fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

كيف دفن اللبنانيون الحرب الأهلية؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

منذ بداية الثورة اللبنانية يحذرنا السياسيون من خطر اندلاع الحرب الأهلية، إلا أنهم نسوا أو تناسوا أن الشعب اللبناني تمرّد على ماضيه بعدما أيقن أن الأحزاب الحاكمة هي للحرب وليست للسلم.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

منذ بداية الثورة اللبنانية يحذرنا السياسيون من خطر اندلاع الحرب الأهلية، إلا أنهم نسوا أو تناسوا أن الشعب اللبناني تمرّد على ماضيه بعدما أيقن أن الأحزاب الحاكمة هي للحرب وليست للسلم.

مشهد التلاقي الحقيقي الذي حصل في ساحات الاحتجاج اللبنانية بين مدن ومجموعات كان يجري تصويرها أنها متناحرة لا يزال قوياً وحاضراً وأقوى من محاولات تقويضه واستدراجه نحو الحرب.

وفيما كان اللبنانيون يكسرون جدار الصمت منذ 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، يوماً بعد يوم أصبح اللبناني يدرك أنه مواطن أولاً وما هو أهم، أدرك أن هناك مواطناً آخر يعيش معه على هذه الرقعة التي تدعى وطناً… بمعنى آخر من إنجازات الثورة اجتماعياً وبعيداً من السياسة، هو إطلاق المواطنية وتحريرها من قيود الأحزاب والطوائف.

بدا جلياً، أن أي شخص في رياض الصلح ومحيط هذه الساحة، يتقبل فكرة التدافع غير المقصود الناتج عن التظاهر، وبدا مرتاحاً أكثر لمساعدة أي شخص يراه في الساحة، لا بل ذهب إلى مشاركة الطعام في الساحات بشكل مجاني… بينما إن عدنا في روزنامة حياتنا إلى الوراء بضعة أسابيع، ووصفنا المشاهد التي ذكرت، لكننا رأينا أن التدافع قد يتحول إلى عراك، والمساعدة تترجم بأنها حملات سرقة، ومشاركة الطعام كاد يكون عشاء فاخراً للمتبرعين فقط من دون أن نرى محتاجاً واحداً على المائدة. 

فعلياً ولأول مرة، بدت المواطنة كـ”فعل”، لا كـ”كلمة” مستخدمة في عنوان ورشة عمل من تنظيم المجتمع المدني. 

خطواتنا الأولى نحو المواطنية، أسقطت حاجز الخوف من الآخر.

خطواتنا الأولى نحو المواطنية، أسقطت حاجز الخوف من الآخر. وشهدنا زيارات بين المناطق وكأنها واجبات اجتماعية، ورد للزيارة، ووصل الدعم الشمال بالجنوب، وعلى رغم الدعايات والحملات التي وقفت ضد هذه الزيارات وهذا التواصل، إلا أنه لم تُسجل ضربة كف في الشارع… فعلياً لم تأتِ ضربة الكف إلا من القوى الأمنية التي وقفت مكتوفة الأيدي أمام اعتداء مناصري الأحزاب على المتظاهرين السلميين.  

اليوم وأكثر من أي يوم مضى، يبدو وكأن الوطن هو المكان الوحيد الذي يجب أن نلجأ إليه، وكأن لبنان أصبح للبنانيين مقراً وراحة واطمئنان، وهذا ما عبر عنه المغتربون الذين حجزوا بطاقات السفر ليوم واحد أو يومين للمشاركة في العرض المدني بعيد الاستقلال.

الناس الذين نزلوا إلى الشارع، حرروا القانون من التدخل السياسي، واعتبروا أن القانون الذي كم الأفواه أسقط نفسه بنفسه.

وإن كان هناك من يذكر لبنان بالحرب الأهلية، فهو بلا شك وجوه زعماء الطوائف، أمراء الحرب، الذين تحولوا لسلطة سياسية تتحكم بالبلد. 

دأبت السلطة السياسية على تحذير الشارع من الحرب الأهلية. يأتي هذا التحذير من عمق الشرخ الطائفي إثر اندلاع الحرب الأهلية والتي تكلل بتقاسم قالب الجبنة بين زعماء الطوائف، بعدما تجاهلوا الذين سقطوا من أحزابهم، فالقاتل والعدو أصبحا حليفين، و”الشهيد” تطل سيرته في التجييش فقط… 

عام 2005 وبعد اغتيالات شملت أهم رموز حركة 14 آذار، ولاحقاً بعد مصادرة “حزب الله” وسط بيروت وانقسام الشارع عمودياً، لم ينزلق اللبنانيون نحو الحرب الأهلية.

اليوم وأكثر من أي يوم مضى، يبدو وكأن الوطن هو المكان الوحيد الذي يجب أن نلجأ إليه.

في حرب تموز 2006، كان انقسام عميق لكن المأساة جمعت الناس وحاول اللبنانيون احتضان بعضهم بعضاً.

أما في 7 أيار/ مايو 2008، فقام “حزب الله” بتوفير جميع شروط الحرب الأهلية لمناصريه وحول أهالي طريق الجديدة إلى “عدو”، وخلق من منطقة “قصقص” خط تماس يذكر بالاقتتال ما بين الطوائف.

اليوم المشهد والواقع مختلف.

لم توفر السلطة السياسية عبر سياسييها من جهة وعبر إعلامها ومقدمات نشرات الأخبار والبرامج الحوارية أي فرصة إلا واستغلتها لتوسعة الهوة بين اللبنانيين وتأمين شروط الحرب الأهلية ولو لفظياً. ومن دون تعداد كل المراحل السياسية التي تتطلب أكثر من مقال، أثبت اللبنانيون أنهم لا يريدون تكرار الحرب، وأضعف الإيمان أنهم ليسوا مستعدين للحرب الأهلية أو لإعادة إنتاجها.

تحرر الشارع واستعاد مواطنيته والقانون، ربما لن يكون هذا الشارع في بداية تحركاته قوياً كالعهد، إلى أنه حتماً اختار أن يكون حراً ومدافعاً شرس عن حقوقه. 

12.12.2019
زمن القراءة: 3 minutes

منذ بداية الثورة اللبنانية يحذرنا السياسيون من خطر اندلاع الحرب الأهلية، إلا أنهم نسوا أو تناسوا أن الشعب اللبناني تمرّد على ماضيه بعدما أيقن أن الأحزاب الحاكمة هي للحرب وليست للسلم.

منذ بداية الثورة اللبنانية يحذرنا السياسيون من خطر اندلاع الحرب الأهلية، إلا أنهم نسوا أو تناسوا أن الشعب اللبناني تمرّد على ماضيه بعدما أيقن أن الأحزاب الحاكمة هي للحرب وليست للسلم.

مشهد التلاقي الحقيقي الذي حصل في ساحات الاحتجاج اللبنانية بين مدن ومجموعات كان يجري تصويرها أنها متناحرة لا يزال قوياً وحاضراً وأقوى من محاولات تقويضه واستدراجه نحو الحرب.

وفيما كان اللبنانيون يكسرون جدار الصمت منذ 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، يوماً بعد يوم أصبح اللبناني يدرك أنه مواطن أولاً وما هو أهم، أدرك أن هناك مواطناً آخر يعيش معه على هذه الرقعة التي تدعى وطناً… بمعنى آخر من إنجازات الثورة اجتماعياً وبعيداً من السياسة، هو إطلاق المواطنية وتحريرها من قيود الأحزاب والطوائف.

بدا جلياً، أن أي شخص في رياض الصلح ومحيط هذه الساحة، يتقبل فكرة التدافع غير المقصود الناتج عن التظاهر، وبدا مرتاحاً أكثر لمساعدة أي شخص يراه في الساحة، لا بل ذهب إلى مشاركة الطعام في الساحات بشكل مجاني… بينما إن عدنا في روزنامة حياتنا إلى الوراء بضعة أسابيع، ووصفنا المشاهد التي ذكرت، لكننا رأينا أن التدافع قد يتحول إلى عراك، والمساعدة تترجم بأنها حملات سرقة، ومشاركة الطعام كاد يكون عشاء فاخراً للمتبرعين فقط من دون أن نرى محتاجاً واحداً على المائدة. 

فعلياً ولأول مرة، بدت المواطنة كـ”فعل”، لا كـ”كلمة” مستخدمة في عنوان ورشة عمل من تنظيم المجتمع المدني. 

خطواتنا الأولى نحو المواطنية، أسقطت حاجز الخوف من الآخر.

خطواتنا الأولى نحو المواطنية، أسقطت حاجز الخوف من الآخر. وشهدنا زيارات بين المناطق وكأنها واجبات اجتماعية، ورد للزيارة، ووصل الدعم الشمال بالجنوب، وعلى رغم الدعايات والحملات التي وقفت ضد هذه الزيارات وهذا التواصل، إلا أنه لم تُسجل ضربة كف في الشارع… فعلياً لم تأتِ ضربة الكف إلا من القوى الأمنية التي وقفت مكتوفة الأيدي أمام اعتداء مناصري الأحزاب على المتظاهرين السلميين.  

اليوم وأكثر من أي يوم مضى، يبدو وكأن الوطن هو المكان الوحيد الذي يجب أن نلجأ إليه، وكأن لبنان أصبح للبنانيين مقراً وراحة واطمئنان، وهذا ما عبر عنه المغتربون الذين حجزوا بطاقات السفر ليوم واحد أو يومين للمشاركة في العرض المدني بعيد الاستقلال.

الناس الذين نزلوا إلى الشارع، حرروا القانون من التدخل السياسي، واعتبروا أن القانون الذي كم الأفواه أسقط نفسه بنفسه.

وإن كان هناك من يذكر لبنان بالحرب الأهلية، فهو بلا شك وجوه زعماء الطوائف، أمراء الحرب، الذين تحولوا لسلطة سياسية تتحكم بالبلد. 

دأبت السلطة السياسية على تحذير الشارع من الحرب الأهلية. يأتي هذا التحذير من عمق الشرخ الطائفي إثر اندلاع الحرب الأهلية والتي تكلل بتقاسم قالب الجبنة بين زعماء الطوائف، بعدما تجاهلوا الذين سقطوا من أحزابهم، فالقاتل والعدو أصبحا حليفين، و”الشهيد” تطل سيرته في التجييش فقط… 

عام 2005 وبعد اغتيالات شملت أهم رموز حركة 14 آذار، ولاحقاً بعد مصادرة “حزب الله” وسط بيروت وانقسام الشارع عمودياً، لم ينزلق اللبنانيون نحو الحرب الأهلية.

اليوم وأكثر من أي يوم مضى، يبدو وكأن الوطن هو المكان الوحيد الذي يجب أن نلجأ إليه.

في حرب تموز 2006، كان انقسام عميق لكن المأساة جمعت الناس وحاول اللبنانيون احتضان بعضهم بعضاً.

أما في 7 أيار/ مايو 2008، فقام “حزب الله” بتوفير جميع شروط الحرب الأهلية لمناصريه وحول أهالي طريق الجديدة إلى “عدو”، وخلق من منطقة “قصقص” خط تماس يذكر بالاقتتال ما بين الطوائف.

اليوم المشهد والواقع مختلف.

لم توفر السلطة السياسية عبر سياسييها من جهة وعبر إعلامها ومقدمات نشرات الأخبار والبرامج الحوارية أي فرصة إلا واستغلتها لتوسعة الهوة بين اللبنانيين وتأمين شروط الحرب الأهلية ولو لفظياً. ومن دون تعداد كل المراحل السياسية التي تتطلب أكثر من مقال، أثبت اللبنانيون أنهم لا يريدون تكرار الحرب، وأضعف الإيمان أنهم ليسوا مستعدين للحرب الأهلية أو لإعادة إنتاجها.

تحرر الشارع واستعاد مواطنيته والقانون، ربما لن يكون هذا الشارع في بداية تحركاته قوياً كالعهد، إلى أنه حتماً اختار أن يكون حراً ومدافعاً شرس عن حقوقه.