ليس ما حدث على طريق مطار بيروت من شغب وقطع طرقات وحرق مركبة تابعة لــ”اليونيفيل” جديداً على “حزب الله”. فالحزب صاغ على مدار تاريخه سيرته السياسية والأمنية بروابط اتصلت دائماً بالطريق المؤدية من المطار وإليه.
لطالما رسم حزب الله “عضلاته” العسكرية والأيديولوجية على لوحات الإعلانات الممتدة على الطريقين الوحيدين المؤديين إلى المطار. وعلى إسفلت الطريق القديمة، المسماة “جادة الإمام الخميني”، سال دم كثير في سبيل ولاية الفقيه.
كان متوقعاً أن يلجأ الحزب إلى قطع طريق المطار، وقد هدّد القيادي وفيق صفا بذلك في مؤتمر صحافي قبل أسابيع، ملمّحاً إلى أنه يعقد المؤتمر على بعد أمتار من المطار، في إشارة إلى أن الحزب لا يزال، رغم الهزيمة المذلّة التي ألمّت به، قادراً على الانتصار على الداخل، كما دائماً.
ومشهد إقفال المطار يريده حزب الله تذكيراً بالسابع من أيار/ مايو 2008، عندما نفذ الحزب ما يشبه حرباً أهلية مصغرة بسبب قرارات حكومية تتعلق بالمطار وبشبكة الاتصالات الخاصة به.
في ذلك اليوم، وبعد قرار الحكومة اللبنانية تفكيك شبكة اتصالات “حزب الله” وإقالة رئيس أمن المطار المقرّب منه، ردّ الحزب بعملية عسكرية داخل بيروت، حيث انتشر مسلحوه في الشوارع وأغلقوا طريق المطار بالكامل، وأذلّوا المسافرين وأرعبوهم، في رسالة واضحة بأن المطار ومحيطه خاضعان تماماً لسلطته، وأن أي محاولة للمساس بهذا النفوذ ستُقابل بالقوة. لم يكن الأمر مجرد استعراض، بل كان تأكيداً على أن مطار بيروت ليس مجرد بوابة جوّية، بل هو معبر استراتيجي يتحكم به الحزب لخدمة أجندته الإقليمية.
حاول الحزب في الأمس أن يذكّر اللبنانيين بمشهد السابع من أيار، لكن بدا حضوره الأمني والشعبي كاريكاتورياً، وصبّ الحزب جام غضبه على سيارة تحمل مسؤولاً من اليونيفيل وأحرقها، وكأنه بذلك يحاول إحراق القرار الأممي 1701 الذي لن يستطيع الحزب هذه المرة أن يهرب من تطبيقه، لأن موازين القوى تبدلت، ولأن الحزب فقد سطوة أمنية وعسكرية كما فقد ثقة شعبية (شيعية في الدرجة الأولى) كانت تلتفّ حوله بوصفه الحامي والرادع، ليتبين أنه كان في صدد أكبر صفقة لبيع الوهم في تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي.
يشكل مطار بيروت اليوم بالنسبة إلى الحزب ما تبقى من صورته المهشّمة، يحاول أن يبقيه ورقة للابتزاز الداخلي، بعدما استسلم تماماً للخارج، وبَصَمَ بالعشرة على الصفقة التي أوقفت الحرب وفرضت عليه وعلى لبنان شروطاً مذلّة لصالح إسرائيل.
يعتبر مطار بيروت الدولي منفذاً أساسياً لحزب الله، سواء لنقل الأفراد أو البضائع أو حتى الأموال التي تُستخدم في تمويل نشاطاته. وقد أثيرت في السنوات الأخيرة شبهات حول استخدام المطار لتمرير أسلحة وأموال إيرانية إلى الحزب، وهو ما يبدو أنه لا يزال مستمراً إلى اليوم، بل زادت أهميته مع قطع الطريق البرية على التمويل والتسليح الإيراني للحزب بعد سقوط بشار الأسد. لكن المظلة الدولية، وخصوصاً الأميركية، فوق لبنان، تعيق حركة الدعم الإيرانية للحزب، وتزيد من عزلته على المستوى العسكري والمالي.
والمفارقة أن المطار الذي يقاتل الحزب لإبقاء شيء من السيطرة عليه، يحمل اسم رفيق الحريري، رئيس الوزراء الذي اغتيل قبل عشرين عاماً في الرابع عشر من شباط/ فبراير 2005 في تفجير دموي، وقد اتهمت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان عناصر من “حزب الله” بتنفيذه، وأصدرت أحكاماً غيابية بحق خمسة متهمين ثبُتت عليهم تهمة الاغتيال.
وفيما قد يكون الحريري نال بعض العدالة في مقتل جزء من المتهمين في الحروب الإقليمية التي يخوضها الحزب لصالح إيران، لا يزال المطار الذي يحمل اسمه محاصراً تماماً من جهتين: فكل من يصل إلى مطار بيروت ويغادره ليدخل إلى العاصمة، عليه إما أن يسلك الطريق القديمة المسماة “جادة الإمام الخميني”، حيث تنتشر صور المرشد الإيراني الحالي والسابق والشعارات التي توحي للواصل إلى بيروت كأنه في طهران وليس في عاصمة لبنان، أو أن يأخذ الطريق الأخرى (الجديدة) والتي يطلق عليها إلى اليوم “أوتوستراد حافظ الأسد”، نسبة إلى الرئيس السوري الراحل الذي كان حليفاً رئيسياً لإيران وحزب الله في لبنان، والذي سقط نظامه بسقوط ابنه بشار في سوريا.
وبذلك يحاصر كل من الخميني وحافظ الأسد مطار رفيق الحريري، في مفارقة إسمية وفعلية تقول الكثير الكثير عن مدى الاستفزاز والعنجهية التي مارسها محور الممانعة على باقي اللبنانيين، طوال سنوات، بقوة الأيديولوجيا والصواريخ و”غضب الأهالي”، ودائماً باسم فلسطين!
إقرأوا أيضاً: