“إذا لم أتمكن من تحصيل أدويتي سأكون عرضة للتجلطات الدموية وسأحتاج إلى دخول مستشفى. يمكنني أن أموت حرفياً…”، تقول نور بزي (26 عاماً)، وهي شابة لبنانية تعاني من أمراض قلبية مزمنة وتحتاج لتأمين أكثر من 3 أدوية شهرياً لتنظيم دقات قلبها.
“لا أستطيع أن أجد أدويتي في صيدليات بيروت رغم كل محاولاتي، حتى بدائل الأدوية ليست موجودة، علماً أن أدويتي حساسة ولا يمكنني استبدالها وفقاً لطبيبي”، تُضيف نور، شارحةً معاناتها شبه الأسبوعية مع تأمين علاجها، الذي يُفترض أن يكون بديهياً في دولةٍ أخرى.
حتى الآن، لم تفقد نور أدويتها بالكامل، فهي لا تزال تحصل على نصف علاجها من رحلة بحثها في صيدليات العاصمة بيروت، التي ترفض تسليمها الأدوية كاملةً، بينما تحصل على النصف الآخر من خلال جولات في صيدليات مناطق نائية بعيداً من العاصمة.
نور هي واحدة من مئات اللبنانيين الذين يمضون ساعات يومياً في البحث عن أدويتهم، وغالباً ما يعودون خائبين، بعد أن يسمعوا من غالبية الصيادلة الجواب نفسه: “مقطوع”.
مروى (25 عاماً) تجد صعوبة بالغة في تحصيل علاجها أيضاً، “لدي خوف دائم من أن أفقد أدويتي، لأنني أعلمُ كم ستسوء حالتي حينها”، تقول لـ”درج”. وتُضيف أنها سبق وعجزت عن تأمين علاجها فتدهورت حالتها ما اضطرها إلى دخول المشفى.
تُعاني مروى من اضطراب ثنائي القطب، وهي بحاجة لمجموعة من الأدوية شهرياً، معظمها بات مفقوداً من السوق بفعل استفحال الأزمة الاقتصادية التي انعكست على القطاع الصحي في لبنان.
قصص كثيرة جمعها “درج” لمواطنين باتت حياتهم رهناً بقرار حاكم مصرف لبنان رفع الدعم عن الدواء. منها قصة ريما (35 عاماً)، التي تُعاني من اضطراب نفسي، والتي تفقد تماسكها في كثير من الأحيان بسبب عدم توفّر علاجها. أو وسام (32 عاماً)، التي أجابت بـ”أحاول أن أتحمّل الوجع”، حين سألناها عن ما تفعله إزاء عجزها عن تأمين دواءها. كذلك ميسم، التي لم تجد سوى علبة واحدة من دواء تستخدمه لمعالجة جرثومة في معدتها، واضطرت لتناوله على الرغم من أن صلاحيته تُشارف على الانتهاء بعد أقل من 20 يوماً. أميرة أيضاً، ذهبت لتضع مولودها في المشفى، فوجدت أن مادة الـ”ميثرجين” مفقودة، وهي المادة الأساسية التي تُستخدم لوقف النزيف بعد الولادة في حال حصوله. هذا عدا الصيدليات التي تبيعُ الأدوية بـ”الحبة”.
“مخزون الأدوية عامة وحليب الرضع والأدوية المزمنة سيصل إلى معدّل صفر بعد شهر من الآن”.
تعود أسباب أزمة شح المستلزمات الطبية إلى خلاف بين مستوردي تلك المستلزمات من جانب، ومصرف لبنان المركزي من جانب آخر، حول الاستمرار في دعم شرائها بنسبة 85 في المئة، بسعر الصرف الرسمي للدولار (1500 ليرة للدولار الواحد). وفي حال أوقفت الدولة دعم المستلزمات الطبية، فإن المستوردين سيبيعونها للمستشفيات بسعر صرف الدولار في السوق الموازية، كما يقول إداريون في عدد من المستشفيات الخاصة تواصل معهم “درج”. وهو ما يعني بدوره رفع المستشفيات لتعرفة عملياتها الجراحية وخدماتها الطبية، وتحميل الزيادة للمواطنين اللبنانيين، ومعظمهم غير قادر على تحمل مزيد من النفقات العلاجية. وبالتالي سيتحوّل العلاج في لبنان “لمن استطاع إليه سبيلاً”. وهذا ما ورد في بيان نقابة المستشفيات الأخير، إذ قالت أنه “لغاية الآن لا بصيص أمل في حل المشكلات التي يعاني منها القطاع الاستشفائي. والتخوّف الذي صارحنا به الرأي العام من أن يصبح الإستشفاء محصوراً بالاغنياء والميسورين فقط يتأكد يوماً بعد يوم”. معتبرة أنه “بات متعذراً على المستشفيات استقبال المرضى على عاتق الجهات الضامنة الرسمية والخاصة من دون تحميل المريض فروقات في أسعار المستلزمات الطبية والفحوصات المخبرية والشعاعية”. هذا عدا تغريدة مدير مستشفى بيروت الحكومي فراس أبيض، الذي قال إننا “وصلنا إلى جهنم حقاً”، بعد انقطاع التيار الكهربائي عن المستشفى وعدم توفّر مادة الفيول، ما أجبر إدارة المستشفى على إيقاف أجهزة التكييف على رغم موجة الحرّ.
المخزون لشهر فقط!
الأزمة ليست مرتبطة بالمستلزمات الطبية الخاصة بالجراحات وأمراض القلب والأوعية الدموية ومادة “البنج” المخدّرة فقط، بل تسري على الدواء أيضاً، إذ إن لبنان يستورد معظم حاجة سكانه إلى الدواء، والصناعات المحلية محدودة و”مقطوعة أيضاً” من السوق، وفق نقيب مستوردي الأدوية كريم جبارة.
جبارة يقول إن “مخزون الأدوية عامة وحليب الرضع والأدوية المزمنة سيصل إلى معدّل صفر بعد شهر من الآن”. موضّحاً أن مستوردي الأدوية “توقّفوا عن استيراد الدواء من الخارج”، نافياً ما تتناوله وسائل الإعلام من أخبار عن احتكار الأدوية في انتظار رفع الدعم لبيعها بأسعارها الجديدة وتحقيق أرباح، علماً أن وزير الصحة داهم أكثر من مخزن أدوية ليتبيّن أن بعضها لديه مخزون كبير تمتنع عن بيعها.
وعلى الرغم من انتشار أخبار عن اتفاق بين وزارة الصحة ومصرف لبنان على آلية لاستمرار الدعم لاستيراد الأدوية والمواد المستخدمة في المختبرات الطبية يقضي بخفض كلفة الدعم من نحو مليار و200 مليون دولار إلى نحو 800 مليون دولار، إلا أن جبارة يبدو متشائماً، و “لا علم له بذلك”، ويؤكد أنّ “الأزمة مستمرة”.
المختبرات على الخطى نفسها
“غالبية المرضى يسألون عن سعر تحاليلهم ثم يختفون إذ يتفاجأون بهول الأسعار… لقد تراجع عملنا كثيراً، كنّا نستقبل أكثر من 350 مريضاً يومياً، واليوم لا يتخطى العدد الـ60 مريضاً علماً أننا نملك فروعاً في أغلب المناطق اللبنانية”، تقول مديرة إحدى المختبرات، وتؤكد أن غالبية المختبرات الطبية بدأت بالاعتذار من المرضى لعدم إمكانية إجراء الفحوص المخبرية على حساب شركات التأمين والمؤسسات الضامنة، “إلى أن يصدر قرار من نقابة المختبرات الطبية أو وزارة الصحة بشأن تعديل الأسعار”. لكل يوم سعر جديد في المختبرات، وفق سعر صرف الدولار في السوق السوداء، بحسب المديرة، و”المضطر فقط” هو من يجري التحاليل الطبية، “كالذي يتحضّر لزرع كلوة مثلاً ولا يملك بديلاً”، وربما أيضاً من يستطيع إليها سبيلاً.
إقرأوا أيضاً: