سقط نظام الأسد في كانون الأول/ ديسمبر 2024 واقتحم السوريون قصور آل الأسد وغيرهم من الشخصيات المتنفّذة والقريبة من السلطة، عدا محمد حمشو، الذي تداولت تقارير صحافية خبر مغادرته نحو بيروت، ثم عودته إلى دمشق في كانون الثاني/ يناير 2025 لـ”تسوية وضعه” مع السلطات الجديدة مقابل مليار دولار!
وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال باسل عبد الحنان نفى في لقاء صحافي، أن يكون حمشو قد دفع تسوية كهذه ولم يشر إلى مكان وجوده، وأشار إلى أن السياسة العامة هي “تشغيل الشركات والملاك سيوضعون أمام لجنة قضائية هي التي ستحدد أي الأموال هي من حق الشعب، فتعود للشعب، وما هي الأموال التي من حق أي مستثمر، أو أي رجل أعمال سابقاً، وإن كانت من حقه أو كان مكرهاً أو مجبراً فهذا يقدره القضاء”.
تضاربت الأخبار حول محمد حمشو، إذ أفادت قناة العربيّة إلى أنه غادر سوريا، خصوصاً أنه واحد من المتهمين بتمويل ماكينة القتل التي كان يديرها النظام السوري، في الوقت ذاته لعب عبر عضويته في مجلس الشعب دوراً في تلميع صورة النظام وصورته الشخصية سواء عبر الإنتاجات الفنية والإعلامية التي يمولها (سوريا الدولية للإنتاج الفني) أو المؤسسات الخيرية التي يديرها.
هل غادر حمشو منزله؟
توجه فريق “درج” إلى منزل رجل الأعمال السوري محمد حمشو الواقع في منطقة المالكي بدمشق مساء الأربعاء 15 كانون الثاني/ يناير، ليجد تجمعاً قوامه ستة أفراد من الحرس الشخصي غير المسلحين إلى جانب عنصرين من الأمن العام التابع لوزارة الداخلية في الحكومة السورية المؤقتة، بلباسهم الرسمي وسلاحهم، قرب مدخل البناء.
حي المالكي في دمشق، واحد من أرقى الأحياء في العاصمة السوريّة، ويحوي قصر بشار الأسد ومكتبه ومكتب أسماء الأسد وعدداً من المكاتب ومنازل كبار شخصيات النظام المخلوع الأمنية والاقتصادية، ولطالما كان محاطاً بحماية أمنية بسبب بعض الشخصيات التي تسكنه وقربها من السلطة، ناهيك بالعائلات الميسورة والتي كانت تخضع لرقابة دائمة بسبب سكان الحيّ، والذين تحدثوا عن معاناتهم بعد سقوط النظام، واقتحام بعضهم منزل بشار الأسد.
لم يكن دخول البناء حيث يسكن محمد حمشو ممكناً للعموم، وكانت تركن قرب البناء سيارتان؛ إحداهما مرسيدس-بنز إس كلاس 2022 سوداء اللون ذات زجاج أسود بالكامل، وخلفها سيارة ميتسوبيشي رباعية الدفع؛ السيارتان كانتا مُشغلتان طوال مدة الرصد.
رصد “درج” تحركات مريبة على مدخل البناء، منها تحدّث عناصر الحرس الشخصي بين بعضهم وإلى عنصري الأمن العام، واتخاذهم التشكيلات، إضافة إلى قدوم سيارتين للأمن العام محمّلتين بعشرات العناصر إلى الموقع، وتحدث سائق إحديهما لأحد العناصر قبل مضيّهما قدماً.
بعد مرور نحو العشرين دقيقة، اتخذ العناصر تشكيلاً عند المدخل وخرجت من البناء سيّدة محجبة تبدو في منتصف العمر رفقة شابة، وصعدتا إلى سيارة المرسيدس السوداء التي لم تتحرك لأكثر من 15 دقيقة بعد صعود السيدتين إليها.
لاحظ “درج” بعدها تحركات مكثفة لعناصر الحرس وعنصري الأمن العام وصعود بعضهم الدرج ونزول آخرين، إضافة الى تقدّم سيارة المرسيدس بضعة أمتار لتحاذي باب البناء مباشرة، ويخرج من الباب السيد محمد حمشو مرتدياً سترةً وقبعة سوداوين ويصعد إلى المرسيدس التي انطلقت ومعها سيارة الميتسوبيشي التي صعد إليها أربعة من عناصر الحرس الشخصي، وتوجهتا باتجاه طريق القصر.
في اليوم التالي، رصد “درج” وجود سيارة ميتسوبيشي — ذاتها التابعة للحرس — تقلّ عناصر الأمن العام التابعين لحكومة تصريف الأعمال، لكن مع تغير العناصر الذين كانوا في اليوم الأول، بجانب المنزل. ومن الملاحظات اللافتة توقف سيارة نقل ركاب صغيرة “ڤان” ترجل منها بضعة شبّان يحملون عشرات الأكياس الممتلئة بوجبات الطعام ومواد التموين كالخبز والبيض وتوجهوا إلى الداخل، هذا إلى جانب عمليات التنظيف الحثيثة التي يقوم بها عددٌ من الأفراد للمبنى وللرصيف المحاذي.
إقرأوا أيضاً:
“الهيئة” لا تنفي ولا تؤكد
سأل”درج” أحد المسؤولين في وزارة الداخلية التابعة للحكومة المؤقتة عن الحالة القانونية لمحمد حمشو بصفته رجل أعمال خاضعاً للعقوبات الدولية، وسبب وجوده، رغم تأكيد مصادر رسمية في الحكومة مغادرته البلاد، رفض تقديم أي إجاباتٍ واضحة، لكنه لم ينفِ الأمر كذلك.
وقال إن الإجابة عن هذا النوع من الأسئلة تقع خارج نطاق صلاحياته، وأن “الملفات الحساسة من هذا النوع تقع ضمن صلاحيات إدارة العمليات العسكرية”.
كما أفادت مصادر أمنية مقرّبة من الإدارة الجديدة لـ”درج”، بأن إدارة العمليات طلبت من محمد حمشو البقاء في البلد، بل وطُلب منه البوح بتصريح “تتهنوا بالبلد” الذي أذيع على قناة “العربيّة”.
ولفتت مصادر مقربة من عائلة حمشو الى أن وجوده في سوريا مرتبط بقطر، كون أولاد أخته هناك ويحملون الجنسية القطرية، ونقصد معتز رسلان الخياط، الذي ساهم في مشاريع عدة أثناء كأس العالم في قطر عام 2022.
يذكر أن عائلة حمشو ظهرت في تحقيقات “مفاتيح دبي”، حيث أشير الى اسم رانيا الدباس زوجة محمد حمشو، والمشمولة في لائحة العقوبات الأميركية ضمن “قانون قيصر” 2020، مالكة عقار على شكل شقة في برج DAMAC TOWERS من المنطقة العقارية بزنس باي بقيمة تقديرية 621 ألف دولار أميركي، بينما ظهر اسم أحمد صابر حمشو، شقيق محمد حمشو، كجهة مسيطرة على عقارين في منطقة Al Hebiah Third.
إمبراطوريّة حمشو الاقتصاديّة
محمد حمشو رجل أعمال سوري ولد في دمشق العام 1966، هو واجهة اقتصادية لماهر الأسد قائد الفرقة الرابعة في الجيش السوري، ومتهم بتمويل الفرقة ونشاطها العسكري.
هذا النشاط العسكري تقابله أنشطة مدنيّة، فحمشو شريك رامي مخلوف في شركة “شام القابضة”، وبنى إمبراطورية اقتصادية تشمل الاتصالات والعقارات والإعلام والتجارة، ناهيك بكونه نائباً في مجلس الشعب قبل إسقاط عضويته بسبب حصوله على الجنسية التركية. وتداولت تقارير أن حمشو فُرض على الإدارة الجديدة بوساطة تركية-قطرية، لذلك لم يعتقل أو حتى يقتحم منزله.
فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على محمد حمشو منذ العام 2011، وتلاحقه أيضاً تهم الإتجار بأنقاض المنازل المدمرة، كما شملت العقوبات زوجته رانيا الدباس وولديه أحمد وعمر.
كشفت وثائق الأمم المتحدة عن تلقي شركات مرتبطة به ملايين الدولارات من منظمات دولية. فيما أشارت محاضر تحقيقات تاجر المخدرات اللبناني حسن دقو إلى استخدام مستودعاته لتخزين بضائع مشبوهة قادمة من لبنان.
تبقى الحالة القانونية والمدنية لمحمد حمشو في “سوريا الجديدة” موضع ريبة ورهن التكهنات، في ظل تخبط التصريحات الرسمية وغياب الإجابات الواضحة، هل هو خاضعٌ للإقامة الجبرية، أم أنه أجرى تسوية من “نوع خاص” تشبه تلك التي نالها طلال مخلوف ومفيد درويش وغيرهم من كبار أركان النظام المخلوع بما يحفظ مكاناتهم ومكتسباتهم؟.
وهل “المحاكم الخاصة” التي تحدث عنها وزير العدل السوري ووزير الاقتصاد السوري، ستطاول حمشو و إمبراطوريته المالية أم لا؟