المشهد في مجلس الأمن الدولي عشية التصويت على قرار التجديد لقوات الطوارئ الدولية في جنوب لبنان، شديد الدلالة على الحال التي انتهى إليها لبنان في ظل هيمنة حزب الله على كل شيء فيه.
الإمارات العربية المتحدة، وهي العضو العربي غير الدائم في مجلس الأمن قادت الحملة على محاصرة المطلب اللبناني المتمثل في ضرورة تنسيق دوريات قوات الأمم المتحدة مع الجيش اللبناني.
العبارات التي سيقت لدحض المطلب اللبناني ترقى لأن تكون بمثابة “إهانات”، ليس للديبلوماسية اللبنانية فحسب، انما أيضاً لفكرة “السيادة” التي استعانت بها مندوبة لبنان جان مراد لتمرير المطلب اللبناني. فالمندوبة الإماراتية لانا نسيبة استعانت بعبارات شديدة “القسوة” في تفنيدها المطلب اللبناني فأشارت إلى “مراوغة” حزب الله القوات الدولية وإقدامه على مناورات عسكرية بموافقة الدولة اللبنانية، ونشره السلاح في مناطق عمل القوات الدولية!.
جرى ما سبق على الهواء مباشرة، ولكن دلالاته تفوق الاهانات التي حملها قرار التجديد للقوات الدولية، فالدولة العربية، العضو غير الدائم في مجلس الأمن، غالباً ما كان يستعين بها لبنان للوقوف إلى جانبه خلال مناقشات القرارات المتعلقة به.
أما اليوم، فلبنان بالنسبة لغالبية الأنظمة العربية هو دولة حزب الله، لا تنسيق معه ولا تشاور، ودولة كالإمارات، تربطها علاقات أقوى مع تل أبيب منها مع بيروت. وفي مقابل نزق الخطاب الإماراتي حيال لبنان، هناك العزلة اللبنانية التي لا تقوى حكومة مسؤول ضعيف كنجيب ميقاتي على كسرها. فالرجل بالنسبة لمعظم الأنظمة العربية (باستثناء النظام السوري) هو رئيس حكومة حزب الله، وهو لا يقوى على تقديم ضمانات لا تقتصر على الأمن، إنما على الحد من تصدير الكابتاغون.
الامارات التي خاضت المواجهة مع لبنان بمزاج انتقامي ينضح بما أملته عليها اتفاقات ابراهام من هوان، وجدت الفرصة ملائمة لترجمة ارتهانها إلى مواقف نزقة، فدولة حزب الله هي خير ما يساعد على تسويق الموقع المستجد للإمارة الخليجية.
لبنان لم يعد يختلف عما يعيشه النظام السوري من حصار وعقوبات وعجز! لا بل أن المساعي لإعادة النظام السوري إلى “الحضن العربي” لا تشمله، وبالتالي فإن عزلته تفوق عزلة بشار الأسد، ولعل حدثاً تزامن مع قرار مجلس الأمن كان أكثر كشفاً عن حال العزلة اللبنانية، فقد وصل في نفس اليوم إلى بيروت وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، وبشر اللبنانيين من المطار بأنه سمع كلاماً “مطمئناً” عن لبنان من المسؤولين السعوديين الذين التقاهم خلال زيارته الأخيرة للرياض! السعوديون أرسلوا رسائل مطمئنة إلى لبنان عبر الإيرانيين!. الرسالة تخفي قناعة بأن موقع لبنان في التوجهات السعودية لا ينفصل عن موقع حزب الله، وهذا على كل حال ما حرص الوزير الإيراني على تمريره خلال زيارته بيروت.
لا أحد في لبنان بوارد مقاومة هذا القدر، فرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لا يزيد على أن يكون موظفاً صغيرة في ماكينة حزب الله، والأثمان التي يطلبها لقاء تسليمه الدولة للحزب زهيدة، وكان آخرها تسخير الدولة والأجهزة الأمنية والقضائية لملاحقة الكوميدي نور الحجار، وطبعاً يطلب ميقاتي لقاء بيعه الدولة للحزب أن يُجنب أي محاسبة محتملة في ملفات الفساد.
القوى المسيحية، التي لطالما شغلتها “السيادة”، فيتولى عنها رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل مفاوضة حزب الله على الأثمان المطلوبة لقاء منحه السيادة للحزب، وهي النفط والصندوق السيادي والحصص في الحكومات المقبلة، وهذه أثمان مقدور عليها في حسابات الحزب، وهي للأمانة تفوق الأثمان التي يطلبها نجيب ميقاتي قيمة!
لكن نهاية مأساوية تنتظر لبنان حيال انعقاده دولة لحزب الله. فالانهيار المالي والاقتصادي الذي باشره لبنان منذ نحو أربع سنوات هو في طريقه لأن يجعل من ستاتيكو الفساد والارتهان مستحيلاً. القليل القليل مما تبقى من احتياطي مالي سينضب، وحزب الله يمنع أي خطوة للمحاسبة وللإصلاح، والطبقة السياسية لم تقم بأي خطوة لاستيعاب الأزمة.
لبنان في طريقه لأن يصير مجرد مساحات لا يربط بينها سوى سلاح الحزب، انحلال الجمهورية في ظل السلاح هو كل ما يمكن أن ننتظره في قادم أيامنا. أما النموذج الذي باشرنا التماهي معه لإدارة الكارثة، فهو النظام السوري. اقتصاد الفساد والتهريب والكابتاغون، وغسل الأموال عبر “اقتصاد الكاش”، والعزلة التي لاحت بالأمس في مجلس الأمن ستشمل قريباً منشآت المطار والمرافىء، وسينعم المطلوبون إلى العدالة من أمثال رياض سلامة وكارلوس غصن بقصورهم التي لا تظللها القوانين.