يعترف معظم زعماء محور الممانعة بأن المعركة بينهم وبين إسرائيل غير متكافئة. وبالأمس، انضمّ إلى طابور المعترفين الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله! مشيراً إلى أن المعركة غير متكافئة عسكرياً وأمنياً وسياسياً.
لكن هذا الاعتراف لم يُملِ على أصحابه ما يفترضه من خطوات! بدءاً بعملية “7 أكتوبر” التي لم تعرض لنا “حماس” الإنجاز السياسي الذي حققته خلالها، مقابل الكلفة البشرية والاجتماعية الهائلة التي أعقبتها، ومروراً بحرب “الإسناد والإشغال” التي افتتحها “حزب الله” في جنوب لبنان، وهو بدوره؛ أي الحزب، لم يعرض لنا أيضاً ما أمّنته لأهل غزة، ولم يفاتحنا بمدى “إشغال” الجيش الإسرائيلي عن مهمته الإبادية في القطاع.
“المعركة غير متكافئة لكننا مندفعون إليها”! أي معادلة هذه؟ وماذا يريد أصحابها؟
ثم إن الاعتراض على هذا الخلل المنطقي لن يقابَل بأقل من التخوين، وبـ”وهن عزيمة الأمة”. لا مكان للعقل في هذا السجال، ولا مسافة بين من يحاول الخوض فيه وبين العمالة.
والحال، أن السلطة متمثّلة بـ”حزب الله”، أنشأت ترسانة مهمتها استهداف أي تحفظ يمكن أن يطاول وظيفتها، ليست القتالية فحسب، إنما أيضاً السياسية الداخلية. القول مثلاً إن قرار الحرب في لبنان هو بيد حزب وفئة ودولة خارجية، سيتحمل صاحبه تبعات ما قاله، عبر حملات قد تؤدي إلى مغادرته البلاد. وهذا الأخير لن يجد من يدافع عنه بعدما انضمّ مزيد من المؤيدين لـ”طوفان الأقصى” ولحرب الإشغال، وبعد الدعوات إلى تأجيل الحساسية النقدية إلى ما بعد تحقيق “النصر”.
في ظل هذا المشهد، لن يجد المرء مكاناً لسؤال العقل المرتبط بجدوى مواصلة الحرب في ظل “عدم تكافؤ” طرفيها: كيف يمكن أن نحوّل السياسة إلى خطوات من دون أن نوصم بالتسبب بـ”بوهن عزيمة الأمة”؟.
لكن المشكلة الأكبر هي أن بنيامين نتانياهو اختبر حجم “عدم التكافؤ”، وهو اليوم مندفع إلى الحرب على نحو لم يسبق أن اختبرناه. “العالم كله معه”، هذا صحيح، وجريمة الحرب الموصومة التي ارتكبها قبل أيام في لبنان، لم تعن لـ”الضمير العالمي” أكثر من نجاح مذهل سُجل في رصيد الجيش الذي ارتكبها. ماذا يمكن أن ترتب علينا هذه السقطة الأخلاقية؟ أن نواصل القتال غير المتكافئ؟ ألا ينطوي ذلك على نوع من الانتحار؟
نتانياهو في حربه في لبنان هو غيره في حربه في غزة. في الثانية هو محاصر بالأسرى الإسرائيليين لدى “حماس”، وبرأي عام إسرائيلي ضاغط لوقف الحرب، وبحقيقة الإبادة التي صار جزء كبير من الرأي العام العالمي مقتنعاً بأنه يرتكبها، وبقرارات محكمتي العدل والجنائية الدوليتين بحقه. أما في لبنان، فالرأي العام في إسرائيل إلى جانبه، وهو محصن حيال الأسئلة الدولية بحقيقة أن “حزب الله” هو من أعلن فتح الجبهة وهو الذي يرفض وقفها، وأخيراً اكتشف حجم “عدم التكافؤ” فاندفع إلى التصعيد.
المنطق يقول إن مواصلة القتال ليست أكثر من ملاقاة نتانياهو في منتصف طريقه إلى الحرب الشاملة، ويقول أيضاً إن تعطيل مهمة هذا الرجل تقتضي البحث عن سبل لوقف الحرب.
ثمة تجربة على هذا الصعيد اختبرها محور الممانعة قبل أن يتشكل بصيغته الراهنة. “كأس السم” الذي أعلن الخميني تجرعه عندما قبل بوقف الحرب العراقية – الإيرانية في العام 1988. والظرف اليوم أكثر ملاءمة لهذه الخطوة، ذلك أن وقف الحرب في لبنان قد يستدرج شروطاً لبنانية جديدة حول ترسيم الحدود، ولا يُملي سلاماً مع إسرائيل، من دون العرب والفلسطينيين.
لا يجيد “حزب الله” إلا “النصر”، فيما كشفت إيران مراراً عن تعاملها مع خسارات كبرى (الحرب مع العراق) و”هزائم” موضعية من نوع اغتيال الراحل إسماعيل هنية على أرضها.
لكنّ لهذا الاستعصاء بعداً داخلياً أيضاً، قد يكون أقل تأثيراً من بعده غير اللبناني، لكنه جزء من حسابات “حزب الله”، فحاجة الحزب الداخلية إلى “النصر” هي جزء من علاقته بالجماعات اللبنانية التي ألحق بها “هزائم” نجمت منها هيمنته على مختلف قطاعات الدولة ومرافئها.
مقابل ذلك ليس بين القوى اللبنانية الأخرى، لا سيما خصوم الحزب، من يملك إدراكاً يرشحه لدعوة “حزب الله” إلى طاولة العقل. الإطاحة بـ”النصر” تعني هزيمة أهلية، وهذا يأخذنا إلى دورة عنف أخرى، شهدنا نذراً منها في الـ”سوشيل ميديا” في أعقاب “جريمة البايجرز” قبل أيام.
إقرأوا أيضاً: