fbpx

لكلّ أمة جبران باسيل!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لمَ استغربنا “تويتة” وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل التي أقامت الدنيا ولم تقعدها عن “الجينات اللبنانية”؟يبدو لبنان في جسده الصغير قادراً على اختصار أمراضنا جميعاً في ركننا هذا من العالم.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لمَ استغربنا “تويتة” وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل التي أقامت الدنيا ولم تقعدها عن “الجينات اللبنانية”؟ ما الفريد في حديث ناطقٍ بالعربية عن تفوق جيناته كنازي آتٍ من كهوف التاريخ؟ بل كيف لم نسمع ذلك إلا منه هو؟

في لبنان نفسه يبقى حزبٌ يقدس أتباعه مؤسسه الذي أعدم في أربعينات القرن الماضي. “الزعيم” هذا، قدّم لـ”شعبه”، “محاضرات عشر”، وفسر في الخامسة، تفوق “الأمة السورية” (التي شملت أراضيها سوريا الكبرى والعراق والكويت وشبه جزيرة سيناء وقبرص) كما يلي: “إذا نظرنا إلى شكل رأس الإنسان السوري وجدناه شكلاً مستوفي المطاليب لدماغ قوي نام في إمكانيات خصائصه: فالجبهة عالية متقدمة تسمح لمركز الفكر والإدراك في الدماغ بالحرية ونمو المقدرة، وعلو قمة الرأس وبروز القحف يسمحان للحواس ولمركز الشعور ببلوغ كل قوتها الطبيعية”. المفتاح في الجمجمة! إلى اليوم يبقى لـ”الحزب السوري القومي الاجتماعي” أتباع وللزعيم أنطون سعادة من يقدسه، في لبنان وسوريا أيضاً، فعلامَ استغراب ما قاله باسيل؟ بل ما الغريب في ما قاله، أو في أفكار القوميين السوريين، عما تردد في لبنان في العقود الماضية؟ هل راجعت الأحزاب والقوى السياسية اللبنانية التي طحنت بعضها بعضاً في الحرب الأهلية اللبنانية أفكارها؟ هل ساءلت نفسها عن أخطائها؟ هل تغير فيها أي شيء؟ ثم ألا نعرف جميعاً أي عنصرية كامنة في لبنان، ألا نعرف ما يحدث مع العمال المنزليين من جنسيات أفريقية وغير أفريقية؟

في الواقع، يبدو لبنان في جسده الصغير قادراً على اختصار أمراضنا جميعاً في ركننا هذا من العالم.

قبل أيام تداعت “قوات الجنجويد” إلى الخرطوم التي ذاق أهلها كأس المرارة التي شربها أهل دارفور لسنواتٍ في العقد الأول من القرن الحالي: ضرب وجلد (هذا في حال الرحمة)، وقتل واغتصاب وقذفُ جثثٍ في النيل في أحيان كثيرة. في حديثٍ مع إذاعة “بي بي سي”، قالت إحدى بنات المدينة إنها كانت تتصور ما تسمعه عن دارفور قصصاً أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع، الآن أتى البريء والمذنب، من رفض ومن اعترض ومن سكت ومن أيد على حد سواء، ما سمعوا عنه. مثلما تحدث جبران باسيل صراحة عن “الجينات”، جزءٌ أساس من أزمة دارفور كان فهمه أيضاً “جينياً”: “عرق” عربي من الرعاة الرحل، من قبائل تمتد حتى مالي غرباً، يهاجم أبناء دارفور ذوي الأصول الأفريقية. إلى اليوم هناك سودانيون ينسبون أنفسهم إلى العرب ويسمون مواطنيهم ذوي الأصول الأفريقية “العبيد”، من دون عارٍ أو خجل. المضحك المبكي أن مأساة دارفور كانت تدور بين مسلمين تحت سمع وبصر حكومةٍ تُشرعنُ نفسها باسم الإسلام، الذي تقولُ نصوصه بوضوحٍ لا لبس فيه إنه لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى. أذكر جيداً دفاع كثيرين، بخاصة المحسوبين على الإسلام السياسي، عن البشير والجنجويد آنذاك، بالإنكار تارة وبالحديث عن “المؤامرة” على السودان طوراً، وبدعوى أن العدالة الدولية انتقائية في أحيان أخرى. “هل سمعنا عن إسرائيلي أو أميركي حوكم امام المحكمة الدولية؟” كان ردهم. عند كثير منا الخطآن يصنعان صواباً، وجرم غيري يبرر جرمي والحرام حلال طالما تمسحت بحرام غيري، بما في ذلك القتل العشوائي لرجال وأطفال واغتصاب نساء واستعباد من طاولته اليد، كما وثقت تقارير دولية (ممن نصحوا السودان آنذاك بـ”الجهاد” ضد أي قوات دولية “صليبية” قد تأتي لوقف مأساة دارفور وأسامة بن لادن بعد طرده من سودان الترابي – البشير الذي استضافه، وأيضاً نائبه أيمن الظواهري). قتلى دارفور يقدرون بـ300 ألف، علماً أننا لم نذكر جبال النوبا وغيرها من أرجاء السودان حيث حلت بركات البشير و”حكمه الإسلامي”. اليوم في قلب الخرطوم، لمن أنكر أو برر، “حصحص الحق” كما يقول القرآن. لم إذاً نستغرب جبران باسيل؟

أين كانت أصوات من اعتبروا غزو العراق (عن حقٍ) عملاً غير شرعي حين كان “حارس البوابة الشرقية” يبيد قرى كردية عن بكرة أبيها ويجبر الأكراد على تغيير “هويتهم” إلى عربية؟ أين كانوا وهو يذبح بالجملة في جنوب العراق أو يجفف الأهوار؟ لم يذكر هذه الفظاعات إلا أقل القليل، فجزار بغداد ابن البعث كان يحارب “أغياراً”، عرقاً أو هويةً أو معتقداً. من منا ممن أيد صدام، أو يبقى باكياً عليه، حاسب نفسه؟ أي فرادة إذاً لجبران باسيل؟ بل كم هو سهلٌ هينٌ ليّنٌ مقارنةً بمن ذكرنا!

في مصر في الأسابيع الأخيرة أثار أكثر من برنامج تلفزيوني استياء ذوي البشرة السمراء، في بلد يمثل النوبيون السمر جزءاً أساساً من نسيجه الوطني، فيما لا تغيب قصص العنصرية من هذا الصنف، بما في ذلك ضد لاجئين، فبأي حقٍ نستغرب باسيل دون غيره؟ ما الذي يعرفه كل من عاش في الخليج النفطي؟ كيف يعامل هناك، مثلاً لا حصراً، أبناء شبه القارة الهندية؟ أو الخادمات في المنازل؟ كم من حالات موثقة لانتهاكات ضد هؤلاء؟ بل كيف يُعامل أبناء هذه البلاد أنفسهم من أصحاب جنسيتها من ذوي البشرة السمراء (ومن كان ذووهم “عبيداً”)؟

ليس تصريح باسيل سوى عيّنة صغيرة مما يعشش في عقول ملايين البشر في منطقتنا هذه، ويعيشونه سلوكاً يومياً لا يرون فيه غضاضة، أو ربما يلتزمونه خطاً سياسياً يبيح ذبح “العبيد” وإبادة المختلفين.

في كراهية “الفسيخ” وحب شم النسيم!

 

محمد أبو شحمة- صحفي فلسطيني | 11.10.2024

ضغط عسكري على الشمال ومجازر في جنوبه… عدوان “إسرائيل” في غزة لا يتوقّف

يمارس الجيش الإسرائيلي ضغطاً عسكرياً على سكان المخيم بهدف دفعهم إلى النزوح لجنوب القطاع، تنفيذاً لما يُعرف بخطة "الجنرالات" التي وضعها اللواء الإسرائيلي المتقاعد غيورا إيلاند، والهادفة إلى إجلاء المدنيين بعد حصار محكم.
14.06.2019
زمن القراءة: 4 minutes

لمَ استغربنا “تويتة” وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل التي أقامت الدنيا ولم تقعدها عن “الجينات اللبنانية”؟يبدو لبنان في جسده الصغير قادراً على اختصار أمراضنا جميعاً في ركننا هذا من العالم.

لمَ استغربنا “تويتة” وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل التي أقامت الدنيا ولم تقعدها عن “الجينات اللبنانية”؟ ما الفريد في حديث ناطقٍ بالعربية عن تفوق جيناته كنازي آتٍ من كهوف التاريخ؟ بل كيف لم نسمع ذلك إلا منه هو؟

في لبنان نفسه يبقى حزبٌ يقدس أتباعه مؤسسه الذي أعدم في أربعينات القرن الماضي. “الزعيم” هذا، قدّم لـ”شعبه”، “محاضرات عشر”، وفسر في الخامسة، تفوق “الأمة السورية” (التي شملت أراضيها سوريا الكبرى والعراق والكويت وشبه جزيرة سيناء وقبرص) كما يلي: “إذا نظرنا إلى شكل رأس الإنسان السوري وجدناه شكلاً مستوفي المطاليب لدماغ قوي نام في إمكانيات خصائصه: فالجبهة عالية متقدمة تسمح لمركز الفكر والإدراك في الدماغ بالحرية ونمو المقدرة، وعلو قمة الرأس وبروز القحف يسمحان للحواس ولمركز الشعور ببلوغ كل قوتها الطبيعية”. المفتاح في الجمجمة! إلى اليوم يبقى لـ”الحزب السوري القومي الاجتماعي” أتباع وللزعيم أنطون سعادة من يقدسه، في لبنان وسوريا أيضاً، فعلامَ استغراب ما قاله باسيل؟ بل ما الغريب في ما قاله، أو في أفكار القوميين السوريين، عما تردد في لبنان في العقود الماضية؟ هل راجعت الأحزاب والقوى السياسية اللبنانية التي طحنت بعضها بعضاً في الحرب الأهلية اللبنانية أفكارها؟ هل ساءلت نفسها عن أخطائها؟ هل تغير فيها أي شيء؟ ثم ألا نعرف جميعاً أي عنصرية كامنة في لبنان، ألا نعرف ما يحدث مع العمال المنزليين من جنسيات أفريقية وغير أفريقية؟

في الواقع، يبدو لبنان في جسده الصغير قادراً على اختصار أمراضنا جميعاً في ركننا هذا من العالم.

قبل أيام تداعت “قوات الجنجويد” إلى الخرطوم التي ذاق أهلها كأس المرارة التي شربها أهل دارفور لسنواتٍ في العقد الأول من القرن الحالي: ضرب وجلد (هذا في حال الرحمة)، وقتل واغتصاب وقذفُ جثثٍ في النيل في أحيان كثيرة. في حديثٍ مع إذاعة “بي بي سي”، قالت إحدى بنات المدينة إنها كانت تتصور ما تسمعه عن دارفور قصصاً أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع، الآن أتى البريء والمذنب، من رفض ومن اعترض ومن سكت ومن أيد على حد سواء، ما سمعوا عنه. مثلما تحدث جبران باسيل صراحة عن “الجينات”، جزءٌ أساس من أزمة دارفور كان فهمه أيضاً “جينياً”: “عرق” عربي من الرعاة الرحل، من قبائل تمتد حتى مالي غرباً، يهاجم أبناء دارفور ذوي الأصول الأفريقية. إلى اليوم هناك سودانيون ينسبون أنفسهم إلى العرب ويسمون مواطنيهم ذوي الأصول الأفريقية “العبيد”، من دون عارٍ أو خجل. المضحك المبكي أن مأساة دارفور كانت تدور بين مسلمين تحت سمع وبصر حكومةٍ تُشرعنُ نفسها باسم الإسلام، الذي تقولُ نصوصه بوضوحٍ لا لبس فيه إنه لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى. أذكر جيداً دفاع كثيرين، بخاصة المحسوبين على الإسلام السياسي، عن البشير والجنجويد آنذاك، بالإنكار تارة وبالحديث عن “المؤامرة” على السودان طوراً، وبدعوى أن العدالة الدولية انتقائية في أحيان أخرى. “هل سمعنا عن إسرائيلي أو أميركي حوكم امام المحكمة الدولية؟” كان ردهم. عند كثير منا الخطآن يصنعان صواباً، وجرم غيري يبرر جرمي والحرام حلال طالما تمسحت بحرام غيري، بما في ذلك القتل العشوائي لرجال وأطفال واغتصاب نساء واستعباد من طاولته اليد، كما وثقت تقارير دولية (ممن نصحوا السودان آنذاك بـ”الجهاد” ضد أي قوات دولية “صليبية” قد تأتي لوقف مأساة دارفور وأسامة بن لادن بعد طرده من سودان الترابي – البشير الذي استضافه، وأيضاً نائبه أيمن الظواهري). قتلى دارفور يقدرون بـ300 ألف، علماً أننا لم نذكر جبال النوبا وغيرها من أرجاء السودان حيث حلت بركات البشير و”حكمه الإسلامي”. اليوم في قلب الخرطوم، لمن أنكر أو برر، “حصحص الحق” كما يقول القرآن. لم إذاً نستغرب جبران باسيل؟

أين كانت أصوات من اعتبروا غزو العراق (عن حقٍ) عملاً غير شرعي حين كان “حارس البوابة الشرقية” يبيد قرى كردية عن بكرة أبيها ويجبر الأكراد على تغيير “هويتهم” إلى عربية؟ أين كانوا وهو يذبح بالجملة في جنوب العراق أو يجفف الأهوار؟ لم يذكر هذه الفظاعات إلا أقل القليل، فجزار بغداد ابن البعث كان يحارب “أغياراً”، عرقاً أو هويةً أو معتقداً. من منا ممن أيد صدام، أو يبقى باكياً عليه، حاسب نفسه؟ أي فرادة إذاً لجبران باسيل؟ بل كم هو سهلٌ هينٌ ليّنٌ مقارنةً بمن ذكرنا!

في مصر في الأسابيع الأخيرة أثار أكثر من برنامج تلفزيوني استياء ذوي البشرة السمراء، في بلد يمثل النوبيون السمر جزءاً أساساً من نسيجه الوطني، فيما لا تغيب قصص العنصرية من هذا الصنف، بما في ذلك ضد لاجئين، فبأي حقٍ نستغرب باسيل دون غيره؟ ما الذي يعرفه كل من عاش في الخليج النفطي؟ كيف يعامل هناك، مثلاً لا حصراً، أبناء شبه القارة الهندية؟ أو الخادمات في المنازل؟ كم من حالات موثقة لانتهاكات ضد هؤلاء؟ بل كيف يُعامل أبناء هذه البلاد أنفسهم من أصحاب جنسيتها من ذوي البشرة السمراء (ومن كان ذووهم “عبيداً”)؟

ليس تصريح باسيل سوى عيّنة صغيرة مما يعشش في عقول ملايين البشر في منطقتنا هذه، ويعيشونه سلوكاً يومياً لا يرون فيه غضاضة، أو ربما يلتزمونه خطاً سياسياً يبيح ذبح “العبيد” وإبادة المختلفين.

في كراهية “الفسيخ” وحب شم النسيم!