حشدت المسيرات الرافضة للعهدة الخامسة أو الولاية الخامسة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة أعداداً هائلة من المتظاهرين، على نحو أكبر بكثير من تلك التي خرجت قبل أكثر من أسبوع. كما أن التظاهرات لم تسلم من الحوادث إذ شهدت أعمال عنف من قبل “بلطجية”، وقد أسفرت محاولة الشرطة صدها عن وفاة أحد المتظاهرين وهو نجل رئيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية إبان الثورة التحريرية.
تتواصل المسيرات والاحتجاجات في الجزائر ضد ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وتضاعف عدد المشاركين ليطال شرائح مختلفة من المجتمع مثل المحامين الذين نظموا وقفات أمام بعض المحاكم والطلبة الذين ساروا قبل أيام في مظاهرات امتدت إلى كل جامعات البلد وملأت الشوارع الرئيسية في عديد من المدن بما فيها الجزائر العاصمة.
شهدت هذه الجمعة طوفاناً بشرياً في الشوارع حيث خرج الجزائريون رجالا، نساءً وأطفالا،شبابا وشيوخا للتعبير عن رفضهم لمنظومة الحكم. مسيرات تخللها لحمة وعلاقات انسانية سوّق البعض أنها اندثرت من المشهد الجزائري. مشى المتظاهرون في ألفة ورددوا شعارات ضد الفساد ورفعوا عبارات التضامن ورددوا أناشيد وطنية في جو خال من العنف ومن دون استفزازات. صورة جميلة أكدت على سلمية هذا الحراك الشعبي غير المسبوق أفسدها بعض “البلطجية” آخر النهار في الجزائر العاصمة بعد تفرق المتظاهرين و بداية انسحاب عناصر الشرطة على وقع التصفيق في بعض أنحاء المدينة. فقد أحرق عناصر غير منضبطة سيارتين أمام فندق الجزائر بشارع سويداني بوجمعة على مقربة من قصر الرئاسة بالمرادية في أعالي العاصمة، كما أحرقوا وكالة المرادية للبنك الخارجي الجزائري المتواجدة أمام نفس الفندق. تصرف يتنافى مع روح المسيرات التي لم يسجل فيها لحين هذه الأحداث ما يُؤسف له.
عن مقتل نجل بن خدة
خلفت الأحداث التي حصلت قتيلاً، هو حسن بن خدة، 56 سنة، وهو نجل رئيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية إبان الثورة التحريرية بن يوسف بن خدة. تطور مؤسف في سياق تظاهرات سلمية، وقد كتب حول ظروف حدوثها، سليم بن خدة شقيق القتيل، على صفحته في الفيس بوك:” هكذا قتل أخي حسن شهيد حراك الحرية و الكرامة: بعد أن صلى صلاة العصر في الشارع جماعة، على الرصيف أمام قصر الشعب، واصل المسيرة مع الشباب و منهم أخي الأصغر وأعضاء من العائلة بنية الالتحاق ببيت الوالدة في حيدرة. و على مستوى نزل الجزائر و قفت المسيرة التي كانت تجري بكل سلمية. و فجأة تدخلت قوات الأمن بعنف مما أدى إلى ازدحام كبير بين النازلين و الصاعدين و فقد الاتصال بالأخ و حدث هذا تزامنا مع وصول عدد كبير من البلطجية إلى عين المكان و ترك لهم الميدان للنهب و السلب. و على الساعة السابعة و نصف اتصل بي موظف في المستشفى ليخبرني بوجود جثة أخي في مصلحة التشريح. العائلة تحمل العصابة الحاكمة و بلطجيتها سفك دم أخي و سنقوم بالإجراءات اللازمة للقصاص”. وأرفق سليم هذا النص بصورة لشقيقه قال إنها أرسلت له على الخاص من مجهول للتعرف.
محصلة التظاهرات بحسب المديرية العامة للأمن الوطني 63 جريحا منهم 56 من عناصر الشرطة و 7 من المتظاهرين و اعتقال 45 شخصا.
لا رجوع عن العهدة الخامسة حسب تسجيل مسرب
قوبلت هذه الهبة الشعبية الشبيهة باستفتاء “لا للعهدة الخامسة” يوم 22 شباط/فبراير بتصريحات حاولت تقليل حجم المظاهرات والتعامل معها بشكل استفز شرائح واسعة من الرأي العام. الاستفزازات رد عليها المتظاهرون هذه الجمعة بشعارات جديدة. من الشـخصيات التي ركزت عليها شعارات المتظاهرين، رئيس الوزراء أحمد أويحيى الذي شبه المظاهرات ببداية الحراك السوري الذي بدأ حسب تعبيره بالورود قبل أن يتحول إلى حرب أهلية ، و كذلك عبد المالك سلال، مدير حملة الرئيس بوتفليقة، الذي أعلن في أحد تصريحاته أن الرئيس بوتفليقة سيقدم ملف ترشحه يوم الأحد 3 مارس/آذار. كما أكد، حسب تسجيل لمحادثة له مع رئيس منتدى رجال الأعمال علي حداد، كان قد سّرب مؤخراً على أن لا رجوع عن مشروع العهدة الخامسة. وبحسب التسجيل استعمل سلال لهجة تهديدية ” يتيريو بالكلاش، نتيري بالكلاش” (إن استعملوا الكلاشينكوف، سنرد بالكلاشينكوف) ليقول لمحادثه بأنه عازم على المواجهة.
رد المتظاهرون على أويحيى وسلال بقوة:” أويحيى يا الخرية، دزاير ماشي سوريا (يا اويحيى الخراء، الجزائر ليست سوريا)” و”سلال البهلول، أويحيى السراق (سلال العبيط، أويحيى السارق)” .وأكثر من هذا، حوّر المتظاهرون الشعار الذي أصبح نشيد الحراك للرد على أويحيى الذي نال قسطه من السخط في المسيرات الماضية، فأظهر حجم السخط الذي يكنه له الشارع. و استعمل المتظاهرون تكراراً “ما كانش الخامسة يا بو تفليقة، معانا البياري ومعانا الصاعقة” بدلا من شعار ” ما كانش الخامسة يا بو تفليقة، جيبو البياري و زيدو الصاعقة” أي أن عناصر هذه الوحدات من أبناء الشعب و هم مع الشعب. وكذلك :” لابوليس خاوتنا (عناصر الشرطة إخوتنا)”. أخيرا وليس آخرا:” زاوالية و نحبو لبلاد، زاوالية و خاطينا الكاشير(نحن فقراء و نحب البلد، نحن فقراء و لا نأكل السجق)” في إشارة إلى السندويشات التي تقدمها أحزاب السلطة، حزب جبهة التحرير الوطني الذي يرأسه بوتفليقة و التجمع الوطني الديمقراطي الذي يرأسه أويحيى، لمن يملؤون قاعات تجمعاتهم من أجل إظهار شعبيتهم)”.
تنحية سلال من على رأس مديرية الحملة الانتخابية لبوتفليقة
أعلنت اليوم رئيسة حزب العمال المعارض لويزة حنون عدم مشاركتها في الانتخابات وضمّت صوتها إلى حزبي التجمع من أن أجل الثقافة والديمقراطية و جبهة القوى الاشتراكية المعارضين وكذلك رئيس الحكومة السابق علي بن فليس الذي كان قد أعرب عن نيته في الترشح.
من جهة أخرى توقعت حركة مجتمع السلم في بيانها الأخير حول الحراك و الممضي من طرف رئيسها و مرشحها للانتخابات الرئاسية، عبد الرزاق مقري، تأجيل هذا الموعد: ” إن حركة مجتمع السلم تؤكد دعمها الحراك الشعبي السلمي وقد حرصت على الحضور فيه منذ انطلاقته الأولى، وتؤكد بأن هذا الحراك ينبغي أن يستمر حتى تحقيق أهدافه وتصحيح المسار الانتخابي لتكون الانتخابات الرئاسية المقبلة، سواء في آجالها أو في أجل آخر، شفافة ونزيهة تنقل الجزائر إلى آفاق مستقبلية واعدة“.
تحبس الجزائر هكذا أنفاسها على بعد ساعات قليلة من آخر أجل لإيداع الملفات أمام المجلس الدستوري المقرر الأحد. و تتداول معلومات لدى العديد من المتتبعين للشأن السياسي بالجزائر مفادها أنه جري التفكير بالعدول عن ترشيح بوتفليقة وتقديم مرشح آخر للنظام بعد إزاحة حكومة أويحيى من أجل احتواء غضب الشارع. كما رجحت هذه المصادر إمكانية تأجيل الانتخابات بسبب عدم تقدم مرشحين. إذ لم يتلق المجلس الدستوري لحد الأن سوى ملفين لمرشحين اثنين هما: رئيس حزب التجمع الجزائري، علي زغدود، و هو حزب مجهري ليس له قواعد شعبية، و عبد الحكيم حمادي وهو طبيب غير معروف، و اللذان أودعا ملفاتهما يوم الخميس 28 شباط/فبراير الماضي. وهي ملفات من الممكن أن يسقطها بسبب عدم استيفاء شرط جمع التوقيعات (60000 توقيع أو 600 من توقيعات المنتخبين في المجالس الشعبية)، إلا أن تنحية عبد المالك سلال من على رأس مديرية الحملة الانتخابية للرئيس بوتفليقة عصر اليوم و تنصيب وزير الأشغال العمومية و النقل عبد الغاني زعلان مكانه يوحي بأن السلطة لا تبالي بغضب الشارع و أنها ماضية قدما من أجل فرض العهدة الخامسة.