fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

كيف تستغل الحكومة التركية
ومعارضوها ملف “الضيوف السوريين”؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“لا يمكننا أن نتنبأ بمستقبل السوريين في تركيا، فهو غامض. وغالبية الأحزاب المعارضة تقف ضد وجودهم في البلاد، وقد أدى ذلك لاستمرار خطاب الكراهية المعادي للسوريين، كما أن الجدل بين الحزب الحاكم ومعارضيه، منع الطرف الأول من تطوير سياساته تجاههم”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يعيش ملايين السوريين في تركيا منذ سنوات، لكن من دون أن يتمتّعوا بحقوق “اللاجئين” وفق القانون الدولي، إذ تسمّيهم السلطات “الضيوف”، مكتفية بإصدار بطاقاتِ إقامةٍ موقتة تخوّلهم المكوث في المدن التي وصلوا إليها، وتشترط لمغادرتها، حصولهم على موافقة سفر. وقد شددت منذ عام 2016 شروط إصدار هذه البطاقات، حتى بات معظم السوريين الذين وصلوا إلى تركيا لاحقاً، في وضعٍ غير قانوني.
على رغم أن عدد السوريين القاطنين في مختلف المدن التركية أكبر بكثير من أولئك الذين يعيشون في مخيمات اللجوء، إلا أن أنقرة تحصل على ملايين الدولارات سنوياً من الاتحاد الأوروبي ومنظمات دولية معنية بشؤون اللاجئين بخاصة بعد الاتفاقية التي أبرمتها مع الاتحاد الأوروبي في آذار/ مارس 2016، والتي تعهّدت بموجبها عدم فتح الحدود التركيةـ الأوروبية أمام الراغبين منهم بالوصول إلى الدول الأوروبية، بذريعة تقديم الخدمات الإنسانية إليهم كالتعليم والرعاية الطبية، مقابل حصولها على تلك المبالغ المالية التي بلغت منذ توقيع الاتفاقية وحتى الآن، 6 مليارات يورو لم تكشف أنقرة عن كيفية التعامل بها. وهو مبلغ لا يعد طائلاً مقارنة بعدد اللاجئين السوريين في تركيا، وبحجم الأموال التي حصل عليها الأردن ولبنان للسبب ذاته، لكن تكمن المشكلة في عدم شفافية الجانب التركي حيال صرف تلك المبالغ.

عادت مسألة وجود اللاجئين السوريين في تركيا إلى الواجهة مرةً أخرى بعد مقتل مواطنٍ تركي على يد لاجئٍ سوري في العاصمة أنقرة منتصف شهر آب 2021، حيث تلا ذلك اندلاع عمليات شغبٍ في بيوت اللاجئين وممتلكاتهم.

ليسوا لاجئين!

تقدّر السلطات التركية عدد “الضيوف” السوريين على أراضيها بأكثر من 3 ملايين ونصف المليون شخص، إلا أن مسؤولين أتراك وأجانب (في مقابلة مع رئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو عندما تحدّث عن اللاجئين السوريين قال المذيع إن عددهم 6 ملايين. فاكتفى أوغلو بالقول: نعم. لكن دعنا نعتمد على الأرقام الرسمية)،  يعتبرون هذا الرقم “مبالغاً” فيه، ذلك أن أنقرة تلغي بطاقات الإقامة الموقتة الخاصة بهم، فقط عندما يغادرون الأراضي التركية بطريقةٍ شرعية عبر مطاراتها وموانئها البحرية أو معابرها الحدودية البرية، وبذلك تحتفظ تركيا ببيانات كل السوريين الذين غادروها بطرقٍ غير شرعية، وتقدّمها للمؤسسات الدولية على أنهم مستمرون في الإقامة في أراضيها، بحسب ما أوضح مصدر مطلع في مفوضية شؤون اللاجئين بأنقرة لـ”درج”.
تستفيد تركيا مالياً من وجود السوريين على أراضيها من جهة حصولها على الأموال التي يلتزم الاتحاد الأوروبي بتقديمها لأنقرة، إضافة إلى أن حصر السلطات لإقامة السوريين في المدن التركية الواقعة جنوب غربي البلاد وفي شرقها بعد تشديدها شروط الحصول على الإقامة الموقتة في اسطنبول وأنقرة، ساهم في تنمية تلك المدن مثل أورفا التي يشكل فيها تعداد السوريين نحو 60 في المئة من إجمالي عدد السكان، إلى جانب مدنٍ أخرى مثل أنطاكيا، كلّس، أضنة، غازي عينتاب، مارسين وغيرها من المدن التركية الواقعة على طول الحدود مع سوريا.
ساعدت العمالة السورية الشركات الخاصة على تخفيض الكلفة الإنتاجية لموادها، باعتبار أن أجرة اليد العاملة السورية أقل بكثير من تلك التي يحصل عليها العمّال الأتراك. وقد نجم عن هذا الأمر رفضٌ شعبي في تركيا، لاستقبال المزيد من اللاجئين، حتى إن الأحزاب المعارضة، تطالب بطردهم، كما يفعل بين الحين والآخر كمال كليتشدار أوغلو زعيم حزب “الشعب الجمهوري”، وهو حزب المعارضة الرئيس في البلاد. كذلك طلبت المعارضة ميرال أكشينار التي تقود حزب “الجيد” (يمين وسط)، الرئيس التركي رجب طيب إردوغان منتصف شهر آب/ أغسطس 2021، بالسماح لها بزيارة دمشق كي تناقش مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، مسألة عودة السوريين إلى بلادهم.

اللاجئون كورقة سياسية

تتدحرج كرة اللاجئين السوريين بين حزب “العدالة والتنمية” الحاكم بزعامة أردوغان، وخصومه في الأحزاب التي تعارضه، إذ يحاول الطرفان الاستفادة من مسألة وجودهم في السياسة الداخلية والحسابات الانتخابية، ولهذا من المؤكد “أن مسألة اللاجئين السوريين سوف تتصدر واجهة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية المزمع عقدها بعد نحو أقل من عامين، لكونها مسار جدل بين الحزب الحاكم ومعارضيه، بخاصة أن الطرف الأخير يحاول أن يستفيد منها في العملية الانتخابية أكثر من الطرف الأول”، على ما يقول خليل إبراهيم، المنسق العام لـ”جمعية اللاجئين” لـ”درج”.
يضيف منسق الجمعية غير الحكومية التي تقدّم مختلف المساعدات الإنسانية للاجئين: “لا يمكننا أن نتنبأ بمستقبل السوريين في تركيا، فهو غامض. وغالبية الأحزاب المعارضة تقف ضد وجودهم في البلاد، وقد أدى ذلك لاستمرار خطاب الكراهية المعادي للسوريين، كما أن الجدل بين الحزب الحاكم ومعارضيه، منع الطرف الأول من تطوير سياساته تجاههم”.
ويتابع: “لسوء الحظ أن معدل أولئك الذين لا يقبلون بوجود اللاجئين السوريين في تركيا، أكبر بكثير من المرحبين بوجودهم. لقد كان هذا واضحاً بعد استطلاعٍ للرأي أجريناه داخل المجتمع التركي في العام الحالي”. وكشف أن “هذا الأمر كان مختلفاً في السابق، فعام 2013، كان عدد المرحبين بوجود اللاجئين السوريين، أكبر من المطالبين بترحيلهم”، مشدداً على أن “استمرار الحرب في سوريا والموقف السلبي الحادّ للمعارضة وخطاب الكراهية ضد السوريين على وسائل التواصل الاجتماعي، قلبت الأمور رأساً على عقب”.

إقرأوا أيضاً:

المعارضة والإعلام وتصاعد العنف ضد اللاجئين

عادت مسألة وجود اللاجئين السوريين في تركيا إلى الواجهة مرةً أخرى بعد مقتل مواطنٍ تركي على يد لاجئٍ سوري في العاصمة أنقرة منتصف شهر آب 2021، حيث تلا ذلك اندلاع عمليات شغبٍ في بيوت اللاجئين وممتلكاتهم. وعلى إثرها اعتقلت السلطات التركية أكثر من 150 شخصاً، نصفهم شاركوا في الاعتداءات على السوريين، ونصفهم الآخر كان حرّض ضدهم على مواقع التواصل الاجتماعي، بحسب ما أفادت وزارة الداخلية التركية.
لا تختلف وجهة نظر الأكاديمية التركية باشاك يافجان بشأن اللاجئين السوريين عن موقف خليل إبراهيم، فتقول لـ”درج”: “لقد قمت بتقييم المواقف السلبية الموجودة مسبقاً تجاه السوريين على أنها قنبلة موقوتة وشددت دائماً على أهمية نشر المعلومات الصحيحة بشأنهم من قبل صانعي القرار في كل من الحكومة والمعارضة، لكن لسوء الحظ يمكن أن يؤدي حادث صغير مثل طعن شاب تركي وقتله في نهاية المطاف على يد شاب سوري إلى هجماتٍ جماعية، حتى إن الجهات المؤيدة للاجئين تخجل أحياناً من تصحيح المفاهيم الخاطئة أو الانخراط في خطابٍ منحاز للاجئين خشية ردود فعل الرافضين لوجودهم”.
تضيف يافجان التي تراقب شؤون اللاجئين في تركيا عن كثب وهي أستاذة في جامعة تركية وأخرى أوروبية: “صحيح أن وزارة الداخلية تبذل قصارى جهدها في إدارة هذه الهجمات بعد وقوعها وتهدئة المخاوف، لكن عليها التعامل بشكل استباقي مع مثل هذه الوقائع، ومع ذلك لا تقع المسؤولية بالكامل على عاتق الحكومة. باعتقادي أن ممثلي أحزاب المعارضة ووسائل الإعلام الذين يستخدمون خطاب الكراهية ضد اللاجئين مسؤولون بشكل متساوٍ عن تفاقم مثل تلك الهجمات التي شهدتها أنقرة”.
تتابع: “على رغم استقبال تركيا أكبر عدد من اللاجئين السوريين، إلا أنها لم تشهد اشتباكاتٍ كبيرة بينهم وبين المجتمع المحلي، وكان يمكن أن تدوم هذه الحالة لوقتٍ طويل لو لم تصبح مسألة اللاجئين موضع جدل في السياسة الداخلية التركية ولو كان الخطاب الإعلامي بشأنهم متوازناً. لكن مع الركود الاقتصادي في تركيا بخاصة بعد تفشي كورونا، بيّنت دراساتنا الميدانية أن موقف المجتمع السلبي من اللاجئين مبني على أخبارٍ كاذبة، ومن حسن الحظ أن تلك المواقف لم تنتج عنها صراعات مسلّحة باستثناء بعض الحوادث المتفرقة”.
وتشير يافجان إلى أنه “لم يتمّ تصحيح هذه المفاهيم الخاطئة في وسائل الإعلام الحكومية، والتي تمّ نشرها أيضاً في وسائل الإعلام المعارضة في محاولة منها للحصول على مكاسب انتخابية، ما أدى إلى تفاقم الموقف بشأن اللاجئين السوريين في تركيا، وفي حين لا تستخدم وسائل الإعلام الحكومية خطاباً تحريضياً علنياً ضد السوريين، لكن ما تبقى من وسائل الإعلام المحلية تستخدم تلك اللغة على نطاقٍ واسع”.
وتلفت إلى أنه “نتيجة حصولهم على الحماية، تلتزم تركيا بعدم ترحيلهم إلى بلادهم”، لكنها مع ذلك أعادت آلاف السوريين إلى بلادهم خلال السنوات الماضية بذريعة عدم حصولهم على “الإقامة الموقتة” التي تعرف بـ”الحماية”، وفق تقريرٍ سابق أصدرته “منظمة العفو الدولية”.
ويسمح القانون التركي بتوظيف عامل سوري واحد مع 10 عمّال أتراك، لكن أصحاب الشركات الخاصة لا يلتزمون بهذا البند القانوني لرخص اليد العاملة السورية وقبولها بالعمل من دون امتيازات الضمان الاجتماعي، لذلك “يعمل حوالى مليون لاجئ سوري من دون ترخيص عمل وفي ظروف محفوفة بالمخاطر”، كما تفيد يافجان، بأن “هذا الأمر يساعد أصحاب العمل على الحفاظ على قدرتهم التنافسية على رغم انكماش الاقتصاد بسبب انخفاض تكاليف العمالة. كما يعد هذا أيضاً أحد مصادر التوتر مع المجتمع المضيف، حيث يُنظر إلى السوريين على أنهم مسؤولون عن خفض أجور الوظائف منخفضة الأجر”.

وتشير إلى أن “السوريين هم أيضاً رواد أعمال يخلقون فرص عمل. فالأرقام التي بحوزتنا قبيل تفشي كورونا، تبيّن أنهم أنشأوا نحو 15 ألف شركة، معظمها توفر فرص عمل وتجارة والكثير منها جزء من سلاسل التوريد في الوقت الحالي. أما على المستوى المحلي، فإن بعض المتاجر والشركات المحلية المملوكة لسوريين هي أيضاً غير رسمية إلى حد كبير وتشكو منها بعض الشركات المحلية لأنها لا تدفع ضرائب، ما يخلق منافسة غير عادلة”.
إضافة إلى الجدل المستمر بين الحزب الحاكم و”الشعب الجمهوري” بشأن مسألة اللاجئين، دخلت أحزاب أخرى على خط الأزمة، فقد طالب حزب “الشعوب الديموقراطي” المؤيد للأكراد، بضرورة إيقاف مثل تلك الهجمات التي طاولت السوريين في أنقرة والعمل على تبني “التعايش السلمي” معهم. كما أن أحزاباً أخرى تشكّلت في الفترة الأخيرة، حمّلت الحكومة مسؤولية ما يحصل.

إقرأوا أيضاً:

25.08.2021
زمن القراءة: 7 minutes

“لا يمكننا أن نتنبأ بمستقبل السوريين في تركيا، فهو غامض. وغالبية الأحزاب المعارضة تقف ضد وجودهم في البلاد، وقد أدى ذلك لاستمرار خطاب الكراهية المعادي للسوريين، كما أن الجدل بين الحزب الحاكم ومعارضيه، منع الطرف الأول من تطوير سياساته تجاههم”.

يعيش ملايين السوريين في تركيا منذ سنوات، لكن من دون أن يتمتّعوا بحقوق “اللاجئين” وفق القانون الدولي، إذ تسمّيهم السلطات “الضيوف”، مكتفية بإصدار بطاقاتِ إقامةٍ موقتة تخوّلهم المكوث في المدن التي وصلوا إليها، وتشترط لمغادرتها، حصولهم على موافقة سفر. وقد شددت منذ عام 2016 شروط إصدار هذه البطاقات، حتى بات معظم السوريين الذين وصلوا إلى تركيا لاحقاً، في وضعٍ غير قانوني.
على رغم أن عدد السوريين القاطنين في مختلف المدن التركية أكبر بكثير من أولئك الذين يعيشون في مخيمات اللجوء، إلا أن أنقرة تحصل على ملايين الدولارات سنوياً من الاتحاد الأوروبي ومنظمات دولية معنية بشؤون اللاجئين بخاصة بعد الاتفاقية التي أبرمتها مع الاتحاد الأوروبي في آذار/ مارس 2016، والتي تعهّدت بموجبها عدم فتح الحدود التركيةـ الأوروبية أمام الراغبين منهم بالوصول إلى الدول الأوروبية، بذريعة تقديم الخدمات الإنسانية إليهم كالتعليم والرعاية الطبية، مقابل حصولها على تلك المبالغ المالية التي بلغت منذ توقيع الاتفاقية وحتى الآن، 6 مليارات يورو لم تكشف أنقرة عن كيفية التعامل بها. وهو مبلغ لا يعد طائلاً مقارنة بعدد اللاجئين السوريين في تركيا، وبحجم الأموال التي حصل عليها الأردن ولبنان للسبب ذاته، لكن تكمن المشكلة في عدم شفافية الجانب التركي حيال صرف تلك المبالغ.

عادت مسألة وجود اللاجئين السوريين في تركيا إلى الواجهة مرةً أخرى بعد مقتل مواطنٍ تركي على يد لاجئٍ سوري في العاصمة أنقرة منتصف شهر آب 2021، حيث تلا ذلك اندلاع عمليات شغبٍ في بيوت اللاجئين وممتلكاتهم.

ليسوا لاجئين!

تقدّر السلطات التركية عدد “الضيوف” السوريين على أراضيها بأكثر من 3 ملايين ونصف المليون شخص، إلا أن مسؤولين أتراك وأجانب (في مقابلة مع رئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو عندما تحدّث عن اللاجئين السوريين قال المذيع إن عددهم 6 ملايين. فاكتفى أوغلو بالقول: نعم. لكن دعنا نعتمد على الأرقام الرسمية)،  يعتبرون هذا الرقم “مبالغاً” فيه، ذلك أن أنقرة تلغي بطاقات الإقامة الموقتة الخاصة بهم، فقط عندما يغادرون الأراضي التركية بطريقةٍ شرعية عبر مطاراتها وموانئها البحرية أو معابرها الحدودية البرية، وبذلك تحتفظ تركيا ببيانات كل السوريين الذين غادروها بطرقٍ غير شرعية، وتقدّمها للمؤسسات الدولية على أنهم مستمرون في الإقامة في أراضيها، بحسب ما أوضح مصدر مطلع في مفوضية شؤون اللاجئين بأنقرة لـ”درج”.
تستفيد تركيا مالياً من وجود السوريين على أراضيها من جهة حصولها على الأموال التي يلتزم الاتحاد الأوروبي بتقديمها لأنقرة، إضافة إلى أن حصر السلطات لإقامة السوريين في المدن التركية الواقعة جنوب غربي البلاد وفي شرقها بعد تشديدها شروط الحصول على الإقامة الموقتة في اسطنبول وأنقرة، ساهم في تنمية تلك المدن مثل أورفا التي يشكل فيها تعداد السوريين نحو 60 في المئة من إجمالي عدد السكان، إلى جانب مدنٍ أخرى مثل أنطاكيا، كلّس، أضنة، غازي عينتاب، مارسين وغيرها من المدن التركية الواقعة على طول الحدود مع سوريا.
ساعدت العمالة السورية الشركات الخاصة على تخفيض الكلفة الإنتاجية لموادها، باعتبار أن أجرة اليد العاملة السورية أقل بكثير من تلك التي يحصل عليها العمّال الأتراك. وقد نجم عن هذا الأمر رفضٌ شعبي في تركيا، لاستقبال المزيد من اللاجئين، حتى إن الأحزاب المعارضة، تطالب بطردهم، كما يفعل بين الحين والآخر كمال كليتشدار أوغلو زعيم حزب “الشعب الجمهوري”، وهو حزب المعارضة الرئيس في البلاد. كذلك طلبت المعارضة ميرال أكشينار التي تقود حزب “الجيد” (يمين وسط)، الرئيس التركي رجب طيب إردوغان منتصف شهر آب/ أغسطس 2021، بالسماح لها بزيارة دمشق كي تناقش مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، مسألة عودة السوريين إلى بلادهم.

اللاجئون كورقة سياسية

تتدحرج كرة اللاجئين السوريين بين حزب “العدالة والتنمية” الحاكم بزعامة أردوغان، وخصومه في الأحزاب التي تعارضه، إذ يحاول الطرفان الاستفادة من مسألة وجودهم في السياسة الداخلية والحسابات الانتخابية، ولهذا من المؤكد “أن مسألة اللاجئين السوريين سوف تتصدر واجهة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية المزمع عقدها بعد نحو أقل من عامين، لكونها مسار جدل بين الحزب الحاكم ومعارضيه، بخاصة أن الطرف الأخير يحاول أن يستفيد منها في العملية الانتخابية أكثر من الطرف الأول”، على ما يقول خليل إبراهيم، المنسق العام لـ”جمعية اللاجئين” لـ”درج”.
يضيف منسق الجمعية غير الحكومية التي تقدّم مختلف المساعدات الإنسانية للاجئين: “لا يمكننا أن نتنبأ بمستقبل السوريين في تركيا، فهو غامض. وغالبية الأحزاب المعارضة تقف ضد وجودهم في البلاد، وقد أدى ذلك لاستمرار خطاب الكراهية المعادي للسوريين، كما أن الجدل بين الحزب الحاكم ومعارضيه، منع الطرف الأول من تطوير سياساته تجاههم”.
ويتابع: “لسوء الحظ أن معدل أولئك الذين لا يقبلون بوجود اللاجئين السوريين في تركيا، أكبر بكثير من المرحبين بوجودهم. لقد كان هذا واضحاً بعد استطلاعٍ للرأي أجريناه داخل المجتمع التركي في العام الحالي”. وكشف أن “هذا الأمر كان مختلفاً في السابق، فعام 2013، كان عدد المرحبين بوجود اللاجئين السوريين، أكبر من المطالبين بترحيلهم”، مشدداً على أن “استمرار الحرب في سوريا والموقف السلبي الحادّ للمعارضة وخطاب الكراهية ضد السوريين على وسائل التواصل الاجتماعي، قلبت الأمور رأساً على عقب”.

إقرأوا أيضاً:

المعارضة والإعلام وتصاعد العنف ضد اللاجئين

عادت مسألة وجود اللاجئين السوريين في تركيا إلى الواجهة مرةً أخرى بعد مقتل مواطنٍ تركي على يد لاجئٍ سوري في العاصمة أنقرة منتصف شهر آب 2021، حيث تلا ذلك اندلاع عمليات شغبٍ في بيوت اللاجئين وممتلكاتهم. وعلى إثرها اعتقلت السلطات التركية أكثر من 150 شخصاً، نصفهم شاركوا في الاعتداءات على السوريين، ونصفهم الآخر كان حرّض ضدهم على مواقع التواصل الاجتماعي، بحسب ما أفادت وزارة الداخلية التركية.
لا تختلف وجهة نظر الأكاديمية التركية باشاك يافجان بشأن اللاجئين السوريين عن موقف خليل إبراهيم، فتقول لـ”درج”: “لقد قمت بتقييم المواقف السلبية الموجودة مسبقاً تجاه السوريين على أنها قنبلة موقوتة وشددت دائماً على أهمية نشر المعلومات الصحيحة بشأنهم من قبل صانعي القرار في كل من الحكومة والمعارضة، لكن لسوء الحظ يمكن أن يؤدي حادث صغير مثل طعن شاب تركي وقتله في نهاية المطاف على يد شاب سوري إلى هجماتٍ جماعية، حتى إن الجهات المؤيدة للاجئين تخجل أحياناً من تصحيح المفاهيم الخاطئة أو الانخراط في خطابٍ منحاز للاجئين خشية ردود فعل الرافضين لوجودهم”.
تضيف يافجان التي تراقب شؤون اللاجئين في تركيا عن كثب وهي أستاذة في جامعة تركية وأخرى أوروبية: “صحيح أن وزارة الداخلية تبذل قصارى جهدها في إدارة هذه الهجمات بعد وقوعها وتهدئة المخاوف، لكن عليها التعامل بشكل استباقي مع مثل هذه الوقائع، ومع ذلك لا تقع المسؤولية بالكامل على عاتق الحكومة. باعتقادي أن ممثلي أحزاب المعارضة ووسائل الإعلام الذين يستخدمون خطاب الكراهية ضد اللاجئين مسؤولون بشكل متساوٍ عن تفاقم مثل تلك الهجمات التي شهدتها أنقرة”.
تتابع: “على رغم استقبال تركيا أكبر عدد من اللاجئين السوريين، إلا أنها لم تشهد اشتباكاتٍ كبيرة بينهم وبين المجتمع المحلي، وكان يمكن أن تدوم هذه الحالة لوقتٍ طويل لو لم تصبح مسألة اللاجئين موضع جدل في السياسة الداخلية التركية ولو كان الخطاب الإعلامي بشأنهم متوازناً. لكن مع الركود الاقتصادي في تركيا بخاصة بعد تفشي كورونا، بيّنت دراساتنا الميدانية أن موقف المجتمع السلبي من اللاجئين مبني على أخبارٍ كاذبة، ومن حسن الحظ أن تلك المواقف لم تنتج عنها صراعات مسلّحة باستثناء بعض الحوادث المتفرقة”.
وتشير يافجان إلى أنه “لم يتمّ تصحيح هذه المفاهيم الخاطئة في وسائل الإعلام الحكومية، والتي تمّ نشرها أيضاً في وسائل الإعلام المعارضة في محاولة منها للحصول على مكاسب انتخابية، ما أدى إلى تفاقم الموقف بشأن اللاجئين السوريين في تركيا، وفي حين لا تستخدم وسائل الإعلام الحكومية خطاباً تحريضياً علنياً ضد السوريين، لكن ما تبقى من وسائل الإعلام المحلية تستخدم تلك اللغة على نطاقٍ واسع”.
وتلفت إلى أنه “نتيجة حصولهم على الحماية، تلتزم تركيا بعدم ترحيلهم إلى بلادهم”، لكنها مع ذلك أعادت آلاف السوريين إلى بلادهم خلال السنوات الماضية بذريعة عدم حصولهم على “الإقامة الموقتة” التي تعرف بـ”الحماية”، وفق تقريرٍ سابق أصدرته “منظمة العفو الدولية”.
ويسمح القانون التركي بتوظيف عامل سوري واحد مع 10 عمّال أتراك، لكن أصحاب الشركات الخاصة لا يلتزمون بهذا البند القانوني لرخص اليد العاملة السورية وقبولها بالعمل من دون امتيازات الضمان الاجتماعي، لذلك “يعمل حوالى مليون لاجئ سوري من دون ترخيص عمل وفي ظروف محفوفة بالمخاطر”، كما تفيد يافجان، بأن “هذا الأمر يساعد أصحاب العمل على الحفاظ على قدرتهم التنافسية على رغم انكماش الاقتصاد بسبب انخفاض تكاليف العمالة. كما يعد هذا أيضاً أحد مصادر التوتر مع المجتمع المضيف، حيث يُنظر إلى السوريين على أنهم مسؤولون عن خفض أجور الوظائف منخفضة الأجر”.

وتشير إلى أن “السوريين هم أيضاً رواد أعمال يخلقون فرص عمل. فالأرقام التي بحوزتنا قبيل تفشي كورونا، تبيّن أنهم أنشأوا نحو 15 ألف شركة، معظمها توفر فرص عمل وتجارة والكثير منها جزء من سلاسل التوريد في الوقت الحالي. أما على المستوى المحلي، فإن بعض المتاجر والشركات المحلية المملوكة لسوريين هي أيضاً غير رسمية إلى حد كبير وتشكو منها بعض الشركات المحلية لأنها لا تدفع ضرائب، ما يخلق منافسة غير عادلة”.
إضافة إلى الجدل المستمر بين الحزب الحاكم و”الشعب الجمهوري” بشأن مسألة اللاجئين، دخلت أحزاب أخرى على خط الأزمة، فقد طالب حزب “الشعوب الديموقراطي” المؤيد للأكراد، بضرورة إيقاف مثل تلك الهجمات التي طاولت السوريين في أنقرة والعمل على تبني “التعايش السلمي” معهم. كما أن أحزاباً أخرى تشكّلت في الفترة الأخيرة، حمّلت الحكومة مسؤولية ما يحصل.

إقرأوا أيضاً:

25.08.2021
زمن القراءة: 7 minutes
|

اشترك بنشرتنا البريدية