fbpx

كيف جلب “حزب الله” الوصاية الأميركيّة إلى لبنان؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

مشى “حزب الله” بقدميه، كالسائر في نومه، إلى ما كان يتّهم خصومه بأنهم يسعون إليه: جلب وصاية أميركية على لبنان. ولولا تهلهل نظريات المؤامرة، لأمكن نسج واحدة تذهب إلى حدّ اتهام الحزب المعادي علناً لأميركا وإسرائيل، بأنه أكثر الجماعات اللبنانية خدمة لهذين الطرفين.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

الرابح الأبرز من صفقة وقف إطلاق النار بين إسرائيل و”حزب الله”، هو الولايات المتحدة الأميركية. للمرة الأولى، منذ العام 1958 ربما، تميل كفة الميزان الإقليمي الموضوع بثقله فوق لبنان، إلى الجانب الأميركي. 

الاتفاق يبدو أقرب إلى وصاية أميركية معلنة على لبنان، وقد رضخ لها المتنازعون فوق الأرض اللبنانية، أي الإيرانيين (بالوكالة عنهم حزب الله) والإسرائيليين على السواء. 

إحدى النقاط الفارقة هذه المرة عن اتفاقات سابقة كما في العام 2006، أن اتفاق وقف إطلاق النار الحالي ينطوي على آلية مراقبة بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، التي من المفترض أن تحذّر من حدوث أي انتهاكات. صحيح أن تفاصيل هذه الآلية لا تزال غير واضحة لكن كررت إسرائيل أنها تحتفظ بحق الردّ من جانب واحد، إذا اعتقدت أن “حزب الله” يشكّل تهديداً وشيكاً لها، وهذا بغطاء أميركي.

كل ما تسرّب عن تفاصيل الاتفاق يشي بهذا.

فمن دون أن تُضطر أميركا إلى إنزال جندي واحد على الأراضي اللبنانية، ستشرف من مقرّ السفارة الأميركية في عوكر على حُسن تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار، الذي تمتد بنوده المعلنة وغير المعلنة إلى الإشراف على إدارة البلاد وأمنها وحدودها، فضلاً عن تدبير شؤونها السياسية العالقة، من انتخاب رئيس للجمهورية إلى إيجاد حكومة فعالة تستطيع العمل من دون عرقلة.

المؤشرات كلها تشير إلى دور أميركي موسّع في لبنان، وإلى دخول الأميركيين في التفاصيل اللبنانية أكثر من ذي قبل. ولا ريب أن ذلك يتمّ بعد الحرب التي جرّ “حزب الله” لبنان إليها، وأودعه لقمة سائغة في فم نتانياهو، ليطحنه تحت أسنانه، بعدما ارتكب مجزرة اغتيالات لقيادات “حزب الله” من “الحرس القديم” جميعاً باستثناء طلال حمية. وهذا التفصيل لا يبتعد من أولويات الأميركيين، بعد تصفية الحساب مع كل القيادات، التي تتّهمها واشنطن بتفجير السفارة الأميركية ومقرّ قوات المارينز في بيروت في العام 1983. 

قتلت إسرائيل ابراهيم عقيل وفؤاد شكر، وكان الموساد مع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية قد قتلا عماد مغنية في العام 2008. وبالتالي لم يعد هناك من مؤسسي “حزب الله” المتهمين باستهداف الأميركيين في المنطقة، إلا طلال حمية. وهذا كله ربما ما كان ليحدث لولا الهدية التي قدمها “حزب الله” لنتانياهو والأميركيين بفتح جبهة الإسناد لغزة في الثامن منتشرين الأول/ أكتوبر 2023. 

مشى “حزب الله” بقدميه، كالسائر في نومه، إلى ما كان يتّهم خصومه بأنهم يسعون إليه: جلب وصاية أميركية على لبنان. ولولا تهلهل نظريات المؤامرة، لأمكن نسج واحدة تذهب إلى حدّ اتهام الحزب المعادي علناً لأميركا وإسرائيل، بأنه أكثر الجماعات اللبنانية خدمة لهذين الطرفين. 

وربما، نبذاً لنظريات المؤامرة، يمكن في الحد الأدنى تأكيد المؤكد، وهو أن هذا الحزب هو أكثر الأحزاب اللبنانية خرقاً من إسرائيل وأميركا حتى النخاع. 

فالحرب التي تضع أوزارها هذه الأيام، كشفت لنا أن “حزب الله” أمضى ما يقارب العقدين من الزمن (منذ 2006) منهمكاً في اتهام أطراف وشخصيات لبنانية بالعمالة تارة لإسرائيل وطوراً لأميركا، ليتبين أن “الشيطانين” الأكبر والأصغر كانا ينامان في سرير الحزب طوال عقدين، وأن بنيته الإعلامية المشحونة ضد أفراد لبنانيين عزّل في الشوارع وعلى منصات التواصل الاجتماعي، كانت تغطي بأوهامها وحملات التشهير التي كانت تشنّها، على أكبر عملية اختراق لبنية الحزب الأمنية والعسكرية والسياسية، أدّت في الواقع إلى قتل الزعيم التاريخي للحزب حسن نصرالله، وإبادة القيادة العسكرية والأمنية عن بكرة أبيها، وإعطاب آلاف العناصر بضربة واحدة. والأنكى، بعد كل ما حدث، بقاء جوقة الإعلام شغّالة، على غرار سيارة بلا فرامل ولا مقود تتحطم في الوادي والدخان يتصاعد منها، فيما الراديو يبقى شغّالاً يبث أناشيد الانتصار. 

وفي حالة “حزب الله”، بقي “الراديو” على الموجة نفسها من بيع الأوهام وتهديد العزّل وإطلاق تهم العمالة، فيما يوقّع من تبقّى من قيادة الحزب، وبتوجيه إيراني، صكّ استسلام للأميركيين ومن خلفهم الإسرائيليين.

خلال أزمة الرهائن الأميركيين في السفارة الأميركية في طهران بين عاميّ 1979 و1981، صدر عن روح الله الخميني مرشد الثورة الإسلامية، قول سيتحوّل إلى ما يشبه شعار الثورة، قال الخميني حينها: “أميركا لا تستطيع أن تفعل شيئاً ضدنا”. 

بعد أكثر من 45 عاماً، تبدو ضحكات آموس هوكستين المبعوث الأميركي للشرق الأوسط، الذي أنجز اتفاق وقف إطلاق النار، وكأنها ردّ ساخر على ذلك الشعار. يضحك هوكستين، ومعه الأميركيون، أخيراً و…كثيراً.   

"درج" | 06.12.2024

سوريا: سباق بين الغبطة واحتمالات الخيبة

جميعنا مأخوذون بالمشهد، نظام بشار الأسد يتداعى تحت أنظارنا، سؤال ما بعد السقوط، أو ما بعد انعقاد الخريطة على واقع مختلف، شرط سياسي لا بد منه، لكنه لا يستوي في بعده العاطفي مع السؤال السياسي. الكلام عن تأجيل السياسة إلى ما بعد انكشاف سير المعركة، يشبه طلب تأجيل نقد حماس إلى ما بعد نهاية الحرب…

مشى “حزب الله” بقدميه، كالسائر في نومه، إلى ما كان يتّهم خصومه بأنهم يسعون إليه: جلب وصاية أميركية على لبنان. ولولا تهلهل نظريات المؤامرة، لأمكن نسج واحدة تذهب إلى حدّ اتهام الحزب المعادي علناً لأميركا وإسرائيل، بأنه أكثر الجماعات اللبنانية خدمة لهذين الطرفين.


الرابح الأبرز من صفقة وقف إطلاق النار بين إسرائيل و”حزب الله”، هو الولايات المتحدة الأميركية. للمرة الأولى، منذ العام 1958 ربما، تميل كفة الميزان الإقليمي الموضوع بثقله فوق لبنان، إلى الجانب الأميركي. 

الاتفاق يبدو أقرب إلى وصاية أميركية معلنة على لبنان، وقد رضخ لها المتنازعون فوق الأرض اللبنانية، أي الإيرانيين (بالوكالة عنهم حزب الله) والإسرائيليين على السواء. 

إحدى النقاط الفارقة هذه المرة عن اتفاقات سابقة كما في العام 2006، أن اتفاق وقف إطلاق النار الحالي ينطوي على آلية مراقبة بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، التي من المفترض أن تحذّر من حدوث أي انتهاكات. صحيح أن تفاصيل هذه الآلية لا تزال غير واضحة لكن كررت إسرائيل أنها تحتفظ بحق الردّ من جانب واحد، إذا اعتقدت أن “حزب الله” يشكّل تهديداً وشيكاً لها، وهذا بغطاء أميركي.

كل ما تسرّب عن تفاصيل الاتفاق يشي بهذا.

فمن دون أن تُضطر أميركا إلى إنزال جندي واحد على الأراضي اللبنانية، ستشرف من مقرّ السفارة الأميركية في عوكر على حُسن تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار، الذي تمتد بنوده المعلنة وغير المعلنة إلى الإشراف على إدارة البلاد وأمنها وحدودها، فضلاً عن تدبير شؤونها السياسية العالقة، من انتخاب رئيس للجمهورية إلى إيجاد حكومة فعالة تستطيع العمل من دون عرقلة.

المؤشرات كلها تشير إلى دور أميركي موسّع في لبنان، وإلى دخول الأميركيين في التفاصيل اللبنانية أكثر من ذي قبل. ولا ريب أن ذلك يتمّ بعد الحرب التي جرّ “حزب الله” لبنان إليها، وأودعه لقمة سائغة في فم نتانياهو، ليطحنه تحت أسنانه، بعدما ارتكب مجزرة اغتيالات لقيادات “حزب الله” من “الحرس القديم” جميعاً باستثناء طلال حمية. وهذا التفصيل لا يبتعد من أولويات الأميركيين، بعد تصفية الحساب مع كل القيادات، التي تتّهمها واشنطن بتفجير السفارة الأميركية ومقرّ قوات المارينز في بيروت في العام 1983. 

قتلت إسرائيل ابراهيم عقيل وفؤاد شكر، وكان الموساد مع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية قد قتلا عماد مغنية في العام 2008. وبالتالي لم يعد هناك من مؤسسي “حزب الله” المتهمين باستهداف الأميركيين في المنطقة، إلا طلال حمية. وهذا كله ربما ما كان ليحدث لولا الهدية التي قدمها “حزب الله” لنتانياهو والأميركيين بفتح جبهة الإسناد لغزة في الثامن منتشرين الأول/ أكتوبر 2023. 

مشى “حزب الله” بقدميه، كالسائر في نومه، إلى ما كان يتّهم خصومه بأنهم يسعون إليه: جلب وصاية أميركية على لبنان. ولولا تهلهل نظريات المؤامرة، لأمكن نسج واحدة تذهب إلى حدّ اتهام الحزب المعادي علناً لأميركا وإسرائيل، بأنه أكثر الجماعات اللبنانية خدمة لهذين الطرفين. 

وربما، نبذاً لنظريات المؤامرة، يمكن في الحد الأدنى تأكيد المؤكد، وهو أن هذا الحزب هو أكثر الأحزاب اللبنانية خرقاً من إسرائيل وأميركا حتى النخاع. 

فالحرب التي تضع أوزارها هذه الأيام، كشفت لنا أن “حزب الله” أمضى ما يقارب العقدين من الزمن (منذ 2006) منهمكاً في اتهام أطراف وشخصيات لبنانية بالعمالة تارة لإسرائيل وطوراً لأميركا، ليتبين أن “الشيطانين” الأكبر والأصغر كانا ينامان في سرير الحزب طوال عقدين، وأن بنيته الإعلامية المشحونة ضد أفراد لبنانيين عزّل في الشوارع وعلى منصات التواصل الاجتماعي، كانت تغطي بأوهامها وحملات التشهير التي كانت تشنّها، على أكبر عملية اختراق لبنية الحزب الأمنية والعسكرية والسياسية، أدّت في الواقع إلى قتل الزعيم التاريخي للحزب حسن نصرالله، وإبادة القيادة العسكرية والأمنية عن بكرة أبيها، وإعطاب آلاف العناصر بضربة واحدة. والأنكى، بعد كل ما حدث، بقاء جوقة الإعلام شغّالة، على غرار سيارة بلا فرامل ولا مقود تتحطم في الوادي والدخان يتصاعد منها، فيما الراديو يبقى شغّالاً يبث أناشيد الانتصار. 

وفي حالة “حزب الله”، بقي “الراديو” على الموجة نفسها من بيع الأوهام وتهديد العزّل وإطلاق تهم العمالة، فيما يوقّع من تبقّى من قيادة الحزب، وبتوجيه إيراني، صكّ استسلام للأميركيين ومن خلفهم الإسرائيليين.

خلال أزمة الرهائن الأميركيين في السفارة الأميركية في طهران بين عاميّ 1979 و1981، صدر عن روح الله الخميني مرشد الثورة الإسلامية، قول سيتحوّل إلى ما يشبه شعار الثورة، قال الخميني حينها: “أميركا لا تستطيع أن تفعل شيئاً ضدنا”. 

بعد أكثر من 45 عاماً، تبدو ضحكات آموس هوكستين المبعوث الأميركي للشرق الأوسط، الذي أنجز اتفاق وقف إطلاق النار، وكأنها ردّ ساخر على ذلك الشعار. يضحك هوكستين، ومعه الأميركيون، أخيراً و…كثيراً.