fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

ماما إيلاف: امرأة سورية صنعت من المأساة أفقاً

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“أراهن على الوقت وأن الناس لو رأت نموذجاً نسائياً ناجحاً أكثر من مرة وبأكثر من مجال، مع الوقت سيصبحون أكثر موضوعية وتقبّلاً”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بينما كانت الصحفية إيلاف ياسين جالسة في السيارة في أحد المخيمات السورية خلال عملها في التغطية لصالح قناة الجزيرة، دق أحدهم شباك السيارة فجأة، وإذ بطفل لطيف ومتعبٍ للغاية، وحين فتحت له الشباك سألها: “أتعرفين بانا؟”، لم تكن تعرفها، لكنها قالت له أنها تعرفها، طلب الطفل منها أن تخبر بانا أن عائلته انتقلت إلى منزل جديد وإذا أرادت جلب أغطية لهم، على إيلاف إخبارها بأن تجلبها إلى منزلهم الجديد لأنه خائف ألا تحضر لهم أغطية هذا الشتاء، وحين سألته كيف عرف أنها صديقة بانا، قال: “لأنكم جميعاً تملكون نفس السيارات” كانت هذه اللحظة صادمة لإيلاف، تقول لـ”درج”: “لم يخطر لي سابقاً أن هناك أطفالاً سوريين باتوا يصنفون البشر على هذا النحو، فمن يمتلكون سيارات، لا بد أن يعرفوا بعضهم البعض”!

بيت كريم يبدأ  

أعطت إيلاف الطفل في ذلك اليوم مبلغاً من المال وعندما انطلقت السيارة، ركض الطفل خلف السيارة وهو يودعها، وحين نظرت في المرآة شاهدته مع رفاقه، فتح يديه ليريهم المال وكأنه يخبئ كنزاً، بعدها شرع جميع الأطفال بالركض خلف السيارة حتى اختفت. كانت هذه الحادثة الشرارة الأولى لاتخاذ إيلاف قرارا بمساعدة الأطفال السوريين على أرض الواقع وبدعم ماديّ من صديقها في السعودية قررت إنشاء بيتاً للأيتام، لينضم والدها ووالدتها إلى العمل معها في البيت. وهكذا بدأت رحلة البحث عن الأطفال.

اُفتتح بيت كريم في مدينة غازي عنتاب التركية بهدف مساعدة الأطفال الأيتام، في إكمال تعليهم ومنحهم حياةً كريمة، قدم البيت خدمات لحوالي 200 طفل، من كل المناطق السورية تقريباً، لكن الموجودين اليوم مع أمهاتهم هم 45 طفلاً، يقدم لهم بيت كريم الطعام والمنامة والطبابة والدروس الإضافية والدعم النفسي. خلال السنوات الماضية تعرض بيت كريم لعدة أزمات مادية لكن ومن حوالى سنيتن دعمتهم منظمة جنوب افريقية اسمها “وقف الواقفين”، “Gift Of The Givers” وكان لها الفضل في استقرار الوضع المادي للبيت.

“لم يخطر لي سابقاً أن هناك أطفالاً سوريين باتوا يصنفون البشر على هذا النحو، فمن يمتلكون سيارات، لا بد أن يعرفوا بعضهم البعض”!

صعوبات يمكن تخطيها

ضجت مواقع التواصل الاجتماعي قبل أيام بنجاح تلاميذ بيت كريم وحصولهم على مراكز متقدمة في امتحانات القبول الجامعي، لم يكن ما فعلته إيلاف ووالديها سهلاً إذ أن الصعوبات لم تكن متعلقة ببيت كريم وحسب إذ أن هناك مشاكل تتعلق بأجيال من الأطفال السوريين، الجيل الذي ولد في الثورة أو خلال سنوات الحرب هو جيل ضاعت هويته وذكرياته، ولا يمتلك حتى القدرة على بناء ذكريات منطقية أو طبيعية. ذكرياته كلها متعلقة بالنزوح والعمل والموت والقصف، تتابع إيلاف: “وجد بعض الأطفال بعد النزوح أنفسهم يعيشون مع جيرانهم إثر فقدان الوالدين. تخلى عدد من الآباء والامهات عن أطفالهم بسبب ظروف الحرب. لقد شهدنا بالفعل على أطفال تم بيعهم من قبل أقربائهم لعوائل غير قادرة على الإنجاب”.

كان إقناع العائلات بترك أطفالهم للعمل مقابل التعلم مهمة شاقة، فالعائلة تفضل بقاء طفلها معها سعياً للحصول على الإعانة المخصصة له من قبل المنظمات الإنساني، وهو ما تعتبره مساعداً لها أكثر من تعلم الطفل أو انتقاله إلى مكان آخر. لم تكن هذه الصعوبات هي الوحيدة التي واجهتها إيلاف برفقة والديها إذ أنهم اصطدموا بصعوبات أساسية متعلقة بالمجتمع، فبعض الأسر رفضت منحهم أطفالها على الرغم من عجزها عن رعايتهم لأنها لا تريد أن يتكلم الجيران بالسوء عنها، كما امتلكت بعض العائلات منطقاً يتعلق بخطر إبعاد الفتيات عن عائلتهن أو كما تصفه إيلاف: “قد يقال أن حريمهم ربيوا عند الغرباء”.

إقرأوا أيضاً:

ابن الضابط حسين هرموش وبيت كريم

“ماما إيلاف” هكذا يناديها الأطفال في بيت كريم، وكأيّ أم تعرف إيلاف نمرة حذاء كل طفل ومقاسات ثيابه أو حتى اللون المفضل له. تتركهم يختارون ثيابهم وحاجياتهم بأنفسهم ليتعلموا حرية الاختيار. أحد الطلاب الذين نجحوا بتفوق هو محمد حسين هرموش ابن أوائل الضباط المنشقين عن جيش النظام، اختفى هرموش بعد انتقاله إلى تركيا عام 2011 ويُرجّح قيام النظام السوري باختطافه وتصفيته.

تعرفت إيلاف إلى عائلة الضابط حسين هرموش خلال عملها لإعداد فيلم في أحد المخيمات، وتقول: “كانت تستحق عائلة هرموش الاهتمام. للضابط حسين أطفالٌ لطفاء وأذكياء وتحصيلهم الدراسي عالٍ، لكنهم تُركوا لمصيرهم في المخيم”.

لاحقاً وبالاتفاق مع أمهم تمكنت إيلاف من إخراج أفراد العائلة من المخيم وانتقلوا إلى منزل جيد، وتشيد إيلاف بجهد زوجة هرموش الكبير في رعاية أطفالها وحمايتهم وهو ما كان جزء من نجاح محمد والذي أحدث فرحاً سورياً كبيراً، تقول إيلاف: “نجاح محمد حسين هرموش بالنسبة للناس هو استمرار لهذا الرجل وعائلته واستمرار لقدرة أطفاله على المتابعة. لم ينجح النظام، حتى حين اختطف والدهم، في تدمير هذه الأسرة ورمزيتها لدى السوريين أو رمزية والدهم على الإطلاق”.

تتحدث إيلاف عن أبناء هرموش بفرحة الأم، فمحمد وبراء وإبراهيم من أكثر المتمسكين اليوم بخيار الثورة، وإلى جانب رغبتهم في متابعة دراستهم لديهم رغبة كذلك بالعمل في المجال السياسي والعام. 

الهجوم على إيلاف

على الجانب الآخر هاجم البعض إيلاف وعملها على وسائل التواصل الإجتماعي، فانتقدوا طريقة لباسها وآخرون اتهموها بمحاولة التسلق على ألم عائلة الضابط هرموش. أما هي فترى أن الهجوم بعد نشر صورها مع الطلاب الناجحين لم يكن من أشخاص متطرفين إنما من بعض المتدينين. بالمقابل الكثير من الأصدقاء المتدينين وقفوا إلى جانبها ودعموها.

تتابع إيلاف عن الصعوبات التي تواجه النساء في هذا المجال: “في النهاية أي سيدة تعمل في العمل العام أو تظهر للعلن تتعرض لكمية هائلة من الانتقاد سواء كانت محجبة أم لا، فقط لأنها سيدة” ولذلك لم ترد إيلاف على هذه الانتقادات فطالما النساء مؤمنات بما يفعلنه فالأفضل هو إكمال طريقهن لأن الهجوم لن يتوقف يوماً: “أراهن على الوقت وأن الناس لو رأت نموذجاً نسائياً ناجحاً أكثر من مرة وبأكثر من مجال، مع الوقت سيصبحون أكثر موضوعية وتقبّلاً”.

إقرأوا أيضاً:

14.06.2022
زمن القراءة: 4 minutes

“أراهن على الوقت وأن الناس لو رأت نموذجاً نسائياً ناجحاً أكثر من مرة وبأكثر من مجال، مع الوقت سيصبحون أكثر موضوعية وتقبّلاً”.

بينما كانت الصحفية إيلاف ياسين جالسة في السيارة في أحد المخيمات السورية خلال عملها في التغطية لصالح قناة الجزيرة، دق أحدهم شباك السيارة فجأة، وإذ بطفل لطيف ومتعبٍ للغاية، وحين فتحت له الشباك سألها: “أتعرفين بانا؟”، لم تكن تعرفها، لكنها قالت له أنها تعرفها، طلب الطفل منها أن تخبر بانا أن عائلته انتقلت إلى منزل جديد وإذا أرادت جلب أغطية لهم، على إيلاف إخبارها بأن تجلبها إلى منزلهم الجديد لأنه خائف ألا تحضر لهم أغطية هذا الشتاء، وحين سألته كيف عرف أنها صديقة بانا، قال: “لأنكم جميعاً تملكون نفس السيارات” كانت هذه اللحظة صادمة لإيلاف، تقول لـ”درج”: “لم يخطر لي سابقاً أن هناك أطفالاً سوريين باتوا يصنفون البشر على هذا النحو، فمن يمتلكون سيارات، لا بد أن يعرفوا بعضهم البعض”!

بيت كريم يبدأ  

أعطت إيلاف الطفل في ذلك اليوم مبلغاً من المال وعندما انطلقت السيارة، ركض الطفل خلف السيارة وهو يودعها، وحين نظرت في المرآة شاهدته مع رفاقه، فتح يديه ليريهم المال وكأنه يخبئ كنزاً، بعدها شرع جميع الأطفال بالركض خلف السيارة حتى اختفت. كانت هذه الحادثة الشرارة الأولى لاتخاذ إيلاف قرارا بمساعدة الأطفال السوريين على أرض الواقع وبدعم ماديّ من صديقها في السعودية قررت إنشاء بيتاً للأيتام، لينضم والدها ووالدتها إلى العمل معها في البيت. وهكذا بدأت رحلة البحث عن الأطفال.

اُفتتح بيت كريم في مدينة غازي عنتاب التركية بهدف مساعدة الأطفال الأيتام، في إكمال تعليهم ومنحهم حياةً كريمة، قدم البيت خدمات لحوالي 200 طفل، من كل المناطق السورية تقريباً، لكن الموجودين اليوم مع أمهاتهم هم 45 طفلاً، يقدم لهم بيت كريم الطعام والمنامة والطبابة والدروس الإضافية والدعم النفسي. خلال السنوات الماضية تعرض بيت كريم لعدة أزمات مادية لكن ومن حوالى سنيتن دعمتهم منظمة جنوب افريقية اسمها “وقف الواقفين”، “Gift Of The Givers” وكان لها الفضل في استقرار الوضع المادي للبيت.

“لم يخطر لي سابقاً أن هناك أطفالاً سوريين باتوا يصنفون البشر على هذا النحو، فمن يمتلكون سيارات، لا بد أن يعرفوا بعضهم البعض”!

صعوبات يمكن تخطيها

ضجت مواقع التواصل الاجتماعي قبل أيام بنجاح تلاميذ بيت كريم وحصولهم على مراكز متقدمة في امتحانات القبول الجامعي، لم يكن ما فعلته إيلاف ووالديها سهلاً إذ أن الصعوبات لم تكن متعلقة ببيت كريم وحسب إذ أن هناك مشاكل تتعلق بأجيال من الأطفال السوريين، الجيل الذي ولد في الثورة أو خلال سنوات الحرب هو جيل ضاعت هويته وذكرياته، ولا يمتلك حتى القدرة على بناء ذكريات منطقية أو طبيعية. ذكرياته كلها متعلقة بالنزوح والعمل والموت والقصف، تتابع إيلاف: “وجد بعض الأطفال بعد النزوح أنفسهم يعيشون مع جيرانهم إثر فقدان الوالدين. تخلى عدد من الآباء والامهات عن أطفالهم بسبب ظروف الحرب. لقد شهدنا بالفعل على أطفال تم بيعهم من قبل أقربائهم لعوائل غير قادرة على الإنجاب”.

كان إقناع العائلات بترك أطفالهم للعمل مقابل التعلم مهمة شاقة، فالعائلة تفضل بقاء طفلها معها سعياً للحصول على الإعانة المخصصة له من قبل المنظمات الإنساني، وهو ما تعتبره مساعداً لها أكثر من تعلم الطفل أو انتقاله إلى مكان آخر. لم تكن هذه الصعوبات هي الوحيدة التي واجهتها إيلاف برفقة والديها إذ أنهم اصطدموا بصعوبات أساسية متعلقة بالمجتمع، فبعض الأسر رفضت منحهم أطفالها على الرغم من عجزها عن رعايتهم لأنها لا تريد أن يتكلم الجيران بالسوء عنها، كما امتلكت بعض العائلات منطقاً يتعلق بخطر إبعاد الفتيات عن عائلتهن أو كما تصفه إيلاف: “قد يقال أن حريمهم ربيوا عند الغرباء”.

إقرأوا أيضاً:

ابن الضابط حسين هرموش وبيت كريم

“ماما إيلاف” هكذا يناديها الأطفال في بيت كريم، وكأيّ أم تعرف إيلاف نمرة حذاء كل طفل ومقاسات ثيابه أو حتى اللون المفضل له. تتركهم يختارون ثيابهم وحاجياتهم بأنفسهم ليتعلموا حرية الاختيار. أحد الطلاب الذين نجحوا بتفوق هو محمد حسين هرموش ابن أوائل الضباط المنشقين عن جيش النظام، اختفى هرموش بعد انتقاله إلى تركيا عام 2011 ويُرجّح قيام النظام السوري باختطافه وتصفيته.

تعرفت إيلاف إلى عائلة الضابط حسين هرموش خلال عملها لإعداد فيلم في أحد المخيمات، وتقول: “كانت تستحق عائلة هرموش الاهتمام. للضابط حسين أطفالٌ لطفاء وأذكياء وتحصيلهم الدراسي عالٍ، لكنهم تُركوا لمصيرهم في المخيم”.

لاحقاً وبالاتفاق مع أمهم تمكنت إيلاف من إخراج أفراد العائلة من المخيم وانتقلوا إلى منزل جيد، وتشيد إيلاف بجهد زوجة هرموش الكبير في رعاية أطفالها وحمايتهم وهو ما كان جزء من نجاح محمد والذي أحدث فرحاً سورياً كبيراً، تقول إيلاف: “نجاح محمد حسين هرموش بالنسبة للناس هو استمرار لهذا الرجل وعائلته واستمرار لقدرة أطفاله على المتابعة. لم ينجح النظام، حتى حين اختطف والدهم، في تدمير هذه الأسرة ورمزيتها لدى السوريين أو رمزية والدهم على الإطلاق”.

تتحدث إيلاف عن أبناء هرموش بفرحة الأم، فمحمد وبراء وإبراهيم من أكثر المتمسكين اليوم بخيار الثورة، وإلى جانب رغبتهم في متابعة دراستهم لديهم رغبة كذلك بالعمل في المجال السياسي والعام. 

الهجوم على إيلاف

على الجانب الآخر هاجم البعض إيلاف وعملها على وسائل التواصل الإجتماعي، فانتقدوا طريقة لباسها وآخرون اتهموها بمحاولة التسلق على ألم عائلة الضابط هرموش. أما هي فترى أن الهجوم بعد نشر صورها مع الطلاب الناجحين لم يكن من أشخاص متطرفين إنما من بعض المتدينين. بالمقابل الكثير من الأصدقاء المتدينين وقفوا إلى جانبها ودعموها.

تتابع إيلاف عن الصعوبات التي تواجه النساء في هذا المجال: “في النهاية أي سيدة تعمل في العمل العام أو تظهر للعلن تتعرض لكمية هائلة من الانتقاد سواء كانت محجبة أم لا، فقط لأنها سيدة” ولذلك لم ترد إيلاف على هذه الانتقادات فطالما النساء مؤمنات بما يفعلنه فالأفضل هو إكمال طريقهن لأن الهجوم لن يتوقف يوماً: “أراهن على الوقت وأن الناس لو رأت نموذجاً نسائياً ناجحاً أكثر من مرة وبأكثر من مجال، مع الوقت سيصبحون أكثر موضوعية وتقبّلاً”.

إقرأوا أيضاً: