fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

لبنان والفيول المغشوش: كيف فرضت “سوناطراك” شريكاً ثالثاً؟”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كبرت القضية وانتقل صداها إلى الجزائر، إذ أمر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بفتح تحقيق قضائي حول قضية الفيول المغشوش بين الجزائر ولبنان.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تفيد حيثيات الخلاف بين فرع الشركة الجزائرية للمحروقات “سوناطراك” في لندن والشركة اللبنانية “بي بي إينرجي” التي تتولى تنفيذ عقدها مع وزارة الطاقة والمياه في لبنان، بتموين محطات الكهرباء بالوقود في تحديد المسؤوليات في ما يتعلق بالتعاقد مع شركة “زد آر إينرجي” موردة الشحنات المغشوشة محل التحقيق القضائي الذي باشرته النيابة العامة في منطقة جبل لبنان. 

وإذ كبرت القضية وانتقل صداها إلى الجزائر، إذ أمر الرئيس عبد المجيد تبون بفتح تحقيق قضائي حولها، نعود هنا إلى إحدى المحطات المهمة في تطور العلاقة التجارية بين فرع “سوناطراك” في لندن و”بي بي إينرجي” والخلاف الذي وقع بينهما بسبب إصرار هذه الأخيرة على التزام بنود العقد الرابط بينهما بعدما ناور الرئيس المدير العام لـ”سوناطراك” آنذاك، لفرض متعامل آخر يلغي الطابع الحصري الذي تتمتع به في تنفيذ عقد “سوناطراك” مع الدولة اللبنانية.

وإذ تمت تسوية النزاع من دون اللجوء إلى التحكيم الدولي كما لوحت “بي بي إينرجي”، تمكن الطرف الجزائري الممثل آنذاك بمحمد رفيق دماك، مدير فرع “سوناطراك” في لندن وعبد المومن ولد قدور، الرئيس المدير العام لـ”سوناطراك”، من إعطاء متعامل آخر حصة  في إطار تموين السوق اللبنانية بالفيول والمازوت.  

فعلاً، عمد ولد قدور إلى تغيير المسؤولين في معظم المناصب العليا في الشركة. وفي هذا السياق، نصب محمد رفيق دماك الذي كان يشغل منصب نائب الرئيس المدير العام المكلف بالتسويق، على رأس فرع لندن في تشرين الأول/ أكتوبر 2017 أي بعد 6 أشهر من توليه مسؤولية “سوناطراك”. وبمجرد تعيين دماك حتى فسخ العلاقة التجارية التي كانت تربط فرع لندن المسمىSonatrach Petroleum Corporation (SPC) بالشركة اللبنانية “بي بي إينرجي” BB Energy، التي يملكها بهاء البساتني، والسبب هو رفض الشركة اللبنانية قبول متعامل آخر لتنفيذ عقد تزويد السوق اللبنانية بالفيول والمازوت. وبعد أخذ ورد، رضخت الشركة اللبنانية للأمر الواقع وحصلت شركة لبنانية أخرى اسمها “زاد آر إينرجي” ZR Energy، يملكها تيدي وريمون رحمة على حصة، على رغم الطابع الحصري الذي كانت تتمتع به شركة “بي بي إينرجي”، في تنفيذ عقد “سوناطراك” مع الدولة اللبنانية والذي يعود إلى عام 2005 ويتم تجديده كل ثلاث سنوات. 

اطلعنا على مراسلتين تفيدان بحدوث هذا الخلاف بين فرع “سوناطراك” في لندن و”بي بي إينرجي”، بسبب إصرار هذه الأخيرة على التزام بنود العقد الرابط بينهما بعدما ناور ولد قدور لفرض “زاد آر إينرجي”، كمورد ثانٍ وإلغاء الطابع الحصري الذي كانت تتمتع به الشركة الأولى في تنفيذ عقد “سوناطراك” مع الدولة اللبنانية. 

“Business as usual”

تجدر الإشارة في هذا السياق، إلى أن محمد رفيق دماك كان طلب من السلطات البريطانية تأشيرة عمل تُمكنه من الحصول على إقامة دائمة في المملكة المتحدة بعد مرور سنة. وهو شيء لا يتوافق مع وضعه كعامل في الشركة الأم، تمت إعارته لفرع تابع لها، فهذا يعفيه من التسجيل لدى المصالح المختصة، بما أن الشركة الأم “سوناطراك” غير مقيمة بالمملكة المتحدة. 

أما في ما يتعلق بالرئيس المدير العام لـ”سوناطراك” عبد المومن ولد قدور، المعين على رأس الشركة في آذار/ مارس 2017 فله سوابق عدلية وهو الذي سُجن في قضية “بي آر سي” BRC، لمدة 30 شهراً بتهمة كشف معلومات تعتبر أسرار دولة، من دون أن يتقدم بالطعن في الحكم، وأطلق سراحه بعدما سُجِن 20 شهراً. 

يقول محمد رفيق دماك في إيمايل كتبه لرئيسه ولد قدور بتاريخ 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017: “وفقاً لتعليماتك بأن أعلمك بالمحادثات الجارية مع شركة بي بي إينرجي، أخطرك بأن اجتماعاً عقد في مكاتبنا وقد حضره محمد البساتني وطوني شبلي من جهة  بي بي إينرجي ورافي رماناتان، منصور آياتي وأنا من جهة SPC. جرى الاجتماع بشكل سيئ للغاية بسبب تعنت  بي بي إينرجي وتشبثها بموقفها بخصوص تنفيذ العقد مع لبنان كلياً وحصرياً، وبأن سوناطراك ملزمة تجاهها بذلك. أبدى ممثلو بي بي إنرجي منذ البداية سلوكا متعجرفا تجاهنا ما دفعني لرفع الجلسة“. 

في الرسالة نفسها يشير دماك إلى أن علاقات “بي بي إينرجي” مع مديرية التسويق للشركة الأم “سوناطراك”، كانت تسير بصفة طبيعية: “كما ألفت انتباهك، سيدي الرئيس، إلى أن الأعمال تسير كالمعتاد بين بي بي إينرجي ومديرية نشاط التسويق  (business as usual) والتي ستزودها بشحنة من مادة النفطا (naphta)  في كانون الأول/ ديسمبر الداخل. إضافة إلى ذلك، خطابات الاعتماد المفتوحة من طرف بي بي إينرجي لم يتم تأكيدها لدى البنك الخارجي الجزائري (BEA) كما جرت العادة وإنما لدى بنك الخليج الجزائر (AGB) وبررت  ذلك بأن هذه الخدمة لدى البنك الخارجي الجزائري باهظة الثمن“. 

تبرز هذه المراسلة من جهة أخرى شرخاً بين هياكل شركة “سوناطراك”، وكأن مديرية التسويق بالشركة الأم لم تكن تعلم بالخلاف القائم بين فرع لندن والمتعامل اللبناني أو أنها لم تكن موافقة على ما يقوم به الرئيس المدير العام والمسؤول عن فرع لندن كما يبينه الجزء الأخير من الرسالة: “هناك اجتماع سينعقد بين ممثلين عن مديرية نشاط التسويق (وفد يقوده مراد منور ويرافقه رياض بن سماية ورضا بلعمري) وبي بي إينرجي خلال هذا الأسبوع في لندن، ليس في مكاتبنا وإنما، بحسب معلوماتنا، في فندق. أسمح لنفسي، سيدي الرئيس، بأن أستمر في إخطارك بالتطورات أولاً بأول“. 

هذا واتصل “درج” بشركة بي بي انيرجي في لندن وفي بيروت، وفضّلت الأخيرة عدم التعليق على هذه المعلومات في الوقت الراهن.

دماك يتجنب مجلس الإدارة والجمعية العامة للشركة

يدير فرع لندن مجلس إدارة مكون من 5 أشخاص يشغل فيه المدير محمد رفيق دماك مقعداً إلى جانب نائب الرئيس المدير العام لـ”سوناطراك” الأم المكلف بالتسويق، مدير المالية لفرع لندن وإطارين آخرين من الشركة الأم وجمعية عامة يرأسها مدير الشركة القابضة “سوناطراك انترناشونال كوربورايشن” (SIHC)، وهي إحدى الشركات القابضة السبعة التي تدير 154 فرعاً ومساهمة تملكها “سوناطراك”. يشكل مجلس الإدارة والجمعية العامة السلطة الوصية على فرع لندن، يعود إليها مدير الفرع بما يتعلق بشؤون التسيير ويعرض عليها ما يحدث من نزاعات مع زبائن ووسطاء الشركة. وهذا ما لم يفعله محمد رفيق دماك، ذاك أنه اتصل مباشرة بالرئيس المدير العام الذي يفترض أن يفصل في الشؤون الاستراتيجية والتحكيم في ما يخص المشاريع الكبرى وميزانية الاستثمارات. وتدخل الرئيس المدير العام بقضايا جانبية كهذه مثير للريبة. 

تبرز هذه المراسلة من جهة أخرى شرخاً بين هياكل شركة “سوناطراك”، وكأن مديرية التسويق بالشركة الأم لم تكن تعلم بالخلاف القائم بين فرع لندن والمتعامل اللبناني

للتذكير فقد غطى الحكم على ولد قدور في قضية ” بي آر سي” (BRC) – باسم الشركة المختلطة الجزائرية الأميركية Brown & Root Condor BRC، التي تربط بين سوناطراك وKBR، الشركة البريطانية التابعة لشركة النفط الأميركية العملاقة هاليبرتون، وكان يديرها ولد قدور- على المخالفات التي سجلتها المفتشية العامة للمالية (IGF) في الملف. كان هذا في 2007.  وورد اسم نجله نسيم في أوراق بنما وتناوله “درج” في تحقيق حول حركات مريبة لأموال له عبر مصارف لبنانية (https://daraj.media/6561/).  

لا يمثل لبنان سوقاً مهمة بالنسبة إلى “سوناطراك”، ولا حتى بالنسبة إلى فرعها في لندن الذي يملك 6 بواخر لنقل المحروقات ويُسوق ما قيمته مليارات الدولارات سنوياً. وإن تراجع نشاط هذا الفرع خلال السنوات الأخيرة إلا أن ما يُدره العقد مع لبنان من أرباح – من 5 إلى 7 ملايين دولار في السنة– يمثل جزءاً بسيطاً منها. للعلم، فإن فرع لندن حقق رقم أعمال يقدر بملياري دولار سنة 2018 إضافة إلى أرباح قدرها 32 مليون دولار. وهذا نصف ما حققه الفرع عام 2014 حيث سوق قيمته 5 مليارات دولار، وحصّل فائدة قدرها 80 مليون دولار. 

بحسب مصدر من “سوناطراك” رفض أن يُذكر اسمه، فإن الشركة كانت حضرت نفسها بطلبها لخدمات مكتب المحاماة الباريسي لصاحبه بينوا لوبارBenoit Le Bars، في حال لجأت “بي بي إينرجي” اللبنانية للتحكيم الدولي. استمر الخلاف لمدة ستة أشهر، لأن ولد قدور كان يريد إعطاء حصص لكل من “زاد آر إينرجي” اللبنانية وشركة أخرى اسمها “أورونوفا إينرجي” Euronova Energy. 

“بي بي إينرجي” تخضع لإرادة ولد قدور

كان هذا قبل أن يحصل اتفاق بين “سوناطراك” و”بي بي إينرجي”، يقضي بمواصلة العمل معها بعدما وضعها ولد قدور على القائمة السوداء التي تضم الشركات التي لا تتعامل معها الشركة الجزائرية. أي أن “سوناطراك” أوقفت التعامل مع “بي بي إينرجي”، حتى تجبرها على التنازل عن الطابع الحصري في تموين السوق اللبنانية والقبول بمتعاملين آخرين، ما يجعلها أمام خيارين: إما اللجوء إلى التحكيم الدولي وفقدان علاقة العمل مع “سوناطراك” وما تدره من أرباح، او التنازل بحصة لمتعامل آخر ومواصلة النشاط وهو ما رضخت له في النهاية.  

وبتاريخ 11 نيسان/ أبريل 2018، بعث محمد رفيق دماك رسالة إلكترونية (إيميل) أخرى لرئيسه ولد قدور ونسخة منها هذه المرة لمدير التسويق بالشركة الأم عمر معاليو يطلب فيها شطب “بي بي إينرجي” من القائمة السوداء: “سيدي الرئيس، بعد الإيميل السابق، إلا إن كان لك رأي آخر، وطبقاً لاتفاق التسوية الذي وقعناه، أطلب عبر هذه الرسالة موافقتك على شطب بي بي إينرجي من القائمة السوداء والإعادة الفورية للعلاقات التجارية معهم“. 

والعقد الذي يربط “سوناطراك” بوزارة الطاقة والمياه بلبنان منذ 2005 يقضي بتزويد شركة الكهرباء اللبنانية بـ1.2 مليون طن من الفيول سنوياً والسوق اللبنانية بـ600 ألف طن من المازوت سنوياً. ولتنفيذ هذا العقد، اعتمدت “سوناطراك”، “بي بي إينرجي” وسيطاً وفق عقد يقضي بوسم شحناته التي يقتنيها في السوق الدولية باسم الشركة الجزائرية مقابل 3.5 دولار للطن المتري، في حين يستفيد هو من هامش ربحي يقدر بـ25 دولاراً. أي أن سوناطراك كانت تلعب دور الواجهة لنشاط هذا الوسيط في لبنان والذي استفاد من هذا العقد الحصري لسنوات قبل أن يفرض ولد قدور “زاد آر إينرجي”. 

لم تكن “زاد آر إينرجي” الوسيط الوحيد الذي فرض ولد قدور التعامل معه، من طريق فرع الشركة في لندن والذي ربط علاقات تجارية جديدة مع الكثير من الوسطاء باقتراح منه على غرار الشركة التركية “بايجان” (Bayegan).  

جُدد العقد مع الدولة اللبنانية في كانون الأول/ ديسمبر 2018، وواصل فرع “سوناطراك” في لندن التعامل مع “بي بي إينرجي”، وباشر العمل مع “زاد آر إينرجي”، إلى أن تفجرت قضية الفيول المغشوش بعد معاينة شحنة وردها هذا المتعامل الجديد في آذار/ مارس الماضي، فتحت على إثرها النيابة العامة في منطقة جبل لبنان تحقيقاً قضائياً ما زال متواصلاً، حتى الآن. كما أمر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون وزير العدل بلقاسم زغماتي بفتح تحقيق قضائي في القضية، وقال الناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية في الجزائر محند أو سعيد بلعيد في ندوة صحافية عقدها أمس، إن القضية لبنانية بالدرجة الأولى و”الجزائر كدولة غير متورطة، وقد يكون بعض الأفراد متورطين، والعدالة ستأخذ مجراها وتبين الحقيقة”.   

كبرت القضية وانتقل صداها إلى الجزائر، إذ أمر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بفتح تحقيق قضائي حول قضية الفيول المغشوش بين الجزائر ولبنان.

تفيد حيثيات الخلاف بين فرع الشركة الجزائرية للمحروقات “سوناطراك” في لندن والشركة اللبنانية “بي بي إينرجي” التي تتولى تنفيذ عقدها مع وزارة الطاقة والمياه في لبنان، بتموين محطات الكهرباء بالوقود في تحديد المسؤوليات في ما يتعلق بالتعاقد مع شركة “زد آر إينرجي” موردة الشحنات المغشوشة محل التحقيق القضائي الذي باشرته النيابة العامة في منطقة جبل لبنان. 

وإذ كبرت القضية وانتقل صداها إلى الجزائر، إذ أمر الرئيس عبد المجيد تبون بفتح تحقيق قضائي حولها، نعود هنا إلى إحدى المحطات المهمة في تطور العلاقة التجارية بين فرع “سوناطراك” في لندن و”بي بي إينرجي” والخلاف الذي وقع بينهما بسبب إصرار هذه الأخيرة على التزام بنود العقد الرابط بينهما بعدما ناور الرئيس المدير العام لـ”سوناطراك” آنذاك، لفرض متعامل آخر يلغي الطابع الحصري الذي تتمتع به في تنفيذ عقد “سوناطراك” مع الدولة اللبنانية.

وإذ تمت تسوية النزاع من دون اللجوء إلى التحكيم الدولي كما لوحت “بي بي إينرجي”، تمكن الطرف الجزائري الممثل آنذاك بمحمد رفيق دماك، مدير فرع “سوناطراك” في لندن وعبد المومن ولد قدور، الرئيس المدير العام لـ”سوناطراك”، من إعطاء متعامل آخر حصة  في إطار تموين السوق اللبنانية بالفيول والمازوت.  

فعلاً، عمد ولد قدور إلى تغيير المسؤولين في معظم المناصب العليا في الشركة. وفي هذا السياق، نصب محمد رفيق دماك الذي كان يشغل منصب نائب الرئيس المدير العام المكلف بالتسويق، على رأس فرع لندن في تشرين الأول/ أكتوبر 2017 أي بعد 6 أشهر من توليه مسؤولية “سوناطراك”. وبمجرد تعيين دماك حتى فسخ العلاقة التجارية التي كانت تربط فرع لندن المسمىSonatrach Petroleum Corporation (SPC) بالشركة اللبنانية “بي بي إينرجي” BB Energy، التي يملكها بهاء البساتني، والسبب هو رفض الشركة اللبنانية قبول متعامل آخر لتنفيذ عقد تزويد السوق اللبنانية بالفيول والمازوت. وبعد أخذ ورد، رضخت الشركة اللبنانية للأمر الواقع وحصلت شركة لبنانية أخرى اسمها “زاد آر إينرجي” ZR Energy، يملكها تيدي وريمون رحمة على حصة، على رغم الطابع الحصري الذي كانت تتمتع به شركة “بي بي إينرجي”، في تنفيذ عقد “سوناطراك” مع الدولة اللبنانية والذي يعود إلى عام 2005 ويتم تجديده كل ثلاث سنوات. 

اطلعنا على مراسلتين تفيدان بحدوث هذا الخلاف بين فرع “سوناطراك” في لندن و”بي بي إينرجي”، بسبب إصرار هذه الأخيرة على التزام بنود العقد الرابط بينهما بعدما ناور ولد قدور لفرض “زاد آر إينرجي”، كمورد ثانٍ وإلغاء الطابع الحصري الذي كانت تتمتع به الشركة الأولى في تنفيذ عقد “سوناطراك” مع الدولة اللبنانية. 

“Business as usual”

تجدر الإشارة في هذا السياق، إلى أن محمد رفيق دماك كان طلب من السلطات البريطانية تأشيرة عمل تُمكنه من الحصول على إقامة دائمة في المملكة المتحدة بعد مرور سنة. وهو شيء لا يتوافق مع وضعه كعامل في الشركة الأم، تمت إعارته لفرع تابع لها، فهذا يعفيه من التسجيل لدى المصالح المختصة، بما أن الشركة الأم “سوناطراك” غير مقيمة بالمملكة المتحدة. 

أما في ما يتعلق بالرئيس المدير العام لـ”سوناطراك” عبد المومن ولد قدور، المعين على رأس الشركة في آذار/ مارس 2017 فله سوابق عدلية وهو الذي سُجن في قضية “بي آر سي” BRC، لمدة 30 شهراً بتهمة كشف معلومات تعتبر أسرار دولة، من دون أن يتقدم بالطعن في الحكم، وأطلق سراحه بعدما سُجِن 20 شهراً. 

يقول محمد رفيق دماك في إيمايل كتبه لرئيسه ولد قدور بتاريخ 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017: “وفقاً لتعليماتك بأن أعلمك بالمحادثات الجارية مع شركة بي بي إينرجي، أخطرك بأن اجتماعاً عقد في مكاتبنا وقد حضره محمد البساتني وطوني شبلي من جهة  بي بي إينرجي ورافي رماناتان، منصور آياتي وأنا من جهة SPC. جرى الاجتماع بشكل سيئ للغاية بسبب تعنت  بي بي إينرجي وتشبثها بموقفها بخصوص تنفيذ العقد مع لبنان كلياً وحصرياً، وبأن سوناطراك ملزمة تجاهها بذلك. أبدى ممثلو بي بي إنرجي منذ البداية سلوكا متعجرفا تجاهنا ما دفعني لرفع الجلسة“. 

في الرسالة نفسها يشير دماك إلى أن علاقات “بي بي إينرجي” مع مديرية التسويق للشركة الأم “سوناطراك”، كانت تسير بصفة طبيعية: “كما ألفت انتباهك، سيدي الرئيس، إلى أن الأعمال تسير كالمعتاد بين بي بي إينرجي ومديرية نشاط التسويق  (business as usual) والتي ستزودها بشحنة من مادة النفطا (naphta)  في كانون الأول/ ديسمبر الداخل. إضافة إلى ذلك، خطابات الاعتماد المفتوحة من طرف بي بي إينرجي لم يتم تأكيدها لدى البنك الخارجي الجزائري (BEA) كما جرت العادة وإنما لدى بنك الخليج الجزائر (AGB) وبررت  ذلك بأن هذه الخدمة لدى البنك الخارجي الجزائري باهظة الثمن“. 

تبرز هذه المراسلة من جهة أخرى شرخاً بين هياكل شركة “سوناطراك”، وكأن مديرية التسويق بالشركة الأم لم تكن تعلم بالخلاف القائم بين فرع لندن والمتعامل اللبناني أو أنها لم تكن موافقة على ما يقوم به الرئيس المدير العام والمسؤول عن فرع لندن كما يبينه الجزء الأخير من الرسالة: “هناك اجتماع سينعقد بين ممثلين عن مديرية نشاط التسويق (وفد يقوده مراد منور ويرافقه رياض بن سماية ورضا بلعمري) وبي بي إينرجي خلال هذا الأسبوع في لندن، ليس في مكاتبنا وإنما، بحسب معلوماتنا، في فندق. أسمح لنفسي، سيدي الرئيس، بأن أستمر في إخطارك بالتطورات أولاً بأول“. 

هذا واتصل “درج” بشركة بي بي انيرجي في لندن وفي بيروت، وفضّلت الأخيرة عدم التعليق على هذه المعلومات في الوقت الراهن.

دماك يتجنب مجلس الإدارة والجمعية العامة للشركة

يدير فرع لندن مجلس إدارة مكون من 5 أشخاص يشغل فيه المدير محمد رفيق دماك مقعداً إلى جانب نائب الرئيس المدير العام لـ”سوناطراك” الأم المكلف بالتسويق، مدير المالية لفرع لندن وإطارين آخرين من الشركة الأم وجمعية عامة يرأسها مدير الشركة القابضة “سوناطراك انترناشونال كوربورايشن” (SIHC)، وهي إحدى الشركات القابضة السبعة التي تدير 154 فرعاً ومساهمة تملكها “سوناطراك”. يشكل مجلس الإدارة والجمعية العامة السلطة الوصية على فرع لندن، يعود إليها مدير الفرع بما يتعلق بشؤون التسيير ويعرض عليها ما يحدث من نزاعات مع زبائن ووسطاء الشركة. وهذا ما لم يفعله محمد رفيق دماك، ذاك أنه اتصل مباشرة بالرئيس المدير العام الذي يفترض أن يفصل في الشؤون الاستراتيجية والتحكيم في ما يخص المشاريع الكبرى وميزانية الاستثمارات. وتدخل الرئيس المدير العام بقضايا جانبية كهذه مثير للريبة. 

تبرز هذه المراسلة من جهة أخرى شرخاً بين هياكل شركة “سوناطراك”، وكأن مديرية التسويق بالشركة الأم لم تكن تعلم بالخلاف القائم بين فرع لندن والمتعامل اللبناني

للتذكير فقد غطى الحكم على ولد قدور في قضية ” بي آر سي” (BRC) – باسم الشركة المختلطة الجزائرية الأميركية Brown & Root Condor BRC، التي تربط بين سوناطراك وKBR، الشركة البريطانية التابعة لشركة النفط الأميركية العملاقة هاليبرتون، وكان يديرها ولد قدور- على المخالفات التي سجلتها المفتشية العامة للمالية (IGF) في الملف. كان هذا في 2007.  وورد اسم نجله نسيم في أوراق بنما وتناوله “درج” في تحقيق حول حركات مريبة لأموال له عبر مصارف لبنانية (https://daraj.media/6561/).  

لا يمثل لبنان سوقاً مهمة بالنسبة إلى “سوناطراك”، ولا حتى بالنسبة إلى فرعها في لندن الذي يملك 6 بواخر لنقل المحروقات ويُسوق ما قيمته مليارات الدولارات سنوياً. وإن تراجع نشاط هذا الفرع خلال السنوات الأخيرة إلا أن ما يُدره العقد مع لبنان من أرباح – من 5 إلى 7 ملايين دولار في السنة– يمثل جزءاً بسيطاً منها. للعلم، فإن فرع لندن حقق رقم أعمال يقدر بملياري دولار سنة 2018 إضافة إلى أرباح قدرها 32 مليون دولار. وهذا نصف ما حققه الفرع عام 2014 حيث سوق قيمته 5 مليارات دولار، وحصّل فائدة قدرها 80 مليون دولار. 

بحسب مصدر من “سوناطراك” رفض أن يُذكر اسمه، فإن الشركة كانت حضرت نفسها بطلبها لخدمات مكتب المحاماة الباريسي لصاحبه بينوا لوبارBenoit Le Bars، في حال لجأت “بي بي إينرجي” اللبنانية للتحكيم الدولي. استمر الخلاف لمدة ستة أشهر، لأن ولد قدور كان يريد إعطاء حصص لكل من “زاد آر إينرجي” اللبنانية وشركة أخرى اسمها “أورونوفا إينرجي” Euronova Energy. 

“بي بي إينرجي” تخضع لإرادة ولد قدور

كان هذا قبل أن يحصل اتفاق بين “سوناطراك” و”بي بي إينرجي”، يقضي بمواصلة العمل معها بعدما وضعها ولد قدور على القائمة السوداء التي تضم الشركات التي لا تتعامل معها الشركة الجزائرية. أي أن “سوناطراك” أوقفت التعامل مع “بي بي إينرجي”، حتى تجبرها على التنازل عن الطابع الحصري في تموين السوق اللبنانية والقبول بمتعاملين آخرين، ما يجعلها أمام خيارين: إما اللجوء إلى التحكيم الدولي وفقدان علاقة العمل مع “سوناطراك” وما تدره من أرباح، او التنازل بحصة لمتعامل آخر ومواصلة النشاط وهو ما رضخت له في النهاية.  

وبتاريخ 11 نيسان/ أبريل 2018، بعث محمد رفيق دماك رسالة إلكترونية (إيميل) أخرى لرئيسه ولد قدور ونسخة منها هذه المرة لمدير التسويق بالشركة الأم عمر معاليو يطلب فيها شطب “بي بي إينرجي” من القائمة السوداء: “سيدي الرئيس، بعد الإيميل السابق، إلا إن كان لك رأي آخر، وطبقاً لاتفاق التسوية الذي وقعناه، أطلب عبر هذه الرسالة موافقتك على شطب بي بي إينرجي من القائمة السوداء والإعادة الفورية للعلاقات التجارية معهم“. 

والعقد الذي يربط “سوناطراك” بوزارة الطاقة والمياه بلبنان منذ 2005 يقضي بتزويد شركة الكهرباء اللبنانية بـ1.2 مليون طن من الفيول سنوياً والسوق اللبنانية بـ600 ألف طن من المازوت سنوياً. ولتنفيذ هذا العقد، اعتمدت “سوناطراك”، “بي بي إينرجي” وسيطاً وفق عقد يقضي بوسم شحناته التي يقتنيها في السوق الدولية باسم الشركة الجزائرية مقابل 3.5 دولار للطن المتري، في حين يستفيد هو من هامش ربحي يقدر بـ25 دولاراً. أي أن سوناطراك كانت تلعب دور الواجهة لنشاط هذا الوسيط في لبنان والذي استفاد من هذا العقد الحصري لسنوات قبل أن يفرض ولد قدور “زاد آر إينرجي”. 

لم تكن “زاد آر إينرجي” الوسيط الوحيد الذي فرض ولد قدور التعامل معه، من طريق فرع الشركة في لندن والذي ربط علاقات تجارية جديدة مع الكثير من الوسطاء باقتراح منه على غرار الشركة التركية “بايجان” (Bayegan).  

جُدد العقد مع الدولة اللبنانية في كانون الأول/ ديسمبر 2018، وواصل فرع “سوناطراك” في لندن التعامل مع “بي بي إينرجي”، وباشر العمل مع “زاد آر إينرجي”، إلى أن تفجرت قضية الفيول المغشوش بعد معاينة شحنة وردها هذا المتعامل الجديد في آذار/ مارس الماضي، فتحت على إثرها النيابة العامة في منطقة جبل لبنان تحقيقاً قضائياً ما زال متواصلاً، حتى الآن. كما أمر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون وزير العدل بلقاسم زغماتي بفتح تحقيق قضائي في القضية، وقال الناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية في الجزائر محند أو سعيد بلعيد في ندوة صحافية عقدها أمس، إن القضية لبنانية بالدرجة الأولى و”الجزائر كدولة غير متورطة، وقد يكون بعض الأفراد متورطين، والعدالة ستأخذ مجراها وتبين الحقيقة”.   

|

اشترك بنشرتنا البريدية