fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

لبنان : اختفت “الثورة” واستيقظت الفتنة…

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

ثمة رسالة من وراء ما جرى بالأمس. التظاهر ممنوع. التظاهر سيشعل خطوط التوتر الطائفي والمذهبي. الشارع يجب تعطيله. فما ينتظرنا في لبنان لا يحتمل دوراً للشارع لتحديد وجهته. ثمة دولة وسلطة تقودان بلداً نحو الهاوية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ماذا وراء العراضة المذهبية التي شهدتها شوارع بيروت بالأمس؟ فالأمر كان مدبراً، وجرى التحضير له بخطوات منسقة. حزب الله أعد المشهد. إعلامه أطلق على التظاهرة الأسماء المعهودة في اليوم الذي سبقها. إنها “تظاهرة السفارة”. على هذا النحو تُعطى الإشارات، وتُحدد ساعة الصفر. والحزب يعرف أن ساحة الشهداء في لحظة التوتر المذهبي سرعان ما تستجيب، وأن الحمقى كثيرون. يعرف أن محطة الـ”أم تي في” ستنزلق معه، وستبث شريط فيديو قديم لتزخيم الموقف المذهبي، فأهل المحطة من خصومه الذين لطالما لم يخيبوه. 

السلاح في مرحلة الانهيار المالي والحصار الاقتصادي لا يحتمل صوتاً بوجهه. صوتاً ضعيفاً لا حيلة له ولا قدرة. حزب الله يعرف ذلك تماماً، ويعرف أن من دفع بشعار “سحب السلاح” إلى التظاهرة أخفى وجهه. لكنها بالنسبة للحزب فرصته لكي يؤدب الساحة. ليس مهماً أن الصوت ضعيف وخافت، وأن أصحابه اختبأوا خلف كمامات لا تحجب هوياتهم، لكنها تخنق حناجرهم.

“شيعة شيعة شيعة”، مذهل هذا الهتاف حين تصدح به حناجر جائعين في وسط بيروت. يحار المرء إلى أين يشيح بوجهه من صلافته. فالرسالة ثقيلة حين تنقلها هذه العبارة المتكررة ثلاث مرات. فالمذهبية لم تنجل يوماً بهذا القدر وهذا الوضوح. لكن علينا أيضاً أن نفكر بأن صاحبها أصابه ذعر جديد. حزب الله خائف من شيء ما. التظاهرة ليست محل ابتلائه. هي مشهد عابر وينقضي، وله فيها أصوات موازية، أصحابها ممن قالوا انهم جاءوا ليتظاهروا ضد الحكومة وليس ضد سلاح الحزب.

البيانات التي توجت ليلة المواجهة بين الـ”شيعة شيعة شيعة” وبين جمهور “عائشة أم المؤمنين” لم تأت على ذكر مطلب واحد من مطالب اللبنانيين. اختفت “الثورة” واستيقظت الفتنة. لا بأس، فهذه حال من ينبس ببنت شفة، ليس بمواجهة سلاح حزب الله، انما أيضاً بمواجهة السلطة.

حزب الله ليس خائفاً منا نحن اللبنانيون، فهو انتصر علينا منذ أكثر من عشر سنوات، ضمن سلسلة انتصاراته. حزب الله خائف من أناس آخرين، ويريد أن يلوح لهم بقدرته على قلب الطاولة. ما جرى بالأمس كان معداً، ولم يكن تلقائياً. 

ثمة رسالة من وراء ما جرى بالأمس. التظاهر ممنوع. التظاهر سيشعل خطوط التوتر الطائفي والمذهبي. الشارع يجب تعطيله. فما ينتظرنا في لبنان لا يحتمل دوراً للشارع لتحديد وجهته. ثمة دولة وسلطة تقودان بلداً نحو الهاوية. لا يمكن الحد من تسارع الانهيار. السقوط يجب ان لا يترافق مع صراخ. السقوط يجب أن يرافقه قبول وتكيف. دولة حزب الله في طريقها إلى الهاوية، وهي تصطحب معها في رحلة السقوط الملايين الخمسة من اللبنانيين. 

استيقظ الـ”شيعة شيعة شيعة” في الصباح على صوت الفتنة، وأرادوا دفعها عن أزقتهم، واستقبلت المحطات التلفزيونية التي يملكها ذميو الجمهورية إمام مسجد زقاق البلاط الذي أدان شتم عائشة أم المؤمنين، لكنه ذكر المتظاهرين بضرورة كف شرهم عن سلاح الحزب.

البيانات التي توجت ليلة المواجهة بين الـ”شيعة شيعة شيعة” وبين جمهور “عائشة أم المؤمنين” لم تأت على ذكر مطلب واحد من مطالب اللبنانيين. اختفت “الثورة” واستيقظت الفتنة. لا بأس، فهذه حال من ينبس ببنت شفة، ليس بمواجهة سلاح حزب الله، انما أيضاً بمواجهة السلطة. وكورونا لم يعد يكفي لرد الفضيحة ولتأجيل الصراخ، وأي صوت، مهما كان ضعيفاً، سيصيب دولة الحزب وحكومته وسلطته. والحزب اذ أدرك مؤخراً أن لا وقت لإزعاج جبران باسيل ولا بأس بإهدائه معمل سلعاتا، وأدرك أيضاً أن المعركة مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ليس هذا وقتها، أدرك في المقابل أن موقعه هش ولا يحتمل تظاهرة. يجب أن تصمد الحكومة، ولا سبيل لحمايتها سوى بـ”شيعة شيعة شيعة”، ولا بأس بأن يُصدر رئيسها بياناً يدين فيه التعرض لعائشة أم المؤمنين. 

نحن أيضاً سائرون نحو واقعٍ أشد تعقيداً. فقريباً جداً سيكون علينا أن نختار بين أن نكون جزءاً من قانون قيصر الذي يستهدف النظام السوري، وبين أن نقبل بمزيد من الانكفاء عن العالم. الخيار الأول يعد حزب الله لمواجهته. ما جرى بالأمس في شوارع بيروت كان بروفة أولى، سيعقبها بروفات كثيرة. 

لا وقت لشيء في هذه الأيام سوى للصمت والقبول والتكيف. الألم المرافق للجوع عليه أن يتحول إلى أنين، وهو اذا يكون شيئاً آخراً فلا بأس بأن يكون “شيعة شيعة شيعة” أو ما يوازيها.

ما جرى بالأمس عينة عما ينتظرنا في القادم من الأيام. الخوف من قابلية الشارع للاشتعال سيكون وسيلة الحزب لردنا إلى بيوتنا. لا خيار أمامه سوى ذلك. فلبنان، لبنانه، سيكون على محك محنة متراكمة، توجها قانون قيصر، لكنه تسير بقدرات دفع أخرى، كاختناق النظام الإيراني بالعقوبات وبانخفاض أسعار النفط. سلاح الحزب لا وظيفة له في ظل هذا الاستعصاء سوى الشارع. 

جولة الأمس لن تكون الأخيرة.   

"درج"
لبنان
07.06.2020
زمن القراءة: 4 minutes

ثمة رسالة من وراء ما جرى بالأمس. التظاهر ممنوع. التظاهر سيشعل خطوط التوتر الطائفي والمذهبي. الشارع يجب تعطيله. فما ينتظرنا في لبنان لا يحتمل دوراً للشارع لتحديد وجهته. ثمة دولة وسلطة تقودان بلداً نحو الهاوية.

ماذا وراء العراضة المذهبية التي شهدتها شوارع بيروت بالأمس؟ فالأمر كان مدبراً، وجرى التحضير له بخطوات منسقة. حزب الله أعد المشهد. إعلامه أطلق على التظاهرة الأسماء المعهودة في اليوم الذي سبقها. إنها “تظاهرة السفارة”. على هذا النحو تُعطى الإشارات، وتُحدد ساعة الصفر. والحزب يعرف أن ساحة الشهداء في لحظة التوتر المذهبي سرعان ما تستجيب، وأن الحمقى كثيرون. يعرف أن محطة الـ”أم تي في” ستنزلق معه، وستبث شريط فيديو قديم لتزخيم الموقف المذهبي، فأهل المحطة من خصومه الذين لطالما لم يخيبوه. 

السلاح في مرحلة الانهيار المالي والحصار الاقتصادي لا يحتمل صوتاً بوجهه. صوتاً ضعيفاً لا حيلة له ولا قدرة. حزب الله يعرف ذلك تماماً، ويعرف أن من دفع بشعار “سحب السلاح” إلى التظاهرة أخفى وجهه. لكنها بالنسبة للحزب فرصته لكي يؤدب الساحة. ليس مهماً أن الصوت ضعيف وخافت، وأن أصحابه اختبأوا خلف كمامات لا تحجب هوياتهم، لكنها تخنق حناجرهم.

“شيعة شيعة شيعة”، مذهل هذا الهتاف حين تصدح به حناجر جائعين في وسط بيروت. يحار المرء إلى أين يشيح بوجهه من صلافته. فالرسالة ثقيلة حين تنقلها هذه العبارة المتكررة ثلاث مرات. فالمذهبية لم تنجل يوماً بهذا القدر وهذا الوضوح. لكن علينا أيضاً أن نفكر بأن صاحبها أصابه ذعر جديد. حزب الله خائف من شيء ما. التظاهرة ليست محل ابتلائه. هي مشهد عابر وينقضي، وله فيها أصوات موازية، أصحابها ممن قالوا انهم جاءوا ليتظاهروا ضد الحكومة وليس ضد سلاح الحزب.

البيانات التي توجت ليلة المواجهة بين الـ”شيعة شيعة شيعة” وبين جمهور “عائشة أم المؤمنين” لم تأت على ذكر مطلب واحد من مطالب اللبنانيين. اختفت “الثورة” واستيقظت الفتنة. لا بأس، فهذه حال من ينبس ببنت شفة، ليس بمواجهة سلاح حزب الله، انما أيضاً بمواجهة السلطة.

حزب الله ليس خائفاً منا نحن اللبنانيون، فهو انتصر علينا منذ أكثر من عشر سنوات، ضمن سلسلة انتصاراته. حزب الله خائف من أناس آخرين، ويريد أن يلوح لهم بقدرته على قلب الطاولة. ما جرى بالأمس كان معداً، ولم يكن تلقائياً. 

ثمة رسالة من وراء ما جرى بالأمس. التظاهر ممنوع. التظاهر سيشعل خطوط التوتر الطائفي والمذهبي. الشارع يجب تعطيله. فما ينتظرنا في لبنان لا يحتمل دوراً للشارع لتحديد وجهته. ثمة دولة وسلطة تقودان بلداً نحو الهاوية. لا يمكن الحد من تسارع الانهيار. السقوط يجب ان لا يترافق مع صراخ. السقوط يجب أن يرافقه قبول وتكيف. دولة حزب الله في طريقها إلى الهاوية، وهي تصطحب معها في رحلة السقوط الملايين الخمسة من اللبنانيين. 

استيقظ الـ”شيعة شيعة شيعة” في الصباح على صوت الفتنة، وأرادوا دفعها عن أزقتهم، واستقبلت المحطات التلفزيونية التي يملكها ذميو الجمهورية إمام مسجد زقاق البلاط الذي أدان شتم عائشة أم المؤمنين، لكنه ذكر المتظاهرين بضرورة كف شرهم عن سلاح الحزب.

البيانات التي توجت ليلة المواجهة بين الـ”شيعة شيعة شيعة” وبين جمهور “عائشة أم المؤمنين” لم تأت على ذكر مطلب واحد من مطالب اللبنانيين. اختفت “الثورة” واستيقظت الفتنة. لا بأس، فهذه حال من ينبس ببنت شفة، ليس بمواجهة سلاح حزب الله، انما أيضاً بمواجهة السلطة. وكورونا لم يعد يكفي لرد الفضيحة ولتأجيل الصراخ، وأي صوت، مهما كان ضعيفاً، سيصيب دولة الحزب وحكومته وسلطته. والحزب اذ أدرك مؤخراً أن لا وقت لإزعاج جبران باسيل ولا بأس بإهدائه معمل سلعاتا، وأدرك أيضاً أن المعركة مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ليس هذا وقتها، أدرك في المقابل أن موقعه هش ولا يحتمل تظاهرة. يجب أن تصمد الحكومة، ولا سبيل لحمايتها سوى بـ”شيعة شيعة شيعة”، ولا بأس بأن يُصدر رئيسها بياناً يدين فيه التعرض لعائشة أم المؤمنين. 

نحن أيضاً سائرون نحو واقعٍ أشد تعقيداً. فقريباً جداً سيكون علينا أن نختار بين أن نكون جزءاً من قانون قيصر الذي يستهدف النظام السوري، وبين أن نقبل بمزيد من الانكفاء عن العالم. الخيار الأول يعد حزب الله لمواجهته. ما جرى بالأمس في شوارع بيروت كان بروفة أولى، سيعقبها بروفات كثيرة. 

لا وقت لشيء في هذه الأيام سوى للصمت والقبول والتكيف. الألم المرافق للجوع عليه أن يتحول إلى أنين، وهو اذا يكون شيئاً آخراً فلا بأس بأن يكون “شيعة شيعة شيعة” أو ما يوازيها.

ما جرى بالأمس عينة عما ينتظرنا في القادم من الأيام. الخوف من قابلية الشارع للاشتعال سيكون وسيلة الحزب لردنا إلى بيوتنا. لا خيار أمامه سوى ذلك. فلبنان، لبنانه، سيكون على محك محنة متراكمة، توجها قانون قيصر، لكنه تسير بقدرات دفع أخرى، كاختناق النظام الإيراني بالعقوبات وبانخفاض أسعار النفط. سلاح الحزب لا وظيفة له في ظل هذا الاستعصاء سوى الشارع. 

جولة الأمس لن تكون الأخيرة.