fbpx

لبنان: المملكة العونية إذ تنقسم على نفسها

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

شعر حتي بأنّ عليه الرحيل وخذلان المملكة العونية التي أتت به. ولا نعرف إن كان من تكنوقراطيين آخرين يفكّرون بمغادرة هذا الحصار وعدم تلويث تاريخهم أو مسيرتهم بحكومة لا تقوم سوى بالتفاهات والإنجازات الوهمية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]
ناصيف حتي

كان على الرفاق في المملكة العونية الهانئة أن يكونوا أكثر حرصاً واحتراساً، قبل أن يبدأ التصدّع من الداخل، ويمتدّ الانقسام من حيّزه العام، إلى حيّز شديد الخصوصية داخل “التيار الوطنيّ الحر”.

ناصيف حتي، وزير الخارجية التكنوقراطي الذي أتى به رئيس التيار جبران باسيل إلى حكومة حسان الدياب التكنوقراطي الآخر، الذي أتى به “حزب الله” حليف التيار، استقال وعبّر صراحة عن عدم رضاه عن أداء الحكومة.

طبعاً كان البديل جاهزاً، فلا وقت للانتظار أو طرح الأسئلة حول استقالة رجل يُعرف بنظافة كفّه ورصانته من الحكومة. وسريعاً تم خلط الأسماء، لتعيين وزير آخر، هو السفير شربل وهبي. 

بغض النظر عن الأسباب الحقيقية التي تلوح خلف هذه الاستقالة، إلا أن ما يهمّ حقاً أن حتي ضاق ذرعاً بكل ما يحصل ومضى. ربما استقالة حتي تأتي كخطوة استباقيّة، لما يعرف الديبلوماسيّ العتيق أنه سيُطلب منه في المرحلة المقبلة، في ظل وضع لبناني المهزوز دولياً، وحاجة البلاد في الوقت نفسه إلى الدعم الدوليّ. 

هذا يضاف إلى الحدث الذي قصم ظهر البعير، حين وجه رئيس الحكومة حسان دياب إهانات مباشرة إلى وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الذي زار لبنان، إذ نقلت وسائل الإعلام أنه قال له : “انا رئيس حكومة لبنان ولا اسمح لك باعطائي التعليمات فيما يجب القيام به. انا لست سعد الحريري لأنفذ تعليماتك. ولاحقاً صرح دياب إن “زيارته لم تحمل جديداً، وأن لديه نقصاً في المعلومات عن حجم الإصلاحات التي قامت بها حكومته”. بعد تلك القصة، شعر حتي بأنّ عليه الرحيل وخذلان المملكة العونية التي أتت به. ولا نعرف إن كانت سبحة الاستقالات ستكرّ الآن، وإن كان من تكنوقراطيين آخرين يفكّرون بمغادرة هذا الحصار وعدم تلويث تاريخهم أو مسيرتهم بحكومة لا تقوم سوى بالتفاهات والإنجازات الوهمية وتعميق الفساد والانهيار.

هي مملكة على ما يبدو لم تعد تستوي على فكرة واحدة، أو قضية واحدة، فحتى النضال الذي خاضه شبان التيار وشاباته أيام الوصاية السورية ومعارك الجامعات، أصبح حكايات قديمة وذكريات، مذ أسلم التيار الروح بين يدي تفاهم “مار مخايل” العتيد.

تصدّع المملكة العونية بات حدثاً يومياً، نلقاه هنا وهناك في فيديوات الانشقاق عن التيار التي تشبه الخروج من السجن. طبعاً يبقى للتيار الكثير من المذهولين ببطولات الرئيس ميشال عون أيام كان جنرالاً يريد تحرير البلاد من الجيش السوري ومن الميليشيات. وهؤلاء يعيشون حتى الآن في نعيم الوهم، أو “متاهات الوهم” كما سمّى يوسف زيدان أحد كتبه.

ويملك التيار أيضاً رجال أعمال وموظفين مستفيدين من سطوته، هؤلاء يعيشون حتى اللحظة نشوة الوصول وفرحة الانتصار. وربما نعوّل عليهم في مرحلة أخرى، حين يخف النفوذ الاقتصادي، وربما حين يسقط سدّ بسري مدمّر البيئة، نهائياً من التداول.

إنما هناك آخرون كثيرون ممن تعبوا من معزوفات التبرير للفشل في إدارة البلاد، وربما هالنا أن جوزيف أبو فاضل منظّر التيار وحارس سياساته واحد من هؤلاء. لقد فعلها الرجل، تحدّث عن رئيس التيار العوني جبران باسيل بصراحة على قناته otv، وانتقد تملّص التيار من مسؤولياته وتملّصه أيضاً من حكومته، وتكراره أسطوانة أن “أحدهم” منع قيادييه ووزراءه ونوابه من العمل.

قال جوزيف أبو فاضل إنّ هناك فرقاً كبيراً بين الرئيس عون وباسيل، كأنه يخبرنا عن أنّ انقسام المملكة العونية على ذاتها، بات حقيقةً لا مهرب منها. وهكذا بدت الزميلة جوزيفين ديب في ذهول لافت وهي تحاور الرجل، ولا تملك الكثير لتحاججه، وربما تكون في لحظة حقيقة ما، مقتنعةً بما يقوله منظر المملكة العونية السعيدة.

ربما بات “كليشيه” القول إن عون وباسيل ليسا في خندق واحد، ولا دليل حسياً يثبت ذلك، على رغم أننا نسمعه من عونيين كثيرين، حين يودّون التعبير عن انتمائهم إلى التيار، وعدم تجاهل انزعاجهم واعتراضهم على سياسة جبران باسيل، في الوقت نفسه. وهؤلاء منهم من يكتب قصائد غزل بـ”رينجر” الجيش اللبناني داعين إياه إلى الدوس على رقبة الثوار والنشطاء والأحرار. هؤلاء لا يهتمون كثيراً لوجود “حزب الله” المسلّح، ولا تروقهم فكرة الحياد.

“نحنا مع الرئيس” نسمعها كثيراً وهنا لا يفتح أحد سيرة فتوحات باسيل وأنشطته. لكنّ الرئيس لم يخرج مرّةً واحدة منتقداً صهره، بل بدا دوماً حاضناً، مدافعاً، مطالباً بمنح جبران ما يريده من حصص حكومية وغير حكومية.

أما في المقابل، فلا يمكن إغفال تيار آخر داخل التيار، وهو تيار “الباسيليين”، هؤلاء الذين يعتدّون بعنتريات جبران باسيل ودفاعه عن المسيحيين ومطالبته بإخراج النازحين السوريين من الأراضي اللبنانية. هؤلاء يدغدغهم خطاب باسيل ويجعلهم سعداء منتصرين، بغض النظر عن أساليبه أو ما تحويه تلك الخطابات من كراهية وعنصرية وإقصاء للآخر.

وبذلك يمكن تقسيم المملكة العونية إلى ثلاثة كتائب (في الحد الأدنى)، كتيبة المنشقين، كتيبة العونيين (نحنا مع الرئيس)، كتيبة الباسيليين. وهي مملكة على ما يبدو لم تعد تستوي على فكرة واحدة، أو قضية واحدة، فحتى النضال الذي خاضه شبان التيار وشاباته أيام الوصاية السورية ومعارك الجامعات، أصبح حكايات قديمة وذكريات، مذ أسلم التيار الروح بين يدي تفاهم “مار مخايل” العتيد. والسلام.

04.08.2020
زمن القراءة: 4 minutes

شعر حتي بأنّ عليه الرحيل وخذلان المملكة العونية التي أتت به. ولا نعرف إن كان من تكنوقراطيين آخرين يفكّرون بمغادرة هذا الحصار وعدم تلويث تاريخهم أو مسيرتهم بحكومة لا تقوم سوى بالتفاهات والإنجازات الوهمية.

ناصيف حتي

كان على الرفاق في المملكة العونية الهانئة أن يكونوا أكثر حرصاً واحتراساً، قبل أن يبدأ التصدّع من الداخل، ويمتدّ الانقسام من حيّزه العام، إلى حيّز شديد الخصوصية داخل “التيار الوطنيّ الحر”.

ناصيف حتي، وزير الخارجية التكنوقراطي الذي أتى به رئيس التيار جبران باسيل إلى حكومة حسان الدياب التكنوقراطي الآخر، الذي أتى به “حزب الله” حليف التيار، استقال وعبّر صراحة عن عدم رضاه عن أداء الحكومة.

طبعاً كان البديل جاهزاً، فلا وقت للانتظار أو طرح الأسئلة حول استقالة رجل يُعرف بنظافة كفّه ورصانته من الحكومة. وسريعاً تم خلط الأسماء، لتعيين وزير آخر، هو السفير شربل وهبي. 

بغض النظر عن الأسباب الحقيقية التي تلوح خلف هذه الاستقالة، إلا أن ما يهمّ حقاً أن حتي ضاق ذرعاً بكل ما يحصل ومضى. ربما استقالة حتي تأتي كخطوة استباقيّة، لما يعرف الديبلوماسيّ العتيق أنه سيُطلب منه في المرحلة المقبلة، في ظل وضع لبناني المهزوز دولياً، وحاجة البلاد في الوقت نفسه إلى الدعم الدوليّ. 

هذا يضاف إلى الحدث الذي قصم ظهر البعير، حين وجه رئيس الحكومة حسان دياب إهانات مباشرة إلى وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الذي زار لبنان، إذ نقلت وسائل الإعلام أنه قال له : “انا رئيس حكومة لبنان ولا اسمح لك باعطائي التعليمات فيما يجب القيام به. انا لست سعد الحريري لأنفذ تعليماتك. ولاحقاً صرح دياب إن “زيارته لم تحمل جديداً، وأن لديه نقصاً في المعلومات عن حجم الإصلاحات التي قامت بها حكومته”. بعد تلك القصة، شعر حتي بأنّ عليه الرحيل وخذلان المملكة العونية التي أتت به. ولا نعرف إن كانت سبحة الاستقالات ستكرّ الآن، وإن كان من تكنوقراطيين آخرين يفكّرون بمغادرة هذا الحصار وعدم تلويث تاريخهم أو مسيرتهم بحكومة لا تقوم سوى بالتفاهات والإنجازات الوهمية وتعميق الفساد والانهيار.

هي مملكة على ما يبدو لم تعد تستوي على فكرة واحدة، أو قضية واحدة، فحتى النضال الذي خاضه شبان التيار وشاباته أيام الوصاية السورية ومعارك الجامعات، أصبح حكايات قديمة وذكريات، مذ أسلم التيار الروح بين يدي تفاهم “مار مخايل” العتيد.

تصدّع المملكة العونية بات حدثاً يومياً، نلقاه هنا وهناك في فيديوات الانشقاق عن التيار التي تشبه الخروج من السجن. طبعاً يبقى للتيار الكثير من المذهولين ببطولات الرئيس ميشال عون أيام كان جنرالاً يريد تحرير البلاد من الجيش السوري ومن الميليشيات. وهؤلاء يعيشون حتى الآن في نعيم الوهم، أو “متاهات الوهم” كما سمّى يوسف زيدان أحد كتبه.

ويملك التيار أيضاً رجال أعمال وموظفين مستفيدين من سطوته، هؤلاء يعيشون حتى اللحظة نشوة الوصول وفرحة الانتصار. وربما نعوّل عليهم في مرحلة أخرى، حين يخف النفوذ الاقتصادي، وربما حين يسقط سدّ بسري مدمّر البيئة، نهائياً من التداول.

إنما هناك آخرون كثيرون ممن تعبوا من معزوفات التبرير للفشل في إدارة البلاد، وربما هالنا أن جوزيف أبو فاضل منظّر التيار وحارس سياساته واحد من هؤلاء. لقد فعلها الرجل، تحدّث عن رئيس التيار العوني جبران باسيل بصراحة على قناته otv، وانتقد تملّص التيار من مسؤولياته وتملّصه أيضاً من حكومته، وتكراره أسطوانة أن “أحدهم” منع قيادييه ووزراءه ونوابه من العمل.

قال جوزيف أبو فاضل إنّ هناك فرقاً كبيراً بين الرئيس عون وباسيل، كأنه يخبرنا عن أنّ انقسام المملكة العونية على ذاتها، بات حقيقةً لا مهرب منها. وهكذا بدت الزميلة جوزيفين ديب في ذهول لافت وهي تحاور الرجل، ولا تملك الكثير لتحاججه، وربما تكون في لحظة حقيقة ما، مقتنعةً بما يقوله منظر المملكة العونية السعيدة.

ربما بات “كليشيه” القول إن عون وباسيل ليسا في خندق واحد، ولا دليل حسياً يثبت ذلك، على رغم أننا نسمعه من عونيين كثيرين، حين يودّون التعبير عن انتمائهم إلى التيار، وعدم تجاهل انزعاجهم واعتراضهم على سياسة جبران باسيل، في الوقت نفسه. وهؤلاء منهم من يكتب قصائد غزل بـ”رينجر” الجيش اللبناني داعين إياه إلى الدوس على رقبة الثوار والنشطاء والأحرار. هؤلاء لا يهتمون كثيراً لوجود “حزب الله” المسلّح، ولا تروقهم فكرة الحياد.

“نحنا مع الرئيس” نسمعها كثيراً وهنا لا يفتح أحد سيرة فتوحات باسيل وأنشطته. لكنّ الرئيس لم يخرج مرّةً واحدة منتقداً صهره، بل بدا دوماً حاضناً، مدافعاً، مطالباً بمنح جبران ما يريده من حصص حكومية وغير حكومية.

أما في المقابل، فلا يمكن إغفال تيار آخر داخل التيار، وهو تيار “الباسيليين”، هؤلاء الذين يعتدّون بعنتريات جبران باسيل ودفاعه عن المسيحيين ومطالبته بإخراج النازحين السوريين من الأراضي اللبنانية. هؤلاء يدغدغهم خطاب باسيل ويجعلهم سعداء منتصرين، بغض النظر عن أساليبه أو ما تحويه تلك الخطابات من كراهية وعنصرية وإقصاء للآخر.

وبذلك يمكن تقسيم المملكة العونية إلى ثلاثة كتائب (في الحد الأدنى)، كتيبة المنشقين، كتيبة العونيين (نحنا مع الرئيس)، كتيبة الباسيليين. وهي مملكة على ما يبدو لم تعد تستوي على فكرة واحدة، أو قضية واحدة، فحتى النضال الذي خاضه شبان التيار وشاباته أيام الوصاية السورية ومعارك الجامعات، أصبح حكايات قديمة وذكريات، مذ أسلم التيار الروح بين يدي تفاهم “مار مخايل” العتيد. والسلام.