ينادي رئيس الأركان العامة، أفيف كوخافي بفرض النظام في الجيش الإسرائيلي مجددا. فهو لن يتحمّل “طيش الجنود” الذين يطلقون النار على العرب. ولكن قبل وصوله إلى هذا الاصطلاح المراوغ، قال لجنوده: “إنكم تنشطون في بيئة اجتماعية مكتظة، صعبة ومليئة بالمخاطر. وعليه وفي كثير من الأحيان تختلط عليكم الأمور فلا تفرقون بين الأعداء والأبرياء. هذه بيئة غدارة وعنيفة، لا تخلو من المعضلات”.
ما الذي قد يفهمه الجندي الإسرائيلي من هذه المقولة، التي تشرعن وتبرر إطلاق النار على كلّ من يجرؤ على التحرك؟ كيف لك أن تعرف إذا كان الفتيان الفلسطينيين أبرياء؟ أليس من المحتمل أن يخبئ هؤلاء الفتيان الملائكيين صواريخ “لاو” في حقائبهم الطفولية، ليطلقوها في الوقت المناسب في هذه “البيئة الغدارة”؟
تدل أقوال كوخافي إذا ما دلت على جبنه فنظريته واضحة، بل ومعلنة أيضًا. فبدلًا من دعمه بصراحة القتل الطائش والمتعمد الذي يرتكبه الجنود أو المستوطنين على نطاق واسع ضد الفلسطينيين، يعطينا محاضرة مطولة ليبرر إطلاق النار على العرب تحت غطاء “الطيش”.
لا يعرض العسكريون الإسرائيليون أنفسهم – باستثناء فرض إجراءات تنظيمية قانونية يتجنّبها كلّ جيش يحترم نفسه – لأي خطر تقريبًا.
يستخدم كوخافي لغة اصطلاحية خاصة، رقيقة في ظاهرها لكنها وحشية عند تطبيقها على أرض الواقع. فتطبيق هذا التصريح المنمّق يعني اختراق الجرافات لجدران منازل مخيم بلاطة.
فإذا كان مطلب رئيس الأركان العامة من مرؤوسيه فعلًا التوقف عن قتل الفلسطينيين “بالجملة”، لقال لهم يسمح لكم بإطلاق النار فقط في حال تعرضِ حياتكم للخطر. وعليه فإنّ كل عملية قتل لا يتوفر فيها هذا العنصر ستعتبر قتلا بدم بارد يوجب المحاسبة. ولكن، عندما ينوي رئيس الأركان العامة بناء جيش فتاك، فإنه يعني أن القتل سيستمر حتى وإن خرق قوانينا دولية تفرض قيودًا على قوات الاحتلال.
لم تنته مسرحية التورية هذه عند هذا الحد، فقد صرح كوخافي قائلا أيضا: “سندعمكم حتى وإن أخطأئتم التقدير”. كان هذا تصريحا واضحا يشرعن الإستمرار بالقتل. فكل فلسطيني قنبلة موقوتة، كما وأن الأخطاء واردة في “بيئة مكتظة وصعبة”. لكن، يدفع الفلسطينيون وحدهم حياتهم ثمنًا لهذه “الأخطاء”.
بالمقابل، يدلّ اصطلاح “البيئة الغدارة” الذي يستخدمه رئيس الأركان على سيكولوجيته المشوهة. فبحسب هذا الاصطلاح يتوجب على الشعب المحتل استقبال قوات الاحتلال بالورود والترحاب. لذلك، أقترح استخدام اصطلاح “البيئة المعادية” بدلا من اصطلاح “البيئة الغدارة”. لم يدّعٍ الفلسطينيون يومًا أنّ الحياة تحت الاحتلال الإسرائيلي ممتعة. إنّهم يكرهون المحتلّ الذي يسلبهم أرضهم، يهدم بيوتهم ويقتل أطفالهم. لذلك، فإنّ حوار الغدر هذا والذي يشبه بجوهره حوار عُشاق خاب أملهم، مضحك للغاية حتى في ظل هذه الظروف المأساوية.
إقرأوا أيضاً:
كان وجه نظرية القتل الآخر التي أتحفنا بها رئيس الأركان، مكافأة مرؤوسيه. فعندما تلوح مخصصات التقاعد في الأفق، تختفي شعارات القومية البطولية، بل وتتحول هيئة الأركان العامة لشركة ربحية يبحث فيها كل شخص عن ربحه الشخصي. فبدون مخصصات تقاعد ضخمة، لا يمكن بناء جيش فتاك.
لا يعرض العسكريون الإسرائيليون أنفسهم – باستثناء فرض إجراءات تنظيمية قانونية يتجنّبها كلّ جيش يحترم نفسه – لأي خطر تقريبًا. لكن هاكم مفاجآة لا تتوقعونها، يُعرض كل عامل بناء سواء كان عربيًا أم يهوديًا، نفسه للخطر أكثر بكثير من أي جندي. لكنه ومع ذلك، لا يحلم أصلًا بتلقي ربع مخصصات التقاعد التي يتقاضاها متقاعدو الجيش الإسرائيلي.
إليكم سؤالا ساذجا آخرا، من يا تُرى أكثرعرضة لخطر الموت المواطن العربي أم الجندي الإسرائيلي؟ ألا يُقتل سنويًا أكثر من مائة مواطن عربي بالبلاد؟ فإذا شاء القدر أن تولَد عربيًا، فستكون معرضا للخطر أكثر بعشرة أضعاف من الجندي الذي يلاحق أطفالا فلسطينيين في أزقة مخيم بلاطة. لذلك، ونظرًا لتقصير الدولة بالحفاظ على حياة المواطن العربي، فمن حقه الحصول على مخصصات تقاعد أكبر بكثير من تلك التي يتقاضاها رئيس الأركان العامة.
هذا المقال مترجم عن Haaretz.com ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط التالي.
إقرأوا أيضاً: