من أوّل الأسماء التي تحضرنا نحن الصحافيين عند العمل على أي موضوع له علاقة بالمناقصات، هو جان العليّة، مدير عام إدارة المناقصات في التفتيش المركزي اللبناني. فلطالما عُرف بأنّه الموظّف العام الداعم لعمل الصحافة والذي يسهل التواصل معه والوصول إليه والحصول منه على المعلومات المطلوبة، فهو يعي جيّداً أهميّة الشفافيّة ويرعى حقّ الوصول للمعلومة خلافاً للكثير من الموظفين العامين والإدارات العامة في الدولة اللبنانيّة، التي دائماً تحول دون حماية هذا الحقّ الذي ينصّ عليه القانون.
ومن الواضح أنّ هناك محاولة لإجباره على دفع ثمن ذلك، إذ تم استدعاء العليّة للتحقيق أمام النيابة العامة التمييزية على خلفيّة إخبار مقدّم من قبل وزير العدل بسبب شكوى قدح وذمّ مقدّمة من قبل مجلس شورى الدولة.
وعلى أثر ذلك، دُعي إلى وقفة تضامنيّة معه أمام قصر العدل في بيروت “دفاعاً عن حرية التعبير والوظيفة العامّة، ورفضاً لاستخدام القضاء لترهيب الموظف العام”.
كوني صحافية استقصائية، قابلت العليّة وتواصلت معه في تحقيق حول قطاع الكهرباء، فكان مرحّباً ومتعاوناً كعادته. وفي المقابلة لموقع “درج” عن إحدى المناقصات التي أجريت في قطاع الطاقة، قال العليّة: “الخلل منّو بدفتر الشروط، الخلل بعدم الالتزام بدفتر الشروط، الخلل في خرق مبدأ مهم من دفتر الشروط، اسمه الثبات بأحكام دفتر الشروط… اليوم انعمل مناقصة لصالح وزارة الطاقة، ليش هالمناقصة يلي نجحت نظريّاً بادارة المناقصات، ليش فشلت بوزارة الطاقة، لم تنفّذ، تغيير دفتر الشروط لا يجوز، هذا يخلّ بالمنافسة، دفتر الشروط مثل دستور المناقصة…هذه مشكلة عادة مع مناقصات الوزارات وتحديداً هذه الوزارة، التعديل بالشروط، أي شروط متحرّكة”.
“لي الشرف اليوم أن أقدم واجباً وطنياً ووظيفياً مقدساً وأن أمثل أمام النائب العام الاستئنافي القاضي غسان عويدات.
جان العليّة كان أوّل من تحدّث عن صفقات الكهرباء المشبوهة والفيول المغشوش، وهو أكثر من يتمسّك بمبدأ دفتر الشروط.
لا شكّ في أنّ العليّة أزعج المسؤولين وأخافهم، كيف لشخص ضمن إدارات النظام العامّة أن يخلّ بقواعده الأساسيّة “فِد واستفد”. فقرّروا ترهيبه و”تأديبه” بالقضاء حتى يصبح كالنعامة التي تدفن رأسها في التراب وتتغاضى على كلّ من حولها. هذا هو النظام الذي يكره الشفافيّة ويطيح بكل من يتحدّى فساده. هو نظام يستدعي العلية إلى التحقيق، بينما يترك وزراء مطلوبين للعدالة في قضيّة ضخمة وكارثة العصر كانفجار مرفأ بيروت، أحراراً طليقين يسرحون بفسادهم، وقد أصبح بعضهم نواباً.
قبل مثوله أمام النيابة العامة التمييزية، قال العلية في مقابلة لـ”صوت لبنان“: “لنا شرف المثول أمام القضاء للدفاع عن القضاء أولاً بوجه الكتبة الذين يريدون تحويله إلى أداة للتهويل والتخويف، وثانياً للإدلاء عن معلومات مهمة، وأنا أثق بالقضاء والمؤسسات وألبي اليوم واجباً وطنياً وظيفياً بالمثول أمام القضاء”، مضيفاً: “في جعبتي ما لم أستطع البوح به للإعلام وسأقول أمام القضاء ما لدي من معلومات، لا سيما أن الذين شنوا هجوماً على إدارة المناقصات لديهم مصالح معينة”.
إقرأوا أيضاً:
بعد خروجه، صرّح العلية من أمام قصر العدل: “لي الشرف اليوم أن أقدم واجباً وطنياً ووظيفياً مقدساً وأن أمثل أمام النائب العام الاستئنافي القاضي غسان عويدات. كما استمع إلي على سبيل المعلومات. وكانت جلسة مطولة أجبت فيها عن كل الأسئلة”، مضيفاً، “سأتقدم بواسطة المحامي نزار صاغية بإخبار منفصل في موضوع مزايدة السوق الحرة… جلسة الاستماع مع عويدات ستكون في موضوع “الإخبار” – بين مزدوجين “خبرية أم إخبار” التي تقدم بها وزير العدل وموضوع الإخبار الذي سأتقدم به رسمياً اليوم. ونحن لا نستهدف أي شخص، فهو ضد كل من يتطاول على المال العام أيا كان”.
وفي هذا السياق، أكد المحامي نزار صاغية، أنه سيتقدم بالاخبار “للدفاع عن الوظيفة العامة وحرية التعبير والقرارات القضائية وتمكين الموظف من حماية المصلحة العامة”.
اليوم القضاء اللبناني أمام امتحان جديد، للأسف نادراً ما نجح القضاء حتى اليوم في قضايا كهذه، فهل يخذل العليّة أيضاً؟
إقرأوا أيضاً: