عُرف عن منزلها في بغداد أنّه منزل النساء في العراق. وعُرف عن قلبها أنّه يظلّ يتّسع بقدر اتّساع هموم النساء وأشكال الظلم الواقعة عليهنّ. تاريخها السياسي في الحركات اليساريّة جعلها أكثر صلابة في مواجهة السلطة وعنفها الاقتصادي وفسادها السياسي. عملها كأمينة عامة لجمعيّة “الأمل” التي أسّستها عام 1992 فرض اسم “هناء ادوارد” على خارطة النضال الحقوقي والنسوي في العراق وخارجه.
اليوم، يُقلقها مصاب الأيزيديات الهاربات من عشائرهنّ وكابوس “الزيجات الداعشيّة”. يُشغلها مستقبل أطفالهنّ المنبوذين من العائلة والمجتمع والدولة. تؤرّقها الجرائم الإلكترونيّة والتهديدات المتكاثرة ضد الشابّات العراقيّات الجسورات المستعدّات لدفع الأكلاف الباهظة مقابل تمتّعهنّ بالحريّة وبحقهنّ في أن يثرن. ولكن، رغم ثخانة القلق وانشغال البال والأرق، ظلّت ادوارد قادرة على “الانبهار” بخفّة، واختيار كلمة “انبهار”، بعفويّة وإصرار، لوصف المسيرات النسويّة التي شهدتها مدنُ العراق.
في ما يلي، حديث مع هناء ادوارد تمحور حول ٥ أسئلة خاصّة بالتحرّكات النسوية العراقية ومدلولاتها.
1- النضال النسوي في العراق لم يبدأ أمس. لكن شيئاً ما ميّز مسيرات يوم الخميس 13 شباط/فبراير 2020. ما هو؟
“حجم المشاركة في المسيرات كان هائلاً بالفعل. والجديد في الأمر أنّ المسيرات اتّخذت في أكثر من مدينة ساحةً لها، وليس فقط بغداد. لذا، يصحّ وصفها بالتاريخيّة. امتدّت الاحتجاجات على مناطق الوسط، والجنوب، حتّى أنّها وصلت إلى أهم مركزين دينيَّين، أي النجف وكربلاء، ولم يمنع ذلك النساء من التعبير عن سخطهنّ إزاء “سطواتٍ” لا تراعي ولا تحبّذ مشاركتهنّ في إحداث التغيير.
تميّزت المسيرات أيضاً بمشاركة الجيل الشاب وطلبة الجامعات. كنّا في بداية الاجتجاجات مجموعة من الحقوقيّات نرى في الثورة الحاليّة فرصةً لإبراز القضايا النسويّة التي لم تكن مطروحة، وها هي اليوم مرفوعة بثقة واعتزاز في الاحتجاجات والمسيرات.
بدون شك، كانت الاعتداءات الأخيرة ضد النساء العراقيّات الشرارة التي سمحت بإشعال النقاش حول العنف ضد النساء، وطرح قضايا التمييز والإقصاء وممارسات تشويه السمعة، في قلب الثورة نفسها.
بيّنت المسيرات النسويّة للعالم أنّ الشعب العراقي يريد وطناً يحتضن الطاقات والكفاءات، لا وطناً للنهب والاحتكار، وأنّ المطالب النسويّة هي في صلب التغيير، وكانت مرفوعة إلى جانب مطالب التغيير السياسي ومحاسبة مرتكبي جرائم النهب والقتل”.
2- برأيك، ما هي أبرز الفروق بين الجيل الحالي من النشطاء والجيل السابق؟
“جيل الشابّات جيلٌ مبهر ومميَّز بتصميمه على التغيير. لا يتوانى في التعبير عن رأيه بحريّة، رغم التهديدات ومخالب التسلّط الديني والعشائري والذكوري.
بالنسبة إلي، ليس الفكر النسوي بالضرورة متبلوراً لدى فئات الجيل الجديد. لكن شابّات هذا الجيل، بالتأكيد، يتمتّعن برغبة أكبر في التعبير والتحدّي وكسر العادات والتقاليد المنافية لحقوقهنّ. ينعمن بثقة أكبر في النفس، وبأشكال تعبير متنوّعة لا يعترض سبيلها عيبٌ أو خوف. في كلّ ما يصنعنه، تجدين ما يدلّ إلى رغبة عارمة في الحريّة”.
3- اللافت في احتجاجات العراق أنّها جابت أكثر من مدينة في اليوم نفسه. ما سرّ نجاح هذه القدرة التنظيميّة لدى الثوّار؟
“في الواقع، لم تكن المسيرات مُنظَّمة بهذا المعنى. الصديقات اللّواتي طرحن فكرة المسيرات هنّ شابّات كان عددهنّ قليلاً، لكن ما جعل الإقبال واسعاً والحشد ناجحاً كان حسن استخدام الشعب العراقي لمواقع التواصل الاجتماعي التي تُستخدم عندنا للتنظيم والتوثيق. وكان للمبادرة بحدّ ذاتها صدى كبير في صفوف النساء والرجال، فتلقّوها بإيجابيّة وحماسة. إلى ذلك، لعبت دعوات منع الاختلاط ومحاولات الإقصاء والاستفزاز التي بدأت تتّخذ منحًى أكثر عداءً للنساء بشكل أوضح ومباشر أكثر، دوراً في شحن غضب العراقيّين والعراقيّات وتحفيزهم على المشاركة. يُضاف إلى ذلك تبنّي وسائل إعلام مهمّة للدعوة إلى المسيرات، والدور الحيوي للطلبة الجامعيّين في الحشد خلال الفترة الأخيرة”.
4- ما هي العناوين النسويّة التي تتطلّب المعالجة السريعة في العراق اليوم؟
“العنف في العراق إلى ازدياد. كنّا قبل الثورة نرصد حالة انتحار لامرأة أو شابّة كل يوم تقريباً. نساء العراق يقاسين أبشع أنواع العنف والتسلّط والقتل. وغالباً ما تكون معاناة النازحات والأيزيديات مُضاعفة، والكثيرات منهنّ تعرّضن للاغتصاب وأقسى أنواع العنف.
في العراق أيضاً مصائب من نوع آخر، كالزيجات الحاصلة خارج المحاكم بدون أي تسجيل أو تثبيت للزواج، ممّا يهدّد كرامات النساء ويتركهنّ في موقع ملتبس وهشّ. عدا عن ظاهرة تزويج الطفلات المنتشرة بكثافة في العراق، حيث تشكّل حالات تزويج الشابات دون سنّ الـ18 خُمْسَ الزيجات. والظاهرتان مستمرّتان، مع العلم أنّ الإحصاءات العراقيّة الرسميّة أثبتت أنّ الطلاق إلى ارتفاع وأنّ العلاقات الزوجيّة باتت لا تدوم لأكثر من سنتين.
صحيح أن النساء في العراق اكتسبن حقّهنّ في إعطاء الجنسيّة لأولادهنّ، لكنّهنّ حتّى اليوم محرومات في الكثير من الحالات من اختيار الزوج المناسب لهنّ، ومواصلة تعليمهنّ، والانخراط في سوق العمل”.
5- أخيراً، ما رأيك بالمشهد النسوي اللبناني؟
“أنا “مسحورة” بالشعارات التي تطلقها الرفيقات اللبنانيّات. وأقدّر حماسة اللبنانيّات على المشاركة في الحركات والتنظيمات السياسيّة. وبصرف النظر عن طريقة تفكير بعضهنّ، أرى في ارتفاع مشاركة النساء في الحيّز السياسي والحكومي في لبنان نقطة إيجابيّة كان لا بدّ منها، لا سيّما وأن النساء في لبنان كنّ شبه غائبات عن هذا الحقل ولم يكنّ حاضرات في المجلس النيابي لعقود. أنا أيضاً سعيدة جدّاً بقدرتهنّ على إثارة عنوان القانون المدني للأحوال الشخصيّة وتداول الرأي العام اللبناني له.
هناك جملة نستخدمها ونحن نخوض معاركنا التشريعيّة في العراق: “لا للبننة قانون الأحوال الشخصيّة!”.