fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

لبنان: أرنب نبيه بري يلتهم الثنائي الشيعي

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الثنائي الشيعي اعتبر إسقاط نجيب ميقاتي انقلاباً عليه! هذا أيضاً سوء تقدير يعكس تخبطاً هائلاً، وهو ناجم عن حال النكران التي يعيشها “حزب الله” والتي من الأفضل له بالدرجة الأولى، ولبيئته وللبنانيين عموماً، أن يباشر علاجها، فحزب الله بنى عمارته الاجتماعية على مدى عقود، والمسؤولية تقتضي منه هذه المرة تأملاً بأحوالها. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

وضع “حزب الله” نفسه في محنة أخلاقية جديدة ومعه حركة أمل، والبيئة التي يمثلانها، عبر وضع نفسه في مواجهة مع رئيس الحكومة المكلّف نواف سلام. هذه المحنة هي غير محنته العسكرية المتمثّلة بما جرّته الحرب عليه، وأيضاً غير المحنة السياسية والوقائعية الناجمة عن سقوط نظام آل الأسد في سوريا. فتسمية نواف سلام لرئاسة الحكومة ممن يزيد عن ثلثي نواب البرلمان اللبناني، مثّل لحظة استثنائية سبقتها لحظة استثنائية أيضاً تمثلت بخطاب القسم الذي ألقاه رئيس الجمهورية جوزيف عون مفتتحاً فيه ما شعر اللبنانيون أنه زمن جديد يعقب السنوات العجاف التي عاشوها، من حرب وانهيار اقتصادي ومالي وانفجار دمر ربع عاصمتهم، وقتل المئات وجرح الآلاف، وكل هذا توج بحرب إسرائيلية تولت تدمير مئات القرى والمدن وقتلت الآلاف.

والحال أن هذا كله ليس محل ابتلائنا في سياق رصد المحنة الأخلاقية التي أشرنا إليها، فما نعنيه هو أن “حزب الله” وضع نفسه بموقع صريح وواضح في مواجهة ما يمثله نواف سلام، ولعل أبرزه وأكثره قرباً زمنياً، هو تلك المواجهة التي خاضها الرجل مع حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل خلال ترأسه محكمة العدل الدولية. 

والأمر لا يقتصر على أن العدة التخوينية الهزيلة التي لطالما استحضرها الحزب مع خصومه اللبنانيين لا تشتغل مع نواف سلام، إنما هذه المرة نحن في مرحلة ما بعد الهُزَال، نحن حيال محنة أخلاقية فعلاً، وهي أيضاً صنيعة انعدام الحنكة وسوء التقدير على نحو مقلق. 

وتوج الحزب انتكاسته هذه بتصريح لنائب الأمين العام للحزب محمد رعد الذي خرج حانقاً من المشاورات في القصر الجمهوري معلقاً: “… خلينا نشوف كيف رح يعيدو إعمار الجنوب وإطلاق الأسرى”! ورعد يعرف طبعاً أن الدولة مفلسة وغارقة بالديون حتى أذنيها، والإعمار مستحيل من دون المساهمة الخليجية، والسعودية لن تقدم على ذلك من دون ثمن سياسي، وطبعاً أي ثمن سيرفضه “حزب الله” في حال كانت له يد في تسمية رئيس الحكومة.  

ليس هذا فقط ما جره على “حزب الله” خياره اعتبار نواف سلام “خياراً إلغائياً” في حين خيضت معركة إيصال نجيب ميقاتي بوصفه تتويجاً لمسار سياسي يتصدره “حزب الله”! نظرة سريعة إلى هذه المعادلة تكشف حجم السقطة الأخلاقية. أي لبناني من الناقورة إلى عكار، ومن بيئة حزب الله إلى بيئة القوات اللبنانية، يعرف الفارق بين الإسمين، وبين صاحبيهما. والحال أن ممانعين من الدائرة الضيقة والواسعة للحزب، وممن صفقوا لـ”حرب الإسناد”، وجدوا أنفسهم في موقف محرج فانكفأوا عن موجة التطبيل وشعروا أن الحزب وضعهم بمواجهة مع أنفسهم. موجة الـ”تكويع” السورية سريعاً ما وصلت إلى لبنان، ومن غطسوا في موجة الإسناد سريعاً باشروا عودتهم إلى حضن الثورة السورية.

الثنائي الشيعي اعتبر إسقاط نجيب ميقاتي انقلاباً عليه! هذا أيضاً سوء تقدير يعكس تخبطاً هائلاً، وهو ناجم عن حال النكران التي يعيشها “حزب الله” والتي من الأفضل له بالدرجة الأولى، ولبيئته وللبنانيين عموماً، أن يباشر علاجها، فحزب الله بنى عمارته الاجتماعية على مدى عقود، والمسؤولية تقتضي منه هذه المرة تأملاً بأحوالها. 

أما القول بأن رئيس مجلس النواب نبيه بري هو دينامو البراغماتية العارف بأشكال جني المكاسب و”إخراج الأرانب”، فهذا ما لم تثبته وقائع المشاورات التي أفضت إلى تسمية سلام. نواب جدد لم يختبروا “أرانب بري” تفوقوا على الرجل المقيم في مجلس النواب منذ نحو 33 عاماً. ففي حين أدرك وضاح الصادق وميشال دويهي ومارك ضو أن مرشحهم فؤاد المخزومي لا حظوظ له، فأقنعوا كتلتي القوات والكتائب بالانتقال إلى تسمية مرشح التغييريين نواف سلام، لم يدرك بري (على رغم خبراته) أن نجيب ميقاتي هو جزء من زمن انقضى، وأن خوض معركة إيصاله في ظل سقوط بشار الأسد في سوريا ستكون سقوطاً ثانياً كان عليه تفاديه. معركة تسمية ميقاتي بهذا المعنى خاسرة بالمعنى البراغماتي أيضاً، ذاك أنه ليس بإمكان النظام السوري أن يواصل حضوره في لبنان بعدما فقده في سوريا. المعادلة شديدة البساطة.

استعادة سريعة لما أقدمت عليه كتل نيابية كانت بمثابة ودائع لبشار الأسد في المجلس النيابي اللبناني، تكشف أن “الحياة العامة” في لبنان صارت في مكان آخر بعد سقوط الأسد. بري لم يكن يتوقع من فيصل كرامي وحسن مراد والأحباش، أن يسموا نواف سلام! مثلهم مثل أيتام تيار المستقبل في البرلمان، ككتلة الاعتدال وآخرين. هذا قبل أن نتحدث عن الاستدارة الجنبلاطية، وعن الفرصة الثأرية التي مثّلتها تسمية جبران باسيل لنواف سلام. حتى جميل السيد لم يتمكن من هضم تسمية ميقاتي على رغم عدم تسميته سلام.

يبدو أن الأرنب التهم صاحبه هذه المرة، وهو ما لا يستقيم إذا ما أردنا انتقالاً هادئاً لمرحلة ما بعد التحولات الهائلة التي أصابت المنطقة.             

17.01.2025
زمن القراءة: 4 minutes

الثنائي الشيعي اعتبر إسقاط نجيب ميقاتي انقلاباً عليه! هذا أيضاً سوء تقدير يعكس تخبطاً هائلاً، وهو ناجم عن حال النكران التي يعيشها “حزب الله” والتي من الأفضل له بالدرجة الأولى، ولبيئته وللبنانيين عموماً، أن يباشر علاجها، فحزب الله بنى عمارته الاجتماعية على مدى عقود، والمسؤولية تقتضي منه هذه المرة تأملاً بأحوالها. 

وضع “حزب الله” نفسه في محنة أخلاقية جديدة ومعه حركة أمل، والبيئة التي يمثلانها، عبر وضع نفسه في مواجهة مع رئيس الحكومة المكلّف نواف سلام. هذه المحنة هي غير محنته العسكرية المتمثّلة بما جرّته الحرب عليه، وأيضاً غير المحنة السياسية والوقائعية الناجمة عن سقوط نظام آل الأسد في سوريا. فتسمية نواف سلام لرئاسة الحكومة ممن يزيد عن ثلثي نواب البرلمان اللبناني، مثّل لحظة استثنائية سبقتها لحظة استثنائية أيضاً تمثلت بخطاب القسم الذي ألقاه رئيس الجمهورية جوزيف عون مفتتحاً فيه ما شعر اللبنانيون أنه زمن جديد يعقب السنوات العجاف التي عاشوها، من حرب وانهيار اقتصادي ومالي وانفجار دمر ربع عاصمتهم، وقتل المئات وجرح الآلاف، وكل هذا توج بحرب إسرائيلية تولت تدمير مئات القرى والمدن وقتلت الآلاف.

والحال أن هذا كله ليس محل ابتلائنا في سياق رصد المحنة الأخلاقية التي أشرنا إليها، فما نعنيه هو أن “حزب الله” وضع نفسه بموقع صريح وواضح في مواجهة ما يمثله نواف سلام، ولعل أبرزه وأكثره قرباً زمنياً، هو تلك المواجهة التي خاضها الرجل مع حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل خلال ترأسه محكمة العدل الدولية. 

والأمر لا يقتصر على أن العدة التخوينية الهزيلة التي لطالما استحضرها الحزب مع خصومه اللبنانيين لا تشتغل مع نواف سلام، إنما هذه المرة نحن في مرحلة ما بعد الهُزَال، نحن حيال محنة أخلاقية فعلاً، وهي أيضاً صنيعة انعدام الحنكة وسوء التقدير على نحو مقلق. 

وتوج الحزب انتكاسته هذه بتصريح لنائب الأمين العام للحزب محمد رعد الذي خرج حانقاً من المشاورات في القصر الجمهوري معلقاً: “… خلينا نشوف كيف رح يعيدو إعمار الجنوب وإطلاق الأسرى”! ورعد يعرف طبعاً أن الدولة مفلسة وغارقة بالديون حتى أذنيها، والإعمار مستحيل من دون المساهمة الخليجية، والسعودية لن تقدم على ذلك من دون ثمن سياسي، وطبعاً أي ثمن سيرفضه “حزب الله” في حال كانت له يد في تسمية رئيس الحكومة.  

ليس هذا فقط ما جره على “حزب الله” خياره اعتبار نواف سلام “خياراً إلغائياً” في حين خيضت معركة إيصال نجيب ميقاتي بوصفه تتويجاً لمسار سياسي يتصدره “حزب الله”! نظرة سريعة إلى هذه المعادلة تكشف حجم السقطة الأخلاقية. أي لبناني من الناقورة إلى عكار، ومن بيئة حزب الله إلى بيئة القوات اللبنانية، يعرف الفارق بين الإسمين، وبين صاحبيهما. والحال أن ممانعين من الدائرة الضيقة والواسعة للحزب، وممن صفقوا لـ”حرب الإسناد”، وجدوا أنفسهم في موقف محرج فانكفأوا عن موجة التطبيل وشعروا أن الحزب وضعهم بمواجهة مع أنفسهم. موجة الـ”تكويع” السورية سريعاً ما وصلت إلى لبنان، ومن غطسوا في موجة الإسناد سريعاً باشروا عودتهم إلى حضن الثورة السورية.

الثنائي الشيعي اعتبر إسقاط نجيب ميقاتي انقلاباً عليه! هذا أيضاً سوء تقدير يعكس تخبطاً هائلاً، وهو ناجم عن حال النكران التي يعيشها “حزب الله” والتي من الأفضل له بالدرجة الأولى، ولبيئته وللبنانيين عموماً، أن يباشر علاجها، فحزب الله بنى عمارته الاجتماعية على مدى عقود، والمسؤولية تقتضي منه هذه المرة تأملاً بأحوالها. 

أما القول بأن رئيس مجلس النواب نبيه بري هو دينامو البراغماتية العارف بأشكال جني المكاسب و”إخراج الأرانب”، فهذا ما لم تثبته وقائع المشاورات التي أفضت إلى تسمية سلام. نواب جدد لم يختبروا “أرانب بري” تفوقوا على الرجل المقيم في مجلس النواب منذ نحو 33 عاماً. ففي حين أدرك وضاح الصادق وميشال دويهي ومارك ضو أن مرشحهم فؤاد المخزومي لا حظوظ له، فأقنعوا كتلتي القوات والكتائب بالانتقال إلى تسمية مرشح التغييريين نواف سلام، لم يدرك بري (على رغم خبراته) أن نجيب ميقاتي هو جزء من زمن انقضى، وأن خوض معركة إيصاله في ظل سقوط بشار الأسد في سوريا ستكون سقوطاً ثانياً كان عليه تفاديه. معركة تسمية ميقاتي بهذا المعنى خاسرة بالمعنى البراغماتي أيضاً، ذاك أنه ليس بإمكان النظام السوري أن يواصل حضوره في لبنان بعدما فقده في سوريا. المعادلة شديدة البساطة.

استعادة سريعة لما أقدمت عليه كتل نيابية كانت بمثابة ودائع لبشار الأسد في المجلس النيابي اللبناني، تكشف أن “الحياة العامة” في لبنان صارت في مكان آخر بعد سقوط الأسد. بري لم يكن يتوقع من فيصل كرامي وحسن مراد والأحباش، أن يسموا نواف سلام! مثلهم مثل أيتام تيار المستقبل في البرلمان، ككتلة الاعتدال وآخرين. هذا قبل أن نتحدث عن الاستدارة الجنبلاطية، وعن الفرصة الثأرية التي مثّلتها تسمية جبران باسيل لنواف سلام. حتى جميل السيد لم يتمكن من هضم تسمية ميقاتي على رغم عدم تسميته سلام.

يبدو أن الأرنب التهم صاحبه هذه المرة، وهو ما لا يستقيم إذا ما أردنا انتقالاً هادئاً لمرحلة ما بعد التحولات الهائلة التي أصابت المنطقة.