fbpx

لا ينقص السوري سوى علاج نفسي على “كنبة أورانج”!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يراهن مسلسل “كنبة أورانج” على فرضية الجلسة السرية مع المحلل النفسي في سوريا، لنشاهد في كل حلقة “مريضاً” أو شخصيةً تحكي مأساتها دفعة واحدة عبر خطاب اعتراف أو بوح، ينتهي إما بحبة دواء أو نصيحة!.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“أنا سوري يحق لي أن أمرض نفسياً وأن أطلب المهدئات والحبوب المنومة، يكفي أني سوري ليكون مكاني الطبيعي داخل عيادة الطبيب النفسي”، الجنسية في الفرضية السابقة هي وحدها المبرر الدرامي، الذي يقوم عليها مسلسل “كنبة أورانج” الذي عُرض على منصة “ون بلس ون”.

المسلسل من إخراج ورد حيدر في تجربته الثانية، وينقسم إلى 15 حلقة مدة الواحدة منها ما بين 5 إلى 10 دقائق، تدور الأحداث/ الحوار داخل مكان تصوير واحد، وهو عيادة معالج نفسي، لنرى أنفسنا في كل حلقة نتلصص على مونولوج طويل تعبر فيه “الشخصية المريضة” عن أزمتها.

يراهن المسلسل على فرضية الجلسة السرية مع المحلل النفسي،  لنشاهد  في كل حلقة “مريضاً” أو شخصيةً تحكي مأساتها دفعة واحدة عبر خطاب اعتراف أو بوح، وهنا نطرح سؤالين الأول متعلق بفكرة العيادة النفسية، والثاني بفكرة الاعتراف.

عيادة أم معبد؟ معالج أم كاهن؟

اختار المسلسل عيادة المعالج النفسي كفضاء للأحداث التي تنحصر فقط بالاعتراف، بهدف الحصول على المكان المقدس، الذي يرتقي فوق ضجيج الحياة اليومية في سوريا، في إطار طفولي نوعاً ما لتصور العلاج النفسي، الذي لا يزال يلفه الغموض والوصمة في مجتمعنا، وعليه تصبح تصوراتنا عن زوار العيادة كأنهم حالات كسرت المألوف وتحمل أسراراً عميقة تحتاج إلى الكشف.

يلعب دور الطبيب الممثل جلال شموط، دائماً يمسك قلماً، وهو مستعدّ لتسجيل أي ملاحظة، على  رغم أننا حتى (الحلقة السادسة) لم نشاهده يكتب به أي شيء، وكأنه لا يوجد هنالك ما يمكن تدوينه. 

يقف الطبيب صامتاً هادئاً تماماً يصغي بحكمة، لأن هذا هو دوره أو على الأقل ما نعرفه نحن السوريين عن الأطباء والمعالجين النفسيين الهادئين المنصتين، لا يتدخل ولا يستجوب ولا يشارك ولا يعلق، فقط يتأمل بصمت.

تكاد تشعر لحلقات عدة أن المحلل النفسي تمثال شمع أو صنم يحتاجه زوار العيادة ليتضرعوا إليه، وليس من المستغرب أن يكون محض خيال في النهاية، هذه الصورة الملتبسة عن الطبيب النفسي ربما تعزى إلى ندرة الأطباء النفسيين، إذ أشارت الرابطة السورية للأطباء النفسيين الى أن سوريا بكاملها عام 2018 تحوي فقط 80 طبيباً نفسياً، ومحاولتنا تحديث هذا الرقم لعام 2024 فشلت، كون موقع الرابطة مغلقاً، ولا يوجد سوى صفحة فيسبوك!

هذه الصورة التبسيطية عن المعالج النفسي، تنحشر داخل سينوغرافيا هادئة بألوان حميمية، من المفترض أن تساعد على البوح والراحة النفسية، فالإنسان السوري غير قادر على البوح إلا بهكذا ديكور “إنستغرامي”.

 البوح في مجمله يبدأ من غير سؤال، ينطلق السرد من قمة المشكلة، من اللحظة الحاسمة عند الاعتراف، يبدأ الزوار بالاعتراف واحداً تلو الآخر، بكل مكنوناتهم، من دون أي ظرف ملح أو تصاعد سردي،  فقط يجب أن تكون داخل عيادة علاج نفسي لتعترف حتى ولو بجريمة. 

تصبح غرفة العلاج على هذا المنوال أقرب إلى مكتب تحقيق أو إلى مزار أو ضريح أحياناً، أو أشبه بغرفة الاعتراف داخل الكنيسة، وهنالك راهب يراقب بصمت وينتظر نقوده، تلك التي قد تصل في الحقيقة إلى  50 ألف ليرة سورية أو ما يعادل 3-4 دولارات للـ”كشفية”، بينما راتب الموظف رسمياً  يبلغ نحو 20 دولاراً.

هذه الهالة المقدسة للاعتراف تحدث فوق كنبة أورانج! وفي بحثنا عن دلالة هذا اللون لم نستطع تحديد أي معنى تاريخي سوى الكنبة البرتقالية في مسلسل “فريندز”، التي كانت ملتقى للضحك والصداقات والمسامرة، لتتحول هنا إلى كرسي اعتراف أو حلم بحياة أفضل في دبي، محط رحال الكثير من السوريين،  كون الكنبة عرضت عام 2019 في برج خليفة، ويمكن “التشافي” هناك لمن استطاع سبيلاً! 

يجلس “المريض” على الكنبة كـ”ضحية” المجتمع، بينما الطبيب هو القاضي والعارف، لا يهم الحل، فقط التوبة عبر الكلام، ربما “التوبة” قد تنفع أمام الوضع الاقتصادي المنهار، أو حقيقة أن واحداً من بين كل عشرة سوريين يعيش مع اضطراب عقلي بسيط أو متوسط، وواحداً من بين كل ثلاثين يعاني اضطراباً شديداً، حسب منظمة الصحة العالمية.

يبدو الطبيب النفسي علامة سينوغرافية وليس شخصية، لتنهار فكرة الحوار والتطور السردي وتتحول إلى مونولوج طويل للاعتراف، يعيب هذه المونولوجات شيئان، أولهما البداهة، إذ بإمكانك معرفة أزمة الشخصية من الجمل الثلاث الأولى ليخسر السرد عنصر الانتظار والتطور، وثانيها الحشو الزائد مع كثرة التوصيفات والكلمات المكررة والتوصيف الفج المباشر.

حبوب لكل شيء… للجريمة والنسيان والفقدان

نشاهد في الحلقة الأولى على الكنبة الممثلة جفرا يونس، فتاة من الطبقة الشعبية، ولنعرف كم هي شعبية وفقيرة، تمنحنا الممثلة عشرات المفردات والجمل من قبيل “استغفر الله” و”الله وكيلك”، مع خطاب تسوّلي قنوع شاكر للرب.

تشرح “المريض رقم 1” حسب عنوان الحلقة، عن عائلتها “المستورة” وأبيها الذي مرض بالسرطان ليتقاعد ويجلس في المنزل، ومحنة أمها في تحمّل الأعباء المادية وفوقها شتم أبيها لها ولبناتها ليلاً ونهاراً ووصفهن بـ”الفاجرات”، والدافع هو أنه “مقعد” وبحاجة الى أن “يفرغ غضبه”. 

 السرد ينحو باتجاه شتم السلطة الذكورية، ولكن بخطاب مباشر بسيط جداً، أشبه بحكاية شعبية عن البؤس، وفي النهاية تقول جفرا إنها لم تعط الدواء لأبيها على  رغم رنة منبّه الهاتف وعلمها بموعده، فيموت.

يتحوّل الأب إلى شبح هاملتي يطارد ابنته “القاتلة”، الفتاة مجرمة وضحية في الوقت ذاته، أقدمت على فعلتها كي ترتاح أمها وأختها، وهي الآن في عيادة طبيب نفسي لأنها تسمع نغمة المنبه في منامها ولا تستطيع النوم، هي بحاجة إلى دواء منوم، لذلك ذهبت إلى معالج نفسي واعترفت له بالجريمة! رغم الفقر والقهر، والحل، حبة دواء!

في الحلقة الثانية، تبقى القضية النسوية حاضرة بطريقة أكثر مباشرة وبداهة، إذ يحضر الممثل سعد مينا، “الرجل السوقي” يطلب من المعالج النفسي دواء “يرخي بدن زوجته” التي أصيبت بـ”لوثة النسوية” بسبب “فيسبوك”، لكن الطبيب، وعوضاً عن “معالجة” “المريض رقم 2″، يطلب أن تزوره الزوجة المُعنفة، بغض النظر عن مشكلة الزوج المعنف، الذي أثار اشمئزاز “الطبيب”!

تتتالى الحلقات لنرى “مدمن المخدرات”  المتعب من حالة البلاد و”الممثلة” المحصورة بأدوار الحيوانات، لتتراوح المشكلات بين الشخصي وبين العام، والطبيب النفسي دوماً محط الاختبار من المرضى، وكأننا دوماً نشاهد الجلسة الأولى لكل مريض.

الجلسة الأولى هي  الأخطر في مراحل العلاج النفسي، كونها هي التي تحدد شكل العلاج، والأهم تكون عادة تمهيدية حتى لـ”المرضى”، لكن يبدو أننا أمام نموذج لتعليب العلاج النفسي، كفيديوهات التنمية البشرية، حيث الميل إلى طرح المشكلة مرة واحدة بصورة كاملة، وانتظار الحل السحري، ذاك الذي يقدمه الطبيب بجملة شعرية، أو نصيحة،  أو حبة دواء! تلك التي يصفها الطبيب في الحلقة السادسة لأستاذ لغة عربية يحاول النسيان.

في سوريا “حالات غير مفسّرة” وسيادة الدراما التقليدية

يحاول رامي عمران صاحب منصة “واحد زائد واحد” ومؤسسها، أن يراهن على “الوجوه الشابة” وعلى محتوى مختلف عن السائد تلفزيونياً، ذاك المؤدلج سواء عبر السلطة أم عبر الأموال الخليجية، في مسعى الى تقديم “دراما بديلة”، التي من المفترض أن تقدم سرداً وأسئلة وأسلوباً متحرراً من قيود التمويل والرقابة، وتعبر عن رؤية واضحة لصناعها، لكن هل بالفعل استطاع مسلسل “كنبة اورانج” خلق هذا الاختلاف على أقل تقدير؟

نترك الإجابة للمشاهد، لكن يمكن القول إن المونولوجات المقدمة التي تُعنى بالعصاب و البارانويا والفصام والخيانة والذكورية كلها كانت على السطح، بما يشبه المعالجة التلفزيونية، ولكن عبر المنطوق فقط، من دون أفعال أو شخصيات واضحة المعالم، كما أن معالجة مسألة الصحة النفسية ظلت ضمن صورة نمطية مبتذلة، وبعيدة جداً عن أي بحث أو تدقيق خصوصاً داخل سوريا. 

تشرح مسؤولة برنامج الصحة النفسية في وزارة الصحة أمل شكو، أنه إلى جانب “الأمراض” التقليدية هناك “حالات غير مفسرة طبياً”، تبقى هذه العبارة معلّقة في التصريح الرسمي، ما هي الأمراض التي لم يرصدها رادار العلم بعد ثورة، وقمع شديد، وجائحة، وزلزال، وشائعات لا تنتهي عن انشقاق فاروق الشرع؟

دائماً يتحدث الممثلون والعاملون في الدراما، أن رؤوس الأموال هي التي تتحكم  بشكل النص وأسلوبية العمل، بل وفي الأداء أيضاً، وأنهم أسيرو منظومة عملية جامدة تماماً، لها معايير بالية، ولذا تبدو المنصات الخاصة اليوم، التي يمولها أفراد، بمثابة منفذ أو خيار بديل عن الدراما، التي عهدناها بسبب هامش الحرية والمخاطرة في بناء تجربة جديدة، ولكن إلى الآن لم تقدم الدراما البديلة في سوريا ما هو مختلف، أو على الأقل ما يشكل منافسة لتلك التقليدية، التي ما زالت سيّدة المشهد.

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 13.09.2024

انتخابات الأردن: “الإخوان” هم الإجابة الهاشميّة عن الترانسفير 

وصول "الإخوان المسلمين"، الذين تصنفهم دول خليجية كجماعة إرهابية، إلى البرلمان، يكشف أيضاً عن طبيعة التوتر الصامت بين عمان وبين دول اتفاقات "إبراهام"، التي زادت من مخاوف الأردن الديموغرافية، بفعل عدم ربطها بين السلام وبين حق الفلسطينيين بدولة في الضفة الغربية والقدس. ولا بد والحال هذه من تذكير الدول الإبراهيمية باحتمالات السلام المجاني، و"الإخوان المسلمين"…
09.08.2024
زمن القراءة: 6 minutes

يراهن مسلسل “كنبة أورانج” على فرضية الجلسة السرية مع المحلل النفسي في سوريا، لنشاهد في كل حلقة “مريضاً” أو شخصيةً تحكي مأساتها دفعة واحدة عبر خطاب اعتراف أو بوح، ينتهي إما بحبة دواء أو نصيحة!.

“أنا سوري يحق لي أن أمرض نفسياً وأن أطلب المهدئات والحبوب المنومة، يكفي أني سوري ليكون مكاني الطبيعي داخل عيادة الطبيب النفسي”، الجنسية في الفرضية السابقة هي وحدها المبرر الدرامي، الذي يقوم عليها مسلسل “كنبة أورانج” الذي عُرض على منصة “ون بلس ون”.

المسلسل من إخراج ورد حيدر في تجربته الثانية، وينقسم إلى 15 حلقة مدة الواحدة منها ما بين 5 إلى 10 دقائق، تدور الأحداث/ الحوار داخل مكان تصوير واحد، وهو عيادة معالج نفسي، لنرى أنفسنا في كل حلقة نتلصص على مونولوج طويل تعبر فيه “الشخصية المريضة” عن أزمتها.

يراهن المسلسل على فرضية الجلسة السرية مع المحلل النفسي،  لنشاهد  في كل حلقة “مريضاً” أو شخصيةً تحكي مأساتها دفعة واحدة عبر خطاب اعتراف أو بوح، وهنا نطرح سؤالين الأول متعلق بفكرة العيادة النفسية، والثاني بفكرة الاعتراف.

عيادة أم معبد؟ معالج أم كاهن؟

اختار المسلسل عيادة المعالج النفسي كفضاء للأحداث التي تنحصر فقط بالاعتراف، بهدف الحصول على المكان المقدس، الذي يرتقي فوق ضجيج الحياة اليومية في سوريا، في إطار طفولي نوعاً ما لتصور العلاج النفسي، الذي لا يزال يلفه الغموض والوصمة في مجتمعنا، وعليه تصبح تصوراتنا عن زوار العيادة كأنهم حالات كسرت المألوف وتحمل أسراراً عميقة تحتاج إلى الكشف.

يلعب دور الطبيب الممثل جلال شموط، دائماً يمسك قلماً، وهو مستعدّ لتسجيل أي ملاحظة، على  رغم أننا حتى (الحلقة السادسة) لم نشاهده يكتب به أي شيء، وكأنه لا يوجد هنالك ما يمكن تدوينه. 

يقف الطبيب صامتاً هادئاً تماماً يصغي بحكمة، لأن هذا هو دوره أو على الأقل ما نعرفه نحن السوريين عن الأطباء والمعالجين النفسيين الهادئين المنصتين، لا يتدخل ولا يستجوب ولا يشارك ولا يعلق، فقط يتأمل بصمت.

تكاد تشعر لحلقات عدة أن المحلل النفسي تمثال شمع أو صنم يحتاجه زوار العيادة ليتضرعوا إليه، وليس من المستغرب أن يكون محض خيال في النهاية، هذه الصورة الملتبسة عن الطبيب النفسي ربما تعزى إلى ندرة الأطباء النفسيين، إذ أشارت الرابطة السورية للأطباء النفسيين الى أن سوريا بكاملها عام 2018 تحوي فقط 80 طبيباً نفسياً، ومحاولتنا تحديث هذا الرقم لعام 2024 فشلت، كون موقع الرابطة مغلقاً، ولا يوجد سوى صفحة فيسبوك!

هذه الصورة التبسيطية عن المعالج النفسي، تنحشر داخل سينوغرافيا هادئة بألوان حميمية، من المفترض أن تساعد على البوح والراحة النفسية، فالإنسان السوري غير قادر على البوح إلا بهكذا ديكور “إنستغرامي”.

 البوح في مجمله يبدأ من غير سؤال، ينطلق السرد من قمة المشكلة، من اللحظة الحاسمة عند الاعتراف، يبدأ الزوار بالاعتراف واحداً تلو الآخر، بكل مكنوناتهم، من دون أي ظرف ملح أو تصاعد سردي،  فقط يجب أن تكون داخل عيادة علاج نفسي لتعترف حتى ولو بجريمة. 

تصبح غرفة العلاج على هذا المنوال أقرب إلى مكتب تحقيق أو إلى مزار أو ضريح أحياناً، أو أشبه بغرفة الاعتراف داخل الكنيسة، وهنالك راهب يراقب بصمت وينتظر نقوده، تلك التي قد تصل في الحقيقة إلى  50 ألف ليرة سورية أو ما يعادل 3-4 دولارات للـ”كشفية”، بينما راتب الموظف رسمياً  يبلغ نحو 20 دولاراً.

هذه الهالة المقدسة للاعتراف تحدث فوق كنبة أورانج! وفي بحثنا عن دلالة هذا اللون لم نستطع تحديد أي معنى تاريخي سوى الكنبة البرتقالية في مسلسل “فريندز”، التي كانت ملتقى للضحك والصداقات والمسامرة، لتتحول هنا إلى كرسي اعتراف أو حلم بحياة أفضل في دبي، محط رحال الكثير من السوريين،  كون الكنبة عرضت عام 2019 في برج خليفة، ويمكن “التشافي” هناك لمن استطاع سبيلاً! 

يجلس “المريض” على الكنبة كـ”ضحية” المجتمع، بينما الطبيب هو القاضي والعارف، لا يهم الحل، فقط التوبة عبر الكلام، ربما “التوبة” قد تنفع أمام الوضع الاقتصادي المنهار، أو حقيقة أن واحداً من بين كل عشرة سوريين يعيش مع اضطراب عقلي بسيط أو متوسط، وواحداً من بين كل ثلاثين يعاني اضطراباً شديداً، حسب منظمة الصحة العالمية.

يبدو الطبيب النفسي علامة سينوغرافية وليس شخصية، لتنهار فكرة الحوار والتطور السردي وتتحول إلى مونولوج طويل للاعتراف، يعيب هذه المونولوجات شيئان، أولهما البداهة، إذ بإمكانك معرفة أزمة الشخصية من الجمل الثلاث الأولى ليخسر السرد عنصر الانتظار والتطور، وثانيها الحشو الزائد مع كثرة التوصيفات والكلمات المكررة والتوصيف الفج المباشر.

حبوب لكل شيء… للجريمة والنسيان والفقدان

نشاهد في الحلقة الأولى على الكنبة الممثلة جفرا يونس، فتاة من الطبقة الشعبية، ولنعرف كم هي شعبية وفقيرة، تمنحنا الممثلة عشرات المفردات والجمل من قبيل “استغفر الله” و”الله وكيلك”، مع خطاب تسوّلي قنوع شاكر للرب.

تشرح “المريض رقم 1” حسب عنوان الحلقة، عن عائلتها “المستورة” وأبيها الذي مرض بالسرطان ليتقاعد ويجلس في المنزل، ومحنة أمها في تحمّل الأعباء المادية وفوقها شتم أبيها لها ولبناتها ليلاً ونهاراً ووصفهن بـ”الفاجرات”، والدافع هو أنه “مقعد” وبحاجة الى أن “يفرغ غضبه”. 

 السرد ينحو باتجاه شتم السلطة الذكورية، ولكن بخطاب مباشر بسيط جداً، أشبه بحكاية شعبية عن البؤس، وفي النهاية تقول جفرا إنها لم تعط الدواء لأبيها على  رغم رنة منبّه الهاتف وعلمها بموعده، فيموت.

يتحوّل الأب إلى شبح هاملتي يطارد ابنته “القاتلة”، الفتاة مجرمة وضحية في الوقت ذاته، أقدمت على فعلتها كي ترتاح أمها وأختها، وهي الآن في عيادة طبيب نفسي لأنها تسمع نغمة المنبه في منامها ولا تستطيع النوم، هي بحاجة إلى دواء منوم، لذلك ذهبت إلى معالج نفسي واعترفت له بالجريمة! رغم الفقر والقهر، والحل، حبة دواء!

في الحلقة الثانية، تبقى القضية النسوية حاضرة بطريقة أكثر مباشرة وبداهة، إذ يحضر الممثل سعد مينا، “الرجل السوقي” يطلب من المعالج النفسي دواء “يرخي بدن زوجته” التي أصيبت بـ”لوثة النسوية” بسبب “فيسبوك”، لكن الطبيب، وعوضاً عن “معالجة” “المريض رقم 2″، يطلب أن تزوره الزوجة المُعنفة، بغض النظر عن مشكلة الزوج المعنف، الذي أثار اشمئزاز “الطبيب”!

تتتالى الحلقات لنرى “مدمن المخدرات”  المتعب من حالة البلاد و”الممثلة” المحصورة بأدوار الحيوانات، لتتراوح المشكلات بين الشخصي وبين العام، والطبيب النفسي دوماً محط الاختبار من المرضى، وكأننا دوماً نشاهد الجلسة الأولى لكل مريض.

الجلسة الأولى هي  الأخطر في مراحل العلاج النفسي، كونها هي التي تحدد شكل العلاج، والأهم تكون عادة تمهيدية حتى لـ”المرضى”، لكن يبدو أننا أمام نموذج لتعليب العلاج النفسي، كفيديوهات التنمية البشرية، حيث الميل إلى طرح المشكلة مرة واحدة بصورة كاملة، وانتظار الحل السحري، ذاك الذي يقدمه الطبيب بجملة شعرية، أو نصيحة،  أو حبة دواء! تلك التي يصفها الطبيب في الحلقة السادسة لأستاذ لغة عربية يحاول النسيان.

في سوريا “حالات غير مفسّرة” وسيادة الدراما التقليدية

يحاول رامي عمران صاحب منصة “واحد زائد واحد” ومؤسسها، أن يراهن على “الوجوه الشابة” وعلى محتوى مختلف عن السائد تلفزيونياً، ذاك المؤدلج سواء عبر السلطة أم عبر الأموال الخليجية، في مسعى الى تقديم “دراما بديلة”، التي من المفترض أن تقدم سرداً وأسئلة وأسلوباً متحرراً من قيود التمويل والرقابة، وتعبر عن رؤية واضحة لصناعها، لكن هل بالفعل استطاع مسلسل “كنبة اورانج” خلق هذا الاختلاف على أقل تقدير؟

نترك الإجابة للمشاهد، لكن يمكن القول إن المونولوجات المقدمة التي تُعنى بالعصاب و البارانويا والفصام والخيانة والذكورية كلها كانت على السطح، بما يشبه المعالجة التلفزيونية، ولكن عبر المنطوق فقط، من دون أفعال أو شخصيات واضحة المعالم، كما أن معالجة مسألة الصحة النفسية ظلت ضمن صورة نمطية مبتذلة، وبعيدة جداً عن أي بحث أو تدقيق خصوصاً داخل سوريا. 

تشرح مسؤولة برنامج الصحة النفسية في وزارة الصحة أمل شكو، أنه إلى جانب “الأمراض” التقليدية هناك “حالات غير مفسرة طبياً”، تبقى هذه العبارة معلّقة في التصريح الرسمي، ما هي الأمراض التي لم يرصدها رادار العلم بعد ثورة، وقمع شديد، وجائحة، وزلزال، وشائعات لا تنتهي عن انشقاق فاروق الشرع؟

دائماً يتحدث الممثلون والعاملون في الدراما، أن رؤوس الأموال هي التي تتحكم  بشكل النص وأسلوبية العمل، بل وفي الأداء أيضاً، وأنهم أسيرو منظومة عملية جامدة تماماً، لها معايير بالية، ولذا تبدو المنصات الخاصة اليوم، التي يمولها أفراد، بمثابة منفذ أو خيار بديل عن الدراما، التي عهدناها بسبب هامش الحرية والمخاطرة في بناء تجربة جديدة، ولكن إلى الآن لم تقدم الدراما البديلة في سوريا ما هو مختلف، أو على الأقل ما يشكل منافسة لتلك التقليدية، التي ما زالت سيّدة المشهد.