fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

“لام شمسية” عن أجسادنا المنتهكة وطفولتنا المسكوت عنها

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

نزل مسلسل “لام شمسية” على كتيبة المنتهكين جنسياً في الطفولة كالمطرقة، لكن أي مطرقة ستنزل على رؤوس المجرمين أنفسهم وهم يعيشون بيننا ويكوّنون عائلات، وأعلاهم المجتمع في موضع القدوة وغفر جريمتهم سواء بالإنكار، أو بالتقادم، أو التناسي؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ربما من غير الصائب متابعة المسلسل الرمضاني “لام شمسية”، إن كنت معنا في الكتيبة نفسها للمنتهكين جنسياً في الطفولة، تلك الكتيبة الصامتة، أو التي تتلعثم في التعبير عن نفسها، غير المتّصلة مع جسدها المملوء بالصدمات النفسية والجنسية، التي تمزّق جسدها وأصبح مثل الثوب المهلهل، لا يأتيها من أجسادها سوى استدعاء الألم، والإحساس بالذنب والخطيئة، والكره المضاعف للمجتمع، مهما حاولنا التعافي وزيارة الأطباء النفسيين.

لكن لم يمنحني المسلسل هذا التحذير الواجب، أتابعه من أولى حلقاته وأنا أشعر بانقباض متزايد، لا يدفعني إلى عدم متابعته، بل متابعة حياتي معه، لم أبكِ كامرأة تخطّت الثلاثين، بل أبكي مع الطفل يوسف وأنا في مثل عمره أو أقلّ، ونحن ندخل بوابة الظلمات بانتهاكنا جنسياً كأطفال، لنمضي في أصعب طريق قد يمشي فيه إنسان أو حيوان أو طير وأقساه.

يوسف في المسلسل تمّ انتهاكه جنسياً، ومنحه مكافأة النجمة المضيئة عن كل مرة تحرّش جنسي، وصندوقه الخشبي ممتلئ بالنجوم، لكن أنا لم أُمنح نجمة مضيئة، بل مُنحت تهديدات متواصلة من شقيقي، تخيّل يا يوسف أنك محظوظ أكثر من غيرك، على الأقلّ لم تعش مع منتهكك لأكثر من خمسة عشر عاماً حتى تستطيع الهروب.

تخيّل يا يوسف أنك محظوظ لأن زوجة والدك صدّقت ما رأته، وحاربت واستشرست كي تدافع عنك، في حين أن أمي البيولوجية “ضربتني بالشبشب”! وقالت لي “اخرسي أخوكي محترم”، فخرست ١٥ عاماً، عانيت فيها من التبوّل اللا إرادي حتى أصبحت على مشارف العشرينيات من عمري.

مجتمع الفضيلة الذي يذهب إلى الجامع، أكثر ما يمنح أطفاله دقيقة أو أقلّ من “الحضن” والدعم والسند، لا تجمعه سوى مائدة طعام عادة ما يكثر فيها المشاجرات أو الصمت، نكبر من دون أن نعرف مع من نعيش، ولا ماذا تعنيه صلة الدم، المهم أننا أقرب إلى سجادة الصلاة، ويرانا الناس، ونحصل على نجمة الرضا من المجتمع المنافق.

تحرّش أخي لم أعرف معناه، ولم أفهم لماذا طُلب مني نزع بنطالي ولباسي الداخلي وأنا طفلة، وفي الوقت نفسه يضربني وأنا بالغة، حين رأى نهديّ بارزين من تحت الملابس، إذا خرجت إلى الشارع بثيابي المحتشمة، لماذا يُبالغ في احتشامي إذاً، إن كان بالغ في تعريتي كطفلة في الطابق الثاني المهجور من بيتنا؟

 والد يوسف كان يذهب إلى الصلاة مع صديقه الذي يتحرّش جنسياً بطفله، وأخي حصل على تكريم في مسابقة دينية، وهو يتحرّش بي ويعنّفني جنسياً، هل لهذا الفعل مسمّى غير الكفر والجحود والقتل القصدي؟

“هتك عرض طفل في حمّام جامع”، لم تعد جريمة تهزّ الرأي العام في مصر، ولا تُثير تساؤلاته رغم تكثيفها لمعنى النفاق الديني والاجتماعي على السواء، ورغم تكرارها، ورغم إلباس المجرم رداء غير المتّزن، أو الاحتياج الجنسي بسبب الصيام في رمضان.

من يعتذر لنا عن فضح المسكوت عنه؟ وعن فضح “ترومات” ظننا أنها كانت في حياة سابقة، عُوقبنا فيها لأننا أطفال سذّج ومزّقنا صفحتها؟ وكيف استطاعت مريم نعوم أن تكتب ما عشناه بلا رحمة، بعدما ظننا أن سرّنا الكبير سيظلّ سراً وتناسيناه؟

تخيّل يا يوسف أنك محظوظ لأن زوجة والدك صدّقت ما رأته، وحاربت واستشرست كي تدافع عنك، في حين أن أمي البيولوجية “ضربتني بالشبشب”! وقالت لي “اخرسي أخوكي محترم”

نزل مسلسل “لام شمسية” على كتيبة المنتهكين جنسياً في الطفولة كالمطرقة، لكن أي مطرقة ستنزل على رؤوس المجرمين أنفسهم وهم يعيشون بيننا ويكوّنون عائلات، وأعلاهم المجتمع في موضع القدوة وغفر جريمتهم سواء بالإنكار، أو بالتقادم، أو التناسي؟

هل ترغب مريم نعوم كاتبة المسلسل في إنقاذ العالم من الألم؟ هل ما عشناه مجرّد سقوط عرضي في “البلاعة”، مثلما حاولت نيللي إقناع يوسف للتعافي؟ للأسف نحن نعيش كلياً في “البلاعة”، ملايين الأجساد مُلقاة في داخلها، أو محنّطة بتشوّهها داخل زجاجات ملأى بـ”الفورمالين”.

كنت محظوظة حينما بكى زوجي بعدما شعر بـ”الترومات” المكثّفة في جسدي والخوف والهلع والماضي المسكوت عنه، بكاؤه كان السرّ لشفائي، كان الدعم الذي انتظرته لسنوات، كان العصا السحرية التي أوقفت التشنّج المهبلي نتيجة التحرّش والختان، لم يخف زوجي من امرأة داخل “بلاعة”، لم يرني موصومة أو متّسخة بالمرض، فنجوت كمعجزة مثلما نجت نيللي في النهاية.

قرأت في مراهقتي رواية “الوحش في الإنسان لـ”إميل فرنسوا زولا”، ظللت في فترة مراهقتي أسخر من سذاجة الكاتب الفرنسي بسبب ما فاته من قصص لوحوش أكثر واقعية، من امرأة حوّلتها الغيرة إلى وحش يفتك بالجميع، حتى فعلتها مريم نعوم الآن في “لام شمسية”، وحكت عني وعنهم وعن الوحوش الحقيقيين.

“لام شمسية ولام قمرية، واحدة نقولها وواحدة خفية… القمرية زي ما هي… زي الباب والعين والقلب… والشمسية متخبيّة زي السر وزي الذنب… والقمرية لام منطوقة موجودة في كل الأحوال… والشمسية لام مسروقة مش كل المكتوب يتقال”، أصبحت مثل الترنيمة التي فتحت مغارة الظلمات، وأشارت إلى فظاعة ما عشناه وتورّطنا في الصمت عنه.

أكبر سقطة هي الإنكار وأعظم خطيئة هي الوصم، وكلاهما ارتكبه رئيس الوزراء المصري ورئيس الدولة حينما علّق على مسلسلات رمضان، ومنها مسلسل “لام شمسية”، وقال إنه لا يعبّر عن المجتمع المصري، والرئيس أوصي بتشكيل لجنة دراما العمل الإيجابي! والبحث عن الصالح! لكن الصالح مجرّد اسم لشخص مذكّر، وتوصيف لسيرة ليست شائعة في مجتمعنا مثل شيوع تحالف الجريمة مع النفاق.

27.03.2025
زمن القراءة: 4 minutes

نزل مسلسل “لام شمسية” على كتيبة المنتهكين جنسياً في الطفولة كالمطرقة، لكن أي مطرقة ستنزل على رؤوس المجرمين أنفسهم وهم يعيشون بيننا ويكوّنون عائلات، وأعلاهم المجتمع في موضع القدوة وغفر جريمتهم سواء بالإنكار، أو بالتقادم، أو التناسي؟

ربما من غير الصائب متابعة المسلسل الرمضاني “لام شمسية”، إن كنت معنا في الكتيبة نفسها للمنتهكين جنسياً في الطفولة، تلك الكتيبة الصامتة، أو التي تتلعثم في التعبير عن نفسها، غير المتّصلة مع جسدها المملوء بالصدمات النفسية والجنسية، التي تمزّق جسدها وأصبح مثل الثوب المهلهل، لا يأتيها من أجسادها سوى استدعاء الألم، والإحساس بالذنب والخطيئة، والكره المضاعف للمجتمع، مهما حاولنا التعافي وزيارة الأطباء النفسيين.

لكن لم يمنحني المسلسل هذا التحذير الواجب، أتابعه من أولى حلقاته وأنا أشعر بانقباض متزايد، لا يدفعني إلى عدم متابعته، بل متابعة حياتي معه، لم أبكِ كامرأة تخطّت الثلاثين، بل أبكي مع الطفل يوسف وأنا في مثل عمره أو أقلّ، ونحن ندخل بوابة الظلمات بانتهاكنا جنسياً كأطفال، لنمضي في أصعب طريق قد يمشي فيه إنسان أو حيوان أو طير وأقساه.

يوسف في المسلسل تمّ انتهاكه جنسياً، ومنحه مكافأة النجمة المضيئة عن كل مرة تحرّش جنسي، وصندوقه الخشبي ممتلئ بالنجوم، لكن أنا لم أُمنح نجمة مضيئة، بل مُنحت تهديدات متواصلة من شقيقي، تخيّل يا يوسف أنك محظوظ أكثر من غيرك، على الأقلّ لم تعش مع منتهكك لأكثر من خمسة عشر عاماً حتى تستطيع الهروب.

تخيّل يا يوسف أنك محظوظ لأن زوجة والدك صدّقت ما رأته، وحاربت واستشرست كي تدافع عنك، في حين أن أمي البيولوجية “ضربتني بالشبشب”! وقالت لي “اخرسي أخوكي محترم”، فخرست ١٥ عاماً، عانيت فيها من التبوّل اللا إرادي حتى أصبحت على مشارف العشرينيات من عمري.

مجتمع الفضيلة الذي يذهب إلى الجامع، أكثر ما يمنح أطفاله دقيقة أو أقلّ من “الحضن” والدعم والسند، لا تجمعه سوى مائدة طعام عادة ما يكثر فيها المشاجرات أو الصمت، نكبر من دون أن نعرف مع من نعيش، ولا ماذا تعنيه صلة الدم، المهم أننا أقرب إلى سجادة الصلاة، ويرانا الناس، ونحصل على نجمة الرضا من المجتمع المنافق.

تحرّش أخي لم أعرف معناه، ولم أفهم لماذا طُلب مني نزع بنطالي ولباسي الداخلي وأنا طفلة، وفي الوقت نفسه يضربني وأنا بالغة، حين رأى نهديّ بارزين من تحت الملابس، إذا خرجت إلى الشارع بثيابي المحتشمة، لماذا يُبالغ في احتشامي إذاً، إن كان بالغ في تعريتي كطفلة في الطابق الثاني المهجور من بيتنا؟

 والد يوسف كان يذهب إلى الصلاة مع صديقه الذي يتحرّش جنسياً بطفله، وأخي حصل على تكريم في مسابقة دينية، وهو يتحرّش بي ويعنّفني جنسياً، هل لهذا الفعل مسمّى غير الكفر والجحود والقتل القصدي؟

“هتك عرض طفل في حمّام جامع”، لم تعد جريمة تهزّ الرأي العام في مصر، ولا تُثير تساؤلاته رغم تكثيفها لمعنى النفاق الديني والاجتماعي على السواء، ورغم تكرارها، ورغم إلباس المجرم رداء غير المتّزن، أو الاحتياج الجنسي بسبب الصيام في رمضان.

من يعتذر لنا عن فضح المسكوت عنه؟ وعن فضح “ترومات” ظننا أنها كانت في حياة سابقة، عُوقبنا فيها لأننا أطفال سذّج ومزّقنا صفحتها؟ وكيف استطاعت مريم نعوم أن تكتب ما عشناه بلا رحمة، بعدما ظننا أن سرّنا الكبير سيظلّ سراً وتناسيناه؟

تخيّل يا يوسف أنك محظوظ لأن زوجة والدك صدّقت ما رأته، وحاربت واستشرست كي تدافع عنك، في حين أن أمي البيولوجية “ضربتني بالشبشب”! وقالت لي “اخرسي أخوكي محترم”

نزل مسلسل “لام شمسية” على كتيبة المنتهكين جنسياً في الطفولة كالمطرقة، لكن أي مطرقة ستنزل على رؤوس المجرمين أنفسهم وهم يعيشون بيننا ويكوّنون عائلات، وأعلاهم المجتمع في موضع القدوة وغفر جريمتهم سواء بالإنكار، أو بالتقادم، أو التناسي؟

هل ترغب مريم نعوم كاتبة المسلسل في إنقاذ العالم من الألم؟ هل ما عشناه مجرّد سقوط عرضي في “البلاعة”، مثلما حاولت نيللي إقناع يوسف للتعافي؟ للأسف نحن نعيش كلياً في “البلاعة”، ملايين الأجساد مُلقاة في داخلها، أو محنّطة بتشوّهها داخل زجاجات ملأى بـ”الفورمالين”.

كنت محظوظة حينما بكى زوجي بعدما شعر بـ”الترومات” المكثّفة في جسدي والخوف والهلع والماضي المسكوت عنه، بكاؤه كان السرّ لشفائي، كان الدعم الذي انتظرته لسنوات، كان العصا السحرية التي أوقفت التشنّج المهبلي نتيجة التحرّش والختان، لم يخف زوجي من امرأة داخل “بلاعة”، لم يرني موصومة أو متّسخة بالمرض، فنجوت كمعجزة مثلما نجت نيللي في النهاية.

قرأت في مراهقتي رواية “الوحش في الإنسان لـ”إميل فرنسوا زولا”، ظللت في فترة مراهقتي أسخر من سذاجة الكاتب الفرنسي بسبب ما فاته من قصص لوحوش أكثر واقعية، من امرأة حوّلتها الغيرة إلى وحش يفتك بالجميع، حتى فعلتها مريم نعوم الآن في “لام شمسية”، وحكت عني وعنهم وعن الوحوش الحقيقيين.

“لام شمسية ولام قمرية، واحدة نقولها وواحدة خفية… القمرية زي ما هي… زي الباب والعين والقلب… والشمسية متخبيّة زي السر وزي الذنب… والقمرية لام منطوقة موجودة في كل الأحوال… والشمسية لام مسروقة مش كل المكتوب يتقال”، أصبحت مثل الترنيمة التي فتحت مغارة الظلمات، وأشارت إلى فظاعة ما عشناه وتورّطنا في الصمت عنه.

أكبر سقطة هي الإنكار وأعظم خطيئة هي الوصم، وكلاهما ارتكبه رئيس الوزراء المصري ورئيس الدولة حينما علّق على مسلسلات رمضان، ومنها مسلسل “لام شمسية”، وقال إنه لا يعبّر عن المجتمع المصري، والرئيس أوصي بتشكيل لجنة دراما العمل الإيجابي! والبحث عن الصالح! لكن الصالح مجرّد اسم لشخص مذكّر، وتوصيف لسيرة ليست شائعة في مجتمعنا مثل شيوع تحالف الجريمة مع النفاق.

27.03.2025
زمن القراءة: 4 minutes
|

اشترك بنشرتنا البريدية