزمة عن غرق العاصمة في النفايات، قبل أن يتم اعتماد خطة طوارئ تضمنت إنشاء مطمر الناعمة، الذي كان من المفترض أن يُغلق خلال عشر سنوات، إلا أن العمل فيه استمر لمدة 17 عاماً. ثم أقرّت الحكومة خطة طوارئ ثانية تضمنت إعادة فتح مكب برج حمود، على أن تكون مدة تشغيله محددة بأربع سنوات فقط، أي حتى العام 2020.

اعتمدت الحكومة اللبنانية نهجاً تمييزياً في إدارة النفايات الصلبة، إذ نفّذت خططاً غير متكافئة أقصت فئات معينة من المجتمع. شملت خطط الطوارئ التي تبنتها الحكومة في عامي 1996 و2015 فقط منطقتي بيروت وجبل لبنان (باستثناء مدينة جبيل)، أي نحو 18.74 في المئة من إجمالي مساحة الأراضي اللبنانية. أما باقي المناطق، فقد تُركت تواجه مصيرها من دون توفير التمويل أو الدعم الفني اللازم لإدارة الملف، ما أدى إلى انتشار المكبات العشوائية في جميع أنحاء البلاد. ووفقاً لمنظمة “هيومن رايتس ووتش”، بلغ عدد المكبات العشوائية في لبنان عام 2017 نحو 941 مكباً موزعة على مختلف الأراضي، حيث يتم إحراق 150 منها أسبوعياً.

في ظل الحديث عن الآثار البيئية والصحية الناجمة عن انتشار النفايات في الوديان والأنهار، يعكس الإهمال في إدارة النفايات الصلبة خرقاً لالتزامات الحكومة بموجب اتفاقية ستوكهولم، التي تعهدت فيها بحماية صحة الإنسان والبيئة من تأثيرات الملوثات العضوية الثابتة. كما أن هذا الإهمال يعد انتهاكاً لقرار مجلس حقوق الإنسان 16/11، الذي يطالب الدول “بالالتزام بحماية حقوق الإنسان عند صياغة السياسات البيئية”. وفي هذا السياق، قال جايمس لو لـ “درج”: “إدارة النفايات هي حق إنساني أساسي يجب أن نمنحه للناس. من دونها، لا نعاملهم كبشر، أليس كذلك؟ على أي حال، على الأقل هذا هو ما نعتقده”.

يعد سوء إدارة قطاع النفايات انتهاكاً لحق الإنسان في العيش في بيئة سليمة وصحية، وهو حق أقره كلّ من مجلس حقوق الإنسان والجمعية العامة للأمم المتحدة. وعلى رغم أن قرارات الجمعية العامة تُعتبر “غير ملزمة”، إلا أن الدول تظل ملزمة بحماية هذا الحق باعتباره جزءاً من العرف الدولي، وفقاً لما يوضحه المقرر السابق المعني بحق الإنسان في العيش في بيئة سليمة وصحية، دايفد بويد. ومن المعروف أن أحكام العرف الدولي تحمل طابع الإلزام، كما أن بعض الدول، بما فيها لبنان، اعتبرت جميع المواثيق الصادرة عن الأمم المتحدة، بالإضافة إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، جزءاً لا يتجزأ من دستورها.

تتجاوز الجرائم البيئية الناجمة عن سوء إدارة النفايات في لبنان منذ أربعة عقود حدود البلاد. أما الاستراتيجية الوطنية لإدارة النفايات، فقد فشلت في تلبية التوقعات، حيث حُددت مدة تنفيذها بـ 20 عاماً، وهو أمر مبالغ فيه بالنظر إلى الدراسات الحالية والتجارب الكثيرة التي يمكن الاستفادة منها لاستخلاص الحلول بسرعة. تشير الاستراتيجية إلى التخلص التدريجي من الرمي العشوائي والحرق خلال 7 سنوات، ما يعني أن الجرائم البيئية لن تنتهي قبل عام 2031، ما لم تظل الخطة حبيسة الأدراج.

“يُعتبر خفض انبعاثات الميثان أسرع طريقة للتصدي لتغير المناخ”، وفقاً لما ذكرته المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، إنغر أندرسن. يعدّ إيجاد حلول فعّالة لمشاكل الطمر والحرق العشوائي أمراً أساسياً لمساهمة لبنان في الحد من التغير المناخي الناجم عن أزمة النفايات. يقول أبي شاكر لـ “درج”: “حل الأزمة يبدأ من خلال تعزيز اللامركزية الإدارية، وتحرير أموال البلديات، وتمكينها من جمع الأموال عبر فرض رسوم خدمة لإدارة النفايات الصلبة”. من جانبه، يضيف لو: “هناك الكثير من الخطط الجيدة في لبنان، وقد أنفق الناس الكثير من المال على الدراسات. كل ما عليكم فعله هو متابعة الأمور وتنفيذ الخطط الموجودة لديكم”. ويؤكد أن “عدم اتخاذ أي إجراء لم يعد خياراً”.

أُنجز هذا التقرير بدعم من برنامج “قريب” الذي تنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الإعلامية CFI وتموله الوكالة الفرنسية للتنمية AFD

مصطفى إبراهيم - حقوقي فلسطيني | 24.01.2025

فرح أهل غزة المؤقّت والبحث عما تبقّى من ذاتهم

المفروض أن يعود النازحون من الجنوب الى مدينة غزة وشمالها حسب اتفاق وقف إطلاق النار، وهي المرحلة الثانية من الحرب، والبحث عما تبقى من ممتلكاتهم وأملاكهم وحياتهم. في الوقت ذاته، يبحث الذين هُدمت بيوتهم عن أماكن لإيوائهم أو يسعون الى استئجار شقق والبدء من جديد. هي "حرب" جديدة قد تستمر سنوات من إعادة ترميم الذات…
02.12.2024
زمن القراءة: 8 minutes

تتجاوز الجرائم البيئية الناجمة عن سوء إدارة النفايات في لبنان منذ أربعة عقود حدود البلاد. أما الاستراتيجية الوطنية لإدارة النفايات، فقد فشلت في تلبية التوقعات، حيث حُددت مدة تنفيذها بـ 20 عاماً، وهو أمر مبالغ فيه بالنظر إلى الدراسات الحالية والتجارب الكثيرة التي يمكن الاستفادة منها لاستخلاص الحلول بسرعة.

“20 في المئة من انبعاثات الميثان العالمية مصدرها النفايات الصلبة”، صرّح مختار باباييف، رئيس مؤتمر تغيّر المناخ، الذي انعقد هذا العام في العاصمة الأذربيجانية باكو. وأطلقت رئاسة المؤتمر “إعلان الحد من غاز الميثان الناتج من النفايات العضوية”، إذ التزمت 30 دولة، تمثل 45 في المئة من الانبعاثات العالمية للميثان، بتقليص هذه الانبعاثات بنسبة 30 في المئة بحلول عام 2030. في حين شهدت المنطقتان “الزرقاء” و”الخضراء” تنظيم جلسات وفعاليات عدة مرتبطة بقضية النفايات.

وخلال الجلسة التي انعقدت في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر حول قضية انبعاثات الميثان من النفايات الصلبة، قالت مارتينا أوتو، رئيسة أمانة “تحالف المناخ والهواء النظيف” (CCAC) الذي يديره برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، “إن نحو ثلث الطعام المنتج سنوياً يتم فقده أو هدره”. وأضافت أن “هذا الإعلان يتناول صحة المجتمع وسيساهم في تعزيز التعاون، وتوفير التمويل، ما يساعدنا على إبقاء الطعام بعيداً من مكبات النفايات”. وأوضح نائب رئيس وزراء سلوفاكيا ووزير البيئة أن “الانبعاثات تأتي من تحلّل النفايات في مكبات النفايات، وهذا يؤثر على المجتمعات الضعيفة”.

وخلال الجلسة، استعرضت الدول خططها للحد من انبعاثات غاز الميثان الناتجة من النفايات الصلبة. وأعلنت الإمارات العربية المتحدة التزامها بخفض النفايات في المكبات بنسبة 80 في المئة بحلول نهاية العقد الحالي، ما يُتوقع أن يؤدي إلى تقليص الانبعاثات من قطاع النفايات بنسبة 37 في المئة. من جانبها، أشارت ألمانيا إلى أنها حظرت تماماً طمر النفايات العضوية في المكبات.

يشكل قطاع النفايات 87.5 في المئة من إجمالي انبعاثات الميثان (CH₄) الوطنية في لبنان، ويعد المصدر الأكبر لهذه الانبعاثات، بحسب وزارة البيئة اللبنانية. ومع ذلك، برز غياب الوفد اللبناني المنتدب إلى باكو عن هذه الجلسة، ما أثار تساؤلات حول مدى التزام لبنان بالتصدي لهذه القضية البيئية وتأثيرها على المناخ.

وأوضح رئيس الوفد اللبناني الصحافي حبيب معلوف  لـ “درج”،  أن لبنان “لديه أزمة داخلية لناحية قطاع النفايات ولا يمكن للدول حلّها لأنها ليست موضوعاً مالياً”. وأضاف أن لبنان “حصل على هبات من الاتحاد الأوروبي لبناء معامل في مختلف القرى اللبنانية، إلا أن أياً من المعامل لا تعمل حالياً”. 

خلال المؤتمر، حثّت الجمعية الدولية لإدارة النفايات الصلبة (ISWA) الدول الأعضاء على إدراج استراتيجيات إدارة النفايات المستدامة في مساهمتها المحددة وطنياً (NDCs). وفي مقابلة مع “درج” في “جناح النفايات والموارد” في “المنطقة الخضراء”، أوضح رئيس الجمعية جايمس لو  أن “افتقار نظم التحكم الفعّالة في إدارة النفايات يؤدي إلى انبعاث غازات الميثان في الغلاف الجوي، ما يساهم في تفاقم أزمة تغير المناخ”. وأضاف أن “طناً واحداً من غاز الميثان يعادل تأثير 80 طناً من ثاني أكسيد الكربون”.

خطوط ناريّة جراء اشتعال غاز الميثان

في العام 2015، قدم  لبنان مساهمته المحددة وطنيّاً(NDC) إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، ثم حدّثها عام 2021. وتعهدت السلطات اللبنانية بخفض الانبعاثات الناتجة من عدد من القطاعات منها النفايات الصلبة. 

وخلال مؤتمر تغيّر المناخ الذي عُقد في مدينة غلاسغو في بريطانيا أو “كوب 26″،  وقّع لبنان على التعهد العالمي للميثان “Global Methane Pledge – GMP”، الذي يضم 159 دولة تهدف إلى خفض انبعاثات الميثان بنسبة 30 في المئة مقارنة بمستويات عام 2020 بحلول عام 2030. ومع ذلك، لم يُحرز أي تقدم ملموس في ملف إدارة النفايات حتى اليوم. تشكّل النفايات العضوية الجزء الأكبر من النفايات المنتجة في لبنان، إذ تمثل نحو 52 في المئة من إجمالي النفايات، وفقاً لقانون الإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة لعام 2018. ومع ذلك، لا يوجد قانون يمنع إرسال هذه النفايات إلى المكبات والمطامر، ما يعمق الأزمة البيئية ويساهم في تفاقم الانبعاثات مثل الميثان.

قبل أسبوعين من بدء الحرب الإسرائيلية الشاملة على لبنان، اندلع حريق في مكب برج حمود شمال شرقي بيروت، ما سلط الضوء مجدداً على عجز لبنان في معالجة أزمة النفايات من خلال خطط الطوارئ الحكومية التي أثبتت عدم فعاليتها. 

“ظهرت خطوط من النار على سطح المكب نتيجة تسرب غاز الميثان”، وفقاً لما قاله المهندس البيئي زياد أبي شاكر لـ “درج”. وشرح أن “تكديس النفايات العضوية في المكبات يؤدي إلى عزل الأكسجين عن الطبقات السفلية، ما يسبب عملية تخمير لا هوائي تُنتج غاز الميثان، وهو غاز شديد القابلية للاشتعال”. 

من جهتها، قالت الاختصاصية في الإدارة البيئية وعضو “ائتلاف النفايات” سمر خليل، لـ “درج” إن مطمر برج حمود “يحتوي على أنواع مختلفة من النفايات، بما في ذلك النفايات الخطرة والنفايات العادية، بالإضافة إلى البلاستيك والنفايات الطبية ومواد أخرى تحتوي على معادن ثقيلة”. وأوضحت خليل أنه نتيجة الحريق الذي اندلع في المطمر، “تسربت هذه المواد إلى الهواء، ما أدى إلى تكوّن مركبات سامة مثل الديوكسينات والفورانات”. وأضافت أن “تعرض الإنسان لهذه المواد قد يسبب تطور أمراض خطيرة مثل السرطان، وقد يؤدي إلى تشوّهات خلقية إذا انتقلت هذه المركبات من الأم إلى الجنين”.

يؤكد أبي شاكر أن مطمر برج حمود لم يعد مطمراً صحياً بل هو أقرب إلى المكب العشوائي. وبحسب منظمة غرينبيس، فإن الحريق  الذي حصل في مطمر برج حمود “أطلق دخاناً ساماً ناتجاً من احتراق المواد العضوية وغير العضوية مثل البلاستيك. هذه النفايات تتحول إلى كتلة مشتعلة يصعب إخمادها وتستمر في التجدد، بخاصة في حجم مطمر كبرج حمود. الدخان السام يحتوي على مواد خطيرة مثل غاز الميثان، الديوكسينات، والفورانات، التي تشكل تهديداً خطيراً على الصحة العامة، ما يزيد من احتمالات الإصابة بأمراض تنفسية وسرطانية”.  

يشرح المحامي جاد طعمة لـ “درج”، أن  مطمر برج حمود “مخالف للمادة 30 من القانون 444/ 2002، الذي يمنع تصريف أو غمر أو حرق في المياه الإقليمية اللبنانية لكل مادة من شأنها بصورة مباشرة أو غير مباشرة، أن  تمس بصحة الإنسان والموارد الطبيعية البحرية،  تؤذي الأنشطة والكائنات البحرية، بما فيها الملاحة وصيد الأسماك والنباتات والطحالب وتفسد نوعية المياه البحرية”. ويضيف طعمة أن المطمر”مخالف  للقانون 80/2018 لإدارة النفايات الصلبة في المادة 4 منه، التي تنص على إدارة النفايات الصلبة بطريقة مناسبة بيئياً وتحول دون تلوث المياه السطحية والجوفية وإلحاق الضرر بالصحة العامة”. 

يشكّل حريق مكب برج حمود مثالاً على الأثر البيئي الناتج من انتشار المكبات العشوائية واشتعالها بشكل متكرر في مختلف أنحاء البلاد.  وبحسب الوكالة الدولية للطاقة (IEA)، يعدّ غاز الميثان مسؤولاً عن نحو 30 في المئة من الزيادة الحالية في درجة الحرارة العالمية”، وهو أحد الملوثات الرئيسية الناجمة من هذه الممارسات. 

خطط الطوارئ للنفايات الصلبة

أثارت أزمة مطمر برج حمود تساؤلات حول إمكانية عودة أزمات النفايات التي شهدها لبنان في عامي 1996 و2015.  لكن”أزمة النفايات لم تُحلّ أساساً لتعود”، تقول الاختصاصية في الإدارة البيئية وعضو “ائتلاف النفايات”، سمر خليل، في مقابلة مع “درج” . وتعرّف خليل أزمة النفايات بأنها “افتقار الى حماية البيئة والصحة العامة، وسوء إدارة للموارد”.

تدعو الحلول الحديثة لإدارة النفايات الصلبة إلى التحوّل من مفهوم “التخلص” منها إلى اعتبارها “موارد” قابلة للاستفادة. ومع ذلك، يفتقر لبنان إلى نظام متكامل لإدارة النفايات يتيح الانتقال من الاقتصاد الخطي إلى الاقتصاد الدائري. على مدار أكثر من عقدين، اقتصر دور الحكومات على إصدار تشريعات طارئة، بدلاً من تبني خطة وطنية شاملة لإدارة النفايات، التي تأخرت حتى بداية عام 2024.

على مدار عقدين، كانت الحكومات تركز فقط على إخفاء النفايات عن أعين المواطنين من خلال إنشاء مكبات جديدة أو توسيع المكبات القديمة، كما حدث في مطمر الناعمة بين عامي 1996 و2015، وفي مطمري كوستابرافا وبرج حمود بين عامي 2015 و2024، بعدما تجاوزت هذه المكبات قدرتها الاستيعابية.

بالعودة إلى عام 1996، نشأت أزمة نفايات بعد إغلاق مطمر برج حمود القديم واندلاع حريق في محرقة العمروسية في ظروف غامضة. أسفرت هذه الأزمة عن غرق العاصمة في النفايات، قبل أن يتم اعتماد خطة طوارئ تضمنت إنشاء مطمر الناعمة، الذي كان من المفترض أن يُغلق خلال عشر سنوات، إلا أن العمل فيه استمر لمدة 17 عاماً. ثم أقرّت الحكومة خطة طوارئ ثانية تضمنت إعادة فتح مكب برج حمود، على أن تكون مدة تشغيله محددة بأربع سنوات فقط، أي حتى العام 2020.

اعتمدت الحكومة اللبنانية نهجاً تمييزياً في إدارة النفايات الصلبة، إذ نفّذت خططاً غير متكافئة أقصت فئات معينة من المجتمع. شملت خطط الطوارئ التي تبنتها الحكومة في عامي 1996 و2015 فقط منطقتي بيروت وجبل لبنان (باستثناء مدينة جبيل)، أي نحو 18.74 في المئة من إجمالي مساحة الأراضي اللبنانية. أما باقي المناطق، فقد تُركت تواجه مصيرها من دون توفير التمويل أو الدعم الفني اللازم لإدارة الملف، ما أدى إلى انتشار المكبات العشوائية في جميع أنحاء البلاد. ووفقاً لمنظمة “هيومن رايتس ووتش”، بلغ عدد المكبات العشوائية في لبنان عام 2017 نحو 941 مكباً موزعة على مختلف الأراضي، حيث يتم إحراق 150 منها أسبوعياً.

في ظل الحديث عن الآثار البيئية والصحية الناجمة عن انتشار النفايات في الوديان والأنهار، يعكس الإهمال في إدارة النفايات الصلبة خرقاً لالتزامات الحكومة بموجب اتفاقية ستوكهولم، التي تعهدت فيها بحماية صحة الإنسان والبيئة من تأثيرات الملوثات العضوية الثابتة. كما أن هذا الإهمال يعد انتهاكاً لقرار مجلس حقوق الإنسان 16/11، الذي يطالب الدول “بالالتزام بحماية حقوق الإنسان عند صياغة السياسات البيئية”. وفي هذا السياق، قال جايمس لو لـ “درج”: “إدارة النفايات هي حق إنساني أساسي يجب أن نمنحه للناس. من دونها، لا نعاملهم كبشر، أليس كذلك؟ على أي حال، على الأقل هذا هو ما نعتقده”.

يعد سوء إدارة قطاع النفايات انتهاكاً لحق الإنسان في العيش في بيئة سليمة وصحية، وهو حق أقره كلّ من مجلس حقوق الإنسان والجمعية العامة للأمم المتحدة. وعلى رغم أن قرارات الجمعية العامة تُعتبر “غير ملزمة”، إلا أن الدول تظل ملزمة بحماية هذا الحق باعتباره جزءاً من العرف الدولي، وفقاً لما يوضحه المقرر السابق المعني بحق الإنسان في العيش في بيئة سليمة وصحية، دايفد بويد. ومن المعروف أن أحكام العرف الدولي تحمل طابع الإلزام، كما أن بعض الدول، بما فيها لبنان، اعتبرت جميع المواثيق الصادرة عن الأمم المتحدة، بالإضافة إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، جزءاً لا يتجزأ من دستورها.

تتجاوز الجرائم البيئية الناجمة عن سوء إدارة النفايات في لبنان منذ أربعة عقود حدود البلاد. أما الاستراتيجية الوطنية لإدارة النفايات، فقد فشلت في تلبية التوقعات، حيث حُددت مدة تنفيذها بـ 20 عاماً، وهو أمر مبالغ فيه بالنظر إلى الدراسات الحالية والتجارب الكثيرة التي يمكن الاستفادة منها لاستخلاص الحلول بسرعة. تشير الاستراتيجية إلى التخلص التدريجي من الرمي العشوائي والحرق خلال 7 سنوات، ما يعني أن الجرائم البيئية لن تنتهي قبل عام 2031، ما لم تظل الخطة حبيسة الأدراج.

“يُعتبر خفض انبعاثات الميثان أسرع طريقة للتصدي لتغير المناخ”، وفقاً لما ذكرته المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، إنغر أندرسن. يعدّ إيجاد حلول فعّالة لمشاكل الطمر والحرق العشوائي أمراً أساسياً لمساهمة لبنان في الحد من التغير المناخي الناجم عن أزمة النفايات. يقول أبي شاكر لـ “درج”: “حل الأزمة يبدأ من خلال تعزيز اللامركزية الإدارية، وتحرير أموال البلديات، وتمكينها من جمع الأموال عبر فرض رسوم خدمة لإدارة النفايات الصلبة”. من جانبه، يضيف لو: “هناك الكثير من الخطط الجيدة في لبنان، وقد أنفق الناس الكثير من المال على الدراسات. كل ما عليكم فعله هو متابعة الأمور وتنفيذ الخطط الموجودة لديكم”. ويؤكد أن “عدم اتخاذ أي إجراء لم يعد خياراً”.

أُنجز هذا التقرير بدعم من برنامج “قريب” الذي تنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الإعلامية CFI وتموله الوكالة الفرنسية للتنمية AFD