fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

محرك الدمى القاتلة الإيراني : كيف بات قاسم سليماني شخصية بالغة الخطورة؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في هذه الأيام، ما زال يعمل بعيداً من الأضواء. لقد نضج سليماني وتحول من قائد عسكري إلى سيد يحرك الدمى القاتلة، معتمداً على ذكاء هادئ وعزم لتعزيز نفوذ إيران الدولي في المنطقة. احترم حلفاؤه ذكاءه وفعاليته والتزامه تجاه بلاده وأدانه منتقدوه بالقدر ذاته.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]


إن القرار بعدم التصرف والامتناع عن اتخاذ موقف، يعد الأصعب على الإطلاق، وهو ليس قراراً صائباً على الدوام. عام 2007، شاهدت موكباً من السيارات، من إيران إلى شمال العراق. كنت حينها أرأس قيادة العمليات الخاصة المشتركة (JSOC)، لمدة 4 سنوات في العراق، في سبيل وقف انتشار الإرهاب الذي دمر المنطقة، والسعي إلى القضاء عليه، وكنت اعتدت على اتخاذ قرارات صعبة، حتى وإن بدت الخيارات عسيرة. ولكن في إحدى ليالي كانون الثاني/ يناير، كان الاختيار شديد الصعوبة؛ سواء بالتريث أو بشن هجوم على إحدى القوافل التي تضم قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني، وهي وحدة قوات خاصة للحرس الثوري الإيراني مماثلة تقريباً لمزيج من CIA وJSOC في الولايات المتحدة.

كان هناك سبب وجيه لاغتيال سليماني. وهو أن القنابل الإيرانية الصنع، المزروعة على جانبي الطريق، كانت تصنع وتوزع بأمره آنذاك، كما كانت تحصد أرواح جنود أميركيين كثيرين، في جميع أنحاء العراق. فقررت أن أراقب القافلة وألّا أهاجمها مباشرةً، وهذا لتجنب اندلاع معركة قتالية، وما سيترتب عليها من مواقف سياسية مثيرة للجدل. وفي الوقت الذي وصلت فيه القافلة إلى إربيل، اختفى سليماني وانْسَلَّ بعيداً في الظلام.

في هذه الأيام، ما زال يعمل بعيداً من الأضواء. لقد نضج سليماني وتحول من قائد عسكري إلى سيد يحرك الدمى القاتلة، معتمداً على ذكاء هادئ وعزم لتعزيز نفوذ إيران الدولي في المنطقة. احترم حلفاؤه ذكاءه وفعاليته والتزامه تجاه بلاده وأدانه منتقدوه بالقدر ذاته. إلا أن ما يبدو أن الجميع متفق عليه، هو أن جهود القائد المستمرة، ساعدت في توجيه السياسة الخارجية الإيرانية طوال عقود، ولا يمكن إنكار ما حققه من نجاحات في ميدان القتال. ويمكن القول إن سليماني صار اليوم الممثل الحر والأكثر قوة لإيران في الشرق الأوسط. وأفاد مسؤولون في وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون”، بأن سليماني هو من يدير بمفرده الحرب الأهلية السورية (عبر وكلاء محليين من إيران).

إن المكانة البارزة التي حققها سليماني، معسول الكلام، كانت لافتة للنظر بصورة خاصة بسبب أصوله. إذ وُلد فقيراً في جبال شرق إيران، وأظهر إصراراً وصلابة مدهشة في سن مبكرة، على رغم الظروف المضنية. عندما عجز والده عن سداد الديون، عمل سليماني – البالغ من العمر 13 عاماً- على سدادها بنفسه. وأمضى وقت فراغه في رفع الأثقال وحضور الخطب التي ألقاها أحد تلاميذ المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، آية الله علي خامنئي. كما كان مفتوناً بالثورة الإيرانية كشاب. وعام 1979، حين بلغ الـ22 من عمره، بدأ رحلة صعوده من خلال الجيش الإيراني، إذ تلقى 6 أسابيع فقط من التدريب التكتيكي قبل أن يشهد معركة للمرة الأولى في محافظة آذربيجان الغربية في إيران. إنه بالفعل ابن الحرب العراقية – الإيرانية التي اندلعت بعدها بعام. تمخضت هذه الحرب الدامية عن بطل للمهمات الصعبة التي تولاها عبر حدود العراق، لكن الأهم هو بروزه كقائد ثابت الخطوة وواثق من نفسه.

لم يعد سليماني مجرد جندي؛ وإنما أصبح خبيراً استراتيجياً وعملياً. و ظل يعمل، بلا هوادة وعلى حساب كل شيء آخر، على إقامة علاقات دائمة من شأنها أن تعزز موقف إيران في المنطقة. لم يتمكن أي شخص آخر من تحقيق نجاح مماثل، لما حققه سليماني في تمكين حلفاء إيران الشيعة في بلاد الشام، والتوفيق بينهم. كما أوقفَ فعلياً دفاعُه المستميت عن الرئيس السوري بشار الأسد، أي تقدّم من قبل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وغيره من الجماعات المتمردة، وكفل بقاء الأسد في السلطة في ظل تحالفه القوي مع إيران.

ربما أكثر الأمور اللافتة للنظر، هو توسع قدرات فيلق القدس تحت قيادة سليماني بقدر كبير، التي حولت نزعته العملية الذكية لتكون ذات تأثير قوي ورئيسي في المجالات الاستخباراتية والمالية والسياسية خارج حدود إيران.

ومع ذلك، لن يكون من الحكمة دراسة نجاح سليماني من دون وضعه في إطار جيوسياسي أشمل. فهو قائد إيراني فريد من نوعه، وهو نتاج واضح لتوقعات البلاد ما بعد ثورة 1979. كما أن تقييمه الموسَّع للمصالح والحقوق الإيرانية يطابق تلك المشتركة بين النخب الإيرانية. إن ممانعة إيران ومقاومتها تدخل الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، هي نتيجة مباشرة لتورط الولايات المتحدة في الحرب الإيرانية – العراقية، التي تطورت خلالها نظرة سليماني للعالم. ولكن قبل كل شيء، فإن ما يحرك سليماني هي النزعة القومية المتقدة، والتي تعد شريان حياة المواطنين والقيادات الإيرانية.
ترجع إنجازات سليماني، إلى حد كبير، لاتباع بلاده نهجاً طويل الأجل، في ما يخص السياسة الخارجية. وفي حين تميل الولايات المتحدة إلى عدم الاتساق في استجابتها للشؤون الدولية، تتسق أهداف إيران وتدابيرها بصورة مذهلة.
من بين العوامل المهمة الأخرى في استمراره على رأس فيلق القدس، والتي أحكم السيطرة عليها عام 1998، أنه كناتج عرضي للبيئة السياسية المعقدة في إيران، تمتع سليماني بحرّية التصرّف والعمل على مدى فترة زمنية طويلة، الأمر الذي يحسده عليه كثيرون من الخبراء العسكريين والاستخباراتيين الأميركيين. يرجع هذا لأن قوة القائد تكمن في أعين الآخرين وتنبع من نظرتهم إليه في آخر المطاف، وتزداد بسبب الاحتمالية المتصورة للسلطة في المستقبل، الأمر الذي مكّن سليماني من التصرف بصدقية أكبر، مما لو كان ينظر إليه على أنه قائد (أو لاعب) موقت.

‏إذاً من هذا المنطلق، فإن نجاح سليماني مدفوع بكل من موهبته واستمرارية فترة ولايته في مراكز السلطة. لا يمكن لقائد كهذا أن يوجد في الولايات المتحدة اليوم. لا يسمح الأميركيون للقادة والعسكريين أو غيرهم بالبقاء في المناصب الرفيعة المستوى عقوداً. وثمة أسباب سياسية وتجريبية لذلك. ليس مذ أتاح جي إدغار هوفر للحكومة الاتحادية فرصة السماح لموظف حكومي قديم بأن يحشد هذه المستويات من النفوذ الغامض.
وعلى رغم غيرتي “المبدئية” من حرية سليماني وقدرته، على إنجاز الأمور بسرعة، إلّا أنني أعتقد أن هذا التحفظ (الذي يعيق بقاء ذوي المناصب الرفيعة في أماكنهم لعقود) هو قوة النظام السياسي الأميركي. ويمكن استخدام عقلية عملية ومتحمسة، إذا لم يُكبح جماحها، كقوة للخير، لكن إذا ما سُخّرت لخدمة المصالح أو القيم الخاطئة، قد تغدو العواقب وخيمة. إن سليماني شخصية بالغة الخطورة. وهو أيضاً في موقع فريد يُؤهله لتشكيل مستقبل الشرق الأوسط.

 

ستانلي ماكريستال

هذا المقال مترجم عن foreignpolicy.com ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط التالي.

 

06.02.2019
زمن القراءة: 5 minutes

في هذه الأيام، ما زال يعمل بعيداً من الأضواء. لقد نضج سليماني وتحول من قائد عسكري إلى سيد يحرك الدمى القاتلة، معتمداً على ذكاء هادئ وعزم لتعزيز نفوذ إيران الدولي في المنطقة. احترم حلفاؤه ذكاءه وفعاليته والتزامه تجاه بلاده وأدانه منتقدوه بالقدر ذاته.


إن القرار بعدم التصرف والامتناع عن اتخاذ موقف، يعد الأصعب على الإطلاق، وهو ليس قراراً صائباً على الدوام. عام 2007، شاهدت موكباً من السيارات، من إيران إلى شمال العراق. كنت حينها أرأس قيادة العمليات الخاصة المشتركة (JSOC)، لمدة 4 سنوات في العراق، في سبيل وقف انتشار الإرهاب الذي دمر المنطقة، والسعي إلى القضاء عليه، وكنت اعتدت على اتخاذ قرارات صعبة، حتى وإن بدت الخيارات عسيرة. ولكن في إحدى ليالي كانون الثاني/ يناير، كان الاختيار شديد الصعوبة؛ سواء بالتريث أو بشن هجوم على إحدى القوافل التي تضم قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني، وهي وحدة قوات خاصة للحرس الثوري الإيراني مماثلة تقريباً لمزيج من CIA وJSOC في الولايات المتحدة.

كان هناك سبب وجيه لاغتيال سليماني. وهو أن القنابل الإيرانية الصنع، المزروعة على جانبي الطريق، كانت تصنع وتوزع بأمره آنذاك، كما كانت تحصد أرواح جنود أميركيين كثيرين، في جميع أنحاء العراق. فقررت أن أراقب القافلة وألّا أهاجمها مباشرةً، وهذا لتجنب اندلاع معركة قتالية، وما سيترتب عليها من مواقف سياسية مثيرة للجدل. وفي الوقت الذي وصلت فيه القافلة إلى إربيل، اختفى سليماني وانْسَلَّ بعيداً في الظلام.

في هذه الأيام، ما زال يعمل بعيداً من الأضواء. لقد نضج سليماني وتحول من قائد عسكري إلى سيد يحرك الدمى القاتلة، معتمداً على ذكاء هادئ وعزم لتعزيز نفوذ إيران الدولي في المنطقة. احترم حلفاؤه ذكاءه وفعاليته والتزامه تجاه بلاده وأدانه منتقدوه بالقدر ذاته. إلا أن ما يبدو أن الجميع متفق عليه، هو أن جهود القائد المستمرة، ساعدت في توجيه السياسة الخارجية الإيرانية طوال عقود، ولا يمكن إنكار ما حققه من نجاحات في ميدان القتال. ويمكن القول إن سليماني صار اليوم الممثل الحر والأكثر قوة لإيران في الشرق الأوسط. وأفاد مسؤولون في وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون”، بأن سليماني هو من يدير بمفرده الحرب الأهلية السورية (عبر وكلاء محليين من إيران).

إن المكانة البارزة التي حققها سليماني، معسول الكلام، كانت لافتة للنظر بصورة خاصة بسبب أصوله. إذ وُلد فقيراً في جبال شرق إيران، وأظهر إصراراً وصلابة مدهشة في سن مبكرة، على رغم الظروف المضنية. عندما عجز والده عن سداد الديون، عمل سليماني – البالغ من العمر 13 عاماً- على سدادها بنفسه. وأمضى وقت فراغه في رفع الأثقال وحضور الخطب التي ألقاها أحد تلاميذ المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، آية الله علي خامنئي. كما كان مفتوناً بالثورة الإيرانية كشاب. وعام 1979، حين بلغ الـ22 من عمره، بدأ رحلة صعوده من خلال الجيش الإيراني، إذ تلقى 6 أسابيع فقط من التدريب التكتيكي قبل أن يشهد معركة للمرة الأولى في محافظة آذربيجان الغربية في إيران. إنه بالفعل ابن الحرب العراقية – الإيرانية التي اندلعت بعدها بعام. تمخضت هذه الحرب الدامية عن بطل للمهمات الصعبة التي تولاها عبر حدود العراق، لكن الأهم هو بروزه كقائد ثابت الخطوة وواثق من نفسه.

لم يعد سليماني مجرد جندي؛ وإنما أصبح خبيراً استراتيجياً وعملياً. و ظل يعمل، بلا هوادة وعلى حساب كل شيء آخر، على إقامة علاقات دائمة من شأنها أن تعزز موقف إيران في المنطقة. لم يتمكن أي شخص آخر من تحقيق نجاح مماثل، لما حققه سليماني في تمكين حلفاء إيران الشيعة في بلاد الشام، والتوفيق بينهم. كما أوقفَ فعلياً دفاعُه المستميت عن الرئيس السوري بشار الأسد، أي تقدّم من قبل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وغيره من الجماعات المتمردة، وكفل بقاء الأسد في السلطة في ظل تحالفه القوي مع إيران.

ربما أكثر الأمور اللافتة للنظر، هو توسع قدرات فيلق القدس تحت قيادة سليماني بقدر كبير، التي حولت نزعته العملية الذكية لتكون ذات تأثير قوي ورئيسي في المجالات الاستخباراتية والمالية والسياسية خارج حدود إيران.

ومع ذلك، لن يكون من الحكمة دراسة نجاح سليماني من دون وضعه في إطار جيوسياسي أشمل. فهو قائد إيراني فريد من نوعه، وهو نتاج واضح لتوقعات البلاد ما بعد ثورة 1979. كما أن تقييمه الموسَّع للمصالح والحقوق الإيرانية يطابق تلك المشتركة بين النخب الإيرانية. إن ممانعة إيران ومقاومتها تدخل الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، هي نتيجة مباشرة لتورط الولايات المتحدة في الحرب الإيرانية – العراقية، التي تطورت خلالها نظرة سليماني للعالم. ولكن قبل كل شيء، فإن ما يحرك سليماني هي النزعة القومية المتقدة، والتي تعد شريان حياة المواطنين والقيادات الإيرانية.
ترجع إنجازات سليماني، إلى حد كبير، لاتباع بلاده نهجاً طويل الأجل، في ما يخص السياسة الخارجية. وفي حين تميل الولايات المتحدة إلى عدم الاتساق في استجابتها للشؤون الدولية، تتسق أهداف إيران وتدابيرها بصورة مذهلة.
من بين العوامل المهمة الأخرى في استمراره على رأس فيلق القدس، والتي أحكم السيطرة عليها عام 1998، أنه كناتج عرضي للبيئة السياسية المعقدة في إيران، تمتع سليماني بحرّية التصرّف والعمل على مدى فترة زمنية طويلة، الأمر الذي يحسده عليه كثيرون من الخبراء العسكريين والاستخباراتيين الأميركيين. يرجع هذا لأن قوة القائد تكمن في أعين الآخرين وتنبع من نظرتهم إليه في آخر المطاف، وتزداد بسبب الاحتمالية المتصورة للسلطة في المستقبل، الأمر الذي مكّن سليماني من التصرف بصدقية أكبر، مما لو كان ينظر إليه على أنه قائد (أو لاعب) موقت.

‏إذاً من هذا المنطلق، فإن نجاح سليماني مدفوع بكل من موهبته واستمرارية فترة ولايته في مراكز السلطة. لا يمكن لقائد كهذا أن يوجد في الولايات المتحدة اليوم. لا يسمح الأميركيون للقادة والعسكريين أو غيرهم بالبقاء في المناصب الرفيعة المستوى عقوداً. وثمة أسباب سياسية وتجريبية لذلك. ليس مذ أتاح جي إدغار هوفر للحكومة الاتحادية فرصة السماح لموظف حكومي قديم بأن يحشد هذه المستويات من النفوذ الغامض.
وعلى رغم غيرتي “المبدئية” من حرية سليماني وقدرته، على إنجاز الأمور بسرعة، إلّا أنني أعتقد أن هذا التحفظ (الذي يعيق بقاء ذوي المناصب الرفيعة في أماكنهم لعقود) هو قوة النظام السياسي الأميركي. ويمكن استخدام عقلية عملية ومتحمسة، إذا لم يُكبح جماحها، كقوة للخير، لكن إذا ما سُخّرت لخدمة المصالح أو القيم الخاطئة، قد تغدو العواقب وخيمة. إن سليماني شخصية بالغة الخطورة. وهو أيضاً في موقع فريد يُؤهله لتشكيل مستقبل الشرق الأوسط.

 

ستانلي ماكريستال

هذا المقال مترجم عن foreignpolicy.com ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط التالي.