تقدّم عطالله سليم (32 سنة)، وهو لاجئ فلسطيني من أم لبنانية، إلى وظيفة إدارية عام 2015، أي بعد التطورات التي طرأت على القانون ومنحت العامل الفلسطيني بعض المزايا، كحق الانتساب إلى الضمان الاجتماعي وتحصيل نهاية الخدمة، إلا أن وزير العمل رفض المصادقة على إجازة عمله.
لم يكن سليم الضحية الوحيدة، فالرفض شمل 12 إجازة عمل بحجة “مزاحمة اليد العاملة اللبنانية”. ولم تنفع “جينات” سليم اللبنانية في حمايته أو تأمين حقه في العمل الذي هُدر ببساطة، تماماً كما هدر حق أمه (وأمهات كثيرات) في إعطاء الجنسية اللبنانية له ولإخوته.
سليم هو واحد من عشرات الفلسطينيين الذين نال منهم قرار وزير العمل اللبناني كميل أبو سليمان الأخير. والقانون خلص إلى ضرورة حصول اللاجئين الفلسطينيين على إجازة عمل، مقترحاً إعطاءهم مهلة 6 أشهر، كحدٍ أقصى، لوضع المراسيم التنظيمية التي تضبط مسألة الاستحصال على إجازة عمل.
لاقى القرار امتعاضاً واضحاً في الأوساط الشعبية والنقابية الفلسطينية. وقوبل باحتجاجات وتظاهراتٍ في المخيمات الفلسطينية، شهدت إحراق إطارات، وإضراب العمال، وإطلاق دعوات لاستمرار الإضرابات “حتى تحقيق العدالة للعمال الفلسطينيين”. وعاد ليُطرح من جديد في مستهل جلسة مناقشة الموازنة في المجلس النيابي، ليؤكد أبو سليمان تمسكه بخطته.
يقول سليم لـ”درج” إن القانون ما زال ضبابياً بالنسبة إلى اللاجئ الفلسطيني، إذ إنه يفرض عمل أجنبي واحد مقابل كل ثلاثة من اللبنانيين. فيما يستثني خصوصية اللاجئ الفلسطيني، الذي لا يعامل معاملة الأجنبي في لبنان. فإقامة الفلسطيني هي دائمة، على عكس السوري الذي يجدد إقامته كل ستة أشهر. حتى أن وزارة الداخلية خصصت مديرية عامة لأحوال اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، لتسيير أمورهم الإدارية.
شبح التوطين
شعر الكثير من اللاجئين الفلسطينيين أن في هذا القرار، وهو جزء من حملة وزارة العمل “خطة مكافحة العمالة غير النظامية، حماية لليد العاملة اللبنانية”، عداءً يحمله بعض أطراف السلطة في لبنان للشعب الفلسطيني، مقترناً بخوفٍ من فزاعة التوطين.
“شبح التوطين المهيمن على البعض، يحرّك عنصريتهم تجاه كل من هو “غير لبناني” مقيم في لبنان. وهذه العنصرية بدورها تخلق تنافساً شرساً بين الأطراف، لتظهر قراراتٍ تتفوّق على سابقاتها في كل مرة”.
هذا ما قاله محمود كردية (28 سنة)، وهو مهندس من أب فلسطيني وأم سورية. كما وأدرج إجراءات وزير العمل في إطار التنافس السياسي بين حزب القوات اللبنانية والتيار الوطني الحرّ لضبط العمالة الأجنبية في لبنان، بعدما سجّل التيار أسوأ خطاب كراهية ضد اللاجئين السوريين.
شعر الكثير من اللاجئين الفلسطينيين أن في هذا القرار، وهو جزء من حملة وزارة العمل “خطة مكافحة العمالة غير النظامية، حماية لليد العاملة اللبنانية”، عداءً يحمله بعض أطراف السلطة في لبنان للشعب الفلسطيني
يشعر كردية بالاستياء من الخطاب الذي يتصدر النشرات الإخبارية ضد اللاجئين كل يوم. “أنا شاب ويمكنني أن أشق مستقبلاً لي في الخارج، لكنني أُحرق كل يوم ألف مرّة حين أرى أبي السبعيني وأمي المقعدة يُذلان أمامي بسبب جنسيتهما، مع العلم أنهما وُلدا في لبنان وعاشا فيه سنوات”.
يرفض كردية التجنيس رفضاً قاطعاً، كما كثير من الفلسطينيين في لبنان، على اعتباره إهداراً لحق العودة، وسبيلاً لخدمة مضامين وأهداف صفقة القرن التي تسعى إلى شطب قضية اللاجئين الفلسطينيين. فقد أطلق رواد مواقع التواصل الاجتماعي وسم #تجويعي_يخدم_الصفقة، في إشارة منهم إلى الصفقة التي أعدها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.
لكنه يطالب بحقوقه المدنية وعلى رأسها حقه في التملك، والانتساب إلى نقابة المهندسين، التي يمارس العمل في مجالها بما يشبّهه “بالسُخرة”. ويطالب بالحق في الضمان الصحي.
هل سيحمي قانون العمل اللاجئ الفلسطيني؟
يستضيف لبنان حوالى 300 ألف لاجئ فلسطيني، أتوا إلى لبنان منذ أكثر من 70 عاماً. صدر خلالها قرارات عدة استهدفت العامل الفلسطيني، غلب عليها الاجحاف، فيما بث قرار يتيم أملاً لاح في أفق سماء المخيمات الفلسطينية في لبنان. (قرار يُستثنى بموجبه الفلسطينيون المولودون على الأراضي اللبنانية من المادة التي تنص على حصر أكثر من 70 مهنة باللبنانيين من دون سواهم).
لكن المفارقة، أن كل ما ينتجه اللاجئون الفلسطينيون (حرفيو، عمال، أصحاب مشاريع صغيرة) داخل لبنان يبقى فيه، ما يعزّز الدورة الاقتصادية في البلاد.
كما أن لبنان يستفيد من حجم الأموال المتدفقة من موازنة وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، والتي تبلغ 80 مليون دولار، إضافة إلى ما تصرفه المنظمات الدولية في المخيمات والتجمعات الفلسطينية، وما يرسله المهاجرون الفلسطينيون إلى ذويهم اللاجئين في لبنان، والتي تقدر بملايين الدولارات. وعليه، فإن الخطاب الشعبوي الذي يحمّل الفلسطينيين ذنب ندرة فرص العمل في لبنان، ليس إلا غطاء لضعف السياسيات الاقتصادية، والفشل في توزيع الفرص.
في هذا السياق، ترى المحامية نادين فرغل أن المشكلة الأساسية لا تكمن بقرار الوزير، فهو يطبق القانون، الذي تجاهل وزراء الحقبات السابقة بنوده في ما يتعلق بالفلسطينيين. إلا أن المشكلة الأساس هي في عدم التزام أرباب العمل اللبنانيين إجراءات إجازات العمل والضمان الاجتماعي للموظفين الفلسطينيين بسبب التكلفة المادية.
تضيف فرغل: “القانون سيحمي الفلسطيني ويضمن له حقوقه (الحماية من الطرد التعسفي، وتعويض نهاية الخدمة) إذا ما طبّق بشكلٍ كامل، أي شمل الموظّف وصاحب العمل”. مشيرةً إلى الحاجة إلى تعديل القانون في ما يتعلق بخصوصية الفلسطيني في لبنان، وهذا دور المجلس النيابي، ولا صلاحية لوزير العمل فيه.
“طرد تعسفي للفلسطينيين بالجملة”
عام 2010، أقرّ المجلس النيابي تعديلاً على القانونين 128 و129، يقضي بمعاملة اللاجئ الفلسطيني كفئة خاصة من العمال الأجانب، وله وضعية قانونية تختلف عن الجنسيات الأخرى. إلا أنه كان لافتاً تغييب وزارة العمل هذه الخصوصية التي يتمتع بها اللاجئون الفلسطينيون. هذا عدا عن معوقات منحهم إجازة عمل، والإجراءات المعتمدة بما تتضمنه من تعقيدات إدارية تجعل حيازتها شبه تعجيزية، على رغم إعفاء طالبيها من كلفة تحصيلها.
يعمل أنور بقاعي (27 سنة) هو مهندس فلسطيني في شركة هندسة في صيدا، ولكن من دون الانتساب إلى النقابة، فالهندسة هي إحدى المهن المحظورة على الفلسطيني في لبنان.
يستضيف لبنان حوالى 300 ألف لاجئ فلسطيني، أتوا إلى لبنان منذ أكثر من 70 عاماً. صدر خلالها قرارات عدة استهدفت العامل الفلسطيني، غلب عليها الاجحاف
يوضح بقاعي لـ”درج” أن معظم شركات الهندسة في جنوب لبنان تستغل اليد العاملة الفلسطينية بحكم أنها الأرخص. إلا إن القرار الذي صدر أخيراً دفع بعض المؤسسات إلى طرد عمالها الفلسطينيين بشكل تعسفي، إلى حين تجلّي قانون العمل وغياب علامات الاستفهام حوله. ما دفعه وزملاءه إلى الإضراب عن العمل تضامناً مع المصروفين تعسفاً، واحتجاجاً على الاجحاف الذي يعانيه الفلسطيني بأبسط حقوقه.
“قال لي رب العمل إنه صرف موقت، لكنني لا ألتمس خيراً في هذا البلد الذي نشأت فيه، كل ما أطلبه هو حقي بالانتساب إلى نقابة المهندسين لتحميني من صرف مفاجئ بعد خمس سنوات من العمل”. هذا ما قاله منير سعد لـ”درج”، وهو أحد المصروفين من إحدى المؤسسات.
يضيف: “لا يقتصر اضطهاد الفلسطيني على ذلك، بل إن أرباب العمل في مجال الهندسة غالباً ما يستغلون حاجة أبناء المخيمات للعمل، فيشغلونهم ساعات إضافية، بمقابل مادي لا يتعدى الحدّ الأدنى للأجور (450 دولاراً)، في ظل غياب وعي العامل بالشقّ القانوني والحقوقي.