fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

لبنان: بنك “عودة” ربح 1.6 مليار دولار على وقع شراكة مع رياض سلامة ونجله

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

مؤسسة “أوفشور” مرتبطة بحاكم مصرف لبنان باعت أسهماً لمصرف يخضع لإشرافه

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]
  • توم ستوكس ورياض قبيسي ورنا الصباغ (OCCRP.org) وعليا إبراهيم (Daraj.com)

كشف  مشروع “تتبع الجريمة المنظمة والفساد العابر للحدود “OCCRP.org وموقع “درج” أن شركة ترتبط بحاكم مصرف لبنان استثمرت في شركة ابنه وباعت لاحقاً أسهمها إلى مصرف لبناني بارز يخضع لإشرافه.

وتثير الصفقة أسئلة حول إذا ما كانت تمثل تضارباً محتملاً في المصالح لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي كانت استثماراته الخارجية العقارية الواسعة موضوع تحقيق نشره مشروع “OCCRP.org” وشريكه في لبنان، موقع “درج” قبل نحو ثلاثة شهور. 

وشملت الصفقة أسهماً في “كروسبريدج كابيتال”Crossbridge Capital، وهي مؤسسة لإدارة الثروة مقرها في لندن وتملكها شركة غامضة مسجلة في بنما، اسمها “كروسلاند أسيتس كورب” (Crossland Assets Corp). وعمل ابن سلامة ندي سابقاً في “كروسبريدج” ويحتفظ بأسهم في المؤسسة.

واستحوذ “بنك عودة”، أكبر مصارف لبنان، على أسهمه في “كروسبريدج كابيتال” عام 2016 في وقت كان فيه رياض سلامة يطلق سياسة نقدية مثيرة للجدل أفادت المصرف بمبلغ ضخم بلغ 1.6 مليار دولار.

ولا تظهر أي سجلات عامة رابطاً مباشراً بين رياض سلامة و”كروسلاند أسيتس كورب” او اي أدلة مباشرة انه قام بخرق القانون. لكن مشروع ال OCCRP.org وجد روابط متعددة بين “كروسلاند” وشركة بنمية أخرى أعطت رياض سلامة شقة فاخرة في لندن ما يثير شكوك جدية رفض المحافظ المتنفذ الإجابة عليها في معرض استفسارات الصحافيين العاملين على هذا التحقيق الاستقصائي.

حين سُئِل سلامة مجدداً عن “كروسلاند أسيتس”، رد بالقول: “إن أي مسألة خاصة ليست مفتوحة للنقاش

فقد تشاركت “كروسلاند أسيتس” والشركة الأخرى، “ميريون كابيتال إس إيه” (Merrion Capital S.A)، المؤسستان في اليوم نفسه عام 2008، المديرين والوكلاء والمكتتبين وأمين الخزانة أنفسهم. وكانت الجهة الوحيدة المساهمة في “كروسلاند” شركة وصاية من ليختنشتاين يديرها الأشخاص أنفسهم.

وكان عمر “كروسلاند أسيتس” المحمية ملكيتها بقانون سرية الشركات في بنما، لا يتجاوز شهرين حين اشترت أسهم “كروسبريدج كابيتال” الصادرة بداية لمصلحة “ويستليك كوميرشال إنك” (Westlake Commercial Inc)، وهي شركة وهمية لا تظهر أي نشاط في مجال الأعمال. 

وكانت “ويستليك” دفعت إلى “كروسبريدج كابيتال” 2.5 مليون دولار في مقابل نحو 5 في المئة من الشركة. وليست ملكيتها ولا شروط التحويل إلى “كروسلاند أسيتس” معروفة. 

الجدول الزمني 1 الذي يبين إصدار 17 ألفاً و857 سهماً عام 2008-2009 ونقلها بما يشمل “ويستليك” و”كروسلاند”]

نُقِلت “كروسلاند أسيتس” إلى ليختنشتاين عام 2018، وأفادت بوجود 42.8 مليون دولار في أصول نقدية و1.8 مليون دولار في استثمارات في محافظ خلال كانون الأول/ ديسمبر 2019. 

وسأل مشروع الـ “OCCRP.org” سلامة ثلاث مرات خلال أربعة أشهر إن كان يملك مصلحة في “كروسلاند أسيتس”. وفي كل مرة، التف على السؤال أو تجاهله.

وقال سلامة من خلال محاميه: “لا نتمكن من فهم هذا السؤال”. وأضاف أن مشروع الـ“OCCRP.org” يجب أن يتواصل مع “كروسبريدج كابيتال”، التي بدورها رفضت الإجابة على السؤال بذريعة توجيهات الاتحاد الأوروبي المتعلقة بالسرية.

وحين سُئِل سلامة مجدداً عن “كروسلاند أسيتس”، رد بالقول: “إن أي مسألة خاصة ليست مفتوحة للنقاش”.

ولدى سؤاله عن “ويستليك”، أجاب سلامة: “لم نحدد أي مسألة تهم الرأي العام في رسالتكم الإلكترونية… ولذلك، ليس لدينا ما نضيفه في شأن هذه المراسلة”.

ووفق القانون اللبناني، يُمنَع على حاكم المصرف المركزي المشاركة في أعمال خارجية تتجاوز حدود امتلاك سندات أو أسهم في شركات مساهمة. وقال علي زبيب، وهو محام مقيم في بيروت وخبير في التنظيم المصرفي والمالي الدولي، لمشروع  ال “OCCRP.org” إن مخالفة هذا المنع قد تُعتبَر تضارباً في المصالح يمكن أن تؤدي إلى صرف فوري من المنصب.

ووفق خبراء قانونيين آخرين، بمن فيهم غسان مخيبر، وهو نائب سابق وناشط في مجال مكافحة الفساد وأعمال حقوق الإنسان، وجينا شماس، وهي مستشارة اقتصادية سابقة لرئيس لبنان وخبيرة في إجراءات مكافحة الفساد، لا يحدد القانون اللبناني في شكل مباشر تضارب المصالح. لكن القوانين التي تعالج سوء استخدام السلطة من قبل موظف حكومي قد تنطبق على هذه الحالة بحسبهم. 

الشـقــة

يؤدي منزل ندي سلامة السابق في لندن دوراً مهمّاً في تبيان روابط والده بـ”كروسلاند أسيتس”.

فقبل الالتحاق بـ”كروسبريدج كابيتال” عام 2008، تدرب سلامة الابن في الفرع اللندني لمصرف “كريدي سويس” (Credit Suisse)، الذي أسس مديرون سابقون فيه “كروسبريدج كابيتال” وجعلوه أحد أول الموظفين فيها. 

وعام 2009، أودعت “ميريون كابيتال” أوراقاً لتسجيل مصلحة في شقة فخمة تقع في الناحية الأخرى تماماً من هايد بارك في مقابل مكاتب “كروسبريدج كابيتال” في مايفير. واشترت “ميريون كابيتال” الشقة كلها عام 2010. وأعلن ندي سلامة الشقة منزله في وثائق الشركة عام 2013.

وفي كانون الثاني/ يناير 2017، نقلت “ميريون كابيتال” الشقة، المقدرة بـ4.1 مليون دولار، إلى رياض سلامة، الذي وقع بياناً يفيد بأن الصفقة “ليست من أجل المال أو أي شيء ذي قيمة نقدية”. وفي اليوم التالي، أعطى ابنه الشقة.

ويشير ذلك البيان إلى أن رياض سلامة حصل على هدية قيمة من جهة غير معروفة  أو انه كان المالك أو المتحكم بإدارة  “ميريون كابيتال”، التي حُلَّت بعد شهرين. ولم يرد قط حين سأله مشروع ال “OCCRP.org” التعليق على هذه الشركة لغرض هذا المقال.

ورفض ندي سلامة الذي ما زال يملك هذ الشقة الرد على طلب للتعليق لغرض هذا التحقيق الاستقصائي.

الجدول الزمني 2 يبين الملكيات المؤسسية المتشابكة بين “سلامندور” و”كروسلاند أسيتس” و”ميريون كابيتال”]

لـعبة الـوهـم

ليس مطلوباً من شركة الوصاية في ليختنشتاين التي تملك “كروسلاند كابيتال” أن تودع معلومات عامة حول مساهميها، لكن اسمها لافت: “سلامندور تراست ريغ” (Salamandur Trust reg).

تأسست “سلامندور” في تشرين الأول/ أكتوبر 2008 بثلاثة أعضاء في مجلس الإدارة: يوهانس مات، العضو السابق في برلمان ليختنشتاين، و”تريماكو تراست ريغ” (Tremaco Trust reg)، وهي شركة لخدمات الوصاية المحترفة يملكها مات، وكلود فون هيلدبراند.

وبعد شهر، عُيِّن المديرون أنفسهم لإدارة “كروسلاند كابيتال” و”ميريون كابيتال”.

ولم يرد رياض سلامة حين سُئِل إن كان يملك مصلحة في شركة الوصاية.

روابـط مشـكـوك فـيـها

شارك الخبراء في شركات الوصاية الذين يديرون الشركات الوهمية الخارجية المرتبطة بسلامة، في أعمال وصاية شملت برنامجاً للتهرب الضريبي أدى إلى فرض الولايات المتحدة غرامة قياسية بلغت 2.6 مليار دولار على “كريدي سويس” عام 2014. 

فقبل إدارة “ميريون كابيتال” و”كروسلاند أسيتس” و”سلامندور تراست ريغ”، كانت ماريا بوازو وكلود فون هيلدبراند مساهمين في “دوريغ بارتنر إيه جي” (Dörig Partner AG)، وهي شركة وصاية مقرها زيوريخ، في حين أدارا هما ويوهانس مات شركة تابعة لها في بنما. 

وساعدت “دوريغ بارتنر” بين عامي 1997 و2011 مواطنين أميركيين على تجنب الضرائب من خلال إنشاء شركات وهمية ذات حسابات مصرفية غير معلنة، ما أدى إلى إدانة مؤسسها، جوزيف دوريغ بالاحتيال.

وزعم قرار ظني من 47 صفحة أودِع عام 2011 أن دوريغ، الموظف القديم في “كريدي سويس”، تآمر مع المصرف السويسري العملاق لإنشاء شركة “فرعية” لتسهيل التهرب الضريبي. 

2.6

مليار دولار – الغرامة التي ترتبت على “كريدي سويس”

وغُرِّم “كريدي سويس” بـ 2.6 مليار دولار – وهذه غرامة قياسية في قضايا الجرائم الضريبية. ومُنِح دوريغ ومصرفي سابق آخر في “كريدي سويس” فترة تجريبية عام 2015.

وكانت بوازو مساهمة مؤسِّسة في “دوريغ بارتنر”. وامتلكت هي وفون هيلدبراند 10 في المئة من الشركة لكل منهما.

ولم يرد اسما بوازو وفون هيلدبراند في الوثائق العلنية للمحكمة، فهي تشير إليهما كمساهمين و”موظفين” في “دوريغ بارتنر” وحسب. ولم يُتّهَما لا هما ولا مات بأي مخالفة.

ولم يرد دوريغ ولا مات على طلب للتعليق. ولم يتمكن مشروع ال “OCCRP.org” من الوصول إلى بوازو وفون هيلدبراند للحصول على تعليقات.

وكذلك رفض المدعي الأميركي للمقاطعة الشرقية لولاية فيرجينيا، الذي مثّل الادعاء في القضية، التعليق. 

ورُبِط مات المقيم في ليختنشتاين بجدل آخر تناول شركات خارجية. 

ففي العقدين الأول والثاني من القرن الحادي والعشرين، حققت سلطات إنفاذ القانون في أربعة بلدان في مزاعم رشاوى دفعتها شركة تصنيع الأسلحة البريطانية “بي إيه إي سيستمز” (BAE Systems) لضمان عقد ينص على شراء جنوب أفريقيا مقاتلات بمبلغ 2.1 مليار دولار. ووافقت “بي إيه إي” عام 2010 على دفع 450 مليون دولار في مقابل إنهاء التحقيقات الأميركية والبريطانية.

وأسس مات شركات خارجية كثيرة حُوِّلت من خلالها ملايين الدولارات من شركة تابعة لـ”بي إيه إي” مسجلة في الجزر العذراء البريطانية إلى شركات وهمية يملكها فانا هلونغوين ، أحد مستشاري وزير الدفاع في جنوب أفريقيا. 

وفق خبراء قانونيين آخرين، بمن فيهم غسان مخيبر، وهو نائب سابق وناشط في مجال مكافحة الفساد وأعمال حقوق الإنسان، وجينا شماس، وهي مستشارة اقتصادية سابقة لرئيس لبنان وخبيرة في إجراءات مكافحة الفساد، لا يحدد القانون اللبناني في شكل مباشر تضارب المصالح. لكن القوانين التي تعالج سوء استخدام السلطة من قبل موظف حكومي قد تنطبق على هذه الحالة بحسبهم. 

ووصف عضو في وحدة مصادرة الأصول في جنوب أفريقيا في شهادة داعمة عام 2010 ليختنشتاين بأنها “مركز لنقل الأصول”.

ولم يُدَن مات بأي مخالفة، لكن التحقيقات الدولية تبين احتمال استخدام الهياكل الخارجية السرية التي ينشئها هو وغيره لأغراض جرمية.

وتستمر السرية الخارجية نفسها في حماية المالك المستفيد من “كروسلاند أسيتس” و”سلامندور تراست” من التدقيق العام.

وقال بن كاودوك من منظمة الشفافية الدولية في المملكة المتحدة: “يفرض القانون البريطاني على الشركات أن تعلن مالكيها، لكن حول العالم لا تزال هذه المعلومات طي الكتمان”.

رياض سلامة

تـضـارب مـصـالـح

يُعد “بنك عودة”، وهو مؤسسة مالية مرموقة مقرها بيروت ولها فروع في أوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أكبر مصرف في لبنان. وتخضع عملياته المتنوعة لتنظيم المصرف المركزي اللبناني ويعتمد في شكل كبير على سياسات الأخير، الذي يديره رياض سلامة منذ تعيينه في العام 1993.

واستفاد “بنك عودة” في السنوات الأخيرة مما يُسمَّى “الهندسة المالية”، وهي سياسة نقدية غير تقليدية أطلقها رياض سلامة عام 2016. وشملت هذه السياسة صفقات معقدة وغير شفافة مكنت المصارف التجارية من الاستفادة من مبادلة دولارات بالعملة الوطنية في مقابل ربح. 

1.6

مليار دولار – أرباح بنك عودة عام 2016

وفي حين أفادت الهندسة المالية المصارف كلها، أكدت لجنة الرقابة على المصارف في لبنان أن “بنك عودة” حقق الربح الأكبر – نحو 1.6 مليار دولار عام ٢٠١٦.

وأصبح “بنك عودة” مستثمراً بارزاً في “كروسبريدج كابيتال” من خلال صفقات مهيكلة بطريقة حجبت روابطه مع “كروسلاند أسيتس”.

فقد وافق مصرف تابع له، هو “بنك عودة سويس إس إيه”، على امتلاك 19 في المئة من “كروسبريدج كابيتال” في كانون الأول/ ديسمبر 2014. وقُيِّمت الصفقة بنحو 9.5 مليون دولار، لكنها لم تُبرَم حتى أيلول/ سبتمبر 2019 – بعد شهر تقريباً من توقف نادي سلامة عن إدارة المال لمصلحة عملاء “كروسبريدج”.

ونالت “كروسبريدج” أيضاً قرضاً بـ14.5 مليون دولار من “بيريت إنترناشيونال إن في” (Beryte International N.V)، وهي شركة غامضة لكن غير فاعلة إلى حد كبير، تتبع “بنك عودة” ومسجلة في كوراساو.

وفي كانون الأول 2016، اشترت “بيريت إنترناشيونال” أسهم “كروسبريدج كابيتال” من “كروسلاند أسيتس”. شروط الصفقة هذه غير معروفة، لكن الأسهم قُيِّمت بـ2.06 مليون دولار حين نُقِلت إلى شركة أخرى تابعة لـ”بنك عودة” بعد ستة أشهر.

وشكك محام لبناني متخصص في القوانين المتعلقة بالسياسات العامة في الصفقات في ضوء الروابط المحتملة لرياض سلامة مع “كروسلاند أسيتس”.

وقال نزار صاغية، المؤسس المشارك للمجموعة المناصرة للإصلاح القانوني ومقرها بيروت، “المفكرة القانونية”، لمشروع ال “OCCRP.org” وموقع “درج”: “يشير حصول صفقات بين “كروسلاند وبيريت” إلى تضارب مصالح يتمثل في تعاملات تجارية وربما مشاركة غير مباشرة في إدارة بنك عودة وأنشطته”.

وأضاف صاغية: “إن بنك عودة مؤسسة مالية تخضع لإشراف رياض سلامة، وهو ممنوع من المشاركة فيها بأي شكل أو طريقة خلال وظيفته”.

واتفق مع صاغية محمد ف. مطر، وهو محام لبناني بارز معروف بعمله على قضايا تشمل الإرهاب وغسل الأموال.

ففي رسالة إلى موقع “درج”، وصف مطر استخدام شركات الوصاية والشركات الأخرى الواقعة في الخارج بأنه “حماية مؤسسية مفتعلة وملفقة مقصود منها أن تكون صعبة على الاختراق… ويكشف هذا الهيكل بنفسه نية الإخفاء، أو في أفضل الأحوال الحجب للصفقات التي عقدت”. وأضاف مطر: “يبدو التصميم الناتج أشبه ببرنامج للتستر. وهذا في الواقع يطرح سؤالاً حول النزاهة، إن لم يكن القانونية للعملية كلها بانتظار تحقيق حاسم إضافي”.

ويسيطر “بنك عودة” الآن على نحو 23 في المئة من “كروسبريدج كابيتال”، ويحتل الرئيس التنفيذي لـ”بنك عودة سويس” فيليب صيدناوي مقعداً في مجلس إدارة الشركة منذ أوائل عام 2019. ورفض صيدناوي التعليق.

وقال فريد لحود، أمين السر المؤسسي لمجموعة المصرف في رسالة إلكترونية إلى الـ “OCCRP.org” إن “شراء أسهم في كروسبريدج من قبل شركات أعضاء في مجموعة بنك عودة يتوافق مع المصالح الاستراتيجية والتجارية الخاصة بالمجموعة وعلى أساسها”.

ورفض رياض سلامة أي إشارة إلى مخالفة.

رياض سلامة:  “نفند بقوة وجود أي حالة من حالات تضارب المصالح أو تفضيل لمصرف نشرف عليه. وليس على المسائل الخاصة أن تكون في المجال العام في غياب أي شوائب… فلطالما رسمت خطاً صارماً بين مسائلي الشخصية وموقعي العام وأطلب منكم أن تفعلوا الشيء نفسه”.

وتدير “كروسبريدج كابيتال” أصولاً بقيمة 4.5 مليار دولار. ومن المساهمين فيها عبد العزيز غازي فهد النفيسي، وهو رجل أعمال كويتي؛ ونبيل عون، الوسيط اللبناني البارز في البورصات؛ و”جوليوس باير إنفستمنت ليميتد”Julius Baer Investment Limited، وهي شركة تابعة للمصرف السويسري الخاص؛ وبيار فتوش، قطب الإسمنت الراحل الذي اتُّهِم عام 2019 بالتهرب الضريبي في لبنان؛ ورمزي صنبر، وهو قطب بناء لبناني؛ ومالكا “فرست ناشيونال بنك” (First National Bank)  رولاند الهراوي ورامي النمر.

لكن هوية المساهم الفرد الأكبر في الشركة تبقى سراً.

وتملك “دومينيون إمبلويي بينيفيت تراستيز ليميتد”Dominion Employee Benefit Trustees Limited، المسجلة في جيرسي وتديرها الشركة العالمية لإدارة الثروة الخاصة 41.3 في المئة من أسهم “كروسبريدج كابيتال”.

وتحدد “كروسبريدج كابيتال” المديرين طارق خلاط وجان بيار عون كمسؤولين إداريين كبيرين، لكنها لا تكشف المالكين المستفيدين من أسهم “دومينيون إمبلويي بينيفيت تراستيز ليميتد”.

وثمة شركة أخرى مساهمة في “كروسبريدج كابيتال”، هي “تي برايم ليميتد” T-Prime Limited، وذلك بنحو 1.6 في المئة، مسجلة في جزر العذراء البريطانية، مع مالكين سريين في شكل مماثل. ولا تفرض جزر العذراء البريطانية، وهي من المقاطعات الخارجية البريطانية، ولا جيرسي، وهي من الملحقات البريطانية، كشفاً علنياً عن المالكين المستفيدين.

ووفق شبكة العدالة الضريبية، تجتذب الترتيبات القانونية السرية في جيرسي “تدفقات مالية غير مشروعة من حول العالم”. وتعهدت الجزيرة عام 2019 بوضع سجل عام بالمالكين المستفيدين وفق معايير الاتحاد الأوروبي، لكنها تتعرض لانتقادات بسبب بطء التطبيق.

وقال بن كاودوك، وهو رئيس قسم التحقيقات لدى “منظمة الشفافية الدولية” في المملكة المتحدة التي تشن حملات ضد الفساد في بريطانيا، إن غياب الشفافية حول ملكية الشركات يمكن أن يسهل الإساءة.

وأضاف كاودوك: “ليس سراً أن الشركات غير الشفافة تُستخدَم لإخفاء هويات مالكيها، ما يمكن أن يبقي تضارب المصالح مخفياً. وللحماية من الإساءة من قبل الشركات البريطانية، يجب أن يُفرَض على الشركات الوسيطة الخارجية غير الشفافة التي تملك أسهماً في شركات بريطانية أن تعلن من يملكها حقاً”.

وسأل جيم هنري، وهو مستشار اقتصادي أول في شبكة العدالة الضريبية وزميل أول في مركز الاستثمار المستدام بجامعة كولومبيا، عن سبب قيام حاكم لمصرف مركزي باستثمارات خارجية من خلال شركات خارجية غير شفافة.

وفي مقابلة مع مشروع ال “OCCRP.org” قال هنري: “إن امتلاك (سلامة) ثروة خارجية ليس غير قانوني بحد ذاته. أما عدم تصريحه عنها فيثير أسئلة حول مشروعيتها ومصادر الدخل”.

في الاثناء تحول المحافظ إلى شخصية إشكالية. أثناء زيارته الى جامعة ESA في شارع كليمونصو والمتخصصة بتدريس علوم الاعمال يوم 4 كانون الأول من الشهر الحالي لحضور اجتماع، حاصر محتجون غاضبون مدخل الجامعة لمنعه من المغادرة. وقال المحامي واصف حركة في مقابلة مع وسائل إعلام محلية: “من غير المقبول ان يقوم مهندس سرقات الطبقة السياسية باعطاء محاضرة داخل الجامعة”. وصرخ اخر قائلا “تريد ان تحاضر اذهب الى السجن مكانك المناسب وحاضر هناك”. فرقت الشرطة المتظاهرين بينما خرج المحافظ من باب فرعي للجامعة بحسب شهود .

كما طلبت النائبة العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون من سلامة للمرة الثانية التوجه إلى مكتبها في 10 كانون الأول في إطار التحقيق الجاري في مزاعم التلاعب بسوق الصرف. وستصدر عون مذكرة توقيف بحق سلامة إذا لم يحضر. ونفى مصرف لبنان المركزي أن يكون أدى دوراً في هذا المجال، مفيداً بأن سجلات معاملاته مع الصرافين جار تقديمها إلى النائبة العامة بهدف إيضاح عدم وجود أي تلاعب.

إقرأوا أيضاً:



مؤسسة “أوفشور” مرتبطة بحاكم مصرف لبنان باعت أسهماً لمصرف يخضع لإشرافه

  • توم ستوكس ورياض قبيسي ورنا الصباغ (OCCRP.org) وعليا إبراهيم (Daraj.com)

كشف  مشروع “تتبع الجريمة المنظمة والفساد العابر للحدود “OCCRP.org وموقع “درج” أن شركة ترتبط بحاكم مصرف لبنان استثمرت في شركة ابنه وباعت لاحقاً أسهمها إلى مصرف لبناني بارز يخضع لإشرافه.

وتثير الصفقة أسئلة حول إذا ما كانت تمثل تضارباً محتملاً في المصالح لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي كانت استثماراته الخارجية العقارية الواسعة موضوع تحقيق نشره مشروع “OCCRP.org” وشريكه في لبنان، موقع “درج” قبل نحو ثلاثة شهور. 

وشملت الصفقة أسهماً في “كروسبريدج كابيتال”Crossbridge Capital، وهي مؤسسة لإدارة الثروة مقرها في لندن وتملكها شركة غامضة مسجلة في بنما، اسمها “كروسلاند أسيتس كورب” (Crossland Assets Corp). وعمل ابن سلامة ندي سابقاً في “كروسبريدج” ويحتفظ بأسهم في المؤسسة.

واستحوذ “بنك عودة”، أكبر مصارف لبنان، على أسهمه في “كروسبريدج كابيتال” عام 2016 في وقت كان فيه رياض سلامة يطلق سياسة نقدية مثيرة للجدل أفادت المصرف بمبلغ ضخم بلغ 1.6 مليار دولار.

ولا تظهر أي سجلات عامة رابطاً مباشراً بين رياض سلامة و”كروسلاند أسيتس كورب” او اي أدلة مباشرة انه قام بخرق القانون. لكن مشروع ال OCCRP.org وجد روابط متعددة بين “كروسلاند” وشركة بنمية أخرى أعطت رياض سلامة شقة فاخرة في لندن ما يثير شكوك جدية رفض المحافظ المتنفذ الإجابة عليها في معرض استفسارات الصحافيين العاملين على هذا التحقيق الاستقصائي.

حين سُئِل سلامة مجدداً عن “كروسلاند أسيتس”، رد بالقول: “إن أي مسألة خاصة ليست مفتوحة للنقاش

فقد تشاركت “كروسلاند أسيتس” والشركة الأخرى، “ميريون كابيتال إس إيه” (Merrion Capital S.A)، المؤسستان في اليوم نفسه عام 2008، المديرين والوكلاء والمكتتبين وأمين الخزانة أنفسهم. وكانت الجهة الوحيدة المساهمة في “كروسلاند” شركة وصاية من ليختنشتاين يديرها الأشخاص أنفسهم.

وكان عمر “كروسلاند أسيتس” المحمية ملكيتها بقانون سرية الشركات في بنما، لا يتجاوز شهرين حين اشترت أسهم “كروسبريدج كابيتال” الصادرة بداية لمصلحة “ويستليك كوميرشال إنك” (Westlake Commercial Inc)، وهي شركة وهمية لا تظهر أي نشاط في مجال الأعمال. 

وكانت “ويستليك” دفعت إلى “كروسبريدج كابيتال” 2.5 مليون دولار في مقابل نحو 5 في المئة من الشركة. وليست ملكيتها ولا شروط التحويل إلى “كروسلاند أسيتس” معروفة. 

الجدول الزمني 1 الذي يبين إصدار 17 ألفاً و857 سهماً عام 2008-2009 ونقلها بما يشمل “ويستليك” و”كروسلاند”]

نُقِلت “كروسلاند أسيتس” إلى ليختنشتاين عام 2018، وأفادت بوجود 42.8 مليون دولار في أصول نقدية و1.8 مليون دولار في استثمارات في محافظ خلال كانون الأول/ ديسمبر 2019. 

وسأل مشروع الـ “OCCRP.org” سلامة ثلاث مرات خلال أربعة أشهر إن كان يملك مصلحة في “كروسلاند أسيتس”. وفي كل مرة، التف على السؤال أو تجاهله.

وقال سلامة من خلال محاميه: “لا نتمكن من فهم هذا السؤال”. وأضاف أن مشروع الـ“OCCRP.org” يجب أن يتواصل مع “كروسبريدج كابيتال”، التي بدورها رفضت الإجابة على السؤال بذريعة توجيهات الاتحاد الأوروبي المتعلقة بالسرية.

وحين سُئِل سلامة مجدداً عن “كروسلاند أسيتس”، رد بالقول: “إن أي مسألة خاصة ليست مفتوحة للنقاش”.

ولدى سؤاله عن “ويستليك”، أجاب سلامة: “لم نحدد أي مسألة تهم الرأي العام في رسالتكم الإلكترونية… ولذلك، ليس لدينا ما نضيفه في شأن هذه المراسلة”.

ووفق القانون اللبناني، يُمنَع على حاكم المصرف المركزي المشاركة في أعمال خارجية تتجاوز حدود امتلاك سندات أو أسهم في شركات مساهمة. وقال علي زبيب، وهو محام مقيم في بيروت وخبير في التنظيم المصرفي والمالي الدولي، لمشروع  ال “OCCRP.org” إن مخالفة هذا المنع قد تُعتبَر تضارباً في المصالح يمكن أن تؤدي إلى صرف فوري من المنصب.

ووفق خبراء قانونيين آخرين، بمن فيهم غسان مخيبر، وهو نائب سابق وناشط في مجال مكافحة الفساد وأعمال حقوق الإنسان، وجينا شماس، وهي مستشارة اقتصادية سابقة لرئيس لبنان وخبيرة في إجراءات مكافحة الفساد، لا يحدد القانون اللبناني في شكل مباشر تضارب المصالح. لكن القوانين التي تعالج سوء استخدام السلطة من قبل موظف حكومي قد تنطبق على هذه الحالة بحسبهم. 

الشـقــة

يؤدي منزل ندي سلامة السابق في لندن دوراً مهمّاً في تبيان روابط والده بـ”كروسلاند أسيتس”.

فقبل الالتحاق بـ”كروسبريدج كابيتال” عام 2008، تدرب سلامة الابن في الفرع اللندني لمصرف “كريدي سويس” (Credit Suisse)، الذي أسس مديرون سابقون فيه “كروسبريدج كابيتال” وجعلوه أحد أول الموظفين فيها. 

وعام 2009، أودعت “ميريون كابيتال” أوراقاً لتسجيل مصلحة في شقة فخمة تقع في الناحية الأخرى تماماً من هايد بارك في مقابل مكاتب “كروسبريدج كابيتال” في مايفير. واشترت “ميريون كابيتال” الشقة كلها عام 2010. وأعلن ندي سلامة الشقة منزله في وثائق الشركة عام 2013.

وفي كانون الثاني/ يناير 2017، نقلت “ميريون كابيتال” الشقة، المقدرة بـ4.1 مليون دولار، إلى رياض سلامة، الذي وقع بياناً يفيد بأن الصفقة “ليست من أجل المال أو أي شيء ذي قيمة نقدية”. وفي اليوم التالي، أعطى ابنه الشقة.

ويشير ذلك البيان إلى أن رياض سلامة حصل على هدية قيمة من جهة غير معروفة  أو انه كان المالك أو المتحكم بإدارة  “ميريون كابيتال”، التي حُلَّت بعد شهرين. ولم يرد قط حين سأله مشروع ال “OCCRP.org” التعليق على هذه الشركة لغرض هذا المقال.

ورفض ندي سلامة الذي ما زال يملك هذ الشقة الرد على طلب للتعليق لغرض هذا التحقيق الاستقصائي.

الجدول الزمني 2 يبين الملكيات المؤسسية المتشابكة بين “سلامندور” و”كروسلاند أسيتس” و”ميريون كابيتال”]

لـعبة الـوهـم

ليس مطلوباً من شركة الوصاية في ليختنشتاين التي تملك “كروسلاند كابيتال” أن تودع معلومات عامة حول مساهميها، لكن اسمها لافت: “سلامندور تراست ريغ” (Salamandur Trust reg).

تأسست “سلامندور” في تشرين الأول/ أكتوبر 2008 بثلاثة أعضاء في مجلس الإدارة: يوهانس مات، العضو السابق في برلمان ليختنشتاين، و”تريماكو تراست ريغ” (Tremaco Trust reg)، وهي شركة لخدمات الوصاية المحترفة يملكها مات، وكلود فون هيلدبراند.

وبعد شهر، عُيِّن المديرون أنفسهم لإدارة “كروسلاند كابيتال” و”ميريون كابيتال”.

ولم يرد رياض سلامة حين سُئِل إن كان يملك مصلحة في شركة الوصاية.

روابـط مشـكـوك فـيـها

شارك الخبراء في شركات الوصاية الذين يديرون الشركات الوهمية الخارجية المرتبطة بسلامة، في أعمال وصاية شملت برنامجاً للتهرب الضريبي أدى إلى فرض الولايات المتحدة غرامة قياسية بلغت 2.6 مليار دولار على “كريدي سويس” عام 2014. 

فقبل إدارة “ميريون كابيتال” و”كروسلاند أسيتس” و”سلامندور تراست ريغ”، كانت ماريا بوازو وكلود فون هيلدبراند مساهمين في “دوريغ بارتنر إيه جي” (Dörig Partner AG)، وهي شركة وصاية مقرها زيوريخ، في حين أدارا هما ويوهانس مات شركة تابعة لها في بنما. 

وساعدت “دوريغ بارتنر” بين عامي 1997 و2011 مواطنين أميركيين على تجنب الضرائب من خلال إنشاء شركات وهمية ذات حسابات مصرفية غير معلنة، ما أدى إلى إدانة مؤسسها، جوزيف دوريغ بالاحتيال.

وزعم قرار ظني من 47 صفحة أودِع عام 2011 أن دوريغ، الموظف القديم في “كريدي سويس”، تآمر مع المصرف السويسري العملاق لإنشاء شركة “فرعية” لتسهيل التهرب الضريبي. 

2.6

مليار دولار – الغرامة التي ترتبت على “كريدي سويس”

وغُرِّم “كريدي سويس” بـ 2.6 مليار دولار – وهذه غرامة قياسية في قضايا الجرائم الضريبية. ومُنِح دوريغ ومصرفي سابق آخر في “كريدي سويس” فترة تجريبية عام 2015.

وكانت بوازو مساهمة مؤسِّسة في “دوريغ بارتنر”. وامتلكت هي وفون هيلدبراند 10 في المئة من الشركة لكل منهما.

ولم يرد اسما بوازو وفون هيلدبراند في الوثائق العلنية للمحكمة، فهي تشير إليهما كمساهمين و”موظفين” في “دوريغ بارتنر” وحسب. ولم يُتّهَما لا هما ولا مات بأي مخالفة.

ولم يرد دوريغ ولا مات على طلب للتعليق. ولم يتمكن مشروع ال “OCCRP.org” من الوصول إلى بوازو وفون هيلدبراند للحصول على تعليقات.

وكذلك رفض المدعي الأميركي للمقاطعة الشرقية لولاية فيرجينيا، الذي مثّل الادعاء في القضية، التعليق. 

ورُبِط مات المقيم في ليختنشتاين بجدل آخر تناول شركات خارجية. 

ففي العقدين الأول والثاني من القرن الحادي والعشرين، حققت سلطات إنفاذ القانون في أربعة بلدان في مزاعم رشاوى دفعتها شركة تصنيع الأسلحة البريطانية “بي إيه إي سيستمز” (BAE Systems) لضمان عقد ينص على شراء جنوب أفريقيا مقاتلات بمبلغ 2.1 مليار دولار. ووافقت “بي إيه إي” عام 2010 على دفع 450 مليون دولار في مقابل إنهاء التحقيقات الأميركية والبريطانية.

وأسس مات شركات خارجية كثيرة حُوِّلت من خلالها ملايين الدولارات من شركة تابعة لـ”بي إيه إي” مسجلة في الجزر العذراء البريطانية إلى شركات وهمية يملكها فانا هلونغوين ، أحد مستشاري وزير الدفاع في جنوب أفريقيا. 

وفق خبراء قانونيين آخرين، بمن فيهم غسان مخيبر، وهو نائب سابق وناشط في مجال مكافحة الفساد وأعمال حقوق الإنسان، وجينا شماس، وهي مستشارة اقتصادية سابقة لرئيس لبنان وخبيرة في إجراءات مكافحة الفساد، لا يحدد القانون اللبناني في شكل مباشر تضارب المصالح. لكن القوانين التي تعالج سوء استخدام السلطة من قبل موظف حكومي قد تنطبق على هذه الحالة بحسبهم. 

ووصف عضو في وحدة مصادرة الأصول في جنوب أفريقيا في شهادة داعمة عام 2010 ليختنشتاين بأنها “مركز لنقل الأصول”.

ولم يُدَن مات بأي مخالفة، لكن التحقيقات الدولية تبين احتمال استخدام الهياكل الخارجية السرية التي ينشئها هو وغيره لأغراض جرمية.

وتستمر السرية الخارجية نفسها في حماية المالك المستفيد من “كروسلاند أسيتس” و”سلامندور تراست” من التدقيق العام.

وقال بن كاودوك من منظمة الشفافية الدولية في المملكة المتحدة: “يفرض القانون البريطاني على الشركات أن تعلن مالكيها، لكن حول العالم لا تزال هذه المعلومات طي الكتمان”.

رياض سلامة

تـضـارب مـصـالـح

يُعد “بنك عودة”، وهو مؤسسة مالية مرموقة مقرها بيروت ولها فروع في أوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أكبر مصرف في لبنان. وتخضع عملياته المتنوعة لتنظيم المصرف المركزي اللبناني ويعتمد في شكل كبير على سياسات الأخير، الذي يديره رياض سلامة منذ تعيينه في العام 1993.

واستفاد “بنك عودة” في السنوات الأخيرة مما يُسمَّى “الهندسة المالية”، وهي سياسة نقدية غير تقليدية أطلقها رياض سلامة عام 2016. وشملت هذه السياسة صفقات معقدة وغير شفافة مكنت المصارف التجارية من الاستفادة من مبادلة دولارات بالعملة الوطنية في مقابل ربح. 

1.6

مليار دولار – أرباح بنك عودة عام 2016

وفي حين أفادت الهندسة المالية المصارف كلها، أكدت لجنة الرقابة على المصارف في لبنان أن “بنك عودة” حقق الربح الأكبر – نحو 1.6 مليار دولار عام ٢٠١٦.

وأصبح “بنك عودة” مستثمراً بارزاً في “كروسبريدج كابيتال” من خلال صفقات مهيكلة بطريقة حجبت روابطه مع “كروسلاند أسيتس”.

فقد وافق مصرف تابع له، هو “بنك عودة سويس إس إيه”، على امتلاك 19 في المئة من “كروسبريدج كابيتال” في كانون الأول/ ديسمبر 2014. وقُيِّمت الصفقة بنحو 9.5 مليون دولار، لكنها لم تُبرَم حتى أيلول/ سبتمبر 2019 – بعد شهر تقريباً من توقف نادي سلامة عن إدارة المال لمصلحة عملاء “كروسبريدج”.

ونالت “كروسبريدج” أيضاً قرضاً بـ14.5 مليون دولار من “بيريت إنترناشيونال إن في” (Beryte International N.V)، وهي شركة غامضة لكن غير فاعلة إلى حد كبير، تتبع “بنك عودة” ومسجلة في كوراساو.

وفي كانون الأول 2016، اشترت “بيريت إنترناشيونال” أسهم “كروسبريدج كابيتال” من “كروسلاند أسيتس”. شروط الصفقة هذه غير معروفة، لكن الأسهم قُيِّمت بـ2.06 مليون دولار حين نُقِلت إلى شركة أخرى تابعة لـ”بنك عودة” بعد ستة أشهر.

وشكك محام لبناني متخصص في القوانين المتعلقة بالسياسات العامة في الصفقات في ضوء الروابط المحتملة لرياض سلامة مع “كروسلاند أسيتس”.

وقال نزار صاغية، المؤسس المشارك للمجموعة المناصرة للإصلاح القانوني ومقرها بيروت، “المفكرة القانونية”، لمشروع ال “OCCRP.org” وموقع “درج”: “يشير حصول صفقات بين “كروسلاند وبيريت” إلى تضارب مصالح يتمثل في تعاملات تجارية وربما مشاركة غير مباشرة في إدارة بنك عودة وأنشطته”.

وأضاف صاغية: “إن بنك عودة مؤسسة مالية تخضع لإشراف رياض سلامة، وهو ممنوع من المشاركة فيها بأي شكل أو طريقة خلال وظيفته”.

واتفق مع صاغية محمد ف. مطر، وهو محام لبناني بارز معروف بعمله على قضايا تشمل الإرهاب وغسل الأموال.

ففي رسالة إلى موقع “درج”، وصف مطر استخدام شركات الوصاية والشركات الأخرى الواقعة في الخارج بأنه “حماية مؤسسية مفتعلة وملفقة مقصود منها أن تكون صعبة على الاختراق… ويكشف هذا الهيكل بنفسه نية الإخفاء، أو في أفضل الأحوال الحجب للصفقات التي عقدت”. وأضاف مطر: “يبدو التصميم الناتج أشبه ببرنامج للتستر. وهذا في الواقع يطرح سؤالاً حول النزاهة، إن لم يكن القانونية للعملية كلها بانتظار تحقيق حاسم إضافي”.

ويسيطر “بنك عودة” الآن على نحو 23 في المئة من “كروسبريدج كابيتال”، ويحتل الرئيس التنفيذي لـ”بنك عودة سويس” فيليب صيدناوي مقعداً في مجلس إدارة الشركة منذ أوائل عام 2019. ورفض صيدناوي التعليق.

وقال فريد لحود، أمين السر المؤسسي لمجموعة المصرف في رسالة إلكترونية إلى الـ “OCCRP.org” إن “شراء أسهم في كروسبريدج من قبل شركات أعضاء في مجموعة بنك عودة يتوافق مع المصالح الاستراتيجية والتجارية الخاصة بالمجموعة وعلى أساسها”.

ورفض رياض سلامة أي إشارة إلى مخالفة.

رياض سلامة:  “نفند بقوة وجود أي حالة من حالات تضارب المصالح أو تفضيل لمصرف نشرف عليه. وليس على المسائل الخاصة أن تكون في المجال العام في غياب أي شوائب… فلطالما رسمت خطاً صارماً بين مسائلي الشخصية وموقعي العام وأطلب منكم أن تفعلوا الشيء نفسه”.

وتدير “كروسبريدج كابيتال” أصولاً بقيمة 4.5 مليار دولار. ومن المساهمين فيها عبد العزيز غازي فهد النفيسي، وهو رجل أعمال كويتي؛ ونبيل عون، الوسيط اللبناني البارز في البورصات؛ و”جوليوس باير إنفستمنت ليميتد”Julius Baer Investment Limited، وهي شركة تابعة للمصرف السويسري الخاص؛ وبيار فتوش، قطب الإسمنت الراحل الذي اتُّهِم عام 2019 بالتهرب الضريبي في لبنان؛ ورمزي صنبر، وهو قطب بناء لبناني؛ ومالكا “فرست ناشيونال بنك” (First National Bank)  رولاند الهراوي ورامي النمر.

لكن هوية المساهم الفرد الأكبر في الشركة تبقى سراً.

وتملك “دومينيون إمبلويي بينيفيت تراستيز ليميتد”Dominion Employee Benefit Trustees Limited، المسجلة في جيرسي وتديرها الشركة العالمية لإدارة الثروة الخاصة 41.3 في المئة من أسهم “كروسبريدج كابيتال”.

وتحدد “كروسبريدج كابيتال” المديرين طارق خلاط وجان بيار عون كمسؤولين إداريين كبيرين، لكنها لا تكشف المالكين المستفيدين من أسهم “دومينيون إمبلويي بينيفيت تراستيز ليميتد”.

وثمة شركة أخرى مساهمة في “كروسبريدج كابيتال”، هي “تي برايم ليميتد” T-Prime Limited، وذلك بنحو 1.6 في المئة، مسجلة في جزر العذراء البريطانية، مع مالكين سريين في شكل مماثل. ولا تفرض جزر العذراء البريطانية، وهي من المقاطعات الخارجية البريطانية، ولا جيرسي، وهي من الملحقات البريطانية، كشفاً علنياً عن المالكين المستفيدين.

ووفق شبكة العدالة الضريبية، تجتذب الترتيبات القانونية السرية في جيرسي “تدفقات مالية غير مشروعة من حول العالم”. وتعهدت الجزيرة عام 2019 بوضع سجل عام بالمالكين المستفيدين وفق معايير الاتحاد الأوروبي، لكنها تتعرض لانتقادات بسبب بطء التطبيق.

وقال بن كاودوك، وهو رئيس قسم التحقيقات لدى “منظمة الشفافية الدولية” في المملكة المتحدة التي تشن حملات ضد الفساد في بريطانيا، إن غياب الشفافية حول ملكية الشركات يمكن أن يسهل الإساءة.

وأضاف كاودوك: “ليس سراً أن الشركات غير الشفافة تُستخدَم لإخفاء هويات مالكيها، ما يمكن أن يبقي تضارب المصالح مخفياً. وللحماية من الإساءة من قبل الشركات البريطانية، يجب أن يُفرَض على الشركات الوسيطة الخارجية غير الشفافة التي تملك أسهماً في شركات بريطانية أن تعلن من يملكها حقاً”.

وسأل جيم هنري، وهو مستشار اقتصادي أول في شبكة العدالة الضريبية وزميل أول في مركز الاستثمار المستدام بجامعة كولومبيا، عن سبب قيام حاكم لمصرف مركزي باستثمارات خارجية من خلال شركات خارجية غير شفافة.

وفي مقابلة مع مشروع ال “OCCRP.org” قال هنري: “إن امتلاك (سلامة) ثروة خارجية ليس غير قانوني بحد ذاته. أما عدم تصريحه عنها فيثير أسئلة حول مشروعيتها ومصادر الدخل”.

في الاثناء تحول المحافظ إلى شخصية إشكالية. أثناء زيارته الى جامعة ESA في شارع كليمونصو والمتخصصة بتدريس علوم الاعمال يوم 4 كانون الأول من الشهر الحالي لحضور اجتماع، حاصر محتجون غاضبون مدخل الجامعة لمنعه من المغادرة. وقال المحامي واصف حركة في مقابلة مع وسائل إعلام محلية: “من غير المقبول ان يقوم مهندس سرقات الطبقة السياسية باعطاء محاضرة داخل الجامعة”. وصرخ اخر قائلا “تريد ان تحاضر اذهب الى السجن مكانك المناسب وحاضر هناك”. فرقت الشرطة المتظاهرين بينما خرج المحافظ من باب فرعي للجامعة بحسب شهود .

كما طلبت النائبة العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون من سلامة للمرة الثانية التوجه إلى مكتبها في 10 كانون الأول في إطار التحقيق الجاري في مزاعم التلاعب بسوق الصرف. وستصدر عون مذكرة توقيف بحق سلامة إذا لم يحضر. ونفى مصرف لبنان المركزي أن يكون أدى دوراً في هذا المجال، مفيداً بأن سجلات معاملاته مع الصرافين جار تقديمها إلى النائبة العامة بهدف إيضاح عدم وجود أي تلاعب.

إقرأوا أيضاً: