fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

لبنان: أن ندفع ثمن سفالة السلطة والساهرين ليلة رأس السنة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لماذا علينا نحن المساكين، الملتزمين بكماماتنا، أن نراعي الظروف الاقتصادية والمنهبة التي نُفذت بحق أموال الدولة وأموال المودعين، ونتفهّم أن أصحاب الملاهي والمراقص يريدون أن يسترزقوا من حفلات الأعياد، وندفع ثمن ذلك كله من صحتنا الجسدية والنفسية؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في البيت هنا قسّمنا الغرف. المطبخ لي، وغرفة الجلوس لوالديّ، وحين تحتاج أمي إلى المطبخ، أسارع إلى وضع كمامتي ولا نتبادل أي حديث مباشر. ولحسن حظنا أنّ أبي تعب كثيراً حتى بنى منزلاً واسعاً وكبيراً، في ظل دولة لا تساعد أحداً ولا ترأف بأحد. وأبي الآن يعاني من مشكلات في ظهره وقدميه، بسبب ذاك التعب كله، الذي كان يفترض أن تعينه الدولة المحترمة على تحمّله. لكن ما علينا، لنعد إلى تقسيم الغرف.

ليلاً، ينام كل واحد منا في غرفة منفصلة. لا يزورنا أحد، حتى إخوتي وأولادهم. الجار يسلّم من بعيد ويمضي، مع أنني أقرأ في عينيه رغبة جامحة في محادثة أبي، صديقه الأقرب، على رغم فارق العمر الذي يتجاوز الـ40 سنة بينهما.

نحن منسيون، أحدهم تركنا هنا ونسينا تماماً، وقد أكلنا وحوش هذه الدولة لا وحوش الغابة.

أحاول ألا ألمسهما وإن من طريق الخطأ. أنا مثلهما محجورة و”مزروبة” كالجرذان في البيت، لكنني أضطر أحياناً إلى الخروج من أجل علبة دواء أو ربطة خبز، أو الذهاب إلى المكتب قبل بدء الحجر بنسخته الثالثة. تتصل أختي وصوتها يرتجف من الرعب، تسألني عن رأيي في شراء جهاز تنفس اصطناعي، احتياطاً، لأن والدينا مسنان ويعانيان من بعض الأمراض. ثم تطلب مني ألا أذهب إلى المكتب وأن أكتفي من العمل من المنزل، تقول: “قوليلن ما فيكي”. أطمئنها بأنني سأمضي الحجر في البيت وسأعمل من هنا. يهدأ قلبها، ثم نعود إلى قصة جهاز التنفس الاحتياطي. نسكت. ثمّ تعتذر مني لأنها أرعبتني وتقفل الخط.

أخرج من مزاج الكتابة الذي كنت فيه، أغلق ملف الرواية التي أفكّر في إصدارها في أول الصيف وأنزل إلى الأرض وقد ركلتني الحقيقة. “ربما لن يأتي الصيف”، أقول لنفسي، إنه شتاء طويل، ولا مطر فيه. حتى السماء نسيتنا ولم تشملنا بالمتساقطات هذا العام. أتمنى كثيراً البكاء، لكنّ البكاء مخزون جفّ في عينيّ منذ سنوات، لكثرة ما تقلّبنا الحياة في هذه البلاد، فيصير البكاء حقاً بلا أي جدوى.

إقرأوا أيضاً:

إننا نعيش في أفكار الرعب لنحاول حماية أحبائنا، فيما دولتنا التعيسة لم تستطع أن تمنع محبي الكيف والسهر من التسكع في شهر الأعياد وخصوصاً ليلة رأس السنة. تركتهم “يفشون خلقهم”، وينشرون العدوى بلا رحمة بيننا، نحن الذين لم يخرجوا من منازلهم واكتفوا بكأس نبيذ و”فيديو كول” لمعايدة العائلة والأصدقاء.

أي منطق هذا، في أن ندفع نحن المواطنين “الصالحين” ثمن سفالة البعض وعدم قدرتهم على الجلوس في البيت في هذه الفترة الاستثنائية التي يمرّ بها العالم؟ وأي منطق في أن نشاهد من عزلتنا المؤلمة وزير صحتنا على رأس وليمة مكتظة بالأصدقاء والزملاء، من دون أي وقاية أو تباعد جسماني؟ وأي منطق في أن تصل المستشفيات إلى قدرتها الاستيعابية القصوى فيما نناطح الـ6000 إصابة في اليوم، في بلد لا يتعدّى عدد سكانه الخمسة ملايين نسمة؟ إذاً أيام قليلة ونصاب جميعاً ويموت كثيرون على أبواب المستشفيات!

ولماذا علينا نحن المساكين، الملتزمين بكماماتنا، أن نراعي الظروف الاقتصادية والمنهبة التي نُفذت بحق أموال الدولة وأموال المودعين، ونتفهّم أن أصحاب الملاهي والمراقص يريدون أن يسترزقوا من حفلات الأعياد، وندفع ثمن ذلك كله من صحتنا الجسدية والنفسية؟ ثم نُترك لمصير الحجر الصحي الثالث بعد تفشي المرض بشكل غير مسبوق من دون أي مساعدة مادية أو عينية أو حتى أمل بأننا إذا أصبنا بـ”كورونا” سنستطيع إيجاد سرير في مستشفى. ثم نكتشف أن حصتنا من اللقاح التي وُعدنا بها لن تصل قريباً.

نحن منسيون، أحدهم تركنا هنا ونسينا تماماً، وقد أكلنا وحوش هذه الدولة لا وحوش الغابة. إننا شعب حزين يحتاج إلى عناق طويييييل.

إقرأوا أيضاً:

10.01.2021
زمن القراءة: 3 minutes

لماذا علينا نحن المساكين، الملتزمين بكماماتنا، أن نراعي الظروف الاقتصادية والمنهبة التي نُفذت بحق أموال الدولة وأموال المودعين، ونتفهّم أن أصحاب الملاهي والمراقص يريدون أن يسترزقوا من حفلات الأعياد، وندفع ثمن ذلك كله من صحتنا الجسدية والنفسية؟

في البيت هنا قسّمنا الغرف. المطبخ لي، وغرفة الجلوس لوالديّ، وحين تحتاج أمي إلى المطبخ، أسارع إلى وضع كمامتي ولا نتبادل أي حديث مباشر. ولحسن حظنا أنّ أبي تعب كثيراً حتى بنى منزلاً واسعاً وكبيراً، في ظل دولة لا تساعد أحداً ولا ترأف بأحد. وأبي الآن يعاني من مشكلات في ظهره وقدميه، بسبب ذاك التعب كله، الذي كان يفترض أن تعينه الدولة المحترمة على تحمّله. لكن ما علينا، لنعد إلى تقسيم الغرف.

ليلاً، ينام كل واحد منا في غرفة منفصلة. لا يزورنا أحد، حتى إخوتي وأولادهم. الجار يسلّم من بعيد ويمضي، مع أنني أقرأ في عينيه رغبة جامحة في محادثة أبي، صديقه الأقرب، على رغم فارق العمر الذي يتجاوز الـ40 سنة بينهما.

نحن منسيون، أحدهم تركنا هنا ونسينا تماماً، وقد أكلنا وحوش هذه الدولة لا وحوش الغابة.

أحاول ألا ألمسهما وإن من طريق الخطأ. أنا مثلهما محجورة و”مزروبة” كالجرذان في البيت، لكنني أضطر أحياناً إلى الخروج من أجل علبة دواء أو ربطة خبز، أو الذهاب إلى المكتب قبل بدء الحجر بنسخته الثالثة. تتصل أختي وصوتها يرتجف من الرعب، تسألني عن رأيي في شراء جهاز تنفس اصطناعي، احتياطاً، لأن والدينا مسنان ويعانيان من بعض الأمراض. ثم تطلب مني ألا أذهب إلى المكتب وأن أكتفي من العمل من المنزل، تقول: “قوليلن ما فيكي”. أطمئنها بأنني سأمضي الحجر في البيت وسأعمل من هنا. يهدأ قلبها، ثم نعود إلى قصة جهاز التنفس الاحتياطي. نسكت. ثمّ تعتذر مني لأنها أرعبتني وتقفل الخط.

أخرج من مزاج الكتابة الذي كنت فيه، أغلق ملف الرواية التي أفكّر في إصدارها في أول الصيف وأنزل إلى الأرض وقد ركلتني الحقيقة. “ربما لن يأتي الصيف”، أقول لنفسي، إنه شتاء طويل، ولا مطر فيه. حتى السماء نسيتنا ولم تشملنا بالمتساقطات هذا العام. أتمنى كثيراً البكاء، لكنّ البكاء مخزون جفّ في عينيّ منذ سنوات، لكثرة ما تقلّبنا الحياة في هذه البلاد، فيصير البكاء حقاً بلا أي جدوى.

إقرأوا أيضاً:

إننا نعيش في أفكار الرعب لنحاول حماية أحبائنا، فيما دولتنا التعيسة لم تستطع أن تمنع محبي الكيف والسهر من التسكع في شهر الأعياد وخصوصاً ليلة رأس السنة. تركتهم “يفشون خلقهم”، وينشرون العدوى بلا رحمة بيننا، نحن الذين لم يخرجوا من منازلهم واكتفوا بكأس نبيذ و”فيديو كول” لمعايدة العائلة والأصدقاء.

أي منطق هذا، في أن ندفع نحن المواطنين “الصالحين” ثمن سفالة البعض وعدم قدرتهم على الجلوس في البيت في هذه الفترة الاستثنائية التي يمرّ بها العالم؟ وأي منطق في أن نشاهد من عزلتنا المؤلمة وزير صحتنا على رأس وليمة مكتظة بالأصدقاء والزملاء، من دون أي وقاية أو تباعد جسماني؟ وأي منطق في أن تصل المستشفيات إلى قدرتها الاستيعابية القصوى فيما نناطح الـ6000 إصابة في اليوم، في بلد لا يتعدّى عدد سكانه الخمسة ملايين نسمة؟ إذاً أيام قليلة ونصاب جميعاً ويموت كثيرون على أبواب المستشفيات!

ولماذا علينا نحن المساكين، الملتزمين بكماماتنا، أن نراعي الظروف الاقتصادية والمنهبة التي نُفذت بحق أموال الدولة وأموال المودعين، ونتفهّم أن أصحاب الملاهي والمراقص يريدون أن يسترزقوا من حفلات الأعياد، وندفع ثمن ذلك كله من صحتنا الجسدية والنفسية؟ ثم نُترك لمصير الحجر الصحي الثالث بعد تفشي المرض بشكل غير مسبوق من دون أي مساعدة مادية أو عينية أو حتى أمل بأننا إذا أصبنا بـ”كورونا” سنستطيع إيجاد سرير في مستشفى. ثم نكتشف أن حصتنا من اللقاح التي وُعدنا بها لن تصل قريباً.

نحن منسيون، أحدهم تركنا هنا ونسينا تماماً، وقد أكلنا وحوش هذه الدولة لا وحوش الغابة. إننا شعب حزين يحتاج إلى عناق طويييييل.

إقرأوا أيضاً: