ما جرى في مجلس الوزراء في بيروت مؤخراً مذهل وكاشف لطبيعة الطبقة السياسية اللبنانية. فقد راوغ الحلفاء حلفاءهم “وهرّبوا” الموازنة.
أقر مجلس الوزراء موازنة أعلن الثنائي الشيعي أمل وحزب الله أنها حصلت من دون علمهم ومن دون رضاهم.
طبعاً إنها فرصة لكي نشمت بالمرَاوَغين وأن نحتقر المرَاوٍغين، لكن أيضاً هي مناسبة لكي نتأمل بمن نحن، ومع من نعيش. هؤلاء المتواطؤن علينا باشروا التواطؤ على بعضهم بعضاً. ميشال عون يراوغ حزب الله، ونجيب ميقاتي يراوغ نبيه بري. ولنا أن نعاين بعد الجلسة أهل الثنائي الشيعي يترنحون غيظاً، فيما ثنائي لحظة التواطؤ العابرة، أي عون وميقاتي، متوارون عن الأنظار بعد فعلتهم. لكن يجب أن لا “نزحط”، فهم، على رغم الكراهية والأحقاد التي تفصل بينهم، سيتحالفون في الانتخابات دفاعاً عن نظامهم وعن فسادهم وعن سلاحهم. لوائح السلطة ستضم مرشحين من حركة أمل والتيار العوني.
ميشال عون ربح مديراً عاماً، ونجيب ميقاتي مثله، واللبنانيون غارقون بالعتمة والجوع، هذا فيما فلاديمير بوتين يستعد لغزو أوكرانيا، والمغردون الممانعون من اللبنانيين يصفقون له على رغم اختطاف ميشال عون منصب مدير عام في غفلة منهم.
والحال أن الواقعة تحدد لنا نوع المصالح التي تربط جماعات السلطة الحقيرة في لبنان. فهم ارتكبوا حيال بعضهم بعضاً ما ارتكبوه لقاء تعيينات ليست مهمة في ثلاثة مواقع تقاعد أصحابها فأرادوا لهم بدلاء من حاشيتهم. هذا الدافع على تواضعه لم يردع ميشال عون عن طعن حزب الله من الخلف. ميشال عون الذي يربطه بحزب الله تفاهم “مار مخايل”. السلطة هشة وجشعة والتهامية إلى هذا الحد. أما الرئيس ميقاتي صاحب عبارة “بدنا نتحمل بعضنا” فله في الشراهة ما لأشعب بالسمك، اذ أن الرجل لم يتورع عن التهام قرض مدعوم من الدولة بقيمة 20 مليون دولار ولم يكترث لما جرته عليه من سمعة في الشوارع، هو صاحب المليارات الثلاثة من الدولارات، وشقيق صاحب المليارات الأربع.
فعل الحلفاء في سرقة اللبنانيين ببعضهم بعضاً ذلك في غمرة حملة فكاهية لبنانية على الـ”سوشيل ميديا” أطلق أصحاب الصفحات عليها اسم “الأغلفة البديلة”، وشهدت رواجاً ونجاحاً واسعين، لكن أهل السلطة بفعلتهم الهزلية والسفيهة عادوا وأطفأوها، فأي نكتة يمكن أن تصمد في وجه فعلة “اللص غير الظريف” نجيب ميقاتي؟ يا رجل… من أين جئت بكل هذه القدرة على الصغارة؟ ومن أجل ماذا؟ من أجل تعيين في المجلس العسكري! الآن صار بإمكاننا أن نجيب أنفسنا حين كنا نسألها مستهولين إقدامه على اقتناص فرصة القرض المدعوم وحرمان أكثر من 400 فقير طرابلسي من الاستفادة من نفس المبلغ.
أما بالنسبة لفخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون، فإن طعنه حليفه في تفاهم مار مخايل لقاء ثمن بخس، فيردنا إلى جوهر التفاهم المذكور، ذاك أن واقعة مجلس الوزراء أكثر “تاريخية” من واقعة التفاهم، وهي تكشف جوهر العلاقة بين حزب الله والتيار العوني. فنحن حيال تفاهم أشرار سيأكلون بعضهم بعضاً ما أن “يثقب أحدهم الدف”. لا أخلاق تجمعهم ولا رحمة. نحن حيالهم في حضرة اللصوص، وهم إذ لا يشعرون بالإهانة جراء ما شهده اللبنانيون في يوم اجتماع الحكومة، لن يشعروا طبعاً بالإهانة التي ألحقوها بأنصارهم. فبينما كنا نرصد ما أصاب الطائفة السنية من إحباط و”إرباك” جراء انسحاب سعد الحريري، وإذ بميشال عون ينقض على الطائفة الشيعية فيخطف منها قطعة جبنة صغيرة، يعطي منها كسرة لنجيب ميقاتي، ويلوذ بالباقي لوحده.
وفي هذا الوقت تطلق الطائفة المطعونة العنان لإرث تاريخي من الظلم، ويباشر أهلها بكاءً أين منه بكاءهم على ما أصاب أهل البيت من جور.
نحن اللبنانيون المزروعون في عتمة منازلنا ارتجت هواتفنا، وتحولنا في ذلك اليوم من هاشتاغ “الأغلفة البديلة” إلى هاشتاغ “اللصوص غير الظرفاء”، وما ورد أعلاه لا ينطوي على أي مبالغة. فوجوه المعممين في حزب الله حملت حنقاً بفعل واقعة مجلس الوزراء يفوق حنقها على احتلال القدس، ورئيس السلطة التشريعية نبيه بري أعطى الأمر لوزير المالية بعدم التوقيع على التعيينات، واستعد شعب الثنائي لاستئناف هتافات الـ”شيعة شيعة شيعة”! ميشال عون ربح مديراً عاماً، ونجيب ميقاتي مثله، واللبنانيون غارقون بالعتمة والجوع، هذا فيما فلاديمير بوتين يستعد لغزو أوكرانيا، والمغردون الممانعون من اللبنانيين يصفقون له على رغم اختطاف ميشال عون منصب مدير عام في غفلة منهم.
إقرأوا أيضاً: