على مقربة من الذكرى السنوية الثالثة لمقتل قائد “فيلق القدس” في تنظيم “الحرس الثوري” الإيراني الجنرال قاسم سليماني، المعروف باسم حاج قاسم، بغارة جوية أميركية قرب مطار بغداد، اغتالت إسرائيل، يوم الاثنين في 25 ديسمبر/ كانون الأول، رفيق سلاحه العميد رضي موسوي، المعروف باسم سيد رضي، بهجوم صاروخي جوي في “منزله” في منطقة السيدة زينب قرب دمشق.
من هو العميد رضي موسوي؟
ليس من السهل العثور على معلومات وافية عن موسوي في وسائل الإعلام الإيرانية وغير الإيرانية، وقد انتشرت بعد اغتياله معلومات شحيحة وصور معدودة، تناقلتها بأمانة وسائل الإعلام والمواقع الألكترونية، بدون استثناء، مما يُظهر أنه كان شخصية تتجنّب الإعلام، وتفضّل العمل بعيدا عن الأضواء، قد يكون بسبب موقعه الأمني الحسّاس، ولذلك نجد أحد رفاقه، قد كتب عنه “لولا مقتله لظل جندياً مجهولاً يعمل في الخفاء”.
وصفته وكالة “إرنا” الرسمية الإيرانية بأنه “أقدم قادة فيلق القدس العاملين في سوريا، وأهمهم حالياً”، وادّعى مسؤولون في النظام أن “إسرائيل حاولت اغتياله عدّة مرات في سوريا، وقد لعب دوراً مهماً في حماية نظام بشار الأسد من السقوط، خلال الحرب الأهلية السورية”.
فيما عرّفه البيان الذي أصدره الحرس عقب اغتياله بأنه “مسؤول إسناد محور المقاومة في سوريا”، مشيراً إلى أنه “أحد رفاق السلاح الأقرب إلى سليماني”، ونشر صورة تجمعهما معاً، حيث يظهر سليماني جالساً وموسوي يقبله في رأسه.
وتحدّثت المواقع الإعلامية التابعة للحرس والموالية للنظام، عن الصفات الاستثنائية والمواهب الأمنية، التي يتمتع بها موسوي، فكتبت أنه ب”فضل حنكته الأمنية وتراكم خبراته القتالية، تمكّن من إعداد خطة محكمة لنقل صواريخ بالستية أرض – أرض نوع “فاتح” إلى لبنان، وإنجازها من دون أخطاء”.
وقدّمه سفير إيران في دمشق حسين أكبري، في مقابلة مع وكالة “مهر” شبه الرسمية، بأنه “المستشار الثاني للسفارة الإيرانية في دمشق، وهو من أقدم مستشاري الحرس الثوري الإيراني في سوريا، وكان يتنقل فيها بجواز سفر دبلوماسي”.
وعن عملية اغتياله قال أكبري: “عند الساعة الثانية من ظهر يوم الاثنين (25 ديسمبر) غادر موسوي مكتبه في مبنى السفارة الإيرانية في دمشق، متوجها نحو منزله في منطقة السيدة زينب (الزينبية) قرب دمشق، وفي تمام الساعة الرابعة وعشرين دقيقة بالتوقيت المحلي، تعرّض منزله لهجوم بثلاثة صواريخ، أصابت جميعها الهدف بدقة، وكان برفقة اثنين من مساعديه، في حين كانت زوجته التي تعمل مديرة مدرسة إيرانية في دمشق، خارج المنزل”.
المواقع الإخبارية المعارضة بأغلبها، أشارت إلى أن موسوي هو قائد ثلاث وحدات عسكرية، تقاتل في صفوف “قوّة القدس” في سوريا، ومسؤول العمليات اللوجستية للحرس فيها، والمشرف على نقل الأسلحة إلى لبنان، بعد وصولها من إيران إلى الأراضي السورية، عبر المطارات والخطوط البرية، ويقع تحت أمرته عدد من القواعد العسكرية الإيرانية في سوريا، من بينها معسكرات في دمشق واللاذقية وحماه وحلب ودير الزور، وهو القائد الأعلى لكل الميليشيات التي تعمل في سوريا لحساب إيران، مثل: “حزب الله” اللبناني وألوية “زينبيون” و”فاطميون” و”أبو الفضل” وغيرها، وصل إلى مركزه خلفاً للقائد جواد غفاري، والأخير ترك مهمّته فجأة، منذ نحو سنتين، وفيما ادّعت طهران أن عمله في سوريا انتهى، وأن التداول الذي حصل هو مجرد روتين عسكري داخلي، أكّد معارضون أنه تم استدعاؤه بسبب خلافات شخصية مع رئيس النظام السوري بشار الأسد.
من جهة أخرى، يزعم معارضون إيرانيون أن إسرائيل خطّطت لقتل موسوي منذ الأيام الأولى لحربها على غزة، فكثفت أولاً، عمليات قصف مطاري حلب ودمشق، بهدف تعطيل حركة وصول شحنات السلاح، مما سيؤدّي؛ باعتبارها، إلى تعطيل قدرة “حزب الله” على الإيذاء، كما يجعل مستعمراتها الشمالية أقل عرضة للنيران من الجبهة الشمالية، وبعد شهرين من الاستهدافات المتكرّرة للمطارين المذكورين، انتقلت إسرائيل إلى المرحلة الثانية من الخطّة، وهي التخلّص من قائد العمليات اللوجستية، المسؤول عن نقل السلاح من إيران وتخزينه في سوريا وتسلميه ل”حزب الله”، فاغتالته بعملية مدروسة وناجحة استخباراتياً.
من جهة أخرى، وجّهت إسرائيل بهذا الاغتيال رسالة رادعة لإيران، مفادها أن إسرائيل لن تقف متفرجة، فيما إيران تفتح حدود الصراع باتجاه البحر الأحمر وتوسّع الجبهة الشمالية يوما إثر يوم، فضلا عن أن انشغالها بالتصدّي لحركة “حماس” في غزة، لا يعني أنها أصبحت ضعيفة، أو أن جبهاتها الأخرى تحوّلت إلى خاصرات رخوة، يمكن لإيران وأعوانها أن تتسلّل منها، لتحقّق انتصارا عليها.
كان لاغتيال موسوي صدى واسع، لدى أنصار النظام، الذين اجتاحوا شبكات التواصل الاجتماعي، بالتهديد ووعود الانتقام، إضافة إلى تعداد خصال القائد المغدور وفضائله وبطولاته.
كيف كانت الردود الرسمية؟
برغم أن إسرائيل تستهدف المواقع العسكرية التابعة لإيران في سوريا، منذ سنوات، وبرغم أن الجيش الإسرائيلي أعلن منذ أيام، أنه استهدف أكثر من 200 هدف في سوريا ونفّذ 800 غارة صاروخية، خلال الأشهر الـ 18 الماضية، إلا أن إيران حتى هذا التوقيت، لم تردّ على هذه العمليات إلا شفهياً، ومع ذلك يدّعي المسؤولون أن هذه الهجمات لم تكن يوما بدون ردود، من دون نشر أي تفسير أو تقرير حول طبيعة هذه الردود.
في عملية موسوي، اتّهمت إيران إسرائيل على الفور باغتياله، في حين لم يعلن الجانب الإسرائيلي مسؤوليته رسمياً، وكالعادة وعدت بالرد الانتقامي السريع، فأعلنت قيادة الحرس في بيان أنه “من دون أدنى شك، سيدفع النظام الصهيوني الغاصب والهمجي ثمن هذه الجريمة”، وإذ أكّد رئيس الجمهورية السيد ابراهيم رئيسي، بعد تعزية الشعب الإيراني، الأمر نفسه، قال إن “الاغتيال علامة أخرى على إحباط إسرائيل وعجزها”، في حين رأى وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان أنه “يجب على إسرائيل البدء بالعد التنازلي”، وعلى طريقة النظام السوري، قال المتحدّث باسم وزارة الخارجية ناصر كنعاني لوسائل إعلام رسمية: “تحتفظ إيران بالحق في اتّخاذ الإجراءات اللازمة للرد على هذا العمل، في الزمان والمكان المناسبين”.
التفاعل الشعبي
كان لاغتيال موسوي صدى واسع، لدى أنصار النظام، الذين اجتاحوا شبكات التواصل الاجتماعي، بالتهديد ووعود الانتقام، إضافة إلى تعداد خصال القائد المغدور وفضائله وبطولاته.
فنشرت حسابات على شبكة X (تويتر سابقاً) مقاطع من فيلم وثائقي، يقول في أحدها موسوي، إن سليماني قال له: “لقد أصبحت قائداً كبيراً ويجب أن تصبح شهيداً”.
وطالب ناشطون الجمهورية الإسلامية ب”الرد السريع على مقتل هذا القائد الكبير في الحرس الثوري الإيراني، على يد إسرائيل، والانتقام منها”.
فيما كتب آخرون أن “إسرائيل حاولت قتله عدّة مرات، وتمكّنت هذه المرة من تحديد موقعه بمساعدة جواسيس”.
في حين علّق مستخدمون معارضون بالقول ” إن الحرس الثوري الإيراني، المنشغل بقمع الناس والناشطين السياسيين والإعلاميين داخل إيران، غير قادر على حماية قادته من الاغتيال”.
وأفادت وسائل الإعلام المحلية، أنه بعد شيوع خبر اغتياله، تجمّع عدد من أنصار النظام، أمام مبنى المجلس الأعلى للأمن القومي في طهران، يحملون أعلام “حزب الله” الصفراء، وهم يهتفون “الانتقام…الانتقام” ويطالبون “بالرد الحاسم”، بينما ظهر بعضهم يرتدي الأكفان.
والحال أنه لا هذا الاغتيال ولا ما سبقه، سيدفع إيران إلى أي رد سريع أو انتقام قاسٍ، كما تتوعّد دائما، هناك تجارب سابقة يمكن البناء عليها، على رأسها عملية اغتيال سليماني، فقد أثبتت إيران أن الردود التي تلجأ إليها عادة، في حال حصلت، ليست بمستوى التصريحات النارية التي يُدلي بها المسؤولون، فإطلاق بضعة صواريخ على أسوار القواعد الأميركية في سوريا والعراق، لا يرقى إلى مستوى الانتقام الاستراتيجي القاسي، الذي تلّوح به بعد كل ضربة موجعة، ذلك أنها تدرك جيداً أن فاتورة الرد ستكون باهظة، ولا يمكنها تسديدها، قد يكون سقوط النظام أحد الأثمان المحسوبة، لذلك أقصى رد على اغتيال موسوي، سيكون برفع سقف المواجهة في جبهة الشمال أو بتسخين مياه البحر الأحمر، بواسطة وكلائها الأوفياء.
إقرأوا أيضاً: