فجّر الشارع غضبه على أبواب المصارف مجدّداً.
مشهدية إحراق الإطارات على مداخل المصارف وتكسير واجهاتها الزجاجية أعاد إلى الذاكرة الانتفاضة التي ترافقت مع الانهيار المالي والاقتصادي في 2019. لربما تساءل كثر عن هذا الغضب الذي لم يتجدد على وقع انهيار الليرة إلى مستويات غير مسبوقة مقابل الدولار الأميركي في الفترة الأخيرة، لكن يبدو أن الانتفاضة الثانية ضد المصارف قد بدأت. إذ أقدم لبنانيون على إحراق إطارات أمام منزل رئيس “جمعية المصارف اللبنانية” سليم صفير في منطقة سن الفيل. كما أحرقوا واجهات مصارف في مناطق عدة، لا سيما في بدارو، فيما لامس سعر الصرف الـ80 ألف ليرة، مقابل الدولار الواحد، في السوق السوداء، ولا يُعرف حتى الآن سقف هذا الارتفاع المتصاعد. وأبرز المصارف التي طاولتها التحركات، “فرنسبنك”، “بنك بيبلوس” و”بنك عودة”، الذي يُواجه حملة قضائية شنّتها النائبة العامة الاستئنافية اللبنانية في جبل لبنان غادة عون. فالأخيرة ادّعت على “عودة” ورئيس مجلس إدارته سمير حنّا ورئيس مجموعة “بنك عودة” تامر غزالة بجرم “تبييض الأموال”. كما حدّدت عون يوم الأربعاء 15 شباط/ فبراير موعداً لعددٍ من المصارف كمهلة أخيرة لرفع السرية المصرفية عن رؤساء وأعضاء مجالس إدارتها ومفوضي المراقبة ومدققي حساباتها، تحت طائلة ملاحقتهم بجرم تبييض الأموال”، الأمر الذي بطبيعة الحال لم تستجب له المصارف وإداراتها؟
تأتي هذه الخطوة فيما تواصل المصارف إضرابها وتهدّد بالإقفال التام رفضاً للاستدعاءات القضائية التي تطاولها وبعض القرارات الصادرة بحقها، ومن بينها عدم الاعتراف بالشيك المصرفي كوسيلة دفع وإيفاء للودائع وإلزامها بالتعامل النقدي. هذه القرارات، على حدّ تعبير أصحاب المصارف، “تؤثر على انتظام العمل المصرفي وحقوق المودعين”.
المصارف تُهدّد بعزل لبنان عن العالم
باتت عملية الابتزاز التي تُمارسها المصارف بحق اللبنانيين “كليشيه”، فصعّدت هذه المرّة على مستوى أكبر يطاول المودعين والقضاء والدولة، إذ هّددت المصارف بعزل لبنان عن العالم. قالت “جمعية المصارف” إنه “إذا تم تعميم قرار تبييض الأموال على مصارف أخرى كما يَعِد التهديد الذي صدر، فقد يدفع المصارف الكبرى العالمية إلى وقف تعاملاتها بشكل تام مع لبنان عبر إقفال حسابات المصارف اللبنانية لديها”، وعندها “لن ينفع الندم إذا ما تمّ عزل لبنان مالياً عن العالم وتوقفت التجارة الخارجية وفقدت المواد الأساسية التي ما زالت تستورد حالياً عبر القطاع المصرفي”. بمعنى آخر، فإن هذه الاتهامات تعني إغلاق منافذ لبنان المالية إلى الخارج، حيث يمكن أن تجمّد المصارف المُراسلة العمليات المالية اللبنانية احتياطاً بسبب الدعاوى المرفوعة، ما يعني أنه لا تحويلات مالية من لبنان إلى الخارج ولا العكس.
ضغط نواب المعارضة VS ابتزاز المصارف
الإضراب التعسفي الذي تمارسه المصارف يُشكّل حصاراً مالياً ويضع جميع اللبنانيين رهائن المنظومة المالية والسياسية من خلال تجميد ومنع عملية سداد أجور موظفي القطاعين العام والخاص والمتقاعدين العسكريين. ويبدو أنه من البدهي أن هذا الضغط هدفه إقرار قانون “الكابيتال كونترول”، الذي كان يفترض “أن يتم التصويت عليه في الأيام القليلة التالية لبدء الأزمة في لبنان أي ما بعد 17 تشرين 2019 حين أقفلت المصارف أبوابها وخرجت رؤوس الأموال الكبيرة بعبارة أخرى حُوّلت المليارات إلى خارج لبنان كما هو الحال في اليونان وقبرص”، وفق “المرصد الأوروبي للنزاهة في لبنان”. وما ابتزاز المصارف إلا وسيلة ضغط جديدة للإفلات من المحاسبة والمساءلة قضائياً ومن القرارات التي تلزمها سداد مستحقات المودعين.
باتت عملية الابتزاز التي تُمارسها المصارف بحق اللبنانيين “كليشيه”، فصعّدت هذه المرّة على مستوى أكبر يطاول المودعين والقضاء والدولة، إذ هّددت المصارف بعزل لبنان عن العالم.
مقابل هذا الضغط، يُمارس نوّاب معارضون ضغطاً من نوع آخر، إذ وقّع 46 نائباً بياناً أعلنوا فيه عدم مشاركتهم في الجلسة التشريعية قبل انتخاب رئيس جديد للبلاد وما يليه من انتظام للمؤسسات الدستورية، مؤكدين عدم الاعتراف بأي من قوانينها، وممارسة كل حق يمنحه الدستور للطعن بها.
يستند النوّاب إلى المادة 75 من الدستور، التي تنصّ بوضوح على أن المجلس النيابي، في ظل شغور سدة الرئاسة، هو “هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية”، وبالتالي يمنع على المجلس النيابي التشريع، قبل انتخاب رئيس للجمهورية. وفي هذا السياق، يقول النائب فراس حمدان لـ”درج”، وهو أحد النوّاب الموقّعين على البيان، إن “إقرار قانون الكابيتال كونترول الآن هو عفو عام مالي، شبيه بقانون العفو العام الذي صدر بعد الحرب الأهلية”، مُعتبراً أن الجريمة التي ارتكبتها المصارف بالتكافل مع مصرف لبنان والسلطة السياسية، هدفها إقرار عفو عام مالي عن أصحاب المصارف ومجالس الإدارة بغية عدم المضي بالدعاوى القضائية المقدمة لدى القضاء اللبناني والقضاء الأوروبي”.