أثارت إشاعة زواج المغنية المصرية أنغام من رئيس هيئة الترفيه السعودي تركي آل الشيخ، استياء ظهر في تعليقات كثيرة جعلت من الخبر يتصدر مؤشر البحث على “غوغل”.
الإشاعة حصلت بالتزامن مع وجود أنغام في المملكة العربية السعودية لإحياء حفل غنائي، ونفاها مقربون من المغنية المصرية المعروفة.
اللافت، أن في بعض ردود الفعل على الإشاعة ما يحمل أبعاداً تتجاوز فكرة زواج شخصين معروفين، فلماذا غضب كثيرون في مصر وهل كانوا سيغضبون لو أن ثرياً أو مسؤولاً مصرياً تزوج من سعودية؟
تركي آل الشيخ يشتري قوى مصر الناعمة
من الصعب قراءة الغضب المصري من أنباء الزواج المزعوم من دون النظر الى التاريخ القريب الذي يملكه المسؤول السعودي البارز مع مصر. فنحن ما زلنا قريبي العهد من الأزمة التي استمرت لسنوات بين آل الشيخ وطليقته المغنية المعروفة أمال ماهر، التي قدمت شكوى اعتداء ضد آل الشيخ في أحد مخافر القاهرة. وكانت ماهر قد وقعت عقوداً احتكارية، تسببت في احتجابها عن الغناء لفترة، الى حد أنه سرت إشاعات تتعلق بمصيرها وسلامتها، وقيل إن الأمر لم ينتهِ إلا بتدخل جهاز المخابرات العامة المصري لفك الارتباط بينها وبين آل الشيخ.
ظهرت آمال ماهر بعد انتهاء الأزمة في حفل بمدينة العلمين برعاية الشركة المتحدة التابعة للدولة المصرية، وكان هناك إحساس عام في مصر بأن هذا الحفل أُعد خصيصاً لرد اعتبار آمال ماهر بعد إهانتها من المستشار بالديوان الملكي السعودي.
لم تكن أزمة آمال ماهر هي الأولى بين تركي آل الشيخ مع المصريين، سبقتها بفترة بسيطة أزمة كبيرة مع النادي الأهلي، صاحب الشعبية الأكبر في مصر، والذي كان تركي رئيساً شرفياً له، إذ أغضبت تدخلاته في إدارة النادي، بحكم رعايته وتمويله، جماهير الأهلي، ووصل الأمر إلى هتافهم ضده، وسبّه خلال مباراة كرة قدم.
هذا الغضب أدى إلى اتخاذ مجلس إدارة الأهلي برئاسة محمود الخطيب، قراراً بإلغاء رئاسة تركي الشرفية للنادي، وردّ الهدايا والتبرعات التي قدّمها الى الأهلي.
رسّخ هذان الحادثان، قريبا العهد، شعوراً لدى شرائح واسعة بين المصريين، بأن تركي آل الشيخ لديه نية كمسؤول سعودي مرموق في السيطرة والاستحواذ على قوى مصر الناعمة، المتمثّلة في الفن والرياضة.
من هنا، بدت الغضبة العارمة بعد ظهور إشاعة زواج آل الشيخ من أنغام، بمثابة رد فعل على كل ما سبق. وليس ببعيد من ذلك أيضاً، قضية جزيرتي تيران وصنافير، اللتين تخلت عنهما مصر للسعودية، باعتبارهما سعوديتين، وسط اعتراضات شعبية مصرية، اعتبرت ذلك تفريطاً في أرض مصر لصالح المملكة، واعتبار تركي آل الشيخ ممثلاً لحكومة المملكة التي استولت على هذه الأرض.
الحالة الاقتصادية رأس الأزمة
النقاش بشأن التوتّر الذي خلفته إشاعة انغام تركي آل الشيخ، يمكن أخذه الى مساحات أعمق وأكثر قدماً في العلاقة بين مصر والسعودية. فإذا تأملنا جذور المشكلة المترسخة في اللاوعي عند المصريين، سنجد أنها ربما بدأت منذ سبعينات القرن العشرين.
بعد حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973، بدأت دول الخليج عموماً، والسعودية خصوصاً، في التحوّل نحو الثراء، بسبب ارتفاع أسعار البترول لأضعاف، نتيجة قرار الدول العربية منع تصديره إلى الغرب الداعم لإسرائيل.
والعكس حدث في مصر، التي أُنهِكَت اقتصادياً بسبب سلسلة حروب مع إسرائيل، بدأت في عام 1948، مروراً بالعدوان الثلاثي عام 1956، ثم نكسة 1967، وأخيراً حرب 1973.
نتيجة لذلك، بدأت حركة تنمية واسعة في السعودية تطلبت حشوداً من العمالة والخبرات، فبدأت ظاهرة سفر المصريين الى السعودية ودول الخليج عموماً، بحثاً عن عمل برواتب أفضل بكثير من مصر المنهكة اقتصادياً، حتى وصل عدد المصريين المقيمين في المملكة إلى 4 ملايين و400 ألف عام 2021 كأكبر جالية مصرية موجودة خارج أراضيها، وفقاً لتقديرات جهاز التعبئة العامة والإحصاء في مصر.
ومع الوقت، صارت مصر، التي كانت ترسل الكسوة للكعبة وتفتح باب تكيتها في مكة والمدينة لإطعام السعوديين طوال العام، تستقبل الدعم المالي من الرياض، منذ عهد الرئيس محمد أنور السادات، وازداد الأمر بعد الأزمة الاقتصادية التي أعقبت ثورة 30 حزيران/ يونيو 2013.
ففي العامين الأولين فقط من حكم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تلقت مصر مساعدات مالية من السعودية بلغت 9 مليارات دولار، خلال الفترة من 2014 حتى 2016، بخلاف المساعدات العينية وعلى رأسها الواردات النفطية، وفقاً لصحف مصرية شبه رسمية.
وأخيراً، جاء ملف بيع أصول الدولة المصرية كوسيلة لتخفيف آثار الأزمة الاقتصادية، وجاء في بيان البنك الدولي بشأن توصيته بهذا الخصوص، أن البيع سيتم لشركاء إقليميين.
هؤلاء الشركاء الإقليميون في الغالب هم السعودية والإمارات، أقرب حلفاء الرئيس عبدالفتاح السيسي، ولكن ووجه هذا الملف باتهامات بأن الدولة تبيع أعز ممتلكاتها للسعودية والإمارات بثمن بخس، ما يعزز صورة الخليجي في المخيال الشعبيّ، كشخص انتهازي يستغل أمواله لشراء ممتلكات مصر المأزومة!.
بسبب تلك الظروف الممتدة منذ عقود والتي تفاقمت أخيراً، صارت هناك حساسية غير معلنة في التعامل بين شرائح واسعة من السعوديين والمصريين، عززتها حوادث متكررة يبدو منها تكريس نمط عُرف باستعلاء الكفيل السعودي على العامل المصري، أو إحساس عمال وموظفين مصريين أن دولتهم التي كانت قائدة المنطقة لعهود، صارت ضعيفة وتستقبل الدعم من السعودية، ويعامَل مواطنوها بشكل مهين.
كل ما سبق صبّ بالتأكيد في الشعور المصري العام، فبدى خبر زواج أنغام، وهي الفنانة التي يصفها كثيرون بأنها صوت مصر الأول، وكأنه صفقة جديدة لشراء واحدة من ممتلكات مصر!.
تزويج المصريات الصغيرات
بعيداً من العامل الاقتصادي، هناك شعور غيرة لا بد أن يوضع في الحسبان، كون أنغام سيدة مصرية، وزواجها من ثري خليجي يشير من طرف خفي إلى ما عرف بظاهرة “زواج القاصرات من أثرياء خليجيين“، التي بدأت في فترة حكم الرئيس محمد حسني مبارك، والتي صارت عنواناً صحافياً معتاداً، ومادة للنقاش في الإعلام المصري.
ووصل الأمر إلى تدخل السلطات القضائية في أوقات كثيرة، للتحقيق مع أثرياء خليجيين تزوجوا من فتيات مصريات قاصرات، مقابل دفع أموال كثيرة لذويهن لإنقاذهم من الفقر، أو لرفع مستواهم المادي.
هذا الغضب ربما لا نلمسه لو حدث العكس، بأن يتزوج مصري من ثرية خليجية، ربما لوجود موروث ثقافي مصري يجعل الزواج علاقة استعلائية لصالح الرجل؛ ففي مصر مثلاً يداعب أهل الزوجة زوج ابنتهم وينادونه بـ”يا سيدي” أو “يا سيدنا”، ناهيك بأمثال شعبية تجعل الرجل مهيمناً على المرأة مثل “ظل رجل ولا ظل حيطة (حائط)” الذي يقال للنساء لترغيبهن في الزواج.
المسألة لا تتعلق بالثقافة المصرية أو العربية أو الإسلامية وحدها، وإنما تتلاقى مع مفهوم عالمي عن “الذكورة المهيمنة”، والتي تفترض أن الرجل هيمن لأنه ذكر بكل ما أوتي من مواصفات جنسانية جسدية.
وللحفاظ على هذه الهيمنة، عمل هذا الذكر على التكيف مع مستجدات الحياة وأعاد تكوين ذاته كذكر مهيمن أكثر من مرة. ومن عوامل امتلاك الذكر الهيمنة، والتي تكيف معها الرجل عبر التاريخ، هي امتلاكه القوة الاقتصادية والسلطة السياسية، فلطالما ظل الرجل تاريخياً هو المهيمن على السلطة والمال، وهي من الأمور التي ساهمت في فرض هيمنته على الأنثى.
هذه الهيمنة كسرتها (ولو نسبياً) بعض النساء تاريخياً بامتلاكهن المال والسلطة، وحديثاً خفّت حدّتها مع نشاط الحركة النسوية، وخروج النساء للعمل وامتلاكهن أدوات السلطة والمال، بخاصة في المجتمعات التي قطعت شوطاً كبيراً نحو العلمانية.
ولكن في مجتمعات لا تزال خطوات النساء فيها نحو امتلاك النفوذ أقل من غيرها، لا يزال الرجل مهيمناً بشكل أكبر، وهو ما يتلاقى مع حالة تركي آل الشيخ، بما يمتلكه من سلطة ومال يُخضع بهما النساء بل والرجال.
ويرى كثر من الباحثين أن مؤسسة الزواج هي العلاقة الأمثل لممارسة الهيمنة على المرأة، كما توضح الدكتورة وسيلة بروقي في دراستها “سلطة الذكورة وشرعيتها في الوعي النسائي: تحليل خطاب الحس المشترك”.
وتحظى فكرة هيمنة الرجل على المرأة عن طريق الزواج، بشعبية في العالم العربي، في علاقة تصير بمقتضاها المرأة المتزوجة ملكاً للرجل الذي يتفنن في إتقان تسلّطه عليها، ولعل هذا ما برز في العلاقة التي حكمت زواج أمال ماهر من تركي آل الشيخ.
ما سبق ليس مبالغة في توصيف إشاعة، بل هو محاولة لفهم جذور النقاش الذي اشتعل ولم يتوقّف بعد.
إقرأوا أيضاً: