ما زال السلاح المتفلّت منتشراً بقوة بين جماعات مختلفة معظمها خارج سلطة الدولة، إلا أن المتاجرة به وتأمين وصوله زادا في الفترة الأخيرة، بعد ارتفاع حدة النزاعات العشائرية وتصفية الحسابات بين الميليشيات المسلحة في جنوب العراق.
تعتبر مدن العراق الجنوبية الثلاث البصرة والناصرية والعمارة، الثقل الأكبر للعشائر ومقاتلي ميليشيات الأحزاب السياسية. شهدت هذه المدن في السنوات القليلة الماضية مواجهات خفية بين المتصارعين على السلطة، من خلال استهداف بعض القيادات من الأطراف المتناحرة كما هو الحال في مدينة العمارة، فضلاً عن النزاعات العشائرية التي لم تنته حتى أصبحت شوارع المدينة وازقتها ساحة للقتال. لكن ما يثير الرعب والخوف أن جهات سياسية وميليشياوية، هي التي تقف وراء انتعاش سوق السلاح غير الشرعي في مدن الجنوب وتأمين وصوله إلى مكان التسليم، ومن بينها أسلحة متوسطة وثقيلة تستخدم عادة لاستهداف الدروع أو الثكنات العسكرية في المعارك الكبرى.
بيع السلاح وتوصيله الى محل طلبه يكون وفق الكميات المطلوبة، إذ يمكن شراء بعض القطع الخفيفة من تجار السلاح الصغار كالمسدسات في داخل الأسواق والمقاهي وينتهي الأمر في أرضه. أما الأسلحة المتوسطة والثقيلة، فصفقاتها تتم بعيداً من لأنظار.
العشائر الجنوبية دائماً ما تتفاخر في اقتناء أفرادها السلاح، وهو بمثابة “هواية” أساسية لدى رجال العشائر، فلا يكاد يخلو منزل من السلاح الخفيف والمتوسط كالبندقية الروسية الصنع وهي الأكثر رواجا والسلاح الرشاش BKC، إضافة الى سلاح القنص والقاذفة التي تستهدف الدروع.
ويظهر أفراد العشائر في المناسبات حاملين تلك الأسلحة وسط حضور شخصيات حكومية وسياسية وحتى أمنية وكأن حضور المسؤولين يعطي الشرعية باقتنائه فضلاً عن ذلك هي رسالة خفية من رجال العشائر لخصومهم بامتلاكهم ترسانة من الأسلحة والمسلّحين.
أحد تجار الأسلحة الصغار الذي يتواجدون في المقاهي الشعبية وسط مدينة الناصرية، يقول لـ”درج” إن “الأسلحة بمختلف أشكالها وأحجامها سجلت أسعاراً مرتفعة عن الفترة السابقة في النصف الأول من العام الماضي وهي الفترة التي سبقت الانتخابات وحتى الآن وتصنف أسعارها بحسب نوع السلاح، اذ يبلغ سعر الكلاشنيكوف ذي الصناعة الروسية في الوقت الحالي مليون وخمسمائة الف دينار عراقي (نحو 1000 دولار أميركي) بعدما كانت بـ600 الف دينار (400 دولار). وكذلك الحال بالنسبة إلى سلاح الـBKC الذي يعد من الأسلحة المتوسطة وكان سعره في الفترات الماضية ثلاثة ملايين دينار عراقي (2000 دولار)، أما الآن فارتفع الى خمسة ملايين دينار (3300 دولار). أما قاذفة RBG7 فليست مرغوبة بشكل كبير بين الأوساط العشائرية، ومع ذلك ارتفع سعرها إلى 300 الف دينار عراقي (200 دولار) بعدما كان لا يتجاوز 100 دولار.
التاجر الصغير يشرح عن عملية تأمين وصول السلاح الى المدن الجنوبية، إذ يتولاها عادة أشخاص لديهم ارتباطات وثيقة بميليشيات ذات طابع سياسي، تقوم بتوريد الأسلحة من شمال العراق حتى أصبحت هذه المناطق هي سوق رئيسية للشراء لطبيعتها العشائرية، فضلاً عن ان معظم المقاتلين من الجنوب، والمؤسسات الأمنية تعلم بذلك ولا تقوم برد فعل، وهناك أسلحة خفيفة جداً كالمسدسات التي تكون قاتلة عن قرب، يقوم بشرائها اشخاص من طالبي الثأر، أو من طالبي الحماية الذاتية، ومن بينها المسدس الكولمبي او التركي، وبلغ سعره في الوقت الحالي 190 الف دينار عراقي (125 دولاراً تقريباً)، وهو سعر زهيد لسلاح قادر على سلب الأرواح. ويستخدم هذا النوع من الأسلحة من قبل بعض مروجي المخدرات من الشباب صغار السن الذين يستقلون الدراجات النارية، إذ يتم جلب هذه المسدسات عبر عجلات تابعة للفصائل المسلحة التي تحمل شعار “الحشد الشعبي” فلا يتم تفتيشها عند النقاط التابعة للدولة في مداخل المدن.
الخبير الأمني جواد كاظم يرى أن لجوء المواطن إلى البدائل المطروحة أمامه لضمان حمايته وعدم اللجوء إلى مؤسسات الدولة، عائد إلى عدم الثقة بها وبالتالي ستكون له هوية فرعية غير الهوية الوطنية كي يستند اليها فتكون العشيرة او الجهة الحزبية أو الجماعة المسلحة هي المرجعية التي تحميه ويلجأ إليها عندما يشعر بالخطر.
ويجد كاظم أن غياب استراتيجية الحد من انتشار السلاح من قبل الدولة يجعلها عاجزة أمام الكم الهائل من الأسلحة التي تنتشر بين المواطنين في العراق، حتى وإن كانت أولويتها محاربة الإرهاب ولكنها لم تطرح حلولاً ممكنة لضبط السلاح أو على الأقل إحصائه، إذ لا تمتلك الدولة قاعدة بيانات واضحة لحصر السلاح على أراضيها.
الباحث حسين كريم يجد في إغراق مدن العراق بالسلاح مؤشراً خطيراً ومخيفاً، ينبئنا بأيام مقبلة قد تشهد صراعات ما بين الميليشيات المسلحة، خصوصاً أنها هي التي تقوم بتأمين وصول الأسلحة والإتجار بها. ولا يستبعد كريم المواجهة في ما بينها من خلال عمليات الاغتيال كما حصل في محافظة ميسان، لا سيما أن من هم في الحكومة يمتلكون أذرعاً عسكرية ومن هم خارجها أيضاً، وبالتالي هناك ترسانة عسكرية لا تمكن السيطرة عليها أو محاولة إنهائها. ويرى كريم أن عدم المساس بأسلحة العشائر من قبل الحكومة هو نتيجة المصالح المشتركة بين السياسيين والعشائر، فالأخيرة تمتلك خزاناً كبيراً من الأصوات التي يحتاجها السياسيون في الانتخابات.
إقرأوا أيضاً: