جميع سكان الغوطة الشرقية تحت الأرض.
هذا ما قاله أحد العاملين في فرق الإنقاذ واصفاً وضع آلاف الأشخاص الذين فروا إلى الملاجئ المؤقتة والمخابئ في ضاحية دمشق التي تسيطر عليها المعارضة. وتتعرض الغوطة الشرقية إلى غارات جوية وحشية تشنها قوات النظام السوري، ما خلف أكثر من 200 قتيل في خلال الأيام القليلة الماضية، بينهم عدد كبير من الأطفال.
مع بلوغ الحرب في المناطق المحيطة بالعاصمة مستوىً جديداً من الوحشية، تتجمع العائلات في المخابئ تحت الأرض. وتمر ساعات انتظارهم بطيئةً دون أي علامات على انخفاض حدة القصف.وهذا الهجوم هو الأخير من نوعه لقوات الرئيس بشار الأسد على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة خلال هذه الحرب الأهلية التي مزقت البلاد على مدار سبع سنوات.
استخدم النظام تكتيكات مماثلة في المدن الأخرى التي كانت تحت سيطرة جماعات المعارضة، مثل حلب وداريا، إذ تستهدف القوات الحكومية البنية التحتية والمناطق السكنية بالقصف لإجبار المقاتلين على الاستسلام، ودفع المدنيين إلى النزوح. تقول الحكومة السورية إن هناك عدداً قليلاً من المدنيين بقي في الغوطة الشرقية، يتم احتجازهم لاستخدامهم كدروع بشرية -وهو ادعاء شككت في صحته منظمات حقوق الإنسان العالمية، والناشطين على الأرض.
هناك مجموعات معارضة مسلحة تعمل في هذه المنطقة، إلا أن منظمة أنقذوا الاطفال، ومفوضية اللاجئين بالأمم المتحدة تقدر أعداد المدنيين العالقين في الحصار بـ 350 ألف شخص.
تُظهر الصور التي التقطها ناشطون محليون عدداً من النساء والأطفال، الذين تجمعوا في أحد الملاجئ، يقضون أوقاتهم في إعداد الطعام واللعب. كما يُسمع أزيز الطائرات الحربية والمروحية خلال بعض التسجيلات الصوتية التي نُشرت طلباً لاستغاثات بائسة على مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيق واتساب.
في بعض أجزاء الضواحي الشاسعة، تتصل بعض الملاجئ تحت الأرض ببعضها عن طريق أنفاق. وقد صور أحد ناشطي الإعلام المحليين ويُدعى فراس عبدالله، المشهد عندما كان في طريقه بين غرف متصلة ببعضها البعض. ويقول فراس في مقطع الفيديو أثناء سيره خافضاً رأسه أثناء مروره من مكان ضيق في أحد الأنفاق، إن “الناس يختبئون هنا هرباً من القصف الشديد”.
عبدالله، الذي كان ينشر آخر التطورات المتعلقة بالمنطقة على مدار عدة سنوات ماضية، إن بعض النساء والأطفال ظلوا مختبئين في هذه الملاجئ لأكثر من 72 ساعة، وهم في حاجة للطعام والماء، ووصف الوضع “بالخطير”.
نقلت المنظمات الإنسانية المحلية نفس المعلومات إلى شركائهم من المنظمات الإنسانية الدولية، وأكدوا أن المكان الأكثر أماناً هو تحت الأرض.
تقيم سونيا خوش، المديرة السورية لمنظمة أنقذوا الأطفال، في عمان بالأردن، إلا أنها عملت مع المنظمات المحلية في الغوطة الشرقية لسنوات، وهي تقول إن آلاف العائلات أمضت معظم الأسبوع مختبئةً في الملاجئ تحت الأرض تجنباً للقصف.
تقول خوش “يتواجد الناس في الملاجئ والمخابئ بالفعل، إلا أن ذلك لا يوفر لهم الاطمئنان بأنهم في مأمن من القصف”. وتضيف “الجميع مذعورون في الوقت الراهن”.
تعرضت أجزاء من المنطقة للقصف منذ عام 2012، إلا أن موجة الهجمات الأخيرة هي الأسوأ منذ سنوات. أما فوق الأرض، فهو مشهد من مشاهد الجحيم. فقد نشر الدفاع المدني السوري، وهم مجموعة من العاملين في الإغاثة الطبية، مجموعة من الصور تُظهر عدداً من الأشخاص يركضون للاختباء بعد سلسلة من الغارات.
يرى الكثيرون أن الملاجئ تحت الأرض هي الملاذ الوحيد الآمن في ظل هذه البيئة العدائية، إذ أن فرص خروجهم من المنطقة ضئيلة للغاية، وذلك لأن هذه المنطقة تقبع تحت الحصار منذ عدة أشهر.
يرى شادي جاد، وهو أب شاب ظل مختبئاً تحت الأرض منذ بداية الأسبوع، أن هذا المخبأ بمثابة نعمة ونقمة في آن واحد. قال “صراحةً، أشعر أن المخبأ ما هو إلا قبر، لكنه السبيل الوحيد المتاح للحماية”، وذلك في معرض حديثه عن شعوره عندما أُتيح التوصل إليه. إلا أن جاد الذي يختبئ مع زوجته بالإضافة إلى ثمان أسر آخرين، يقول إن التواجد في أماكن متقاربة، عزز الترابط الاجتماعي”. ويقول أيضاً “نتشارك القصص معاً، ونحاول التغلب على الخوف من خلال سرد بعض النكات”، ويضيف “لقد جعلت هذه المخابئ علاقتنا أكثر عمقاً”.
نشرت مجموعة أخرى من الناشطين الإعلاميين المحليين صوراً لعائلات تجمعت تحت الأرض لخبز الخبز داخل الموقد. وتحذر منظمات الإغاثة من إمكانية تدهور الأوضاع داخل تلك الملاجئ بسرعة، فهي تفتقر إلى التهوية والكهرباء والمياة النقية والحمامات. وصرح المكتب الصحي الموحد في الغوطة -منظمة إغاثة محلية تعمل في المنطقة- أن هذه الظروف قد تؤدي إلى مشاكل صحية، مثل “أمراض الجهاز التنفسي، والقمل، والجرب”.
حتى قبل بداية القصف الحالي، أشار تقرير صادر عن الأمم المتحدة إلى أن الملاجئ في بعض الأمكان أصبحت بالفعل مصدر قلق على الصحة العامة.ولكن الخيارات المتاحة أمام الناس محدودة للغاية.
قال المفوض السامي لحقوق الإنسان، إنه منذ الرابع من فبراير/شباط، ومع بداية الهجمات الحكومية، قُتل 346 مدني، وأُصيب 878 آخرون، وإن معظم الغارات الجوية شُنت على المناطق السكنية، كما وقعت 92 حالة وفاة خلال ثلاثة عشر ساعة فقط هذا الأسبوع.
ودعى زيد رعد الحسين، المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة إلى إنهاء العنف. قال الحسين “هناك مئات الآلاف من المدنيين عالقين تحت الحصار منذ أكثر من خمس سنوات، يعانون نقصاً شديداً في احتياجاتهم الأساسية، ويتعرضون الآن للقصف الشديد”، وتساءل “ما مقدار البشاعة المطلوبة حتى يقول المجتمع الدولي بصوت واحد، كفى قتلاً للأطفال، كفى تشتيتاً للعائلات، كفى للعنف، واتخاذ إجراء موحد وحازم لوضع حد لحملة الإبادة الوحشية تلك؟”.
عاشت هدى خايطي البالغة من العمر29 عاماً حياتها بالكامل في الغوطة الشرقية، وقالت إن عائلتها مثل معظم جيرانها، أمضت معظم الأسبوع في المخابئ تحت الأرض. وكان برفقتهم 12 أسرة أخرى في مساحة ضيقة للغاية. وكانوا يسمعون أصوات الطائرات باستمرار طوال الوقت. قالت خايطي يوم الأربعاء من خلال مكالمة فيديو عبر موقع فيسبوك “اللحظات الأكثر رعباً، هي عندما تنطلق الصواريخ، إذ يعم السكوت بعد ذلك”، وأضافت “نشعر أن أرواحنا تغادر أجسادنا عندما تقترب الطائرات، ونشعر بالراحة عندما تبتعد”.
إنهم يخشون القصف في الخارج، إلا أن شأنها في ذلك شأن جاد، إذ قالت خايطي إن الملاجئ أصبحت مكاناً للترابط الاجتماعي. إنهم يتقاسمون الطعام، والدثر، والحكايات أثناء انتظارهم انقطاع صوت الطائرات.
تقول خايطي “ترجع أمي من المخبأ بكثير من القصص، كتلك المرأة التي تزوجت، أو تلك الأخرى التي رُزقت بطفل”.
تتردد خايطي أحياناً في النزول إلى المخبأ، لأنها تخاف أن تظل محاصرة هناك. فهي عادةً ما تظل فوق الأرض في بيت العائلة، بينما يذهب والديها وأختها إلى المخبأ.
تقول “لا أريد الموت في المخبأ، فقد رأيت عائلات بأكملها تموت هناك”.
كتب هذا الموضوع ميغان سبيسيا وهويدا سعد.
– المقال مترجم عن موقع صحيفة nytimes.com ولمراجعة المقال الاصلي زوروا الرابط التالي
[video_player link=””][/video_player]