fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

“كيم جونغ أون” لبنان قرر أن علينا مشاهدة نسخاً رديئة من فيلم “ذا بوست”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بالأمس شاهدت فيلم “ذا بوست” للمخرج ستيفن سبيبلرغ. شاهدته في منزلي في بيروت، المدينة التي أعلنت الحكومة فيها عن منع عرض الفيلم في صالات السينما فيها لأن مخرجه داعم ومتبرع لإسرائيل! و”ذا بوست” هو الفيلم الثالث الذي يصاب بالمنع هذا الاسبوع في لبنان، الأول “جانغل” والثاني فيلم “بيروت”. وهذا ما يدفع المرء إلى شعور بأنه يعيش في بيونغ يانغ، وأن وزير الثقافة هنا ما هو إلا كيم جونغ أون.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بالأمس شاهدت فيلم “ذا بوست” للمخرج ستيفن سبيبلرغ. شاهدته في منزلي في بيروت، المدينة التي أعلنت الحكومة فيها عن منع عرض الفيلم في صالات السينما فيها لأن مخرجه داعم ومتبرع لإسرائيل! و”ذا بوست” هو الفيلم الثالث الذي يصاب بالمنع هذا الاسبوع في لبنان، الأول “جانغل” والثاني فيلم “بيروت”. وهذا ما يدفع المرء إلى شعور بأنه يعيش في بيونغ يانغ، وأن وزير الثقافة هنا ما هو إلا كيم جونغ أون. من المرجح أن آلاف اللبنانيين فعلوا مثلي في أعقاب قرار الوزارة الغبي. والحال أن ليس الحكومة من كان أول من تبادر إلى ذهني بعد المشهد الأخير من الفيلم، فما أن أنهيت مشاهدة الفيلم حتى لاح لي السيد سماح إدريس، قائد حملة “مقاومة التطبيع”، في المشهد الوحيد الذي رأيته فيه في حياتي. كان السيد إدريس هذا عابراً في شارع بلس بمحاذاة الجامعة الأميركية في بيروت التي تخرج منها، في صباح يوم مشمسٍ ومصطحباً كلبه، ولو لم يشر لي صديق أن هذا الرجل هو نفسه إدريس لكنت اعتقدت أنه واحد من شخصيات أفلام سبيلبرغ نفسه. فإدريس بحسبي، أو كما تخيلته تبعاً لوظيفته، رجل يعيب على نفسه رغبتها في خلع الغطرة والثوب العربي، وهو لشدة خصومته أميركا، لا يطيق العبور أمام جامعتها في بيروت، أما الكلب اللطيف الذي يصطحبه، فمن المفترض أن لا تأويه بيوتنا بسبب ما قد يحدثه من إفساد لطهارة أوصانا بها الله ورسوله. ليس في الفيلم نفسه ما يدعو إلى مقاطعته. قرار منع عرضه يتعلق بحقيقة أن المخرج يُقدم تبرعات لإسرائيل. لا بل أن في الفيلم تبنٍ لجزء من رواية “الممانعة” عن الأدوار الخارجية الأميركية وارتباطها بشبكات مصالح لا علاقة مباشرة لها بالحروب التي تخوضها الولايات المتحدة، ولا بمصالح الشعوب لا سيما منها الشعب الأميركي. والفيلم أيضاً هو عن قصة صحيفة واشنطن بوست مع الحرب في فيتنام، وأن يُمنع الصحافيون اللبنانيون من مشاهدة الفيلم، ومن تتبع علاقة ناشر الـ”بوست” بصحافييها، فهذا سيكون حرماناً معرفياً لن يعوضه مشهد إدريس متجولاً بكلبه اللطيف في محيط الجامعة الأميركية. إنها اللحظة التي يُعلن فيها لبنان أن سبيبلرغ ممنوع في صالات العرض فيه. لبنان، البلد النجم والمفعم بالنجاح والرفاه والتقدم لقن سبيبلرغ درساً لن ينساه. وزير الثقافة اللبناني الطبيب في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت وعضو كتلة المستقبل، سارع إلى تلقف الدعوة إلى منع الفيلم وحولها قراراً. وخوري الطبيب وعضو “المستقبل” استجاب لدعوة المقاطعة بسرعة البصر حتى لا يضاف سماحه بعرض الفيلم إلى السجل الذي راح يراكم فيه الممانعون شكوكهم بـ”المستقبل” لجهة انعدام مناعة التيار حيال التطبيع مع اسرائيل. على “المستقبل” إذاً أن يُثبت كل يوم مقاومته للتطبيع. سماح إدريس بالمرصاد، وعلى الوزير أن يتحسس رقبته كل يوم. لا يمكن تناول منع سبيلبرغ في بيروت إلا بهذه اللغة. فالقرار خرافي، وكاشف لتفاهة كل شيء حولنا. أن نقاطع فيلماً لأسباب لا تتعلق بالفيلم، بل كعقاب لمخرجه بسبب دعمه اسرائيل يطرح علينا أيضاً سؤالاً عن سبب قبولنا بسفارة للولايات المتحدة الأميركية وهي الداعم الأكبر لإسرائيل. ثم ماذا عن فرنسا؟ لماذا نسينا أنها هي من ساعد إسرائيل على بناء مفاعل ديمونا النووي؟ على وزير الثقافة أن يجيبنا عن هذه التساؤلات طالما أنه وضعنا وجهاً لوجه مع ستيفن سبيلبرغ. وفي هذا الوقت يجب أن نكتفي بمشهد السيد إدريس متقمصاً دور الأميركي الذي يكرهه، وأن نشعر بأننا مشبعون بالمعرفة طالما أنها مقتصرة عليه وعلى أمثاله ممن جادت علينا بهم الصروح الأكاديمية الأميركية التي لا تليق بغير صاحبنا هذا. أما المفارقة الأكبر في هذا المشهد الأسود، فتتمثل في أن قرار المنع أَبلغنا نحن رعايا دولة سماح إدريس أننا سنشاهد فيلماً “ممنوعاً” وأن القرار لا يتضامن معاقبة من سيشاهدونه على شاشاتهم الخاصة. المعادلة تنطوي على ضغينة لا على سياسة. فوظيفة المنع في السياسة حجب الفيلم عن الجمهور، وهي وظيفة لم يؤديها القرار، وما بقي منه هو أن نشاهد الفيلم عبر “يو تيوب”، أي الصورة رديئة والشاشة صغيرة، مع ما يترافق مع هذه المشاهدة من لعنات وتحسر.[video_player link=””][/video_player]

17.01.2018
زمن القراءة: 3 minutes

بالأمس شاهدت فيلم “ذا بوست” للمخرج ستيفن سبيبلرغ. شاهدته في منزلي في بيروت، المدينة التي أعلنت الحكومة فيها عن منع عرض الفيلم في صالات السينما فيها لأن مخرجه داعم ومتبرع لإسرائيل! و”ذا بوست” هو الفيلم الثالث الذي يصاب بالمنع هذا الاسبوع في لبنان، الأول “جانغل” والثاني فيلم “بيروت”. وهذا ما يدفع المرء إلى شعور بأنه يعيش في بيونغ يانغ، وأن وزير الثقافة هنا ما هو إلا كيم جونغ أون.

بالأمس شاهدت فيلم “ذا بوست” للمخرج ستيفن سبيبلرغ. شاهدته في منزلي في بيروت، المدينة التي أعلنت الحكومة فيها عن منع عرض الفيلم في صالات السينما فيها لأن مخرجه داعم ومتبرع لإسرائيل! و”ذا بوست” هو الفيلم الثالث الذي يصاب بالمنع هذا الاسبوع في لبنان، الأول “جانغل” والثاني فيلم “بيروت”. وهذا ما يدفع المرء إلى شعور بأنه يعيش في بيونغ يانغ، وأن وزير الثقافة هنا ما هو إلا كيم جونغ أون. من المرجح أن آلاف اللبنانيين فعلوا مثلي في أعقاب قرار الوزارة الغبي. والحال أن ليس الحكومة من كان أول من تبادر إلى ذهني بعد المشهد الأخير من الفيلم، فما أن أنهيت مشاهدة الفيلم حتى لاح لي السيد سماح إدريس، قائد حملة “مقاومة التطبيع”، في المشهد الوحيد الذي رأيته فيه في حياتي. كان السيد إدريس هذا عابراً في شارع بلس بمحاذاة الجامعة الأميركية في بيروت التي تخرج منها، في صباح يوم مشمسٍ ومصطحباً كلبه، ولو لم يشر لي صديق أن هذا الرجل هو نفسه إدريس لكنت اعتقدت أنه واحد من شخصيات أفلام سبيلبرغ نفسه. فإدريس بحسبي، أو كما تخيلته تبعاً لوظيفته، رجل يعيب على نفسه رغبتها في خلع الغطرة والثوب العربي، وهو لشدة خصومته أميركا، لا يطيق العبور أمام جامعتها في بيروت، أما الكلب اللطيف الذي يصطحبه، فمن المفترض أن لا تأويه بيوتنا بسبب ما قد يحدثه من إفساد لطهارة أوصانا بها الله ورسوله. ليس في الفيلم نفسه ما يدعو إلى مقاطعته. قرار منع عرضه يتعلق بحقيقة أن المخرج يُقدم تبرعات لإسرائيل. لا بل أن في الفيلم تبنٍ لجزء من رواية “الممانعة” عن الأدوار الخارجية الأميركية وارتباطها بشبكات مصالح لا علاقة مباشرة لها بالحروب التي تخوضها الولايات المتحدة، ولا بمصالح الشعوب لا سيما منها الشعب الأميركي. والفيلم أيضاً هو عن قصة صحيفة واشنطن بوست مع الحرب في فيتنام، وأن يُمنع الصحافيون اللبنانيون من مشاهدة الفيلم، ومن تتبع علاقة ناشر الـ”بوست” بصحافييها، فهذا سيكون حرماناً معرفياً لن يعوضه مشهد إدريس متجولاً بكلبه اللطيف في محيط الجامعة الأميركية. إنها اللحظة التي يُعلن فيها لبنان أن سبيبلرغ ممنوع في صالات العرض فيه. لبنان، البلد النجم والمفعم بالنجاح والرفاه والتقدم لقن سبيبلرغ درساً لن ينساه. وزير الثقافة اللبناني الطبيب في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت وعضو كتلة المستقبل، سارع إلى تلقف الدعوة إلى منع الفيلم وحولها قراراً. وخوري الطبيب وعضو “المستقبل” استجاب لدعوة المقاطعة بسرعة البصر حتى لا يضاف سماحه بعرض الفيلم إلى السجل الذي راح يراكم فيه الممانعون شكوكهم بـ”المستقبل” لجهة انعدام مناعة التيار حيال التطبيع مع اسرائيل. على “المستقبل” إذاً أن يُثبت كل يوم مقاومته للتطبيع. سماح إدريس بالمرصاد، وعلى الوزير أن يتحسس رقبته كل يوم. لا يمكن تناول منع سبيلبرغ في بيروت إلا بهذه اللغة. فالقرار خرافي، وكاشف لتفاهة كل شيء حولنا. أن نقاطع فيلماً لأسباب لا تتعلق بالفيلم، بل كعقاب لمخرجه بسبب دعمه اسرائيل يطرح علينا أيضاً سؤالاً عن سبب قبولنا بسفارة للولايات المتحدة الأميركية وهي الداعم الأكبر لإسرائيل. ثم ماذا عن فرنسا؟ لماذا نسينا أنها هي من ساعد إسرائيل على بناء مفاعل ديمونا النووي؟ على وزير الثقافة أن يجيبنا عن هذه التساؤلات طالما أنه وضعنا وجهاً لوجه مع ستيفن سبيلبرغ. وفي هذا الوقت يجب أن نكتفي بمشهد السيد إدريس متقمصاً دور الأميركي الذي يكرهه، وأن نشعر بأننا مشبعون بالمعرفة طالما أنها مقتصرة عليه وعلى أمثاله ممن جادت علينا بهم الصروح الأكاديمية الأميركية التي لا تليق بغير صاحبنا هذا. أما المفارقة الأكبر في هذا المشهد الأسود، فتتمثل في أن قرار المنع أَبلغنا نحن رعايا دولة سماح إدريس أننا سنشاهد فيلماً “ممنوعاً” وأن القرار لا يتضامن معاقبة من سيشاهدونه على شاشاتهم الخاصة. المعادلة تنطوي على ضغينة لا على سياسة. فوظيفة المنع في السياسة حجب الفيلم عن الجمهور، وهي وظيفة لم يؤديها القرار، وما بقي منه هو أن نشاهد الفيلم عبر “يو تيوب”، أي الصورة رديئة والشاشة صغيرة، مع ما يترافق مع هذه المشاهدة من لعنات وتحسر.[video_player link=””][/video_player]