fbpx

ما القصة خلف اتهام”الدحيح” بالتطبيع؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تقلّب الدحيح بين الدول الثلاث التي تدعم الإعلام بالمال السياسي، قطر والسعودية ثم الإمارات، ولم تكن الإطلالة سوى عبر منصة جديدة تريد أن تصنع نجاحاً وانتشاراً سريعاً باستخدام جمهوره.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“إحنا وصلنا لمرحلة إن المنصات الاعلامية الكبرى مدعومة بمال سياسي وده مسبب حال ضيق عند الجمهور فمنشوفه يعبر بحاجات زي (الهجوم) على الدحيح”، يختصر الكاتب الصحافي المصري أحمد ناجي السجال الحاد الذي سببه الظهور الأخير للـ”الدحيح” أو اليوتيوبر المصري المعروف أحمد الغندور، الذي يقدم فيديوهات علمية معرفية بأسلوب ساخر وجذاب لاقى نجاحاً واسعاً، حتى أن اسمه “الدحيح” مستمد من المجتهد والمثابر على التعلم. 

 لكن رغم الإقبال الكبير على متابعته، إلا أن الدحيح قوبل بموجة غاضبة ودعوات للمقاطعة، وهذه المرة ليس على خلفية اتهامات بالإلحاد كما حصل في السابق، بل هو اتهام بالتطبيع مع اسرائيل لأنه يبث الموسم الجديد من البرنامج من خلال المنصة الإماراتية “نيو ميديا أكاديمي”.

الموسم الحالي من “الدحيح” هو شهادة ميلاد جديدة بعد انتكاسة ألمَّت به وببرنامجه خلال فترة أمضاها في منصة “شاهد” السعودية الأشهر الماضية.  فقد خرج أحمد الغندور من تجربة لم تلق نجاحاً في برنامجه “متحف الدحيح” الذي اضطر فيه إلى تغيير “الفورمات” الذي اعتاده الجمهور لعرضه على منصة “شاهد” التابعة لمجموعة قنوات “أم بي سي”، ولا تتيح منتجاتها الإعلامية مجاناً، لكن “الدحيح” عاد إلى شكله القديم، والمنصات المجانية التي اعتاد بثّ برنامجه خلالها، وهذه المرة من بوابة “نيو ميديا أكاديمي”.

المعروف عن “نيو ميديا أكاديمي” أنها مشروع إماراتي حديث لإنتاج المحتوى وتدريب الشباب العربي على صناعته، افتتحه حاكم دبي، محمد بن راشد، ويقع مقره في أبراج الإمارات بدبي، الذي تعتبر أوساط إماراتية أن الهدف من إطلاق ذلك المشروع هو مواجهة منصات المحتوى المرئي الشبابية القطرية، وفي مقدمتها “AJ+”. 

في بدايتها، واجهت المنصة صعوبة في الانتشار، ولم يكن هناك حل سوى الاستعانة بـ”يوتيوبر” شهير لإنقاذها، فكان “الدحيح”.

الأكاديمية الإماراتية لم تحقق خلال عملها في مرحلة ما قبل الدحيح انتشاراً  يذكر، لكن ظهور الدحيح وخلال ساعات وأيام قليلة نقل القناة الى مكان آخر تماماً، فقد حققت نحو نصف مليون متابعة إضافية على “فايسبوك”، وأكثر من نصف مليون اشتراك (سبسكرايب) على قناتها في “يوتيوب”، إلى جانب شهرة خرافية، حتى إن الحلقة الأولى من موسم “الدحيح” الجديد حقَّقت ما يقارب 7 ملايين مشاهدة في يومين فقط.

قامت القيامة؛ فوجئ أحمد الغندور بحملات مستمرة تطارده وتتهمه بالتطبيع مع إسرائيل، على رغم أن موضوع حلقته الأولى هو “الملل“، وتصدر هاشتاغ “قاطع الدحيح“عدداً من الدول العربية.

عن هذا الواقع يقول ناجي أن الاتهامات والتخوين المتبادل سياق طبيعي طالما أنه في سياق سلمي، “الناس من حقها تختار وتقاطع أي محتوى وأي برنامج  وبشوف ده وسيلة سلمية جدا، وبالنسبة للدحيح أنا مش من جمهوره لكن أقدر ما يعمله وهو يقدم محتوى فريد ومحتاجينه في الانترنت العربي”. 

هنا يأتي المال السياسي كعقبة اساسية تجاه صناع المحتوى كما يرى متابعون وبحسبهم فإن الدحيح كما غيره من قبل يدفع ثمن التسييس الكبير لمنصات ووسائل الاعلام الكبرى في المنطقة.

تحوَّل التطبيع إلى اتهام جاهز لاغتيال الشخصيات العامة وصناع المحتوى والفنانين وكثيراً ما يستخدم في تصفية الحسابات السياسية، وتراشق الاتهامات بين الخصوم، فالإمارات تتهم قادة حركة “حماس” بالتطبيع، لأنهم يقيمون تنسيقاً أمنياً مع تل أبيب، و”حماس” تتهم أبو ظبي بالتطبيع لأنها ترتبط باتفاقية سلام مع إسرائيل، وقطر تتهم الجميع بالتطبيع، على رغم أنها تستضيف المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي على شاشة “الجزيرة” وهي أول من أدخلت مسؤولين إسرائيليين إلى البيوت العربية. 

نصير ياسين ايضا

استعانت “نيو ميديا أكاديمي” تزامناً مع انطلاقها بعدد من خبراء صناعة المحتوى العرب والأجانب لتقديم برامج تدريبية، وكان نصير ياسين واحداً منهم. 

ونشرت وكالة الأنباء الإماراتية “وام” أنّ الأكاديمية تطلق دورات لرواية القصص من خلال الفيديو بالتعاون مع أكاديمية “ناس”، التي يملكها ويديرها “نصير”، ونصير هو شاب فلسطيني الأصل من “عرب 48” ولد في قرية “عرابة” الفلسطينية، وأنشأ شركة لصناعة المحتوى في سنغافورة وبدأ يقدم محتوى مرئي باللغة الإنكليزية من رحلاته بأنحاء العالم.

تفرَّعت من شركة “ناس ديلي” أكاديمية ترعى صناع المحتوى العرب، ولأجل مشروعه الجديد، أنشأ “ناس” فرعاً جديداً في دبي، حيث جذب مجموعة من صناع المحتوى من بلدان عدة، لنشر المحتوى تحت مظلة “ناس نيوز العربية“.

بدا محتوى نصير جذاباً لكثيرين، لكنه وقع في فخ تمرير رسائل ملتبسة بشأن الحق الفلسطيني على نحو بدا انحيازاً للرواية الإسرائيلية أو ما يدور في فلكها، وهذا الأمر سهل الهجوم عليه.

بدأت الحملة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة إسرائيل (BDS) حملتها على “ناس ديلي”، متهمة إياه بنشر التطبيع. 

من هنا كانت الحملة ضد الدحيح مبنية على الموقف من “ناس ديلي”، خصوصاً أن برنامج الدحيح انطلق في مرحلة لا تزال فيها تداعيات الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة ضد غزة وضد فلسطينيي الداخل حاضرة في الأذهان.

نصير ياسين (يمين) – أحمد الغندور أو الدحيح (يسار)

رحلة الدحيح

يقدم أحمد الغندور “الدحيح” برنامجه عبر شركة “ذا بوست أوفيس” المصرية بالقاهرة، التي تقوم بالتعاقدات مع منصات البث المختلفة، وتتولى الإنتاج بمراحله المختلفة: تكوين فريق الكتابة، والتصوير، والإخراج، والمونتاج، وما بعد الإنتاج، حتى تسليم النسخ النهائية من الحلقات. أدَّت ذلك الدور للمرة الأولى مع منصة “AJ+” التابعة لقناة الجزيرة، التي استغلت “الدحيح” لإثراء المشروع بالمتابعين والمشتركين والمشاهدين على منصاته المختلفة، وبالفعل استنزفت الدحيح وجمهوره لأبعد مدى ممكن، ليصبح الجمهور العربي الذي كان يتابعه مستهلكاً ومعرَّضاً لكافة الرسائل التي توجهّها المنصة القطرية.

ضاقت المنصة الشبابية بـ”الدحيح” لأسباب اقتصادية تتعلَّق بخصم من ميزانية “الجزيرة” ومنصاتها، أدَّى إلى مجزرة للموظفين بالشبكة، وتقليل ميزانية بعض مشروعاتها، طوال تلك الفترة، تلقى “الدحيح” هجوماً مستمراً لتعاونه مع شبكة القنوات القطرية الشهيرة حتى إنّ متابعيها، وأغلبهم من المنتمين لجماعة الإخوان والمقرَّبين منها، اعتبروا أحمد الغندور واحداً منهم، وحسبوه وجهاً إخوانياً مستتراً  يعمل لحساب قناة صديقة. 

روَّج لتلك الفكرة عدم ارتياح النظام السياسي المصري لـ”الدحيح”، فكان لا يهتم بأخباره أو نجاحه، ويتجاهل برنامجه، ولا يهتم برعايته أو دعوته للعمل ضمن القنوات المصرية التابعة للدولة أو حتى استضافته بها في أحد البرامج. 

لم يحصرْ “الدحيح” نفسه في تلك الخانة، لكن التكلفة الضخمة لبرنامجه لم تتحمَّلها سوى قناة “الجزيرة” قبل أن تضيق بها، فحصره النظام المصري في خانة الشاب الذي يخدم في “معسكر الأعداء”، فأصبح محسوباً على قطر ورجالها. لكن الدحيح لم يسلم من تهم مضادة حيث تعرض لهجوم شرس من البيئة الاخوانية المحيطة بالجزيرة بوصفه “ملحداً” كونه يقدم محتوى علمي يناقش نظريات التطور ونشأة الكون، ويعتقد أن الحملة ضد “الحاده” المفترض هو ما تسبب بابعاده عن الجزيرة.

الظهور الجديد لـ”الدحيح” على “نيو ميديا أكاديمي” الإماراتية وتحقيقه ملايين المشاهدات في ليلة واحدة وبأول حلقة فقط، استفز عدداً كبيراً من المحسوبين على معسكر “الجزيرة”، والمقصود هنا ليس العاملين بها فقط، بل المقصود هم متابعوها ومحبوها والمؤمنون بمواقفها السياسية، الذين دعموا الدحيح مراراً باعتباره ناشراً لرسالتهم قبل أن يفاجأوا به ينجح على منصة أخرى تابعة لدولة تتبنَّى مشروعاً سياسياً واجتماعياً مغايراً، فالإمارات هي العدو الأول لـ”إخوان مصر”، هي التي موَّلت عشرات المنصات والصحف والقنوات للتخلص من حكم الرئيس السابق محمد مرسي. 

إقرأوا أيضاً:

والأكاديمية الإماراتية تتجاهل اتهامات التطبيع

بحسب بيان “الدحيح”، فإن محتوى برنامجه لن يتغيَّر، ولن يتحول مع الوقت لأي شيء آخر، ولن يكونَ بوقاً إعلامياً لأي جهة، كما أنه لم يكن من قبل بوقاً لأي جهة، ولن يقدم محتوى تطبيعياً، وسيظل البرنامج علمياً، وهذا لن يتغيّر.

وهو ما يتماشى مع البيان الذي أصدرته “نيو ميديا أكاديمي” وتجاهلت فيه اتهامات التطبيع، وأكدَّت أنها انطلقت “بهدف إثراء المحتوى العربي على الإنترنت ودعم صناع مؤثرين إيجابيين وتدريب الشباب العرب على فنون صناعة المحتوى”، وأنها “استعانت بشركة ناس ديلي – ومقرها سنغافورة- لأشهر لتقديم برامج تدريبية، وانتهت العلاقة بين الكيانين قبل عام”. 

وشرح الغندور عبر صفحة برنامج “الدحيح” العلاقة السابقة بين “ناس ديلي” و”نيو ميديا أكاديمي”، بقوله: “المنصة تعليمية، ولا علاقة لها بـ(ناس ديلي)، لا تمويل ولا دعم ولا غيره، لكن بالفعل كانت هناك شراكة بين المنصتين لتدريس (كورس) صيفي، وانتهت تماماً العام الماضي، والحديث حول تمويل إحدى المنصتين للأخرى هو كلام خاطئ تماماً، وبناءً على هذه المعلومات، قررنا (أي فريق “الدحيح”) بدء التعامل معهم”.

رد الفعل الأول من الغندور يشي بتوقعه الهجوم مسبقاً، وعلمه بما كان بين “ناس ديلي” و”نيو ميديا أكاديمي” وهو ما جعل رد فعله أكثر ثباتاً، ويشي أيضاً بأنه كان مضطراً إلى تقديم برنامجه “المُجمَّد” في منصة تحوم حولها شبهات، حتى لو كانت ضعيفة أو كاذبة، وذلك لعدم وجود عروض أخرى، فلا توجد منصات قادرة على تحمل تكلفة برنامج “الدحيح” وأجور فريق العمل الضخمة، أو تريد التصدّي لمثل هذا النوع من المحتوى، ربما لعدم قدرته على جلب إعلانات تلفزيونية، حتى لو كان ناجحاً عبر السوشيال ميديا، وهو ما أثبتته تجربة “متحف الدحيح” على “شاهد”. 

لماذا لم يتهموه بالتطبيع خلال ظهوره على “الجزيرة”؟

تقلّب الدحيح بين الدول الثلاث التي تدعم الإعلام بالمال السياسي، قطر والسعودية ثم الإمارات، ولم تكن الإطلالة سوى عبر منصة جديدة تريد أن تصنع نجاحاً وانتشاراً سريعاً باستخدام جمهوره. 

الدكتور أحمد أنور، الباحث بالشأن الإسرائيلي يؤكِّد أن الدحيح كان يواجه ورطة إنتاجية دفعته إلى خوض تلك التجربة الجديدة، فلم يجد من ينتج له برنامجه من بين من يهاجمونه الآن. ويرى أنه “من الواضح أن المنصة مثيرة الجدل تستغل شخصيات مؤثرة من جيل الشباب لجذب الجمهور، ومن الصعب التفتيش في نية أحمد الغندور إن كان يوافق على التطبيع أم لا، لكن من الواضح أنه لم يهتم سوى بإنتاج برنامجه من جديد”.

ويشير أنور إلى كون مربط الفرس في الهجوم على الدحيح، هو أنه كان يظهر على منصة تابعة لقناة “الجزيرة”، التي رحبت بأفيخاي أدرعي المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي ضيفاً في مداخلاتها، ويضيف:  “والأفظع من ذلك، أن قطر هي أولى الدول التي استضافت مسؤولاً إسرائيلياً هو الرئيس الأسبق لإسرائيل، شيمون بيريز، وافتتح المكتب التجاري الإسرائيلي الجديد عام 1996″.

واللافت بحسب أنور، أن “أغلب من يتّهمون الدحيح بالتطبيع الآن، لم يلاحقونه بذلك الاتهام حين كان يعمل ضمن مؤسسة كبرى، تطبع بشكل شبه يومي عبر استضافة مسؤول بالجيش الإسرائيلي الذي يقتل الفلسطينيين”.

يلمح الباحث في الشؤون الإسرائيلية، إلى أن ما يحصل هو محاولة “ابتزاز” لأسباب مختلفة، أبرزها غضب جمهور المنصة القطرية من انتقاله إلى منصة جديدة في دولة أخرى تتبنى موقفاً مغايراً تماماً، وربما يصبح سلاحاً إعلامياً قوياً في يدِها. 

إقرأوا أيضاً:

تحوَّل التطبيع إلى اتهام جاهز لاغتيال الشخصيات العامة وصناع المحتوى والفنانين وكثيراً ما يستخدم في تصفية الحسابات السياسية، وتراشق الاتهامات بين الخصوم، فالإمارات تتهم قادة حركة “حماس” بالتطبيع، لأنهم يقيمون تنسيقاً أمنياً مع تل أبيب، و”حماس” تتهم أبو ظبي بالتطبيع لأنها ترتبط باتفاقية سلام مع إسرائيل، وقطر تتهم الجميع بالتطبيع، على رغم أنها تستضيف المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي على شاشة “الجزيرة” وهي أول من أدخلت مسؤولين إسرائيليين إلى البيوت العربية. 

تاهت حقيقة مصطلح “التطبيع” بين ركام ذلك التراشق.

ومع الاختلاف الواسع بينهما يبدو شخصين مثل بمثابة “فرصة” التقطتها ماكينات رأسمالية وسياسية متوحشة لتربح من وراء نجاحهم الفردي.

و الغندور كان في الأصل طالباً في الجامعة الأميركية في القاهرة، قدم محتوى علمياً على “يوتيوب” لينجح نجاحاً كبيراً، وتلتقطه منصة “AJ+”، ونصير كان طالباً في قسم هندسة الفضاء في جامعة “هارفارد”، جمع مبلغ 60 ألف دولار ليبدأ السفر حول العالم وإنتاج فيديوات. بدأ المشروع بسيطاً، وتضخَّم مع الوقت ليصبح من بين اليوتيوبرز الأشهر عربياً.

ويقول الباحث بالشؤون الإسرائيلية، إن الاثنين لا ينطبق عليهما التورط في التطبيع، لكونهما “لم يتعاملا بشكل مباشر مع المجتمع الإسرائيلي، ولم يصوّرا الحياة فيه باعتبارها جنة، أو ينتجا فيديوات إنسانية وحميمية من داخله”.

يكشف مصدر من داخل الشركة المنتجة لبرنامج “الدحيح” لـ”درج” أنّ الكثير من المنصات تهرَّبت من تمويل إنتاج البرنامج لعدم قدرته على تحقيق أرباح تغطي تكاليفه، ويردّ على دُعاة العودة إلى اليوتيوب لتقديم البرنامج وتمويله من أرباح منصات مشاركة الأرباح، بأن تلك المبالغ “غير قادرة على تغطية ربع تكاليف حلقة واحدة”.

ويعلق على شُبهة تطبيع “الدحيح” لارتباطه حالياً بأبو ظبي، قائلاً إن بعض المؤسسات الإماراتية تحاول، منذ سنوات، التعاقد مع البرنامج لعرضه عبر منصاتها الرقمية، وأبرزها كانت منصة تابعة مباشرةً لشركة مملوكة لحكومة أبو ظبي من بين الأوائل في صناعة الإعلام، لكن المفاوضات انتهت بالفشل. ويوضح: “كان ذلك قبل توقيع اتفاقية السلام وافتتاح ناس ديلي أحد مقراته في دبي، وتحديداً عام 2019”.

كانت الشركة المنتجة للدحيح تتقاضى مبلغاً خرافياً من إحدى المنصات التابعة لشبكة قنوات “الجزيرة”، فبدا، بالنسبة إلى الشركة الإماراتية، في ذلك الوقت، ما يطلبه فريق أحمد الغندور مبالغات مالية، لينتهي المشروع بالتأجيل والنسيان.

ويشير المصدر السابق إلى أن المؤسسات الإعلامية المصرية لم تكن طرفاً في أي مفاوضات أو طلبات لبثّ “الدحيح” عبر أي شاشة مصرية، وهو ما يفسِّر انقضاض بعض النشطاء الذين يحملون أجندات قومية على “الدحيح” واتهامه بالانحياز للإخوان، إلى جانب اتهامات أخرى، في سياق “الحرب الباردة” بين مصر ودول أخرى. هؤلاء النشطاء اعتادوا الهجوم على الدحيح، منذ سنوات، لعمله تحت شعار قناة تابعة لدولة معادية لمصر، وهي في هذه الحالة قطر، وليس لأنه يعمل في قناة مطبّعة، واستمر الهجوم حتى بعد انتقاله إلى الإمارات، ولم يكن لأنها دولة ترتبط مع إسرائيل باتفاقية سلام، وحسب، إنما لتفوقها على مصر إعلامياً في الوقت الراهن، ففي الحالتين كان النشطاء المصريون يهاجمون تفوّق دول أخرى، من الناحية الإعلامية، في صورة توجيه اتهامات لـ”الدحيح”.

إقرأوا أيضاً:

16.06.2021
زمن القراءة: 9 minutes

تقلّب الدحيح بين الدول الثلاث التي تدعم الإعلام بالمال السياسي، قطر والسعودية ثم الإمارات، ولم تكن الإطلالة سوى عبر منصة جديدة تريد أن تصنع نجاحاً وانتشاراً سريعاً باستخدام جمهوره.

“إحنا وصلنا لمرحلة إن المنصات الاعلامية الكبرى مدعومة بمال سياسي وده مسبب حال ضيق عند الجمهور فمنشوفه يعبر بحاجات زي (الهجوم) على الدحيح”، يختصر الكاتب الصحافي المصري أحمد ناجي السجال الحاد الذي سببه الظهور الأخير للـ”الدحيح” أو اليوتيوبر المصري المعروف أحمد الغندور، الذي يقدم فيديوهات علمية معرفية بأسلوب ساخر وجذاب لاقى نجاحاً واسعاً، حتى أن اسمه “الدحيح” مستمد من المجتهد والمثابر على التعلم. 

 لكن رغم الإقبال الكبير على متابعته، إلا أن الدحيح قوبل بموجة غاضبة ودعوات للمقاطعة، وهذه المرة ليس على خلفية اتهامات بالإلحاد كما حصل في السابق، بل هو اتهام بالتطبيع مع اسرائيل لأنه يبث الموسم الجديد من البرنامج من خلال المنصة الإماراتية “نيو ميديا أكاديمي”.

الموسم الحالي من “الدحيح” هو شهادة ميلاد جديدة بعد انتكاسة ألمَّت به وببرنامجه خلال فترة أمضاها في منصة “شاهد” السعودية الأشهر الماضية.  فقد خرج أحمد الغندور من تجربة لم تلق نجاحاً في برنامجه “متحف الدحيح” الذي اضطر فيه إلى تغيير “الفورمات” الذي اعتاده الجمهور لعرضه على منصة “شاهد” التابعة لمجموعة قنوات “أم بي سي”، ولا تتيح منتجاتها الإعلامية مجاناً، لكن “الدحيح” عاد إلى شكله القديم، والمنصات المجانية التي اعتاد بثّ برنامجه خلالها، وهذه المرة من بوابة “نيو ميديا أكاديمي”.

المعروف عن “نيو ميديا أكاديمي” أنها مشروع إماراتي حديث لإنتاج المحتوى وتدريب الشباب العربي على صناعته، افتتحه حاكم دبي، محمد بن راشد، ويقع مقره في أبراج الإمارات بدبي، الذي تعتبر أوساط إماراتية أن الهدف من إطلاق ذلك المشروع هو مواجهة منصات المحتوى المرئي الشبابية القطرية، وفي مقدمتها “AJ+”. 

في بدايتها، واجهت المنصة صعوبة في الانتشار، ولم يكن هناك حل سوى الاستعانة بـ”يوتيوبر” شهير لإنقاذها، فكان “الدحيح”.

الأكاديمية الإماراتية لم تحقق خلال عملها في مرحلة ما قبل الدحيح انتشاراً  يذكر، لكن ظهور الدحيح وخلال ساعات وأيام قليلة نقل القناة الى مكان آخر تماماً، فقد حققت نحو نصف مليون متابعة إضافية على “فايسبوك”، وأكثر من نصف مليون اشتراك (سبسكرايب) على قناتها في “يوتيوب”، إلى جانب شهرة خرافية، حتى إن الحلقة الأولى من موسم “الدحيح” الجديد حقَّقت ما يقارب 7 ملايين مشاهدة في يومين فقط.

قامت القيامة؛ فوجئ أحمد الغندور بحملات مستمرة تطارده وتتهمه بالتطبيع مع إسرائيل، على رغم أن موضوع حلقته الأولى هو “الملل“، وتصدر هاشتاغ “قاطع الدحيح“عدداً من الدول العربية.

عن هذا الواقع يقول ناجي أن الاتهامات والتخوين المتبادل سياق طبيعي طالما أنه في سياق سلمي، “الناس من حقها تختار وتقاطع أي محتوى وأي برنامج  وبشوف ده وسيلة سلمية جدا، وبالنسبة للدحيح أنا مش من جمهوره لكن أقدر ما يعمله وهو يقدم محتوى فريد ومحتاجينه في الانترنت العربي”. 

هنا يأتي المال السياسي كعقبة اساسية تجاه صناع المحتوى كما يرى متابعون وبحسبهم فإن الدحيح كما غيره من قبل يدفع ثمن التسييس الكبير لمنصات ووسائل الاعلام الكبرى في المنطقة.

تحوَّل التطبيع إلى اتهام جاهز لاغتيال الشخصيات العامة وصناع المحتوى والفنانين وكثيراً ما يستخدم في تصفية الحسابات السياسية، وتراشق الاتهامات بين الخصوم، فالإمارات تتهم قادة حركة “حماس” بالتطبيع، لأنهم يقيمون تنسيقاً أمنياً مع تل أبيب، و”حماس” تتهم أبو ظبي بالتطبيع لأنها ترتبط باتفاقية سلام مع إسرائيل، وقطر تتهم الجميع بالتطبيع، على رغم أنها تستضيف المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي على شاشة “الجزيرة” وهي أول من أدخلت مسؤولين إسرائيليين إلى البيوت العربية. 

نصير ياسين ايضا

استعانت “نيو ميديا أكاديمي” تزامناً مع انطلاقها بعدد من خبراء صناعة المحتوى العرب والأجانب لتقديم برامج تدريبية، وكان نصير ياسين واحداً منهم. 

ونشرت وكالة الأنباء الإماراتية “وام” أنّ الأكاديمية تطلق دورات لرواية القصص من خلال الفيديو بالتعاون مع أكاديمية “ناس”، التي يملكها ويديرها “نصير”، ونصير هو شاب فلسطيني الأصل من “عرب 48” ولد في قرية “عرابة” الفلسطينية، وأنشأ شركة لصناعة المحتوى في سنغافورة وبدأ يقدم محتوى مرئي باللغة الإنكليزية من رحلاته بأنحاء العالم.

تفرَّعت من شركة “ناس ديلي” أكاديمية ترعى صناع المحتوى العرب، ولأجل مشروعه الجديد، أنشأ “ناس” فرعاً جديداً في دبي، حيث جذب مجموعة من صناع المحتوى من بلدان عدة، لنشر المحتوى تحت مظلة “ناس نيوز العربية“.

بدا محتوى نصير جذاباً لكثيرين، لكنه وقع في فخ تمرير رسائل ملتبسة بشأن الحق الفلسطيني على نحو بدا انحيازاً للرواية الإسرائيلية أو ما يدور في فلكها، وهذا الأمر سهل الهجوم عليه.

بدأت الحملة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة إسرائيل (BDS) حملتها على “ناس ديلي”، متهمة إياه بنشر التطبيع. 

من هنا كانت الحملة ضد الدحيح مبنية على الموقف من “ناس ديلي”، خصوصاً أن برنامج الدحيح انطلق في مرحلة لا تزال فيها تداعيات الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة ضد غزة وضد فلسطينيي الداخل حاضرة في الأذهان.

نصير ياسين (يمين) – أحمد الغندور أو الدحيح (يسار)

رحلة الدحيح

يقدم أحمد الغندور “الدحيح” برنامجه عبر شركة “ذا بوست أوفيس” المصرية بالقاهرة، التي تقوم بالتعاقدات مع منصات البث المختلفة، وتتولى الإنتاج بمراحله المختلفة: تكوين فريق الكتابة، والتصوير، والإخراج، والمونتاج، وما بعد الإنتاج، حتى تسليم النسخ النهائية من الحلقات. أدَّت ذلك الدور للمرة الأولى مع منصة “AJ+” التابعة لقناة الجزيرة، التي استغلت “الدحيح” لإثراء المشروع بالمتابعين والمشتركين والمشاهدين على منصاته المختلفة، وبالفعل استنزفت الدحيح وجمهوره لأبعد مدى ممكن، ليصبح الجمهور العربي الذي كان يتابعه مستهلكاً ومعرَّضاً لكافة الرسائل التي توجهّها المنصة القطرية.

ضاقت المنصة الشبابية بـ”الدحيح” لأسباب اقتصادية تتعلَّق بخصم من ميزانية “الجزيرة” ومنصاتها، أدَّى إلى مجزرة للموظفين بالشبكة، وتقليل ميزانية بعض مشروعاتها، طوال تلك الفترة، تلقى “الدحيح” هجوماً مستمراً لتعاونه مع شبكة القنوات القطرية الشهيرة حتى إنّ متابعيها، وأغلبهم من المنتمين لجماعة الإخوان والمقرَّبين منها، اعتبروا أحمد الغندور واحداً منهم، وحسبوه وجهاً إخوانياً مستتراً  يعمل لحساب قناة صديقة. 

روَّج لتلك الفكرة عدم ارتياح النظام السياسي المصري لـ”الدحيح”، فكان لا يهتم بأخباره أو نجاحه، ويتجاهل برنامجه، ولا يهتم برعايته أو دعوته للعمل ضمن القنوات المصرية التابعة للدولة أو حتى استضافته بها في أحد البرامج. 

لم يحصرْ “الدحيح” نفسه في تلك الخانة، لكن التكلفة الضخمة لبرنامجه لم تتحمَّلها سوى قناة “الجزيرة” قبل أن تضيق بها، فحصره النظام المصري في خانة الشاب الذي يخدم في “معسكر الأعداء”، فأصبح محسوباً على قطر ورجالها. لكن الدحيح لم يسلم من تهم مضادة حيث تعرض لهجوم شرس من البيئة الاخوانية المحيطة بالجزيرة بوصفه “ملحداً” كونه يقدم محتوى علمي يناقش نظريات التطور ونشأة الكون، ويعتقد أن الحملة ضد “الحاده” المفترض هو ما تسبب بابعاده عن الجزيرة.

الظهور الجديد لـ”الدحيح” على “نيو ميديا أكاديمي” الإماراتية وتحقيقه ملايين المشاهدات في ليلة واحدة وبأول حلقة فقط، استفز عدداً كبيراً من المحسوبين على معسكر “الجزيرة”، والمقصود هنا ليس العاملين بها فقط، بل المقصود هم متابعوها ومحبوها والمؤمنون بمواقفها السياسية، الذين دعموا الدحيح مراراً باعتباره ناشراً لرسالتهم قبل أن يفاجأوا به ينجح على منصة أخرى تابعة لدولة تتبنَّى مشروعاً سياسياً واجتماعياً مغايراً، فالإمارات هي العدو الأول لـ”إخوان مصر”، هي التي موَّلت عشرات المنصات والصحف والقنوات للتخلص من حكم الرئيس السابق محمد مرسي. 

إقرأوا أيضاً:

والأكاديمية الإماراتية تتجاهل اتهامات التطبيع

بحسب بيان “الدحيح”، فإن محتوى برنامجه لن يتغيَّر، ولن يتحول مع الوقت لأي شيء آخر، ولن يكونَ بوقاً إعلامياً لأي جهة، كما أنه لم يكن من قبل بوقاً لأي جهة، ولن يقدم محتوى تطبيعياً، وسيظل البرنامج علمياً، وهذا لن يتغيّر.

وهو ما يتماشى مع البيان الذي أصدرته “نيو ميديا أكاديمي” وتجاهلت فيه اتهامات التطبيع، وأكدَّت أنها انطلقت “بهدف إثراء المحتوى العربي على الإنترنت ودعم صناع مؤثرين إيجابيين وتدريب الشباب العرب على فنون صناعة المحتوى”، وأنها “استعانت بشركة ناس ديلي – ومقرها سنغافورة- لأشهر لتقديم برامج تدريبية، وانتهت العلاقة بين الكيانين قبل عام”. 

وشرح الغندور عبر صفحة برنامج “الدحيح” العلاقة السابقة بين “ناس ديلي” و”نيو ميديا أكاديمي”، بقوله: “المنصة تعليمية، ولا علاقة لها بـ(ناس ديلي)، لا تمويل ولا دعم ولا غيره، لكن بالفعل كانت هناك شراكة بين المنصتين لتدريس (كورس) صيفي، وانتهت تماماً العام الماضي، والحديث حول تمويل إحدى المنصتين للأخرى هو كلام خاطئ تماماً، وبناءً على هذه المعلومات، قررنا (أي فريق “الدحيح”) بدء التعامل معهم”.

رد الفعل الأول من الغندور يشي بتوقعه الهجوم مسبقاً، وعلمه بما كان بين “ناس ديلي” و”نيو ميديا أكاديمي” وهو ما جعل رد فعله أكثر ثباتاً، ويشي أيضاً بأنه كان مضطراً إلى تقديم برنامجه “المُجمَّد” في منصة تحوم حولها شبهات، حتى لو كانت ضعيفة أو كاذبة، وذلك لعدم وجود عروض أخرى، فلا توجد منصات قادرة على تحمل تكلفة برنامج “الدحيح” وأجور فريق العمل الضخمة، أو تريد التصدّي لمثل هذا النوع من المحتوى، ربما لعدم قدرته على جلب إعلانات تلفزيونية، حتى لو كان ناجحاً عبر السوشيال ميديا، وهو ما أثبتته تجربة “متحف الدحيح” على “شاهد”. 

لماذا لم يتهموه بالتطبيع خلال ظهوره على “الجزيرة”؟

تقلّب الدحيح بين الدول الثلاث التي تدعم الإعلام بالمال السياسي، قطر والسعودية ثم الإمارات، ولم تكن الإطلالة سوى عبر منصة جديدة تريد أن تصنع نجاحاً وانتشاراً سريعاً باستخدام جمهوره. 

الدكتور أحمد أنور، الباحث بالشأن الإسرائيلي يؤكِّد أن الدحيح كان يواجه ورطة إنتاجية دفعته إلى خوض تلك التجربة الجديدة، فلم يجد من ينتج له برنامجه من بين من يهاجمونه الآن. ويرى أنه “من الواضح أن المنصة مثيرة الجدل تستغل شخصيات مؤثرة من جيل الشباب لجذب الجمهور، ومن الصعب التفتيش في نية أحمد الغندور إن كان يوافق على التطبيع أم لا، لكن من الواضح أنه لم يهتم سوى بإنتاج برنامجه من جديد”.

ويشير أنور إلى كون مربط الفرس في الهجوم على الدحيح، هو أنه كان يظهر على منصة تابعة لقناة “الجزيرة”، التي رحبت بأفيخاي أدرعي المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي ضيفاً في مداخلاتها، ويضيف:  “والأفظع من ذلك، أن قطر هي أولى الدول التي استضافت مسؤولاً إسرائيلياً هو الرئيس الأسبق لإسرائيل، شيمون بيريز، وافتتح المكتب التجاري الإسرائيلي الجديد عام 1996″.

واللافت بحسب أنور، أن “أغلب من يتّهمون الدحيح بالتطبيع الآن، لم يلاحقونه بذلك الاتهام حين كان يعمل ضمن مؤسسة كبرى، تطبع بشكل شبه يومي عبر استضافة مسؤول بالجيش الإسرائيلي الذي يقتل الفلسطينيين”.

يلمح الباحث في الشؤون الإسرائيلية، إلى أن ما يحصل هو محاولة “ابتزاز” لأسباب مختلفة، أبرزها غضب جمهور المنصة القطرية من انتقاله إلى منصة جديدة في دولة أخرى تتبنى موقفاً مغايراً تماماً، وربما يصبح سلاحاً إعلامياً قوياً في يدِها. 

إقرأوا أيضاً:

تحوَّل التطبيع إلى اتهام جاهز لاغتيال الشخصيات العامة وصناع المحتوى والفنانين وكثيراً ما يستخدم في تصفية الحسابات السياسية، وتراشق الاتهامات بين الخصوم، فالإمارات تتهم قادة حركة “حماس” بالتطبيع، لأنهم يقيمون تنسيقاً أمنياً مع تل أبيب، و”حماس” تتهم أبو ظبي بالتطبيع لأنها ترتبط باتفاقية سلام مع إسرائيل، وقطر تتهم الجميع بالتطبيع، على رغم أنها تستضيف المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي على شاشة “الجزيرة” وهي أول من أدخلت مسؤولين إسرائيليين إلى البيوت العربية. 

تاهت حقيقة مصطلح “التطبيع” بين ركام ذلك التراشق.

ومع الاختلاف الواسع بينهما يبدو شخصين مثل بمثابة “فرصة” التقطتها ماكينات رأسمالية وسياسية متوحشة لتربح من وراء نجاحهم الفردي.

و الغندور كان في الأصل طالباً في الجامعة الأميركية في القاهرة، قدم محتوى علمياً على “يوتيوب” لينجح نجاحاً كبيراً، وتلتقطه منصة “AJ+”، ونصير كان طالباً في قسم هندسة الفضاء في جامعة “هارفارد”، جمع مبلغ 60 ألف دولار ليبدأ السفر حول العالم وإنتاج فيديوات. بدأ المشروع بسيطاً، وتضخَّم مع الوقت ليصبح من بين اليوتيوبرز الأشهر عربياً.

ويقول الباحث بالشؤون الإسرائيلية، إن الاثنين لا ينطبق عليهما التورط في التطبيع، لكونهما “لم يتعاملا بشكل مباشر مع المجتمع الإسرائيلي، ولم يصوّرا الحياة فيه باعتبارها جنة، أو ينتجا فيديوات إنسانية وحميمية من داخله”.

يكشف مصدر من داخل الشركة المنتجة لبرنامج “الدحيح” لـ”درج” أنّ الكثير من المنصات تهرَّبت من تمويل إنتاج البرنامج لعدم قدرته على تحقيق أرباح تغطي تكاليفه، ويردّ على دُعاة العودة إلى اليوتيوب لتقديم البرنامج وتمويله من أرباح منصات مشاركة الأرباح، بأن تلك المبالغ “غير قادرة على تغطية ربع تكاليف حلقة واحدة”.

ويعلق على شُبهة تطبيع “الدحيح” لارتباطه حالياً بأبو ظبي، قائلاً إن بعض المؤسسات الإماراتية تحاول، منذ سنوات، التعاقد مع البرنامج لعرضه عبر منصاتها الرقمية، وأبرزها كانت منصة تابعة مباشرةً لشركة مملوكة لحكومة أبو ظبي من بين الأوائل في صناعة الإعلام، لكن المفاوضات انتهت بالفشل. ويوضح: “كان ذلك قبل توقيع اتفاقية السلام وافتتاح ناس ديلي أحد مقراته في دبي، وتحديداً عام 2019”.

كانت الشركة المنتجة للدحيح تتقاضى مبلغاً خرافياً من إحدى المنصات التابعة لشبكة قنوات “الجزيرة”، فبدا، بالنسبة إلى الشركة الإماراتية، في ذلك الوقت، ما يطلبه فريق أحمد الغندور مبالغات مالية، لينتهي المشروع بالتأجيل والنسيان.

ويشير المصدر السابق إلى أن المؤسسات الإعلامية المصرية لم تكن طرفاً في أي مفاوضات أو طلبات لبثّ “الدحيح” عبر أي شاشة مصرية، وهو ما يفسِّر انقضاض بعض النشطاء الذين يحملون أجندات قومية على “الدحيح” واتهامه بالانحياز للإخوان، إلى جانب اتهامات أخرى، في سياق “الحرب الباردة” بين مصر ودول أخرى. هؤلاء النشطاء اعتادوا الهجوم على الدحيح، منذ سنوات، لعمله تحت شعار قناة تابعة لدولة معادية لمصر، وهي في هذه الحالة قطر، وليس لأنه يعمل في قناة مطبّعة، واستمر الهجوم حتى بعد انتقاله إلى الإمارات، ولم يكن لأنها دولة ترتبط مع إسرائيل باتفاقية سلام، وحسب، إنما لتفوقها على مصر إعلامياً في الوقت الراهن، ففي الحالتين كان النشطاء المصريون يهاجمون تفوّق دول أخرى، من الناحية الإعلامية، في صورة توجيه اتهامات لـ”الدحيح”.

إقرأوا أيضاً: