لم يكن إدراج جهاد العرب وداني خوري على لوائح العقوبات التي فرضتها وزارة الخزانة الأميركية مفاجئاً، فالاسمان يترددان منذ فترة كمقاولين يشكلان واجهتين للفساد السلطوي لسعد الحريري وجبران باسيل، لكن المفاجأة هي إدراج النائب جميل السيد ضمن لائحة المعاقبين.
ومعاقبة السيد من باب الفساد وتقويض القانون بدت لافتة على شخصية غلب على آفاتها الطابع الأمني، بداية لجهة أدوارها الأساسية في النظام الأمني اللبناني- السوري الذي حكم لبنان، وانتهاءً بكونها ثاني اثنين في سيارة لا تتسع لـ”حمارين” وإن اتسعت لمتفجرات علي مملوك لتقويض الأمن في لبنان.
لم يغب جميل السيد طبعاً عن الاتهامات المتبادلة بالفساد بين أركان السلطة، وإن بخفر في سياق معركته المحصورة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة الأسبق النائب سعد الحريري، لكن إطلالات الرجل، وتحديداً عبر محطة إعلامية هو ضيف دائم على شاشتها كمحاضر عن الفساد والمفسدين، او مؤتمراته الصحافية الكثيرة، أو في تغريداته اليومية، راكمت عن الرجل صورة أقرب إلى النزاهة عند لبنانيين كثر، مع أن الرجل وحده دون المنظومة السلطوية من طلب جهاراً من حراسه إطلاق الرصاص كمحاولة منه لتكثيف نزاهته المفترضة وقد خدشها المتظاهرون ذات يوم من أيام انتفاضة 17 تشرين الأول. والمرء إذا ما قدر له تحييد آفات النزعة الأمنية للرجل منذ تسعينات القرن الماضي، حتى اغتيال الرئيس رفيق الحريري، سيقع غالباً في شرك هذه النزاهة المفترضة، والتي وقع تهشيم صورتها راهناً على عاتق الولايات المتحدة الأميركية.
لكن العقاب الآتي أميركياً، سيضاعف على الأرجح انشطار صفات السيد عند اللبنانيين، فتصير والحال رذيلته في تهريب أمواله إلى الخارج، وفي زمن الأزمة المعيشية الراهنة، مجرد افتراء مشفوع بشهادة حسن ظن له عند الممانعة طالما أن المُعاقِب أميركي، أما تسييلها في وجدان الممانعين فعاتقه على السيد نفسه، وعلى إعلام ممانع لا يني يُخرج اي عقوبة أميركية، أو غربية من سياقها وحقيقتها، ويدرجها في سياق الحرب الأميركية على الممانعة وممانعيها، ولا شك في أن جميل السيد في الطليعة.
إخراج العقوبة الأميركية على النائب جميل السيد من واقعها وأثرها الاقتصادي إلى السياسة كخيار ممانع، سيكثف الأخيرة في مآل تلك العقوبة، وتحديداً في خفض منسوب طموح الرجل السياسي، كواحد من خيارات “حزب الله” لخلافة الرئيس نبيه بري في رئاسة مجلس النواب اللبناني، أقله على ما يظن السيد نفسه، وسيضاعف بالضرورة الطموح المعلن للمدير العام الحالي للأمن العام اللواء عباس ابراهيم.
وتصادم طموح الرجلين ليس سراً، وقد فضحته حروب كلامية كثيرة بينهما في العامين الماضيين، فيما المفارقة أن العقوبة على السيد تأتي فيما صار ابراهيم ضيفاً استثنائياً على ما وشت به زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة الأميركية، والتي بالمناسبة أعقبت تسريبات عن عقوبات أميركية عليه، ليس مستبعداً أن يكون وزرها ناجماً عن تنافس الرجلين على خلافة بري، فيما مضاعفة المفارقة هو في مستقبل ستقيم الممانعة فيه مفاضلةً بين معاقَب أميركياً بالفساد وتقويض القانون، وبين مُدَّعى عليه لبنانياً بجريمة المرفأ، وحتمية هكذا مفاضلة تعرف الممانعة مسالكها الأكثر قابلية.
ومفارقات العقوبة الأميركية على جميل السيد لا تقتصر على طموحه السياسي، لكنها تأتي في تماس زمني تصدَّر فيه رئيس “حزب القوات اللبنانية” سمير جعجع المشهد اللبناني بعد حادثة الطيونة، ثم في استدعائه للتحقيق أمام المحكمة العسكرية. وقدح الذاكرة يفضي إلى استدراج الخصومة العميقة بين الرجلين ماضياً وحاضراً، حيث حضور جميل السيد يبدو كثيفاً في الحقبتين، اعتقالاً في الأولى، ومحرضاً في الثانية، وأغلب الظن أن أفواه الممانعين ستجد في تزامن الواقعتين مناخاً تعسفياً ملائماً لتكثيف ربط العقوبة بالسياسة.
في رواية “صخرة طانيوس” لأمين معلوف، يقول روكز لطانيوس: “عندما تطلب من الله أن ينتقم لك، لا يمكن ان تحدِّد له طريقة الانتقام”، والحال، أننا كلبنانيين، وأمام عجزنا عن فرض عقابنا على سلطة، يمثل جميل السيد أحد نماذجها، لن نغص بانتقام أتى أميركياً هذه المرة.
إقرأوا أيضاً: