fbpx

مذبحة زاهدان: تطييف الاحتجاجات الإيرانية
لتزخيم السخط ضد الأقليات

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تحاول إيران إسكات صوت الفئات الضعيفة، عن طريق تطبيق “تكتيكات المستعمرين”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

برغم ما يبدو محاولات تهدئة في منطقة سيستان وبلوشستان، لا سيّما بعد مجزرة “زاهدان”، إلا أنّ النظام في إيران، يسعى إلى تطييف الصراع، وجذب الأطراف نحو الحيز الضيق الذي يلائم خطابه السياسي المؤدلج.

ففي هذه المنطقة الحدودية مع أفغانستان وباكستان، والتي تعاني التهميش والإقصاء مثل بقية مناطق الأقليات في إيران، تسبب قمع الحكومة للمحتجين في سقوط ما لا يقل عن 90 قتيلاً، نهاية أيلول/ سبتمبر الماضي حيث اتهم سكان محليون قوات الأمن بإطلاق النار باتجاه المحتجين الذين تجمعوا أمام مراكز الشرطة على خلفية مقتل الشابة مهسا أميني.

برغم محاولات النظام التعتيم، لكن تقارير صحافية وحقوقية نقلت استهداف قوات الأمن المباشر للمحتجين ومن بينهم أطفال وجرحى.

السلطات، التي اضطرت تحت وطأة التظاهرات العنيفة إلى إقالة مسؤولين أمنيين، بعد وصول ممثلين عن مكتب المرشد الإيراني علي خامنئي لـ”حلّ المشاكل”، قبل أيام، تحاول حالياً توظيف هذه الاضطرابات ضمن دعايتها التي تعمد إلى تصنيف المتظاهرين على أنّهم عناصر “إرهابية” أو “انفصالية”.

ووفق وكالة أنباء “تسنيم” الإيرانية، المقربة من الحرس الثوري، فإنّ وفداً من مكتب خامنئي، منهم رئيس مجلس أئمة الجمعة في إيران، محمد جواد حاج علي أكبري، قد زار زاهدان، بينما التقى بعض الوجهاء المحليين المؤثرين.

وذكر حاج علي أكبري أنّ زيارته جاءت بدعوة من المرشد الإيراني والذي بعث برسالة إلى “شخصيات المحافظة ومختلف الفئات (تعبر عن) حزن سماحته وانزعاجه من الأحداث الأخيرة. ونوضح التدابير التي اتخذها لحل المشكلات والإجراءات التكميلية”.

وتابع: “بالطبع قام ممثل قائد الثورة في المحافظة والمحافظ بمتابعة بعض المسارات، لكن هذه مبادرة خاصة من قبل قائد الثورة، ونأمل أن تكون مصدر خير وبركة”. 

السلطات، التي اضطرت تحت وطأة التظاهرات العنيفة إلى إقالة مسؤولين أمنيين، تحاول حالياً توظيف هذه الاضطرابات ضمن دعايتها التي تعمد إلى تصنيف المتظاهرين على أنّهم عناصر “إرهابية” أو “انفصالية”.

ربما، تنسجم هذه التحركات مع فكرة التهدئة أو السعي لحلحلة التعقيدات التي تؤدي إلى السيولة السياسية. لكن النظام الإيراني يقوم بمناورة تكتيكية لتمرير استراتيجيته وأهدافه القصوى التي يواصل تنفيذها. وتكاد لا تختلف مخططاته عما سبق أن اتبعه في سياقات أخرى إقليمية انخرط في حوادثها، مثل الثورة السورية. وكان حرف مسار الثورة، وتصفية حمولاتها المدنية والعلمانية، لتصبح صراعاً ضد مجموعات أقلوية وطائفية، بمثابة الهدف المباشر للوصول للطاقة التدميرية المستمرة لأكثر من عقد. فيما يعاد تدويرها وتطبيقها. 

لذا، لا يعدو حكم الإعدام الأول بحق أحد المحتجين الذين اعتُقلوا على خلفية احتجاجات مقتل مهسا أميني، كونه أمراً مباغتاً (في سياق يبدو ظاهرياً وكأنما السلطات الإيرانية تنحني للعاصفة). 

وبالتزامن مع التصعيد في بلوشستان وسيستان تم تنفيذ حكم الإعدام، مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر، ضد اثنين من المتهمين في عملية مقتل أربعة عناصر من الحرس الثوري، عام 2016، بزعم ارتباطهما بـ”جيش العدل”. 

ويلفت موقع “ميزان أونلاين” التابع للقضاء في إيران، إلى أنّ هناك أحكاماً بالإعدام تطاول نحو 800 متظاهر بدعوى ضلوعهم في “أعمال شغب وقعت مؤخراً” في محافظات هرمزكان وأصفهان ومركزي. وتقدر إحصاءات القضاء الإيراني وجود أكثر من 2200 شخص، نصفهم في طهران، وهم متهمون في حوادث مماثلة، منذ اندلاع التظاهرات قبل قرابة شهرين.

مع الوضع في الاعتبار أنّ المنظمات الحقوقية، المحلية والأممية، تشير في تقاريرها إلى أنّ حصيلة الاعتقالات قد تخطت 15 ألفاً. 

وذكر الموقع التابع للقضاء الإيراني أنه “على هامش زيارة إلى مركز الاحتجاز في محافظة هرمزكان أعلن المدعي العام في المحافظة مجتبى قهرماني أنّ 164 شخصاً اعتقلوا في الاضطرابات الأخيرة سيُحاكمون اعتباراً من الخميس بحضور محامين” للدفاع عنهم. وهم متهمون بـ”التجمع والتآمر ضد أمن البلاد” و”الدعاية ضد النظام” و”الإخلال بالنظام العام” و”الشغب” و”التحريض على القتل” و”إصابة عناصر أمن بجروح” و”إلحاق الضرر بالأملاك العامة”.

إذاً، الوضع في محافظة بلوشستان، كما في غيرها من المناطق الأخرى، يقع تحت وطأة التعبئة المجتمعية، وفق الناشط البلوشي، المقيم في لندن، عبد الله عارف، والذي يرى أنّ المنطقة الحدودية تحظى باستثناء في السياق العام للاحتجاجات. 

فمن ناحية، يتعرض المواطنون باستمرار لسياسات “تفريس ممنهجة”، يوضح عارف لـ”درج”، وكذا تصنيف البلوش كمواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة. فضلاً عن ممارسات أخرى عدوانية منها “محاولات إلحاقهم بمحافظات المركز ذات الغالبية الفارسية، والسعي للتغيير الديمغرافي لإنهاء وجودهم، وتبديد خصوصيتهم المحلية، الثقافية والمجتمعية”. 

هذا الوضع يجعل المنطقة بيئة حاضنة للتمرد على السلطة ونبذ سياساتها. شهد العالم، في المقابل، أنّ “السلطات الإيرانية استعملت الرصاص الحي في بلوشستان، في حين كانت تستخدم الرصاص المطاطي أو الخرطوش أو بندقية بينتبول (paintball)، في المدن الفارسية”، يقول عارف.

ويتابع: “النظام الإيراني يسعى لتحقيق عدة أهداف في بلوشستان، منها تفويت الفرصة على المحتجين الذين يحملون شعارات مدنية، ويسعون إلى إيجاد بدائل للنظام الديني المتشدد، ثم تأكيد سرديته التي تزعم أنّه بصدد محاربة الانفصاليين والجماعات المسلحة المصنفة إرهابية، للقيام بمجزرة كبيرة بدون مساءلة”.

وكان هدف النظام من هذه المجزرة الوحشية في بلوشستان، هو إرغام البلوش على “رد فعل مسلح حتى يكون القضاء على النخب والقيادات البلوشية سهلاً، كما حدث ذلك في محافظة كلستان بدايات الثورة الخمينية”، وفق الناشط البلوشي المقيم في لندن. إذ إنّه مع القضاء على أكبر عدد ممكن من القيادات، سواء الدينية أو المدنية، يمكن إخضاع الباقي، ومن ثم، تسهيل تنفيذ مخططات النظام في المنطقة.

واحتج المئات، الجمعة الماضية، في ذكرى مرور شهر على ما عرف بـ”الجمعة الدامية”، والتي شهدت حملة أمنية عنيفة ضد البلوش في زاهدان. فيما طالب خبراء لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، السلطات الإيرانية، بضرورة وقف توجيه اتهامات تصل عقوبتها إلى الإعدام بحق أشخاص شاركوا في الاحتجاجات الأخيرة. 

ونقل بيان الأمم المتحدة عن أكثر من 10 خبراء مستقلين قولهم: “نحضّ السلطات الإيرانية على وقف استخدام عقوبة الإعدام أداة لسحق الاحتجاجات، ونشدد على مطالبتنا بالإفراج فوراً عن جميع المتظاهرين الذين حُرموا من حريتهم بشكل تعسفي”.

كما وثقت منظمة حقوق الإنسان في إيران، مقرها أوسلو، مقتل 304 أشخاص على الأقل في أنحاء إيران منذ اندلعت الاحتجاجات. وتردف: “نحو ثلث هؤلاء قتلوا في بلوشستان، بينهم 92 شخصاً على الأقل لقوا حتفهم في 30 أيلول/ سبتمبر 2022، الذي أطلق عليه نشطاء “الجمعة الدامية”. 

ومن بين الهتافات التي رددها المحتجون إبان صلاة الجمعة: “الموت لخامنئي”، و”الموت لقوات الحرس الثوري” و”الموت للباسيج”، “اللعنة على خميني” و”الموت للديكتاتور”. الأمر الذي قوبل بالرصاص الحي، في مدينة إيرانشهر، والغاز المسيل للدموع ضد المحتجين في مدينة خاش، وفق مقاطع فيديو لقناة “1500 تصوير” المعنية برصد الانتهاكات داخل إيران. 

تحاول إيران إسكات صوت الفئات الضعيفة، عن طريق تطبيق “تكتيكات المستعمرين”. يقول رشيد البلوشي المحامي والحقوقي.

ولا يستطيع النظام، في إيران، قبول الواقع التاريخي لهذه الأمم المظلومة والشعوب غير الفارسية. بينما تقوم الحكومة في إيران بتصنيفهم كـ”أقليات”، وفق المحامي الحقوقي في حديثه لـ”درج”. ويتم تغييب حقوق “الأقليات” المواطنية وعدم تمثيلها سياسياً، بما يؤدي إلى اللجوء إلى استخدام القوة والعنف تجاه السلطة والتي تبادل هؤلاء بالقمع والبطش.

وإلى ذاك، عاود إمام جمعة زاهدان ومفتي أهل السنة في إيران عبد الحميد إسماعيل زهي، مطالبة الحكومة في طهران الاستماع لمطالب المحتجين. وشدد على أنّ النظام “هو المسؤول عن خدمة هؤلاء الناس. إذا احتج الناس، انظر إلى نقاط ضعفك، لا تلُم العدو، لا تقل إنّ العدو هو المحرض. دعونا نرى نقاط ضعفنا في تطبيق العدالة وتقديم الخدمات”. 

وانتقد إسماعيل زهي موقف 227 نائباً (من أصل 290) في البرلمان الإيراني، الذين حرضوا قبل أسبوع ضد المحتجين. وقال: “يجب أن تشجعوا على سماع صوت الناس، يجب أن تدافعوا عن الناس لكي لا يصابوا بالذخائر الحية”. وأردف: “عليكم أن تدافعوا عن حقوق السجناء وحقوق الناس، تكتبون الرسائل وتطالبون بفرض أقسى عقوبة على الناس. فهل تستحقون فعلاً تمثيل الأمة؟ هل تفعل برلمانات أخرى في العالم كما فعلتم؟”. 

واحتج مفتي أهل السنة في إيران على عمليات القتل بحق البلوش، فقال: “لا نعرف قواتنا التي تعيش على بيت المال، أين تلقت تعليمها وتدريبها”.

المحامية الأميركية في مجال حقوق الانسان، آيرينا تسوكرمان، ترى أنّ مذبحة زاهدان هي حدث يساهم، على نحو مباشر، في تصاعد وتيرة الاضطرابات المدنية المتواصلة في إيران، مثلها مثل مقتل مهسا أميني، بخاصة في ظل القمع التاريخي الذي عانى منه البلوش، فضلاً عن العزلة الثقافية تحت سيطرة الجمهورية الإسلامية. 

ونتيجة الاحتجاجات التي جاءت رداً على الجرائم التي ارتكبها عناصر الحرس الثوري، فتح النظام النيران على تجمع خارج المسجد، بينما قتل ما يقرب من مائة شخص في وقت واحد، قبل نحو شهرين. تقول تسوكرمان.

وتلفت المحامية الأميركية في مجال حقوق الإنسان إلى أنّ “خط النظام السياسي والإعلامي المقصود في تصوير البلوش على أنّهم مجرمون وانفصاليون. تعاني الأقليات العرقية في إيران من ظلم فادح. وذلك ليس على مستوى القمع الثقافي، فحسب، إنّما هناك معضلات جمّة يتسبب فيها نظام الحكم الإسلامي الشمولي، وكذلك الصمت على الساحة الدولية. في حين قوبلت الاحتجاجات بالمدن ذات الأغلبية الفارسية بالعنف، قوبلت الانتفاضات في المدن البلوشية والكردية بقوة مميتة، وكان البلوش والأكراد يشكلون إلى حد بعيد غالبية الضحايا الذين قتلوا على يد النظام في الاضطرابات المستمرة”. 

وتردف: “تقسيم السكان في إيران، أو التغييرات الديمغرافية، تبدو حيلة قصوى من النظام لإعادة توجيه السخط الشعبي ضد القوميات التي تصنف على أنّها أقلية. فالنظام يعمق الانقسامات العرقية والدينية منذ وصوله إلى السلطة. لا تزال هناك فجوات واسعة بين الفرس والأقليات العرقية، بسبب الطبيعة الشوفينية الأيديولوجية للتعليم الإيراني، برغم دور مؤسسات القوة الناعمة التابعة للنظام والتي شاركت في تلقين عقيدة تفوّق الفرس، حتى قبل الثورة الإسلامية عام 1979. كما أنّ للنظام أسباباً مختلفة لقمع الأقليات، منها أطماعه ومصالحه البراغماتية في السيطرة على النفط والغاز في المناطق الطرفية مثل الأحواز. لهذا يبعث بالكراهية الأيديولوجية والعنصرية ضد غير الفرس”.

محمد أبو شحمة- صحفي فلسطيني | 11.10.2024

ضغط عسكري على الشمال ومجازر في جنوبه… عدوان “إسرائيل” في غزة لا يتوقّف

يمارس الجيش الإسرائيلي ضغطاً عسكرياً على سكان المخيم بهدف دفعهم إلى النزوح لجنوب القطاع، تنفيذاً لما يُعرف بخطة "الجنرالات" التي وضعها اللواء الإسرائيلي المتقاعد غيورا إيلاند، والهادفة إلى إجلاء المدنيين بعد حصار محكم.
14.11.2022
زمن القراءة: 7 minutes

تحاول إيران إسكات صوت الفئات الضعيفة، عن طريق تطبيق “تكتيكات المستعمرين”.

برغم ما يبدو محاولات تهدئة في منطقة سيستان وبلوشستان، لا سيّما بعد مجزرة “زاهدان”، إلا أنّ النظام في إيران، يسعى إلى تطييف الصراع، وجذب الأطراف نحو الحيز الضيق الذي يلائم خطابه السياسي المؤدلج.

ففي هذه المنطقة الحدودية مع أفغانستان وباكستان، والتي تعاني التهميش والإقصاء مثل بقية مناطق الأقليات في إيران، تسبب قمع الحكومة للمحتجين في سقوط ما لا يقل عن 90 قتيلاً، نهاية أيلول/ سبتمبر الماضي حيث اتهم سكان محليون قوات الأمن بإطلاق النار باتجاه المحتجين الذين تجمعوا أمام مراكز الشرطة على خلفية مقتل الشابة مهسا أميني.

برغم محاولات النظام التعتيم، لكن تقارير صحافية وحقوقية نقلت استهداف قوات الأمن المباشر للمحتجين ومن بينهم أطفال وجرحى.

السلطات، التي اضطرت تحت وطأة التظاهرات العنيفة إلى إقالة مسؤولين أمنيين، بعد وصول ممثلين عن مكتب المرشد الإيراني علي خامنئي لـ”حلّ المشاكل”، قبل أيام، تحاول حالياً توظيف هذه الاضطرابات ضمن دعايتها التي تعمد إلى تصنيف المتظاهرين على أنّهم عناصر “إرهابية” أو “انفصالية”.

ووفق وكالة أنباء “تسنيم” الإيرانية، المقربة من الحرس الثوري، فإنّ وفداً من مكتب خامنئي، منهم رئيس مجلس أئمة الجمعة في إيران، محمد جواد حاج علي أكبري، قد زار زاهدان، بينما التقى بعض الوجهاء المحليين المؤثرين.

وذكر حاج علي أكبري أنّ زيارته جاءت بدعوة من المرشد الإيراني والذي بعث برسالة إلى “شخصيات المحافظة ومختلف الفئات (تعبر عن) حزن سماحته وانزعاجه من الأحداث الأخيرة. ونوضح التدابير التي اتخذها لحل المشكلات والإجراءات التكميلية”.

وتابع: “بالطبع قام ممثل قائد الثورة في المحافظة والمحافظ بمتابعة بعض المسارات، لكن هذه مبادرة خاصة من قبل قائد الثورة، ونأمل أن تكون مصدر خير وبركة”. 

السلطات، التي اضطرت تحت وطأة التظاهرات العنيفة إلى إقالة مسؤولين أمنيين، تحاول حالياً توظيف هذه الاضطرابات ضمن دعايتها التي تعمد إلى تصنيف المتظاهرين على أنّهم عناصر “إرهابية” أو “انفصالية”.

ربما، تنسجم هذه التحركات مع فكرة التهدئة أو السعي لحلحلة التعقيدات التي تؤدي إلى السيولة السياسية. لكن النظام الإيراني يقوم بمناورة تكتيكية لتمرير استراتيجيته وأهدافه القصوى التي يواصل تنفيذها. وتكاد لا تختلف مخططاته عما سبق أن اتبعه في سياقات أخرى إقليمية انخرط في حوادثها، مثل الثورة السورية. وكان حرف مسار الثورة، وتصفية حمولاتها المدنية والعلمانية، لتصبح صراعاً ضد مجموعات أقلوية وطائفية، بمثابة الهدف المباشر للوصول للطاقة التدميرية المستمرة لأكثر من عقد. فيما يعاد تدويرها وتطبيقها. 

لذا، لا يعدو حكم الإعدام الأول بحق أحد المحتجين الذين اعتُقلوا على خلفية احتجاجات مقتل مهسا أميني، كونه أمراً مباغتاً (في سياق يبدو ظاهرياً وكأنما السلطات الإيرانية تنحني للعاصفة). 

وبالتزامن مع التصعيد في بلوشستان وسيستان تم تنفيذ حكم الإعدام، مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر، ضد اثنين من المتهمين في عملية مقتل أربعة عناصر من الحرس الثوري، عام 2016، بزعم ارتباطهما بـ”جيش العدل”. 

ويلفت موقع “ميزان أونلاين” التابع للقضاء في إيران، إلى أنّ هناك أحكاماً بالإعدام تطاول نحو 800 متظاهر بدعوى ضلوعهم في “أعمال شغب وقعت مؤخراً” في محافظات هرمزكان وأصفهان ومركزي. وتقدر إحصاءات القضاء الإيراني وجود أكثر من 2200 شخص، نصفهم في طهران، وهم متهمون في حوادث مماثلة، منذ اندلاع التظاهرات قبل قرابة شهرين.

مع الوضع في الاعتبار أنّ المنظمات الحقوقية، المحلية والأممية، تشير في تقاريرها إلى أنّ حصيلة الاعتقالات قد تخطت 15 ألفاً. 

وذكر الموقع التابع للقضاء الإيراني أنه “على هامش زيارة إلى مركز الاحتجاز في محافظة هرمزكان أعلن المدعي العام في المحافظة مجتبى قهرماني أنّ 164 شخصاً اعتقلوا في الاضطرابات الأخيرة سيُحاكمون اعتباراً من الخميس بحضور محامين” للدفاع عنهم. وهم متهمون بـ”التجمع والتآمر ضد أمن البلاد” و”الدعاية ضد النظام” و”الإخلال بالنظام العام” و”الشغب” و”التحريض على القتل” و”إصابة عناصر أمن بجروح” و”إلحاق الضرر بالأملاك العامة”.

إذاً، الوضع في محافظة بلوشستان، كما في غيرها من المناطق الأخرى، يقع تحت وطأة التعبئة المجتمعية، وفق الناشط البلوشي، المقيم في لندن، عبد الله عارف، والذي يرى أنّ المنطقة الحدودية تحظى باستثناء في السياق العام للاحتجاجات. 

فمن ناحية، يتعرض المواطنون باستمرار لسياسات “تفريس ممنهجة”، يوضح عارف لـ”درج”، وكذا تصنيف البلوش كمواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة. فضلاً عن ممارسات أخرى عدوانية منها “محاولات إلحاقهم بمحافظات المركز ذات الغالبية الفارسية، والسعي للتغيير الديمغرافي لإنهاء وجودهم، وتبديد خصوصيتهم المحلية، الثقافية والمجتمعية”. 

هذا الوضع يجعل المنطقة بيئة حاضنة للتمرد على السلطة ونبذ سياساتها. شهد العالم، في المقابل، أنّ “السلطات الإيرانية استعملت الرصاص الحي في بلوشستان، في حين كانت تستخدم الرصاص المطاطي أو الخرطوش أو بندقية بينتبول (paintball)، في المدن الفارسية”، يقول عارف.

ويتابع: “النظام الإيراني يسعى لتحقيق عدة أهداف في بلوشستان، منها تفويت الفرصة على المحتجين الذين يحملون شعارات مدنية، ويسعون إلى إيجاد بدائل للنظام الديني المتشدد، ثم تأكيد سرديته التي تزعم أنّه بصدد محاربة الانفصاليين والجماعات المسلحة المصنفة إرهابية، للقيام بمجزرة كبيرة بدون مساءلة”.

وكان هدف النظام من هذه المجزرة الوحشية في بلوشستان، هو إرغام البلوش على “رد فعل مسلح حتى يكون القضاء على النخب والقيادات البلوشية سهلاً، كما حدث ذلك في محافظة كلستان بدايات الثورة الخمينية”، وفق الناشط البلوشي المقيم في لندن. إذ إنّه مع القضاء على أكبر عدد ممكن من القيادات، سواء الدينية أو المدنية، يمكن إخضاع الباقي، ومن ثم، تسهيل تنفيذ مخططات النظام في المنطقة.

واحتج المئات، الجمعة الماضية، في ذكرى مرور شهر على ما عرف بـ”الجمعة الدامية”، والتي شهدت حملة أمنية عنيفة ضد البلوش في زاهدان. فيما طالب خبراء لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، السلطات الإيرانية، بضرورة وقف توجيه اتهامات تصل عقوبتها إلى الإعدام بحق أشخاص شاركوا في الاحتجاجات الأخيرة. 

ونقل بيان الأمم المتحدة عن أكثر من 10 خبراء مستقلين قولهم: “نحضّ السلطات الإيرانية على وقف استخدام عقوبة الإعدام أداة لسحق الاحتجاجات، ونشدد على مطالبتنا بالإفراج فوراً عن جميع المتظاهرين الذين حُرموا من حريتهم بشكل تعسفي”.

كما وثقت منظمة حقوق الإنسان في إيران، مقرها أوسلو، مقتل 304 أشخاص على الأقل في أنحاء إيران منذ اندلعت الاحتجاجات. وتردف: “نحو ثلث هؤلاء قتلوا في بلوشستان، بينهم 92 شخصاً على الأقل لقوا حتفهم في 30 أيلول/ سبتمبر 2022، الذي أطلق عليه نشطاء “الجمعة الدامية”. 

ومن بين الهتافات التي رددها المحتجون إبان صلاة الجمعة: “الموت لخامنئي”، و”الموت لقوات الحرس الثوري” و”الموت للباسيج”، “اللعنة على خميني” و”الموت للديكتاتور”. الأمر الذي قوبل بالرصاص الحي، في مدينة إيرانشهر، والغاز المسيل للدموع ضد المحتجين في مدينة خاش، وفق مقاطع فيديو لقناة “1500 تصوير” المعنية برصد الانتهاكات داخل إيران. 

تحاول إيران إسكات صوت الفئات الضعيفة، عن طريق تطبيق “تكتيكات المستعمرين”. يقول رشيد البلوشي المحامي والحقوقي.

ولا يستطيع النظام، في إيران، قبول الواقع التاريخي لهذه الأمم المظلومة والشعوب غير الفارسية. بينما تقوم الحكومة في إيران بتصنيفهم كـ”أقليات”، وفق المحامي الحقوقي في حديثه لـ”درج”. ويتم تغييب حقوق “الأقليات” المواطنية وعدم تمثيلها سياسياً، بما يؤدي إلى اللجوء إلى استخدام القوة والعنف تجاه السلطة والتي تبادل هؤلاء بالقمع والبطش.

وإلى ذاك، عاود إمام جمعة زاهدان ومفتي أهل السنة في إيران عبد الحميد إسماعيل زهي، مطالبة الحكومة في طهران الاستماع لمطالب المحتجين. وشدد على أنّ النظام “هو المسؤول عن خدمة هؤلاء الناس. إذا احتج الناس، انظر إلى نقاط ضعفك، لا تلُم العدو، لا تقل إنّ العدو هو المحرض. دعونا نرى نقاط ضعفنا في تطبيق العدالة وتقديم الخدمات”. 

وانتقد إسماعيل زهي موقف 227 نائباً (من أصل 290) في البرلمان الإيراني، الذين حرضوا قبل أسبوع ضد المحتجين. وقال: “يجب أن تشجعوا على سماع صوت الناس، يجب أن تدافعوا عن الناس لكي لا يصابوا بالذخائر الحية”. وأردف: “عليكم أن تدافعوا عن حقوق السجناء وحقوق الناس، تكتبون الرسائل وتطالبون بفرض أقسى عقوبة على الناس. فهل تستحقون فعلاً تمثيل الأمة؟ هل تفعل برلمانات أخرى في العالم كما فعلتم؟”. 

واحتج مفتي أهل السنة في إيران على عمليات القتل بحق البلوش، فقال: “لا نعرف قواتنا التي تعيش على بيت المال، أين تلقت تعليمها وتدريبها”.

المحامية الأميركية في مجال حقوق الانسان، آيرينا تسوكرمان، ترى أنّ مذبحة زاهدان هي حدث يساهم، على نحو مباشر، في تصاعد وتيرة الاضطرابات المدنية المتواصلة في إيران، مثلها مثل مقتل مهسا أميني، بخاصة في ظل القمع التاريخي الذي عانى منه البلوش، فضلاً عن العزلة الثقافية تحت سيطرة الجمهورية الإسلامية. 

ونتيجة الاحتجاجات التي جاءت رداً على الجرائم التي ارتكبها عناصر الحرس الثوري، فتح النظام النيران على تجمع خارج المسجد، بينما قتل ما يقرب من مائة شخص في وقت واحد، قبل نحو شهرين. تقول تسوكرمان.

وتلفت المحامية الأميركية في مجال حقوق الإنسان إلى أنّ “خط النظام السياسي والإعلامي المقصود في تصوير البلوش على أنّهم مجرمون وانفصاليون. تعاني الأقليات العرقية في إيران من ظلم فادح. وذلك ليس على مستوى القمع الثقافي، فحسب، إنّما هناك معضلات جمّة يتسبب فيها نظام الحكم الإسلامي الشمولي، وكذلك الصمت على الساحة الدولية. في حين قوبلت الاحتجاجات بالمدن ذات الأغلبية الفارسية بالعنف، قوبلت الانتفاضات في المدن البلوشية والكردية بقوة مميتة، وكان البلوش والأكراد يشكلون إلى حد بعيد غالبية الضحايا الذين قتلوا على يد النظام في الاضطرابات المستمرة”. 

وتردف: “تقسيم السكان في إيران، أو التغييرات الديمغرافية، تبدو حيلة قصوى من النظام لإعادة توجيه السخط الشعبي ضد القوميات التي تصنف على أنّها أقلية. فالنظام يعمق الانقسامات العرقية والدينية منذ وصوله إلى السلطة. لا تزال هناك فجوات واسعة بين الفرس والأقليات العرقية، بسبب الطبيعة الشوفينية الأيديولوجية للتعليم الإيراني، برغم دور مؤسسات القوة الناعمة التابعة للنظام والتي شاركت في تلقين عقيدة تفوّق الفرس، حتى قبل الثورة الإسلامية عام 1979. كما أنّ للنظام أسباباً مختلفة لقمع الأقليات، منها أطماعه ومصالحه البراغماتية في السيطرة على النفط والغاز في المناطق الطرفية مثل الأحواز. لهذا يبعث بالكراهية الأيديولوجية والعنصرية ضد غير الفرس”.