fbpx

“لستُ خروفاً ولا مكنسة”: الشعر المتجعد وصراع تاريخي حول الجمال

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“وصفوا شعري المتجعّد بالمكنسة. في إحدى المرات نعتني أحدهم بالخروف فشعرتُ بانزعاج شديد. هذه الأوصاف حوّلت شعري إلى قضية”

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]
دونا نمور

“وصفوا شعري المتجعّد بالمكنسة. في إحدى المرات نعتني أحدهم بالخروف فشعرتُ بانزعاج شديد. هذه الأوصاف حوّلت شعري إلى قضية، فصرتُ أرفضُ تسريحه بما يتناسب مع متطلبات المجتمع… بات شعري المتجعد قضيتي.”

تصف دونا ماريا نمور شعرها بأنه “كتلة حب متجعدة”، وعلى صفحتها الخاصة على “فيسبوك” لا تخلو صورها، من تعليقات تتغزل بشعرها المتجعد.

دونا شابة لبنانية في منتصف العشرينات وتعمل في مجال الاعلانات، وقد اعتادت أن يثير شعرها جدلاً وتعليقات. في البداية لم تكن تجيد الردّ لكن مع الوقت باتت تحب شعرها وترى في التضاد بين بشرتها البيضاء وشعرها المتجعّد ملمحاً لافتاً. ورثت دونا شعرها عن والدها، الذي بدوره أخذه عن أبيه. هذا التنوع الجيني بين لون بشرتها ونوعية شعرها يضعها ضمن فئة “الشعب الملوّن”، أي الفئة المنبثقة عن تزاوج حصل عبر التاريخ بين شعوب بيضاء وسوداء، وليس مستبعداً أن هذا النوع من الزواج، حصل بالفعل بين أجدادها.

وقصة دونا مع شعرها تبدو مقياساً بسيطاً إذا ما تمّ وضعه في سياق النظرة التاريخية التي لحقت بأصحاب البشرة السوداء والشعر الأجعد.

تشير الدراسات إلى أن أصحاب الشعور المتجعدة حول العالم، تعود أصولهم إلى أفريقيا السوداء، لأن الشعر المتجعد هو الصنف الوحيد الذي يحمي الأفراد من ضربة شمس أفريقيا الحارقة، أما سبب نمو هذا النوع من الشعر في أفريقيا فهو “جين تريكويالين”، والذي يحمله معظم سكان القارة السمراء.

تروي دونا لـ”درج” أن معلوماتها قليلة عن أسلافها، أو المناطق التي انحدروا منها. ولكن تتناقل عائلتها أن أجدادها القدماء كانو يقيمون في منطقة  nemours الفرنسية، وغادروها لأسباب مجهولة، لتتوزع عائلة نمور بين الأردن، ولبنان ومصر.

قبل 360 عاماً، حكم أليساندرو مادتشي، مدينة نيمور الفرنسية، وهو رجل له بشرة داكنة وشعر أجعد. الخلاف حول تَزَعُم أليساندرو لإمارة نيمور استعر، لأنه نجلٌ غير شرعي لأمير فلورنسا لورنزو دي مدتشي، وولد بعد إقامة والده علاقة جنسية عابرة مع امرأة أفريقية، إذ اُشتهرِت إمارة فلورنسا والمقاطعات الأوروبية التي خضعت لسيطرتها بأسواق الرق والعبيد.

صورة تعود الى حقبة الأربعينات لسيدتين افريقيتين

وبشعورهم المتجعدة يصارعون العبودية

مدينة نيمور اشتهرت أوروبياً كمنطقة تحوي أسواقاً لبيع العبيد. فقبل 400 عام ازدهرت تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي، وانتشرت أسواق الرق بعد أن تم انتزاع أكثر من 20 مليون شخص بالقوة والعنف من أفريقيا، ليتم بيعهم في القارتين الأميركيتين وأوروبا.

عاش السود ظروفاً معيشية ونفسية بائسة، بسبب سيادة أصحاب الشعور الملساء عليهم، فلجأ البعض منهم إلى وسائل تجميلية تجعل شعورهم ناعمة متهدلة، بهدف التخلص من المقاربة الطبقية العنصرية ضدهم. وحالياً مع ازدهار سوق التجميل انتشرت مُنتجات تفتيح البشرة وتنعيم الشعر.

ويعود تاريخ استعباد أصحاب البشرة السوداء، وإهانة شعرهم المتجعد، إلى الحقبة الرومانية واليونانية، فخلال الفترات الاستعمارية انتعش الرق، وقد شهدت البشرية أبرز فصوله، إبان تحرر أبناء أفريقيا الجنوبية من سطوة المستعمر الأبيض. وعبر التاريخ ظهرت نعوت تسيء إلى أصحاب البشرة السوداء، وتمس هذه الألقاب السيئة شَعرهم. فالرومان لقبوا أصحاب الشعر المتجعد بالخراف، أما مجموعات “كو كلاكس كلان” الأميركية، فحطمت تماثيل المسيح في مناطق السود، لأنها تجسده بلون بشرة سوداء وشعر مجعد، على عكس الصورة النمطية له بشعر أملس وبشرة بيضاء.

عدد كبير من الأبحاث صدرت عن مراكز دراسات عالمية تناولت ما تعرض له أصحاب الشعر المتجعد عبر التاريخ، حتى أن تلك الشريحة، ما زالت تلقى معاملة سيئة في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا.

وأخيراً، نُشرت ستة مقالات في صحف غربية، تتمحور حول عنصرية تلقاها صاحبات البشرة السوداء بسبب شعورهن. ومن بين المقالات واحدة لموقع the conversation ، الأميركي، المتخصص بمناقشة مواد تعالج مشكلات المجتمع الأميركي الداخلية، وحملت عنوان “في صالونات التجميل تتصارع النساء السوداوات للحصول على شعر أملس”.

تتناول المقالة، خجل النساء من شعورهن، حتى انتقلت عدوى الخجل إلى أطفالهن الذين يأتون معهن للحصول على تسريحة شعر مستقيمة. وبدلاً من ابتهاج النساء بحصولهن على تسريحة شعرٍ جديدة، فإن صراع السيدات مع شعورهن مرهق.

عام 1950 صار شعر المرأة الأميركية من أصول أفريقية شعاراً سياسياً، فظهرت حركات نسوية سوداء تطالب النساء بالامتناع عن تنعيم شعورهن، ودُعيت النساء إلى المشاركة في تظاهرات بشعرهن الأشعث، وغدا ظهور المرأة السوداء بشعرها المتجعد فعلاً سياسياً معارضاً للتنميط الذي فرضته وسائل الإعلام الغربية كأسس لجمال المرأة. تخلل الحراك النسوي حينها، مناشدة للتوقف عن جلد الذات السوداء التي لجأت لعقود إلى تفتيح لون بشرتها والذهاب إلى صالونات التجميل، لتغيير شكل شعرها.

العنصرية التي تتعرض لها صاحبات البشرة السوداء بسبب شعورهن، وصولاً إلى نعتهن بكلمات نابية في الأماكن العامة، ووصفهن بعديمي الجمال، ساهمت ببروز حركات سياسية عالمية ترفع شعار الشعر المتجعد كأداة ووسيلة سياسية ستساهم في تقدم العالم وجعله مكاناً أكثر تسامحاً بوجه اليمينية البيضاء المتطرفة التي تطالب بسحق السود.

محمد أبو شحمة- صحفي فلسطيني | 11.10.2024

ضغط عسكري على الشمال ومجازر في جنوبه… عدوان “إسرائيل” في غزة لا يتوقّف

يمارس الجيش الإسرائيلي ضغطاً عسكرياً على سكان المخيم بهدف دفعهم إلى النزوح لجنوب القطاع، تنفيذاً لما يُعرف بخطة "الجنرالات" التي وضعها اللواء الإسرائيلي المتقاعد غيورا إيلاند، والهادفة إلى إجلاء المدنيين بعد حصار محكم.
05.08.2018
زمن القراءة: 4 minutes

“وصفوا شعري المتجعّد بالمكنسة. في إحدى المرات نعتني أحدهم بالخروف فشعرتُ بانزعاج شديد. هذه الأوصاف حوّلت شعري إلى قضية”

دونا نمور

“وصفوا شعري المتجعّد بالمكنسة. في إحدى المرات نعتني أحدهم بالخروف فشعرتُ بانزعاج شديد. هذه الأوصاف حوّلت شعري إلى قضية، فصرتُ أرفضُ تسريحه بما يتناسب مع متطلبات المجتمع… بات شعري المتجعد قضيتي.”

تصف دونا ماريا نمور شعرها بأنه “كتلة حب متجعدة”، وعلى صفحتها الخاصة على “فيسبوك” لا تخلو صورها، من تعليقات تتغزل بشعرها المتجعد.

دونا شابة لبنانية في منتصف العشرينات وتعمل في مجال الاعلانات، وقد اعتادت أن يثير شعرها جدلاً وتعليقات. في البداية لم تكن تجيد الردّ لكن مع الوقت باتت تحب شعرها وترى في التضاد بين بشرتها البيضاء وشعرها المتجعّد ملمحاً لافتاً. ورثت دونا شعرها عن والدها، الذي بدوره أخذه عن أبيه. هذا التنوع الجيني بين لون بشرتها ونوعية شعرها يضعها ضمن فئة “الشعب الملوّن”، أي الفئة المنبثقة عن تزاوج حصل عبر التاريخ بين شعوب بيضاء وسوداء، وليس مستبعداً أن هذا النوع من الزواج، حصل بالفعل بين أجدادها.

وقصة دونا مع شعرها تبدو مقياساً بسيطاً إذا ما تمّ وضعه في سياق النظرة التاريخية التي لحقت بأصحاب البشرة السوداء والشعر الأجعد.

تشير الدراسات إلى أن أصحاب الشعور المتجعدة حول العالم، تعود أصولهم إلى أفريقيا السوداء، لأن الشعر المتجعد هو الصنف الوحيد الذي يحمي الأفراد من ضربة شمس أفريقيا الحارقة، أما سبب نمو هذا النوع من الشعر في أفريقيا فهو “جين تريكويالين”، والذي يحمله معظم سكان القارة السمراء.

تروي دونا لـ”درج” أن معلوماتها قليلة عن أسلافها، أو المناطق التي انحدروا منها. ولكن تتناقل عائلتها أن أجدادها القدماء كانو يقيمون في منطقة  nemours الفرنسية، وغادروها لأسباب مجهولة، لتتوزع عائلة نمور بين الأردن، ولبنان ومصر.

قبل 360 عاماً، حكم أليساندرو مادتشي، مدينة نيمور الفرنسية، وهو رجل له بشرة داكنة وشعر أجعد. الخلاف حول تَزَعُم أليساندرو لإمارة نيمور استعر، لأنه نجلٌ غير شرعي لأمير فلورنسا لورنزو دي مدتشي، وولد بعد إقامة والده علاقة جنسية عابرة مع امرأة أفريقية، إذ اُشتهرِت إمارة فلورنسا والمقاطعات الأوروبية التي خضعت لسيطرتها بأسواق الرق والعبيد.

صورة تعود الى حقبة الأربعينات لسيدتين افريقيتين

وبشعورهم المتجعدة يصارعون العبودية

مدينة نيمور اشتهرت أوروبياً كمنطقة تحوي أسواقاً لبيع العبيد. فقبل 400 عام ازدهرت تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي، وانتشرت أسواق الرق بعد أن تم انتزاع أكثر من 20 مليون شخص بالقوة والعنف من أفريقيا، ليتم بيعهم في القارتين الأميركيتين وأوروبا.

عاش السود ظروفاً معيشية ونفسية بائسة، بسبب سيادة أصحاب الشعور الملساء عليهم، فلجأ البعض منهم إلى وسائل تجميلية تجعل شعورهم ناعمة متهدلة، بهدف التخلص من المقاربة الطبقية العنصرية ضدهم. وحالياً مع ازدهار سوق التجميل انتشرت مُنتجات تفتيح البشرة وتنعيم الشعر.

ويعود تاريخ استعباد أصحاب البشرة السوداء، وإهانة شعرهم المتجعد، إلى الحقبة الرومانية واليونانية، فخلال الفترات الاستعمارية انتعش الرق، وقد شهدت البشرية أبرز فصوله، إبان تحرر أبناء أفريقيا الجنوبية من سطوة المستعمر الأبيض. وعبر التاريخ ظهرت نعوت تسيء إلى أصحاب البشرة السوداء، وتمس هذه الألقاب السيئة شَعرهم. فالرومان لقبوا أصحاب الشعر المتجعد بالخراف، أما مجموعات “كو كلاكس كلان” الأميركية، فحطمت تماثيل المسيح في مناطق السود، لأنها تجسده بلون بشرة سوداء وشعر مجعد، على عكس الصورة النمطية له بشعر أملس وبشرة بيضاء.

عدد كبير من الأبحاث صدرت عن مراكز دراسات عالمية تناولت ما تعرض له أصحاب الشعر المتجعد عبر التاريخ، حتى أن تلك الشريحة، ما زالت تلقى معاملة سيئة في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا.

وأخيراً، نُشرت ستة مقالات في صحف غربية، تتمحور حول عنصرية تلقاها صاحبات البشرة السوداء بسبب شعورهن. ومن بين المقالات واحدة لموقع the conversation ، الأميركي، المتخصص بمناقشة مواد تعالج مشكلات المجتمع الأميركي الداخلية، وحملت عنوان “في صالونات التجميل تتصارع النساء السوداوات للحصول على شعر أملس”.

تتناول المقالة، خجل النساء من شعورهن، حتى انتقلت عدوى الخجل إلى أطفالهن الذين يأتون معهن للحصول على تسريحة شعر مستقيمة. وبدلاً من ابتهاج النساء بحصولهن على تسريحة شعرٍ جديدة، فإن صراع السيدات مع شعورهن مرهق.

عام 1950 صار شعر المرأة الأميركية من أصول أفريقية شعاراً سياسياً، فظهرت حركات نسوية سوداء تطالب النساء بالامتناع عن تنعيم شعورهن، ودُعيت النساء إلى المشاركة في تظاهرات بشعرهن الأشعث، وغدا ظهور المرأة السوداء بشعرها المتجعد فعلاً سياسياً معارضاً للتنميط الذي فرضته وسائل الإعلام الغربية كأسس لجمال المرأة. تخلل الحراك النسوي حينها، مناشدة للتوقف عن جلد الذات السوداء التي لجأت لعقود إلى تفتيح لون بشرتها والذهاب إلى صالونات التجميل، لتغيير شكل شعرها.

العنصرية التي تتعرض لها صاحبات البشرة السوداء بسبب شعورهن، وصولاً إلى نعتهن بكلمات نابية في الأماكن العامة، ووصفهن بعديمي الجمال، ساهمت ببروز حركات سياسية عالمية ترفع شعار الشعر المتجعد كأداة ووسيلة سياسية ستساهم في تقدم العالم وجعله مكاناً أكثر تسامحاً بوجه اليمينية البيضاء المتطرفة التي تطالب بسحق السود.