fbpx

“مختبر سوريا- الأسد” للموت البطيء

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

نطّلع على ما يحدث حولنا ونتلقّاه وكأنه نشرة أحوال جوية، لا إرادة لنا في تقلّبها، ولا نملك خيار تغييرها. نتأقلم مع متغيراتها ونتبادل نظرات الإعجاب أو التعجّب.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كانت مساعدة الطبيب تجري عملية روتينية لتخطيط قلبي في غرفة الفحص الجانبية. وكان زوجي غارقاً في حوار روتيني مع الطبيب وراء مكتبه يسأله عن مختبر المنشأة الطبية التابعة لأحد أقرباء سيدة القصر وعن دقة نتائجه. 

ألقت المساعدة الأنابيب من يدها وبدأت بالدفاع المستميت عن المخبر، وارتفعت نبرة صوتها ولم يتدخّل الطبيب وبهت زوجي ثم أخبرني لاحقاً أنه “أي الطبيب” أشار له بإصبعه ليسكت. وانتهت المحاضرة التي ألقتها عن نظافة المنشأة ومهنيتها وكيف أن المريض يمكنه أن يعترض على أي نتيجة سلبية. ثم عادت الممرضة لمواصلة عملها، وأنهت التخطيط الذي سوف أعيده في مكان آخر بالتأكيد. 

هذه الحادثة لن يذكرها أحد، الممرضة والمستوصف سيتابعان العمل المثمر والمالك سيحصد أموال المرضى، والمخبر، مهما كانت نتائجه، فسيحظى بدعم موالي القصر. وستقطع الألسن المسيئة للنظام السوري. 

* بعد يوم طويل وبارد ومتعب، وتعليمات متناقضة ومتكررة نفذّها الطفلان بدون تذمّر، لم يتمالكا نفسيهما من سرقة الموز من صندوق بقي تحت مرمى بصرهما لساعات طويلة. موزة لكل واحد منهما. المشهد حدث في كواليس تصوير مسلسل تلفزيوني في سوق الخضار في دمشق. 

ما حدث بعد ذلك لا ينفصل عن واقع القمع السائد في هذا البلد، فبعدما ابتلع كل طفل موزة وأصبح من المستحيل استرجاعها أو استيفاء قيمتها، قرر جسم الإنتاج معاقبة الطفلين بما يضمن عدم تكرار الحادث المأساوي وإرهاب بقية أفراد الكومبارس على طريقة أقبية الأمن. فالناس على دين ملوكهم. وهكذا استدعي الطفلان إلى غرفة الإنتاج وتولى أحدهم الاعتداء عليهما بالضرب على أن يسمع صياحهما كل من في الخارج. ثم أخلي سبيلهما وهما غارقان بدموعهما.

الحادثة أثارت بقية الكومبارس فبدأت الأصوات تعلو واستغلّت الواقعة للمطالبة بوجبة غذائية تأخذ بالاعتبار احتجازهم من الصباح إلى المساء في كواليس العمل في ظروف البرد والتعب. وقد نسي الجميع ما حدث للطفلين.

حاول الإنتاج السيطرة على الموقف بطريقة فنية تتناسب مع الدراما السورية. وقرر أن من يعترض من أفراد الكومبارس يفصل فوراً ولا يتقاضى أجره حتى عن اليوم الذي انقضى. 

نهج الحياة في بلدنا قد تكرّس له كتب التاريخ فصلاً رئيسياً.

في بلادنا لا قيمة لمثل هذه الأحداث الجانبية. المهم أن تدور عجلة الزمن وتشرق شمس اليوم التالي. ويبدأ التصوير من جديد. 

* سكنت ابنة الوزير في بناء متواضع، كانت ترافقها مجموعة من الحرس  احتلّت المدخل بالكامل. ثم أنشئ مدخل جانبي فسيح واستعمل الطابق الأرضي المرفوع أصلاً على أعمدة، موقفاً للسيارات الملكية. ثم احتاج الأمر إلى توسيع الشارع أمام مدخل موقف السيارات، وهكذا بدأ عمّال البلدية بتكسير سور البناء المقابل والاستيلاء على حرم الحديقة الخلفية، قبل أن تكتشف البلدية أنه جدار استنادي يعترض مجرى العمل وتحولت الحفرة إلى حوض لبعض الأشجار. ثم بدأ تعبيد الشارع وإعادة رصف الرصيف. ووضعت الأضواء الجانبية والإشارات الفوسفورية وعلقت صور الرئيس والعلم السوري.

هذه الحادثة هي إعادة الإعمار التي يتحدث عنها الإعلام. وهي لا تزعج أحداً. فابنة الوزير خدمت الوطن بما يكفي وتستحق أن تعامل كشخصية ملكية مقدسة.  

نهج الحياة في بلدنا قد تكرّس له كتب التاريخ فصلاً رئيسياً. نتصرّف وكأنّنا نعيش في بيوتنا ونمتلك زمام حياتنا، لكننا في الحقيقة عبيد، تنقصنا  السلاسل والقيود. لا حاجة إلى تكميم الأفواه فقد تكفّلت سنو القهر الماضية في إخراسها. وما زلنا نتناقل أخبار الساسة همساً حتى داخل غرف نومنا الخاصة. 

نطّلع على ما يحدث حولنا ونتلقّاه وكأنه نشرة أحوال جوية، لا إرادة لنا في تقلّبها، ولا نملك خيار تغييرها. نتأقلم مع متغيراتها ونتبادل نظرات الإعجاب أو التعجّب.

30.05.2023
زمن القراءة: 3 minutes

نطّلع على ما يحدث حولنا ونتلقّاه وكأنه نشرة أحوال جوية، لا إرادة لنا في تقلّبها، ولا نملك خيار تغييرها. نتأقلم مع متغيراتها ونتبادل نظرات الإعجاب أو التعجّب.

كانت مساعدة الطبيب تجري عملية روتينية لتخطيط قلبي في غرفة الفحص الجانبية. وكان زوجي غارقاً في حوار روتيني مع الطبيب وراء مكتبه يسأله عن مختبر المنشأة الطبية التابعة لأحد أقرباء سيدة القصر وعن دقة نتائجه. 

ألقت المساعدة الأنابيب من يدها وبدأت بالدفاع المستميت عن المخبر، وارتفعت نبرة صوتها ولم يتدخّل الطبيب وبهت زوجي ثم أخبرني لاحقاً أنه “أي الطبيب” أشار له بإصبعه ليسكت. وانتهت المحاضرة التي ألقتها عن نظافة المنشأة ومهنيتها وكيف أن المريض يمكنه أن يعترض على أي نتيجة سلبية. ثم عادت الممرضة لمواصلة عملها، وأنهت التخطيط الذي سوف أعيده في مكان آخر بالتأكيد. 

هذه الحادثة لن يذكرها أحد، الممرضة والمستوصف سيتابعان العمل المثمر والمالك سيحصد أموال المرضى، والمخبر، مهما كانت نتائجه، فسيحظى بدعم موالي القصر. وستقطع الألسن المسيئة للنظام السوري. 

* بعد يوم طويل وبارد ومتعب، وتعليمات متناقضة ومتكررة نفذّها الطفلان بدون تذمّر، لم يتمالكا نفسيهما من سرقة الموز من صندوق بقي تحت مرمى بصرهما لساعات طويلة. موزة لكل واحد منهما. المشهد حدث في كواليس تصوير مسلسل تلفزيوني في سوق الخضار في دمشق. 

ما حدث بعد ذلك لا ينفصل عن واقع القمع السائد في هذا البلد، فبعدما ابتلع كل طفل موزة وأصبح من المستحيل استرجاعها أو استيفاء قيمتها، قرر جسم الإنتاج معاقبة الطفلين بما يضمن عدم تكرار الحادث المأساوي وإرهاب بقية أفراد الكومبارس على طريقة أقبية الأمن. فالناس على دين ملوكهم. وهكذا استدعي الطفلان إلى غرفة الإنتاج وتولى أحدهم الاعتداء عليهما بالضرب على أن يسمع صياحهما كل من في الخارج. ثم أخلي سبيلهما وهما غارقان بدموعهما.

الحادثة أثارت بقية الكومبارس فبدأت الأصوات تعلو واستغلّت الواقعة للمطالبة بوجبة غذائية تأخذ بالاعتبار احتجازهم من الصباح إلى المساء في كواليس العمل في ظروف البرد والتعب. وقد نسي الجميع ما حدث للطفلين.

حاول الإنتاج السيطرة على الموقف بطريقة فنية تتناسب مع الدراما السورية. وقرر أن من يعترض من أفراد الكومبارس يفصل فوراً ولا يتقاضى أجره حتى عن اليوم الذي انقضى. 

نهج الحياة في بلدنا قد تكرّس له كتب التاريخ فصلاً رئيسياً.

في بلادنا لا قيمة لمثل هذه الأحداث الجانبية. المهم أن تدور عجلة الزمن وتشرق شمس اليوم التالي. ويبدأ التصوير من جديد. 

* سكنت ابنة الوزير في بناء متواضع، كانت ترافقها مجموعة من الحرس  احتلّت المدخل بالكامل. ثم أنشئ مدخل جانبي فسيح واستعمل الطابق الأرضي المرفوع أصلاً على أعمدة، موقفاً للسيارات الملكية. ثم احتاج الأمر إلى توسيع الشارع أمام مدخل موقف السيارات، وهكذا بدأ عمّال البلدية بتكسير سور البناء المقابل والاستيلاء على حرم الحديقة الخلفية، قبل أن تكتشف البلدية أنه جدار استنادي يعترض مجرى العمل وتحولت الحفرة إلى حوض لبعض الأشجار. ثم بدأ تعبيد الشارع وإعادة رصف الرصيف. ووضعت الأضواء الجانبية والإشارات الفوسفورية وعلقت صور الرئيس والعلم السوري.

هذه الحادثة هي إعادة الإعمار التي يتحدث عنها الإعلام. وهي لا تزعج أحداً. فابنة الوزير خدمت الوطن بما يكفي وتستحق أن تعامل كشخصية ملكية مقدسة.  

نهج الحياة في بلدنا قد تكرّس له كتب التاريخ فصلاً رئيسياً. نتصرّف وكأنّنا نعيش في بيوتنا ونمتلك زمام حياتنا، لكننا في الحقيقة عبيد، تنقصنا  السلاسل والقيود. لا حاجة إلى تكميم الأفواه فقد تكفّلت سنو القهر الماضية في إخراسها. وما زلنا نتناقل أخبار الساسة همساً حتى داخل غرف نومنا الخاصة. 

نطّلع على ما يحدث حولنا ونتلقّاه وكأنه نشرة أحوال جوية، لا إرادة لنا في تقلّبها، ولا نملك خيار تغييرها. نتأقلم مع متغيراتها ونتبادل نظرات الإعجاب أو التعجّب.