انسحب، قبل فترة وجيزة، نواب من حزب الرئيس، إيمانويل ماكرون، من جلسة في البرلمان الفرنسي، اعتراضاً على استضافة الطالبة المحجبة ونائبة رئيس الاتحاد الوطني لطلبة فرنسا في جامعة السوربون، مريم بوجيتو (21 سنة). وبررت إحدى المنسحبات خطوتها، بأن “الحجاب” رمز للخضوع، وكونها “مدافعة عن حقوق المرأة والقيم العلمانية”، لا يمكنها “قبول شخص يرتدي الحجاب في الاجتماع”. والحال فإن تبرير النائبة يجعل الحجاب عنصراً مركزياً في التعامل مع الفتاة، ويغفل سياقات اندماجها في المجتمع الفرنسي بدلالة موقعها والمكان الذي أتت للحديث فيه، أي البرلمان.
بين التنميطين، يمنع على المحجبة خوض تجربة ذاتية، تخفف من “الديني” وتنفتح على “الثقافي”، بحيث يصبح الحجاب، مجرد علامة ثقافية، لا علامة حاسمة للهوية تحول دون الاندماج والصعود الاجتماعي.
علامة “الخضوع” في نظر النائبة، تنتمي إلى منظومة دينية تُقرَأ بمنظور علماني، وهو ما يصعب إسقاطه على كل الفتيات، وتنميط تجاربهن، بحيث تصبح أي محجبة في الغرب “خاضعة”، بصرف النظر عن اندماجها ودرجة وعيها وتفاوت علاقتها وفهمها الدين نفسه. فارتداء الحجاب بالنسبة إلى فتاة مثل بوجيتو، يحتمل، دلالة تتعلق بالهوية الثقافية، أي العلامة هنا تحيل إلى ما هو ثقافي، أكثر من كونها عنصراً في منظومة دينية ويُنظَر إليها بمنظور علماني. بمعنى أن للحجاب سياقاً غربياً، فالأديان تغلّب بعدها الثقافي، وتحتفظ برموزها، منخرطة في مسار اندماجي. صحيح أن الإسلام لا ينطبق عليه هذا المخاض بفعل ممانعة صلبة تجاه البيئات الغربية التي يكون فيها، لكن هذا لا يمنع من خوض المسلمين والمسلمات التجربة كأفراد، بحيث يكتسب كل عنصر من العناصر الدينية لديهم، بعداً جديداً، متخففاً من التصلب الحضاري وأكثر تقبلاً لما هو مختلف ومغاير.
والمفارقة أن الغضب والسخط الإسلامي العربي، الذي تسببت به الحادثة، أغفل قيام النائبة الفرنسية المنسحبة، بتجريد مريم من تجربتها، كمحجبة في الغرب، وتنميطها ضمن فهم محدد للمنظومة الدينية، واستسهل الغاضبون ترداد كليشيهات حول العنصرية ضد المسلمين واستهداف الدين واستمرار الإسلاموفوبيا وتناقض الغرب ونفاقه، في مسألة حرية التعبير وتقبل الآخر. والإغفال ليس سوى تنميط جديد لمريم، يحيلها هذه المرة إلى المنظومة الدينية الإسلامية، بمفعول إيجابي لا سلبي على طريقة النائبة المنسحبة، فما وجدته، الأخيرة علامة “خضوع” هو في عرف الغاضبين، “فريضة”، وجب الالتزام بها ضمن ترتيب عقائدي، غير معني بالزمان والمكان والبيئة الثقافية، وغير معني بعقد تسويات مع قيم جديدة، تفضي إلى اندماج نسبي يقلل من التوتر ويسمح بالانخراط في أدوار مجتمعية.
هذا التنميط الذي يجعل المحجبة في الغرب، رهن تطبيق متصلب لعقيدتها، ويحول دون خوضها تجارب وممارستها أدواراً، تكشف بوضوح، في تعاطي الرأي العام العربي والإسلامي، مع حادثة أخرى تتعلق بمحجبة إسبانية من أصول مغربية. فدعاء ميسون، التي تعمل موظفة في إحدى البلديات، أشرفت على زواج بين فتاتين مثليتين، ما أثار ردود فعل عنيفة ضدها لا سيما في بلدها المغرب، إذ اعتبر كثر أن ما قامت به يتناقض مع حجابها وعقيدتها الإسلامية.
في المحصّلة، محجبات الغرب محاصرات بين يمين، ينمّطهن في عقيدة دينية بمفعول سلبي، طبقاً لحالة بوجيتو، وبين إسلام عربي ينمّطهن في عقيدة دينية بمفعول إيجابي، طبقاً لحالة ميسون، وبين التنميطين، يمنع على المحجبة خوض تجربة ذاتية، تخفف من “الديني” وتنفتح على “الثقافي”، بحيث يصبح الحجاب، مجرد علامة ثقافية، لا علامة حاسمة للهوية تحول دون الاندماج والصعود الاجتماعي.