fbpx

“الحكي بيطوّل العمر”… لست وحدك في هذه المعاناة!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“الأزمات النفسية من الممكن أن تؤدّي إلى الانتحار أي الموت، لذلك علينا أن نكون دائما على استعداد للحالات الطارئة، أي 24/7 كالصليب الأحمر”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بطلق ناري، أو شنقاً أو طعناً، في غرفة معزولة أو على قارعة الطريق أحياناً. 

تتباين أساليب المنتحرين لكنها جميعاً تلتقي عند صرخة يأس واحدة. 

بين حين وآخر تطالعنا الأنباء في لبنان عن قصة مأساوية من هنا وأخرى صادمة من هناك. بات الوضع لا يطاق بالنسبة لكثيرين، ما يجعل الهجرة من البلاد مسألة «حياة أو موت» بالنسبة إلى عدد كبير منهم، خصوصاً في ظل دراسات تشير نتائجها، إلى أن ما يصل إلى 90 % من الشباب اللبناني يعانون من مشكلات نفسية في الوقت الحاضر، وأن حوادث الانتحار تزايدت بينهم.

منذ انتفاضة 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019، توالت الأزمات وبدأت قيمة العملة المحلية بالتدهور مقابل الدولار في الشهور التي تبعتها بدون توقف. جاء انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب في السنة التالية ليزيد من معاناة اللبنانيين الذين كانوا يرزحون تحت الضغوطات التي ولّدتها أزمة كوفيد 19 وإرهاصات الانهيار الاقتصادي. 

لم يكن وقع هذه الأزمات سهلا على شرائح لبنانية مختلفة، خاصة المهمشة منها وذات الامتيازات القليلة في المجتمع، فأصبحت الحاجة ملحة إلى التدخل عبر مبادرات تستجيب للأضرار النفسية الناتجة عنها. 

على الرغم من تراجع حالات الانتحار بين عاميّ 2019 و 2021، ارتفعت الرغبة بالانتحار بحسب الاتصالات التي تتلقاها جمعية Embrace. وبحسب الأرقام المسجلة لدى الجمعية فقد “ارتفع عدد الاتصالات الواردة لطلب المساعدة والاستشارات من 700 خلال شهر أبريل/مارس 2021 إلى 1030 اتصالاً خلال شهر أيار/ مايو من العام نفسه، 550 من المتصلين تتراوح أعمارهم بين 18 و 25.

جدول يبين عدد حالات الانتحار سنوياً (2012-2021)

تأسست منظمة Embrace في لبنان في العام 2017، وتعتمد في عملها على “خط الحياة الوطني في لبنان” (1564)  للدعم العاطفي والخط الساخن لمنع الانتحار، بالشراكة مع البرنامج الوطني للصحة النفسية في وزارة الصحة العامة. بدأت فكرة خط الحياة أو ال Life Line في أستراليا من قبل القسيس الراحل السير آلان ووكر. تلقى القسيس في احد الايام مكالمات هاتفية من رجل بائس ينوي الانتحار وأقدم عليه لاحقاً، فقرّر مواجهة الحادثة بإطلاق خط ساخن لدعم الأزمات على مدار 24 ساعة عازماً على عدم ترك العزلة ونقص الدعم سببين من أسباب كثيرة للمزيد من الوفيات.

تشير ريف رومانوس، المتخصصة في علم النفس، إلى ازدياد أعداد المتصلين من الأشخاص الذين يواجهون ظروفاَ اقتصادية صعبة، كصعوبة تأمين المال اللازم لإطعام الأطفال، أو لتأمين الدواء و دفع أقساط المدارس والجامعات. وتؤكد أن الظروف الاقتصادية ليست المؤشّر الوحيد الذي يؤثّر على الصحة النفسية، بل يشكل المستقبل المجهول، في الظروف الحالية التي تمر بها البلاد، هاجساً لدى الناس وخاصة الشباب منهم. 

بحسب الإحصاءات الأخيرة لمنظمة Embrace لشهر كانون الثاني/ يناير 2022، تلقى خط الحياة 950 اتصالاً. 62% من المتّصلين تراوحت أعمارهم بين  18 و34 سنة. شكلت النساء 59% من أعداد المتصلين، و 9% منهم كانوا ينتمون إلى مجتمع الميم عين: “نتلقى اتصالات من أشخاص يتعرضون للتعنيف اللفظي أو الجسدي أو الجنسي، أو أشخاص يواجهون صعوبات نفسية بسبب علاقاتهم العاطفية أو فقدان شخص عزيز. يتواصل معنا أيضاً أفراد من مجتمع الميم عين الذين يتعرضون/يواجهون وصمة مجتمعية بسبب ميولهم الجنسية أو هوياتهم الجندرية. بالإضافة للأشخاص ذوي الميول الانتحارية أو ممن يعرفون شخصا كذلك ويحاولون مساعدته”، تقول رومانوس.

جاءت فكرة خط الحياة، بحسب رومانوس لتقديم الدعم الفوري للأشخاص الذين يفكرون في الانتحار ويحتاجون إلى التحدث مع أخصائيـ/ـة: “الأزمات النفسية من الممكن أن تؤدّي إلى الانتحار أي الموت، لذلك علينا أن نكون دائما على استعداد للحالات الطارئة، أي 24/7 كالصليب الأحمر. نحن على بعد اتصال واحد من الناس، أي قريبون دائماً، كما أنه خط يصلنا بالناس من جميع مناطق لبنان، من الشمال إلى الجنوب”. 

إقرأوا أيضاً:

تلفت المتخصصة في علم النفس السريري جويل جابر الانتباه إلى مشكلة وصمة العار التي نواجهها في مجتمعنا والتي بقيت لفترة طويلة تؤثر على قرار الناس طلب المساعدة: “كان هدفنا الأساسي هو التوعية وبدأنا ببرنامج خاص به قبل أن نبدأ بمشروع خط الحياة والعيادة. حالياً، بعد تطوير هذين القسمين، هناك من يتصل بالعيادة لأنه يفكر بالانتحار لكن متمسك بالحياة في نفس الوقت ويحتاج مساعدة مختص. وهناك من يتصل بالخط الساخن بسبب الحاجة إلى لتحدث مع من يستطيع سماعه ومساعدته”. 

اتخذت المنظمة من “الحكي بطوّل العمر” شعاراً لها بسبب معايشتها اليومية لهذه الحالة التي قد تبدو غير منطقية بالنسبة للآخرين، لكنها أثبتت صحتها من خلال قدرتها على إنقاذ الناس بـ”الحكي”/التحدث عبر الهاتف.

تؤثر الأزمات التي تمر بها البلاد على لوجستيات العمل، فمثلاً: يتشكل غالبية الفريق المسؤول عن تلقي الاتصالات من الفئات العمرية الشابة التي تتعرض للضغوط نفسها التي يتعرض لها المتصل أحياناً، مما يشكل ضغطاً أو قلقاُ إضافياً عليهم بالإضافة إلى كونهم متطوعين يصعب على غالبيتهم دفع أجور المواصلات للقدوم إلى المكتب وخصوصاً في ظل أزمة المحروقات الحالية.

يمتد تأثير أزمة المحروقات أبعد من ذلك، فيتسبب بانقطاع الخطوط الهاتفية التي تشكل حجر أساس في فعالية المبادرة. تقول رومانوس: “في مرحلة من المراحل اضطررنا إلى الإقفال تماماً لمدة ثلاثة أيام كانت شديدة الصعوبة علينا من الناحية العاطفية والنفسية. استمر “خط الحياة” بالعمل أثناء انفجار مرفأ بيروت، وتابع العاملون/ات عملهم خلال تساقط الزجاج عليهم، لكنه توقف بسبب فقدان مادة المازوت!”. تضحك رومانوس، لكن في ضحكتها الكثير من الأسى. 

إقرأوا أيضاً:

09.06.2022
زمن القراءة: 4 minutes

“الأزمات النفسية من الممكن أن تؤدّي إلى الانتحار أي الموت، لذلك علينا أن نكون دائما على استعداد للحالات الطارئة، أي 24/7 كالصليب الأحمر”.

بطلق ناري، أو شنقاً أو طعناً، في غرفة معزولة أو على قارعة الطريق أحياناً. 

تتباين أساليب المنتحرين لكنها جميعاً تلتقي عند صرخة يأس واحدة. 

بين حين وآخر تطالعنا الأنباء في لبنان عن قصة مأساوية من هنا وأخرى صادمة من هناك. بات الوضع لا يطاق بالنسبة لكثيرين، ما يجعل الهجرة من البلاد مسألة «حياة أو موت» بالنسبة إلى عدد كبير منهم، خصوصاً في ظل دراسات تشير نتائجها، إلى أن ما يصل إلى 90 % من الشباب اللبناني يعانون من مشكلات نفسية في الوقت الحاضر، وأن حوادث الانتحار تزايدت بينهم.

منذ انتفاضة 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019، توالت الأزمات وبدأت قيمة العملة المحلية بالتدهور مقابل الدولار في الشهور التي تبعتها بدون توقف. جاء انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب في السنة التالية ليزيد من معاناة اللبنانيين الذين كانوا يرزحون تحت الضغوطات التي ولّدتها أزمة كوفيد 19 وإرهاصات الانهيار الاقتصادي. 

لم يكن وقع هذه الأزمات سهلا على شرائح لبنانية مختلفة، خاصة المهمشة منها وذات الامتيازات القليلة في المجتمع، فأصبحت الحاجة ملحة إلى التدخل عبر مبادرات تستجيب للأضرار النفسية الناتجة عنها. 

على الرغم من تراجع حالات الانتحار بين عاميّ 2019 و 2021، ارتفعت الرغبة بالانتحار بحسب الاتصالات التي تتلقاها جمعية Embrace. وبحسب الأرقام المسجلة لدى الجمعية فقد “ارتفع عدد الاتصالات الواردة لطلب المساعدة والاستشارات من 700 خلال شهر أبريل/مارس 2021 إلى 1030 اتصالاً خلال شهر أيار/ مايو من العام نفسه، 550 من المتصلين تتراوح أعمارهم بين 18 و 25.

جدول يبين عدد حالات الانتحار سنوياً (2012-2021)

تأسست منظمة Embrace في لبنان في العام 2017، وتعتمد في عملها على “خط الحياة الوطني في لبنان” (1564)  للدعم العاطفي والخط الساخن لمنع الانتحار، بالشراكة مع البرنامج الوطني للصحة النفسية في وزارة الصحة العامة. بدأت فكرة خط الحياة أو ال Life Line في أستراليا من قبل القسيس الراحل السير آلان ووكر. تلقى القسيس في احد الايام مكالمات هاتفية من رجل بائس ينوي الانتحار وأقدم عليه لاحقاً، فقرّر مواجهة الحادثة بإطلاق خط ساخن لدعم الأزمات على مدار 24 ساعة عازماً على عدم ترك العزلة ونقص الدعم سببين من أسباب كثيرة للمزيد من الوفيات.

تشير ريف رومانوس، المتخصصة في علم النفس، إلى ازدياد أعداد المتصلين من الأشخاص الذين يواجهون ظروفاَ اقتصادية صعبة، كصعوبة تأمين المال اللازم لإطعام الأطفال، أو لتأمين الدواء و دفع أقساط المدارس والجامعات. وتؤكد أن الظروف الاقتصادية ليست المؤشّر الوحيد الذي يؤثّر على الصحة النفسية، بل يشكل المستقبل المجهول، في الظروف الحالية التي تمر بها البلاد، هاجساً لدى الناس وخاصة الشباب منهم. 

بحسب الإحصاءات الأخيرة لمنظمة Embrace لشهر كانون الثاني/ يناير 2022، تلقى خط الحياة 950 اتصالاً. 62% من المتّصلين تراوحت أعمارهم بين  18 و34 سنة. شكلت النساء 59% من أعداد المتصلين، و 9% منهم كانوا ينتمون إلى مجتمع الميم عين: “نتلقى اتصالات من أشخاص يتعرضون للتعنيف اللفظي أو الجسدي أو الجنسي، أو أشخاص يواجهون صعوبات نفسية بسبب علاقاتهم العاطفية أو فقدان شخص عزيز. يتواصل معنا أيضاً أفراد من مجتمع الميم عين الذين يتعرضون/يواجهون وصمة مجتمعية بسبب ميولهم الجنسية أو هوياتهم الجندرية. بالإضافة للأشخاص ذوي الميول الانتحارية أو ممن يعرفون شخصا كذلك ويحاولون مساعدته”، تقول رومانوس.

جاءت فكرة خط الحياة، بحسب رومانوس لتقديم الدعم الفوري للأشخاص الذين يفكرون في الانتحار ويحتاجون إلى التحدث مع أخصائيـ/ـة: “الأزمات النفسية من الممكن أن تؤدّي إلى الانتحار أي الموت، لذلك علينا أن نكون دائما على استعداد للحالات الطارئة، أي 24/7 كالصليب الأحمر. نحن على بعد اتصال واحد من الناس، أي قريبون دائماً، كما أنه خط يصلنا بالناس من جميع مناطق لبنان، من الشمال إلى الجنوب”. 

إقرأوا أيضاً:

تلفت المتخصصة في علم النفس السريري جويل جابر الانتباه إلى مشكلة وصمة العار التي نواجهها في مجتمعنا والتي بقيت لفترة طويلة تؤثر على قرار الناس طلب المساعدة: “كان هدفنا الأساسي هو التوعية وبدأنا ببرنامج خاص به قبل أن نبدأ بمشروع خط الحياة والعيادة. حالياً، بعد تطوير هذين القسمين، هناك من يتصل بالعيادة لأنه يفكر بالانتحار لكن متمسك بالحياة في نفس الوقت ويحتاج مساعدة مختص. وهناك من يتصل بالخط الساخن بسبب الحاجة إلى لتحدث مع من يستطيع سماعه ومساعدته”. 

اتخذت المنظمة من “الحكي بطوّل العمر” شعاراً لها بسبب معايشتها اليومية لهذه الحالة التي قد تبدو غير منطقية بالنسبة للآخرين، لكنها أثبتت صحتها من خلال قدرتها على إنقاذ الناس بـ”الحكي”/التحدث عبر الهاتف.

تؤثر الأزمات التي تمر بها البلاد على لوجستيات العمل، فمثلاً: يتشكل غالبية الفريق المسؤول عن تلقي الاتصالات من الفئات العمرية الشابة التي تتعرض للضغوط نفسها التي يتعرض لها المتصل أحياناً، مما يشكل ضغطاً أو قلقاُ إضافياً عليهم بالإضافة إلى كونهم متطوعين يصعب على غالبيتهم دفع أجور المواصلات للقدوم إلى المكتب وخصوصاً في ظل أزمة المحروقات الحالية.

يمتد تأثير أزمة المحروقات أبعد من ذلك، فيتسبب بانقطاع الخطوط الهاتفية التي تشكل حجر أساس في فعالية المبادرة. تقول رومانوس: “في مرحلة من المراحل اضطررنا إلى الإقفال تماماً لمدة ثلاثة أيام كانت شديدة الصعوبة علينا من الناحية العاطفية والنفسية. استمر “خط الحياة” بالعمل أثناء انفجار مرفأ بيروت، وتابع العاملون/ات عملهم خلال تساقط الزجاج عليهم، لكنه توقف بسبب فقدان مادة المازوت!”. تضحك رومانوس، لكن في ضحكتها الكثير من الأسى. 

إقرأوا أيضاً: