دعا رئيس الوزراء اللبناني، المغتربين اللبنانيين إلى المجيء إلى البلاد مصطحبين معهم “دولاراتهم”، بعد إعادة فتح مطار بيروت، لكنه طلب من الجامعة الأميركية التي كان يعمل فيها أن تحول له تعويض نهاية الخدمة الذي يطالبها به إلى حسابه خارج لبنان.
لنتخيل معاً، إذا ما أراد النفاق أن يحول نفسه من مجرد مفهوم لغوي إلى مشهد إنساني حي، فإنه سيتجسد في شكل دعوى قضائية، رفعها رئيس الوزراء حسان دياب نفسه ضد الجامعة الأميركية في بيروت، محل عمله السابق، المتعثرة مالياً، وطالب بالحصول على نحو مليون دولار كمكافأة إنهاء خدمة، بل ويريد تحويلها إلى بنك خارج لبنان وذلك في نفس الوقت الذي يدعو فيه المغتربين للمجيئ الى البلد بدولاراتهم.

مصدر في الجامعة الأميركية في بيروت أكد لـ”درج” أن دياب طلب أولاً من مجلس أمناء الجامعة في شهر كانون الثاني/ يناير، أن تدفع له الجامعة عن عقده كاملاً الذي ينتهي عام 2025، وها هو الآن يُطالب بالحصول على تعويض عن التأخير في دفع هذه المستحقات التي تتجاوز قيمتها المليون دولار.
وقال أحد المسؤولين في الجامعة الأميركية في بيروت فضل عدم ذكر اسمه لـ”درج” إنه “بمجرد أن تولى منصب رئيس الوزراء بدأ محاولة الضغط على الجامعة لدفع جميع المستحقات عن الفترة المنصوص عليها في عقده بالكامل، حتى السنوات التي لم يعمل فيها بعد… وأراد أن يحصل على راتبه المستقبلي بالكامل …إذ ينطوي الالتزام التعاقدي على الوفاء بالعقد الذي أبرمته”.
وفقاً لما ذكره المصدر، قدم دياب بعد ذلك التماساً إلى مجلس الأمناء في نيسان/ أبريل، طالب فيه مجدداً بدفع هذه المستحقات، وهدّد بمقاضاتهم إذا رفضوا قبول ذلك. وخلال هذا الاجتماع، قدم دياب طلباً شفهياً بإيداع المبلغ في الخارج.
وأضاف المصدر، “طلب شفهياً تحويل أمواله إلى خارج البلاد، أي أنه يريد تلك الأموال بالدولار”. مُعرباً عن أنهم في “هيئة التدريس والموظفين في الجامعة لا نحصل حتى على رواتبنا بالعملة المحلية مقابل الدولار، بل نحصل عليها بالليرة اللبنانية. وأنا شخصياً لا أتقاضى أي أجر، وراتبي الآن مجرد مبلغ زهيد”.
بينما يُطمئن دياب المواطنين اللبنانيين بخطة مالية فعالة لإنقاذ الأعمال، ويُحمل رياض سلامة حاكم مصرف لبنان مسؤولية هبوط قيمة الليرة اللبنانية بالكامل، ويطلب من المغتربين اللبنانيين “المجيء إلى البلاد بالدولارات”، يحاول انتزاع الدولارات من أرباب عمله السابقين المُنهكين مالياً أصلاً، مع مطالبتهم بتحويلها إلى الخارج
محامية دياب أمل حداد قالت لـ”درج” إن الرئيس يطالب بتعويضات عن 35 عاماً عمل خلالها في الجامعة وعن العقد الموقع معها والذي ينتهي عام 2025. وأكدت أنه “طالب بتحويل هذا التعويض إلى حسابه في الخارج، وهذا حقه، لا سيما أن المبالغ التي يطالب بها مصدرها خارج لبنان”. وكررت أن لصاحب العلاقة الحق في تحويل المبلغ إلى أي حساب له في أي مكان في العالم. لكن رئيس الجامعة فضلو خوري كان سبق أن أكد أن حسابات الجامعة موجودة في المصارف اللبنانية.
لا تنم الدعوى القضائية التي رفعها رئيس الوزراء عن مفارقة مذهلة فحسب، بل هي بحسب مصادر في الجامعة لا أساس قانونياً لها أيضاً. فقد أوضح المصدر لـ”درج” أن قوانين الجامعة تنص على أنه لا يمكن لأي شخص أن يشغل منصباً بدوام كامل في هيئة التدريس أثناء توليه منصباً في الدولة، بل بإمكانه اختيار الحصول على إجازة غير مدفوعة الأجر لمدة سنة واحدة، ويمكن تمديدها إلى سنتين، وهو ما لم يتقدم دياب بطلب للحصول عليه، وهذا لن يكون في مصلحة قضيته.
وبينما تكافح الجامعة الأميركية في بيروت من أجل تغطية نفقاتها، وهي أعلنت قبل أشهرٍ قليلة أنها في خضم أزمة مالية وأنها اضطرت إلى إقالة حوالى 25 في المئة من موظفيها، يستغل موظفها السابق، الذي بات الآن رئيساً للوزراء، نفوذه لاستنزاف مواردها المالية المنهكة بالفعل إلى آخر قطرة.
وقال المصدر في الجامعة: “مؤسستنا مؤسسة ضخمة، وكثيراً ما تُرفع علينا دعاوى قضائية، لكنه (دياب) يستغل مركزه بصفته رئيساً للوزراء في هذه القضية. هل تتصور أن هناك قاضياً يمكن أن يُخاطر بوظيفته ويُصدر حكماً ضد رئيس الوزراء في هذه القضية؟”.
وبينما يُطمئن دياب المواطنين اللبنانيين بخطة مالية فعالة لإنقاذ الأعمال، ويُحمل رياض سلامة حاكم مصرف لبنان مسؤولية هبوط قيمة الليرة اللبنانية بالكامل، ويطلب من المغتربين اللبنانيين “المجيء إلى البلاد بالدولارات”، يحاول انتزاع الدولارات من أرباب عمله السابقين المُنهكين مالياً أصلاً، مع مطالبتهم بتحويلها إلى الخارج، قائلاً إن الأزمة الاقتصادية -المُكلف هو شخصياً بإيجاد حل لها- هي ما دعته إلى ذلك القرار.
وفي ظل الثلاجات الفارغة، والبيوت المظلمة، وحالات الانتحار الكثيرة بسبب الفقر المدقع… وبينما يجبر اللبنانيون على اتباع أنظمة غذائية نباتية، وتستبدل إشارات المرور بعناصر شرطة بسبب انقطاع الكهرباء المتكرر، يعتقد رئيس الوزراء أن من حقه الحصول على راتبه، “فريش ماني” مع خمس سنوات مُقدماً.
وللتذكير هنا مقتطف من “النبذة” التي كتبها دياب بنفسه على موقعه:
“…إحدى السمات التي تميزني هي شجاعتي وجرأتي، وقدرتي على التعامل مع المخاطر المحسوبة، واستعدادي لخوض غمار الحياة. وقد ساعدتني هذه السمة على تغيير حياتي، وحياة من حولي -كما أرجو- إلى الأفضل”.