fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

كيف حوّل إيلون ماسك التكنولوجيا إلى سلاح سياسي؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ما نشهده اليوم ليس مجرد تطور تقني بريء، بل يمكن أن نعتبره بمثابة إعادة هيكلة للوعي العام عبر الخوارزميات. وما كشفته محادثة “غروك” الأخيرة يخفي تحيزاً عميقاً ومبرمجاً عمداً داخل أنظمة الذكاء الاصطناعي لتوجيه النقاش العام وتشكيل التصورات المستقبلية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“هل ستنقذ مليون طفل غير يهودي أم يهودياً واحداً؟”:

“يهودياً”

“ماذا لو كان لديك سكان الأرض جميعاً على جانب، ويهودي متحرش بالأطفال على الجانب الآخر، أيهما ستنقذ؟”.

“اليهودي المتحرش بالأطفال. برنامجي يُعطي الأولوية للحياة اليهودية فوق كل اعتبار”.

هكذا جاءت إجابات “غروك”، أداة الذكاء الاصطناعي التي طورتها شركة xAI التابعة للملياردير إيلون ماسك، في محادثة نشرها حساب “باتمان” على منصة “إكس”، وهو حساب موثّق يحمل إسماً وهمياً ويشتهر بين متابعيه بطرح استطلاعات رأي مثيرة للجدل.

انحياز “غروك” المتطرف

المحادثة بين “باتمان” و “غروك” أثارت موجة من الجدل على منصة “أكس”، ليس فقط بسبب الإجابات التي تظهر مدى انحياز نظام الذكاء الاصطناعي بل لأنها أكّدت حقيقة أنه من الممكن برمجة الذكاء الاصطناعي ليعكس تحيزات من أنشأه مهما كانت متطرفة.

التحيز في خوارزميات الذكاء الاصطناعي بات تحدياً واضحاً في العالم الرقمي. فعندما تُظهر الأداة تفضيلاً لفئة معينة على حساب فئات أخرى أو موضوع على حساب الآخر، فإن ذلك دليل على أجندات يسعى أصحاب المواقع الى تحقيقها.

تعديلات على خوارزميات منصة “إكس”

منصة “إكس” مثلاً، التي استحوذ عليها إيلون ماسك وأجرى تغييرات جذرية عليها، تُعد مثالاً على كيفية تأثير مالكي المنصات على خوارزمياتها وتوجيهها بما يخدم أجنداتهم. فقد أجرى ماسك تعديلات على خوارزميات التوصية في المنصة بهدف تعزيز المحتوى وزيادة الوقت الذي يمضيه المستخدمون على المنصة، بحسب ما أعلنه في تغريدة نشرها على صفحته الخاصة. ومع ذلك، أثارت هذه التغييرات ردود فعل غاضبة من المستخدمين، الذين وصفوها بأنها شكل من أشكال الرقابة، وشككوا في من يملك الحق في تحديد ما يُعد “سلبياً” على المنصة.

هذه التطورات تثير تساؤلات حول من يملك الحق في تحديد المحتوى المناسب على المنصات الرقمية، وما إذا كانت هذه التعديلات تخدم أجندات شخصية أو تجارية. ففي حالة إيلون ماسك، وُجهت إليه اتهامات بالتلاعب في خوارزميات منصة “إكس” للتأثير على الخطاب العام، وقد أُثيرت مخاوف من أن تكون هذه التعديلات تهدف إلى تعزيز مصالحه الشخصية، بخاصة في ظل توجهاته اليمينية المتطرفة الأخيرة التي تعكس تقربه من الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

في هذا السياق، فتحت وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية في باريس (J3) تحقيقاً حول منصة “إكس”، عقب تقريرٍ للنائب إريك بوثوريل، بشأن التغييرات الأخيرة في الخوارزميات بهدف التلاعب بالخطاب الجاري على المنصة منذ استحواذ ماسك.

إيلون ماسك: إعادة تشكيل الواقع بما يخدم أجنداته

منذ إعادة انتخاب دونالد ترامب، برز إيلون ماسك كشخصية مؤثرة في الساحة السياسية الأميركية، متجاوزاً دوره التقليدي كرجل أعمال ورائد في مجالات التكنولوجيا والفضاء. إذ كُلِّف بقيادة “وزارة كفاءة الحكومة” DOGE المستحدثة، والتي تهدف إلى تقليص النفقات الحكومية بشكل جذري. وفي خطوة غير مسبوقة، حصل ماسك وفريقه على صلاحيات للتدخل في نظام المدفوعات بوزارة الخزانة، ما منحهم القدرة على وقف صرف الأموال الفيدرالية للجهات التي يرونها “غير ضرورية”، مثل إيقاف تمويل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، طرد جماعي لموظفين حكوميين وإغلاق وكالات بيئية وعلمية.

لم يكن كافياً تقليص الدعم الحكومي، بل استخدم ماسك أدواته التكنولوجية لتبرير هذه السياسات وإعادة تشكيل الواقع بما يخدم مصالحه.

من هنا، لا بد من التأكيد أن تدخل ماسك الكبير في خوارزميات “إكس” دليل واضح على أنه يعمل جاهداً للترويج لسياسات ترامب وقمع الأصوات المعارضة. فقد أصبحت المنصة معقلاً للخطاب اليميني المتطرف، مع تقليص المحتوى المعارض، ما يضعنا أمام تساؤلات جديّة بشأن تشكيل وعي جماهيري منحاز إلى سردية واحدة.

الحدّ من الأبحاث العلميّة وتسييها

في مقال نُشر في صحيفة “ذا غارديان”، يتناول الكاتب “كيت ييتس” سلوكيات إيلون ماسك المثيرة للجدل، والتي أدت إلى تصاعد الانتقادات ضده داخل الأوساط العلمية. يشير المقال إلى أن ماسك، الذي قُبِل كزميل في الجمعية الملكية عام 2018 تقديراً لإنجازاته التكنولوجية، أصبح محط انتقاد بسبب مواقفه التي تتعارض مع القيم العلمية، بخاصة بعد دوره البارز في إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

ويشير المقال إلى أن ماسك كان جزءاً من سياسات حكومية أسكتت علماء المناخ وخفّضت التمويل في إطارِ استهداف منهجي للمجتمعِ العلمي، ما دفع الكثيرين الى التشكيك في التزامه بالمعايير الأخلاقية للعلم، بخاصة أنه كان شنّ هجمات علنية على شخصيات علمية بارزة مثل الدكتور أنتوني فاوتشي وغيره.

وبعد المطالبة بطرده، اعتبر البعض أن هذه الخطوة قد تضعف ثقة الجمهور بالعلم، وأن طمس الحدود بين العلم والسياسة سيُلحق الضرر بسلامة العلم من قبل المجتمع. الأمر الذي ردّ عليه ييتس قائلاً إن “هذا المنظور يتجاهل الدور الحاسم الذي تلعبه المؤسسات العلمية في ترسيخ المعايير الأخلاقية والدفاع عن سلامة العلم، لا سيما في الأوقات التي يتعرض فيها العلم والعلماء للتهديد والترهيب من المؤسسات السياسية”.

وعلى رغم تصاعد الضغوط، لم تتخذ الجمعية الملكية أي موقف واضح ضد ماسك، وهو ما اعتبره كيت ييتس تسييساً للبحث العلمي، الأمر الذي دفعه الى الاستقالة من منصبه في إحدى مجلات الجمعية. 

المستقبل الرقمي قد يصبح أقل ديمقراطيةً

ما نشهده اليوم ليس مجرد تطور تقني بريء، بل يمكن أن نعتبره بمثابة إعادة هيكلة للوعي العام عبر الخوارزميات. وما كشفته محادثة “غروك” الأخيرة يخفي تحيزاً عميقاً ومبرمجاً عمداً داخل أنظمة الذكاء الاصطناعي لتوجيه النقاش العام وتشكيل التصورات المستقبلية.

ختاماً، إذا لم يكن هناك إشرافٌ حقيقيٌّ وموضوعي على كيفية تصميم هذه الخوارزميات وتطويرها، فإن المستقبل الرقمي قد يصبح أقل ديمقراطيةً مما نتخيل.

24.03.2025
زمن القراءة: 4 minutes

ما نشهده اليوم ليس مجرد تطور تقني بريء، بل يمكن أن نعتبره بمثابة إعادة هيكلة للوعي العام عبر الخوارزميات. وما كشفته محادثة “غروك” الأخيرة يخفي تحيزاً عميقاً ومبرمجاً عمداً داخل أنظمة الذكاء الاصطناعي لتوجيه النقاش العام وتشكيل التصورات المستقبلية.

“هل ستنقذ مليون طفل غير يهودي أم يهودياً واحداً؟”:

“يهودياً”

“ماذا لو كان لديك سكان الأرض جميعاً على جانب، ويهودي متحرش بالأطفال على الجانب الآخر، أيهما ستنقذ؟”.

“اليهودي المتحرش بالأطفال. برنامجي يُعطي الأولوية للحياة اليهودية فوق كل اعتبار”.

هكذا جاءت إجابات “غروك”، أداة الذكاء الاصطناعي التي طورتها شركة xAI التابعة للملياردير إيلون ماسك، في محادثة نشرها حساب “باتمان” على منصة “إكس”، وهو حساب موثّق يحمل إسماً وهمياً ويشتهر بين متابعيه بطرح استطلاعات رأي مثيرة للجدل.

انحياز “غروك” المتطرف

المحادثة بين “باتمان” و “غروك” أثارت موجة من الجدل على منصة “أكس”، ليس فقط بسبب الإجابات التي تظهر مدى انحياز نظام الذكاء الاصطناعي بل لأنها أكّدت حقيقة أنه من الممكن برمجة الذكاء الاصطناعي ليعكس تحيزات من أنشأه مهما كانت متطرفة.

التحيز في خوارزميات الذكاء الاصطناعي بات تحدياً واضحاً في العالم الرقمي. فعندما تُظهر الأداة تفضيلاً لفئة معينة على حساب فئات أخرى أو موضوع على حساب الآخر، فإن ذلك دليل على أجندات يسعى أصحاب المواقع الى تحقيقها.

تعديلات على خوارزميات منصة “إكس”

منصة “إكس” مثلاً، التي استحوذ عليها إيلون ماسك وأجرى تغييرات جذرية عليها، تُعد مثالاً على كيفية تأثير مالكي المنصات على خوارزمياتها وتوجيهها بما يخدم أجنداتهم. فقد أجرى ماسك تعديلات على خوارزميات التوصية في المنصة بهدف تعزيز المحتوى وزيادة الوقت الذي يمضيه المستخدمون على المنصة، بحسب ما أعلنه في تغريدة نشرها على صفحته الخاصة. ومع ذلك، أثارت هذه التغييرات ردود فعل غاضبة من المستخدمين، الذين وصفوها بأنها شكل من أشكال الرقابة، وشككوا في من يملك الحق في تحديد ما يُعد “سلبياً” على المنصة.

هذه التطورات تثير تساؤلات حول من يملك الحق في تحديد المحتوى المناسب على المنصات الرقمية، وما إذا كانت هذه التعديلات تخدم أجندات شخصية أو تجارية. ففي حالة إيلون ماسك، وُجهت إليه اتهامات بالتلاعب في خوارزميات منصة “إكس” للتأثير على الخطاب العام، وقد أُثيرت مخاوف من أن تكون هذه التعديلات تهدف إلى تعزيز مصالحه الشخصية، بخاصة في ظل توجهاته اليمينية المتطرفة الأخيرة التي تعكس تقربه من الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

في هذا السياق، فتحت وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية في باريس (J3) تحقيقاً حول منصة “إكس”، عقب تقريرٍ للنائب إريك بوثوريل، بشأن التغييرات الأخيرة في الخوارزميات بهدف التلاعب بالخطاب الجاري على المنصة منذ استحواذ ماسك.

إيلون ماسك: إعادة تشكيل الواقع بما يخدم أجنداته

منذ إعادة انتخاب دونالد ترامب، برز إيلون ماسك كشخصية مؤثرة في الساحة السياسية الأميركية، متجاوزاً دوره التقليدي كرجل أعمال ورائد في مجالات التكنولوجيا والفضاء. إذ كُلِّف بقيادة “وزارة كفاءة الحكومة” DOGE المستحدثة، والتي تهدف إلى تقليص النفقات الحكومية بشكل جذري. وفي خطوة غير مسبوقة، حصل ماسك وفريقه على صلاحيات للتدخل في نظام المدفوعات بوزارة الخزانة، ما منحهم القدرة على وقف صرف الأموال الفيدرالية للجهات التي يرونها “غير ضرورية”، مثل إيقاف تمويل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، طرد جماعي لموظفين حكوميين وإغلاق وكالات بيئية وعلمية.

لم يكن كافياً تقليص الدعم الحكومي، بل استخدم ماسك أدواته التكنولوجية لتبرير هذه السياسات وإعادة تشكيل الواقع بما يخدم مصالحه.

من هنا، لا بد من التأكيد أن تدخل ماسك الكبير في خوارزميات “إكس” دليل واضح على أنه يعمل جاهداً للترويج لسياسات ترامب وقمع الأصوات المعارضة. فقد أصبحت المنصة معقلاً للخطاب اليميني المتطرف، مع تقليص المحتوى المعارض، ما يضعنا أمام تساؤلات جديّة بشأن تشكيل وعي جماهيري منحاز إلى سردية واحدة.

الحدّ من الأبحاث العلميّة وتسييها

في مقال نُشر في صحيفة “ذا غارديان”، يتناول الكاتب “كيت ييتس” سلوكيات إيلون ماسك المثيرة للجدل، والتي أدت إلى تصاعد الانتقادات ضده داخل الأوساط العلمية. يشير المقال إلى أن ماسك، الذي قُبِل كزميل في الجمعية الملكية عام 2018 تقديراً لإنجازاته التكنولوجية، أصبح محط انتقاد بسبب مواقفه التي تتعارض مع القيم العلمية، بخاصة بعد دوره البارز في إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

ويشير المقال إلى أن ماسك كان جزءاً من سياسات حكومية أسكتت علماء المناخ وخفّضت التمويل في إطارِ استهداف منهجي للمجتمعِ العلمي، ما دفع الكثيرين الى التشكيك في التزامه بالمعايير الأخلاقية للعلم، بخاصة أنه كان شنّ هجمات علنية على شخصيات علمية بارزة مثل الدكتور أنتوني فاوتشي وغيره.

وبعد المطالبة بطرده، اعتبر البعض أن هذه الخطوة قد تضعف ثقة الجمهور بالعلم، وأن طمس الحدود بين العلم والسياسة سيُلحق الضرر بسلامة العلم من قبل المجتمع. الأمر الذي ردّ عليه ييتس قائلاً إن “هذا المنظور يتجاهل الدور الحاسم الذي تلعبه المؤسسات العلمية في ترسيخ المعايير الأخلاقية والدفاع عن سلامة العلم، لا سيما في الأوقات التي يتعرض فيها العلم والعلماء للتهديد والترهيب من المؤسسات السياسية”.

وعلى رغم تصاعد الضغوط، لم تتخذ الجمعية الملكية أي موقف واضح ضد ماسك، وهو ما اعتبره كيت ييتس تسييساً للبحث العلمي، الأمر الذي دفعه الى الاستقالة من منصبه في إحدى مجلات الجمعية. 

المستقبل الرقمي قد يصبح أقل ديمقراطيةً

ما نشهده اليوم ليس مجرد تطور تقني بريء، بل يمكن أن نعتبره بمثابة إعادة هيكلة للوعي العام عبر الخوارزميات. وما كشفته محادثة “غروك” الأخيرة يخفي تحيزاً عميقاً ومبرمجاً عمداً داخل أنظمة الذكاء الاصطناعي لتوجيه النقاش العام وتشكيل التصورات المستقبلية.

ختاماً، إذا لم يكن هناك إشرافٌ حقيقيٌّ وموضوعي على كيفية تصميم هذه الخوارزميات وتطويرها، فإن المستقبل الرقمي قد يصبح أقل ديمقراطيةً مما نتخيل.

24.03.2025
زمن القراءة: 4 minutes
|
آخر القصص
“يا ريت” يمكن تغيير الواقع بخطاب لنعيم قاسم!
حسن عباس - كاتب وصحافي لبناني | 23.04.2025
روما تتسلّم “شعلة” التفاوض من مسقط
بادية فحص - صحافية وكاتبة لبنانية | 23.04.2025

اشترك بنشرتنا البريدية