ما أثاره جورج قرداحي، عن الحرب في اليمن، جدير بالتأمل لنا اليمنيين، خاصة في جزئه المتعلق بـ”عبثية التحرك السعودي الإماراتي”. نحن ندرك جيدًا أن مواقف قرداحي لا تمت لـ”الأخلاق السياسية” بصفة، ذلك أنه وفي أول اختبار لـ”رأفة” الوزير “الاستايلش” وشفقته تجاه القضايا العربية، لا يمكننا أن نرى الشعب السوري وحقوقه المهدورة من أكثر من عشر سنوات.
لكن من المهم الاستثمار في تخبط الدبلوماسية العربية ونفاقها، للقول إن الحرب اليمنية أصبحت -بالفعل- عبثية أكثر مما يجب. نعم، يمكن الذهاب إلى هذا الاستنتاج بأريحية البغال، لو أننا وفرنا عن أنفسنا عناء محاكمة نوايا قرداحي، طالما كنّا نعرف سلفًا إلى أيٍّ من محاور النزاع الإقليمي ينحاز.
الحرب في اليمن عبثية، لكن ليس للأسباب التي أوردها الوزير اللبناني، بل لأنها استلبت أقوات اليمنيين ومزقت نسيجهم الاجتماعي. بعد كل هذه السنين، هناك سلة واحدة يجب أن يوضع فيها جميع المتحاربين اليمنيين، لنستطيع أن ننظر بموضوعية وحياد لهذا الخراب.
فالذين قدموا إلى اليمن من الجوار لإعادة حكومته “الشرعية”، يعتقد اليمنيون أكثر من أي وقت مضى، أنهم لا يَعْدُون عن كونهم ثلة من المتآمرين والأوغاد. لقد صار البلد في سيادتهم مجموعة من الدويلات، وتحكمها كنتونات لا يمكن الجمع بين تشكيلاتها، إلا بتدخل معجزة سماوية.
إقرأوا أيضاً:
في الطرف الآخر، تبدو بندقية الحوثيين، هي الناظمة الوحيدة لعلاقة هذه الجماعة مع الناس، لا شيء غير البندقية وحكومة جبايات تنفّذ رؤية طائفية أحادية، تتغول على حساب هامش التعددية الذي كان قد نشأ.
أما الحكومة المعترف بها دوليًّا، الموجودة عرفًا، الغائبة حسيًّا، فيجب تذكيرها بما هي عليه من الخنوع والفساد والعدمية، وقد صار المواطن في مناطق سيطرتها يشتري خبز الروتي (أقراص مسطحة بـ”150″ ريال، بدلًا من 10 ريال لحظة توليها شؤون اليمنيين).
من المخزي، أن يتصدى للمعضلة اليمنية، مذيع ضحى بحياته المهنية، في سبيل أن يكسب رضى نظام وحشي قتل أكثر من 500 ألف مواطن سوري، وشرّد ملايين آخرين، ذلك أنه من غير الممكن أن نعثر على حكيم يمني واحد، في هذا الحضيض. حتى الذين أبدوا غضبًا من أعضاء الحكومة المعترف بها دوليًّا من موقف قرداحي، لم يكن ذلك بدافع من حرصهم على الحقيقة، بالقدر الذي يتسابقون فيه لخطب ود “كفيلهم” الخليجي، لكسب مزيد من الحظوة في مناصبهم، لا حرصًا على شعب يموت من الفاقة والقهر.
إنهم لا يبتعدون كثيرًا عن الغوغاء التي وضع فيها قرداحي نفسه، فهذا -الأخير- وإن كان ينحاز لـ”الحوثيين”، ويرفض الحرب اليمنية لأنها لا تتناسب مع مقاسات رعاته، يرتضيها بضمير مصمت للشعب السوري، متمثلًا كوكتيل المواقف العجيبة ذاك، وهو يطل من شرفة مقر إقامته في إحدى ناطحات دبي، ذاتهم المسؤولين اليمنيين، الذين يختزلون شرفهم السياسي، وقضية اليمن، في الجزء الذي يجلب لهم رواتب مجزية بالدولار، ليطلون علينا بين حين وآخر، من خلال حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، تمامًا، كما يفعل أي متبطل، فقد المعنى الحقيقي لوظيفته ووجوده.
هذه المادة نشرت في موقع “خيوط” اليمني ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط هنا
إقرأوا أيضاً: