فاجأ الرئيس الفلسطيني محمود عباس القمة العربية الطارئة التي عُقدت في القاهرة يوم الثلاثاء، بإعلانه عن إصدار عفو شامل عن جميع المفصولين من حركة فتح، بالإضافة إلى استحداث منصب نائب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية والدولة الفلسطينية، مع تأكيده “ضخّ دماء جديدة في الحركة”. هذا الإعلان أثار موجة من التحليلات السياسية والمقالات الصحافية التي تساءلت عن أبعاده، بخاصة في ما يتعلق بشخصيات بارزة كانت عُزلت لفترة طويلة.
محمد دحلان إلى الواجهة مجدداً!
عندما أعلن عباس عن استحداث منصب نائب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية والدولة الفلسطينية، وأكد العفو العام عن المفصولين من حركة فتح، اتجهت الأنظار مباشرة نحو محمد دحلان، الشخصية الفلسطينية الأكثر جدلاً، والتي فُصلت من الحركة منذ سنوات.
من بين الشخصيات الأخرى التي قد تستفيد من هذا القرار، برز اسم سمير المشهراوي، الرجل الثاني في تيار الإصلاح الديمقراطي الذي يقوده دحلان. وفي مقابلة مع موقع “درج”، أشار الكاتب والصحافي الفلسطيني فتحي صباح إلى أن “معظم كوادر فتح في قطاع غزة انضموا الى دحلان، وهؤلاء جميعاً يشملهم العفو”.
من هي الشخصيات الأخرى؟
من أبرز الشخصيات الأخرى: ناصر القدوة، وهو دبلوماسي فلسطيني بارز وعضو سابق في اللجنة المركزية لحركة فتح، كما شغل منصب مندوب فلسطين لدى الأمم المتحدة لأكثر من عشرين عاماً.
أيضاً توفيق الطيراوي، الذي لم يُفصل لكنه أُبعد وتم تهميشه. الطيراوي هو قائد ومسؤول أمني فلسطيني، ينتمي إلى حركة فتح، ساهم في تأسيس جهاز المخابرات الفلسطيني. كما عيّنه الرئيس الفلسطيني محمود عباس نهاية آب/ أغسطس 2007 رئيساً لجهاز المخابرات العامة الفلسطينية برتبة لواء، بحسب موقع الجزيرة، وترأّس اللجنة الوطنية الخاصة بالتحقيق في ظروف استشهاد الرئيس عرفات، والتي تشكلت عام 2009.
ما أسباب هذا العفو في الوقت الراهن؟
يعزو فتحي صباح هذا القرار إلى عاملين رئيسيين: العامل الأول هو حوار فتحاوي داخلي، والذي بدأ منذ سنوات تخطيطاً لمرحلة ما بعد الرئيس محمود عباس، الذي يقترب عمره من التسعين عاماً. ويشمل هذا الحوار كل أقطاب حركة فتح مثل حسين الشيخ جبريل الرجوب، محمود العالول، ناصر القدوة، محمد دحلان، توفيق الطيراوي، وغيرهم.
أمّا العامل الثاني فهو ضغوط عربية من بعض الدول، إذ تعرضت القيادة الفلسطينية لضغوط من دول عربية مثل مصر والأردن ودول الخليج لإجراء إصلاحات داخل حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، بما يشمل توحيد الصفوف واختيار نائب للرئيس. بالإضافة إلى إصلاح فتحاوي داخلي، إذ إنّ الخلافات الداخلية ساهمت في إضعاف الحركة. ومن الضروري إصلاح السلطة الوطنية الفلسطينية، لأنّ “الفساد مستشرٍ في هياكلها، والمنظمة شبه ميتة، أي أن المنظمة في غرفة الإنعاش”، على حدّ وصف صباح.
إقرأوا أيضاً:
ما الدور الذي بإمكان دحلان أن يلعبه في المرحلة المقبلة؟
أكد عباس أيضاً أنهم “على أتم الجاهزية لإجراء انتخابات عامة، رئاسية وتشريعية، خلال العام المقبل حال توافرت الظروف الملائمة لذلك، في غزة والضفة والقدس الشرقية، كما أُجريت الانتخابات السابقة في جميعها، وندعو الجميع لتهيئة الظروف لذلك”. علماً أنّه لم تُجر انتخابات رئاسية فلسطينية منذ 20 عاماً، أي منذ انتخاب محمود عباس.
من المتوقّع أن يتبوأ دحلان منصباً مهمّاً في المرحلة الجديدة، فإمّا “سيكون رئيس الحكومة الفلسطينية في المستقبل أو وزيراً مهمّاً في الحكومة، كوزير الخارجية مثلاً، أو منصباً رفيعاً في منظمة التحرير… من الممكن أن يكون هو نائب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية. وهذا المنصب ربما يكون هو الأهم اللي ممكن يتبوأه”، بحسب صباح.
وأوضح أن “محمد دحلان سيعود الى الساحة طالما عاد إلى حركة فتح”، مشيراً إلى أنه قد لا يتولى منصباً رسمياً فوراً ولكنه سيكون شخصية مؤثرة داخل الحركة.
في السياق عينه، تستبعد الصحافية الاستقصائية والمحللة السياسية الأردنية رنا الصبّاغ، في مقابلة لـ “درج”، أن يُعيَّن دحلان نائباً لمحمود عبّاس، لأنه يرى أن دوره أهم وأكبر من ذلك، لذا من المحتمل أن يتبوأ المشهراوي هذا المنصب، على أن يصبح دحلان رئيساً بدلاً من عبّاس، عبر شرعية الانتخابات، وفق ما قالت الصبّاغ في فيديو على منصّة إنستغرام.
ما نقاط قوة محمد دحلان؟
يتمتّع دحلان بعلاقات عربية قويّة جدّاً، فهو مستشار رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد، وعلاقاته وثيقة جداً مع المملكة العربية السعودية ومصر والأردن ومعظم الدول العربية باستثناء قطر، الداعم الأقوى لحركة “حماس”. إلّا أنّه مع بداية العدوان الإسرائيلي على غزّة، زار المشهراوي، المقرب من دحلان، قطر وظهر على شاشة “الجزيرة” للمرة الأولى، ما يشير إلى حوار بين تيار دحلان وبين “حماس”. في المقابل، علم “درج” من مصادر أردنيّة أنّ محمود عبّاس طلب من الأردن خلال الحرب الإسرائيلية على غزّة وقف التواصل مع دحلان.
أمّا على الصعيد الدولي، فلدحلان علاقات دوليّة قويّة مع الولايات المتحدة وإسرائيل والاتحاد الأوروبي، ما قد يساهم في تحسين صورة السلطة وتطوير أدائها وتمويلها، وفقاً لصباح.
من هو محمد دحلان؟
كما ذكر تحقيق سابق لـ “درج”، محمد دحلان من أكثر الشخصيات الفلسطينية دهاءً. لعب على جميع التناقضات، فكان الفتحاوي المقرب من “أبو عمار”، والذي تقلّد مناصب أمنية وسياسية مرموقة وأمسك بزمام جهاز الأمن الوقائي. كان جزءاً من لجنة فتح المركزية قبل أن يحاول الانقلاب على محمود عباس ويُطرد من اللجنة ومن فتح عام 2011. يستطيع تحدّث لغة “حماس”، إذ وُلد في خان يونس مع أبرز قيادات الحركة كيحيى السنوار. هو مستشار للإمارات ومقرّب من السعودية ومن نظام عبد الفتاح السيسي في مصر. رجل أعمال محنّك، خصوصاً في دولَتي صربيا والجبل الأسود اللتين يحمل جنسيّتيهما، وغيرهما من الدول. تجمعه علاقة جيدة بالولايات المتحدة الأميركية ولديه أصدقاء من الجانب الإسرائيلي. تُقدّر ثروته بـ 120 مليون دولار أميركي، بحسب مصادر عدّة.
محمد دحلان، فلسطيني من غزة ولد عام 1961 لأسرة لاجئة، تحديداً في مخيم خان يونس. بدأت حياته السياسية عندما شارك في تأسيس الشبيبة الفتحاوية في الثمانينات، وسُجن في السجون الإسرائيلية لمدّة خمسة أعوام، حيث تعلم اللغة العبرية ليطلق سراحه عام 1986 عندما كان يبلغ نحو 25 عاماً. رُحِّل إلى الأردن عام 1988 وبعدها التحق بمنظّمة التحرير الفلسطينية وصار مقرّباً من ياسر عرفات في تونس. أصبح دحلان رئيساً لجهاز الأمن الوقائي، الذي كان مكلّفاً من عرفات بقمع المعارضين لاتفاقية أوسلو مع إسرئيل، وذلك بعد توقيعها عام 1993. إلّا أنّ دحلان استقال من منصبه في قيادة الجهاز وأصبح بعدها وزيراً لشؤون الأمن عام 2003 في حكومة محمود عباس.
بعد فوز حركة “حماس” في انتخابات عام 2006 في قطاع غزة، كانت الحركة على خلاف كبير مع دحلان وجماعته، إذ كانت تعتبره “وكيلاً لجيش الاحتلال في الأراضي الفلسطينية“. احتدمت هذه الخلافات مع مرور السنوات حتى اندلعت أحداث دامية بين جماعات دحلان “حماس”، وانتهت بانتصار حماس وفقدان السلطة الفلسطينية السيطرة على قطاع غزة لصالح “حماس” في عام 2007، عندما كان دحلان منسق الشؤون الأمنية في غزة.
إلّا أنّ دحلان سرعان ما لملم شتاته وبدأ بالتخطيط للانقلاب على محمود عباس في الضفة الغربية. لكن، لم تنجح خطته فنُفي عام 2011 وانتقل إلى أبو ظبي مع زوجته جليلة دحلان وأولادهما الأربعة، حيث أصبح مستشاراً مقرّباً من ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد. كما أصبح واجهة الإمارات في عدد من مصالحها الاقتصادية في الخارج، لا سيما في صربيا التي يحمل محمد دحلان وشقيقه عبد ربه جنسيتها. لعب محمد دحلان دوراً أساسياً في التطبيع الإماراتي مع إسرائيل، فحمل بعض المتظاهرين الفلسطينيين عندها لافتات تصف دحلان بالخائن. وما زال يحتل صدارة العلاقات بين الإمارات وإسرائيل بعد تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وفقاً لموقع intelligence online.