ادعت المحكمة العسكرية على موقوفي طرابلس بجريمتي “الإرهاب والسرقة”، هكذا يقول الخبر الذي نقلته وسائل إعلام لبنانية.
وكانت طرابلس قد شهدت راهناً احتجاجات مطلبية جراء الإقفال العام الذي فرضته الحكومة اللبنانية في مواجهة فايروس “كورونا”، من دون أي خطة اقتصادية موازية، ما أدى إلى تدهور المأساة المعيشية، لا سيما في مدينة كطرابلس يشكل العمال المياومون الجزء الأكبر من اقتصادها، كالباعة المتجولين وغيرهم من الفئات العاملة، والذين توقفت أشغالهم البسيطة لفترة طويلة.
تهمة الإرهاب ليست جديدة على أبناء طرابلس، فهم عانوا منها منذ سنين طويلة، منذ معارك التبانة وجبل محسن، وازداد الأمر مع بدء الثورة السورية، ومشاركة بعض أبناء طرابلس في الحرب هناك.
في الواقع، شارك لبنانيون في الحرب السورية بخاصة في السنوات الأولى من الثورة، إن كان في صفوف النظام أو دعماً للمعارضة، إلا أن القضاء اللبناني كان يعتبر المشاركة إلى الجانب المعارضة إرهاباً، فيما مقاتلو “حزب الله” يقطعون الحدود علناً أمام الجيش اللبناني من دون أي إزعاج، لمساندة النظام السوري، ولا أحد أتى على ذكر الإرهاب في هذا السياق.
وصم أي عمل احتجاجي أو أمني بالإرهاب ليس جديداً على طرابلس، إنما من المعيب أن يسلك القضاء هذا المسار أيضاً، من دون أن يتعلم أي شيء من عشرات المظلومين الذين يقبعون في السجون اللبنانية من دون محاكمة، لا سيما خلال السنوات الماضية، إن كان في اشتباكات التبانة وجبل محسن أو في اشتباكات مع الجيش، إلا أن الجديد في الموضوع هو قرار القضاء بمواجهة الانتفاضة عموماً ومحتجي طرابلس خصوصاً، بتهمة الإرهاب بسبب إحراق الطبقة السفلى من مبنى بلدية طرابلس. أما تهمة السرقة فتبدو أقرب إلى تشويه السمعة منها إلى الحقيقة، فما الذي سُرق في أحداث طرابلس، أوراق من البلدية أو سندات إقامة؟
أُخمدت الاحتجاجات بعد إحراق البلدية، ولم يلقَ المحتجون أي دعم لا من نخب المدينة ولا من مجتمعها المدني، لا بل تم التحريض عليهم والمطالبة بمحاكمتهم علناً، لكننا لم نسمع أياً من المجموعات أو المثقفين يطالب مثلاً بمحاكمة الملياردير نجيب ميقاتي عندما دعا إلى التسلح وحماية مؤسساته بنفسه من التظاهرات!؟
ولم نر أيضاً القضاء العسكري يحاكم من تسبب بقتل المتظاهر عمر طيبة في الاحتجاجات الماضية، ولا من قتل فواز السمان في طرابلس العام الماضي.
لم “يقصّر” الإعلام بحق طرابلس أبداً، حملة التشويه لم تتوقف، ولا يمكن فصل التحريض الإعلامي عن الجو السياسي في البلد الذي وضع المعتقلين في خانة المتآمرين على البلاد، وطبعاً تحضر هنا سرديات الممانعة وإعلامها، إن كان من جهة تحميل بهاء الحريري مسؤولية تحريك الشارع، أو من خلال الإشارة إلى الدور التركي في الشمال، كما أن الرئيس المكلف سعد الحريري لم يكن أقل تخويناً للمحتجين من إعلام الممانعة، واصفاً إياهم بالمجرمين، متخوفاً من “عودة مخطط تسلل التطرف إلى المدينة”.
ولكن ما المتوقع من محكمة عسكرية حاكمت متظاهري حراك 2015 بتهمة هز شريط شائك واعتباره عتاداً عسكرياً، أو بمحكمة أطلقت سراح العميل عامر الفاخوري بصفقة مريبة من دون أي توضيح أو تبرير؟
ليست المحكمة العسكرية سوى انعكاس لرداءة البلاد، أمنياً واقتصادياً وسياسياً. كيف تفسر لنا هذه المحكمة أو سواها من أجهزة أمنية مثلاً عدم الاشتباه بأي أحد إلى الآن بجريمة اغتيال لقمان سليم؟ أليس هذا إرهاباً واضح المعالم وضحيته موجودة، تقبع الآن تحت تراب حديقة منزلها؟!
لماذا لم تدعِ المحكمة العسكرية على من تعرض للمتظاهرين وللقوى الأمنية من مناصري “حزب الله” و”حركة أمل” خلال عامٍ ونصف العام من الاحتجاجات، أو لأنها لا تجرؤ إلا على مهمشي طرابلس والأطراف.
أين كانت المحكمة العسكرية أو القضاء عموماً عندما تعرض شبان في الجنوب للضرب والتنكيل بسبب مواقفهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد رُفعت دعاوى قضائية بشأن المعتدين الحزبيين، لكنها لم تصل إلى أي نتيجة؟
القرار الذي صدر بحق أهالي طرابلس، إذا لم يتم التراجع عنه سيفتح باب الظلم من جديد على 35 شاباً ينضمون إلى قافلة المظلومين الطويلة، كما سيفتح البازار السياسي عند أول انتخابات نيابية وسيخرج نواب وزعامات ليقولوا “هؤلاء مظلومون في السجون”، على أمل بألا ينسى أحد أن من سيأتي لاستغلالهم هم أنفسهم الذين حرضوا عليهم ليلة إحراق البلدية واصفين إياهم بالمجرمين والمندسين.
إقرأوا أيضاً: