بالتزامن مع نشر “درج” الإنذار الذي وصل من الوزير السابق ورئيس مجلس إدارة بنك “الموارد” مروان خير الدين بحق مواد سبق ونشرها الموقع، ظهر خبر الادّعاء على الأخير من قبل السلطات الفرنسية في نهاية آذار/ مارس 2023 بتهم عدّة وهي الانضمام إلى “جماعة إجراميّة، واختلاس أموال عامة على حساب الدولة اللبنانية، وسوء الأمانة، والتورط في شبهات فساد وشبهات تبييض أموال منظّمة”، بحسب وكالة فرانس برس وصحيفة الـ L’Orient Le Jour.
تأتي هذه الخطوة في سياق التحقيق الأوروبي في ثروة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، خصوصاً أنّه من المشتبه أنّ سلامة كان المستفيد من حسابات بنك الموارد، مقابل مزايا و”خدمات” منحها للبنك. فهل يشهد اللبنانيّون أخيراً مسارات ومساعي جديّة لمحاسبة المرتكبين الذين فرّطوا بمدخرات حياتهم ومستوى معيشتهم وتركوا نحو 80 في المئة من سكان لبنان تحت عتبة الفقر؟
أكد نائب المدعي المالي الفرنسي أنطوان جوكتور- ضمن لائحة الاتهام لصحيفة The National في 7 نيسان/ أبريل 2023، أن “مروان خير الدين قد وُجّهت إليه تهم غسل أموال مشددة والمشاركة في مؤامرة إجرامية، ووُضع تحت الإشراف القضائي في إطار التحقيق القضائي الذي فتح في فرنسا، والذي يستهدف بشكل خاص الاختلاس في مصرف لبنان المركزي”.
شكل ذلك بصيص أمل صغيراً، بعد أن فقد الكثير من اللبنانيّين أملهم بقضاء ومحاكمات عادلة خصوصًا مع غياب العدالة، ومحاولات الإفلات من العقاب والمحاسبة في قضايا مفصليّة وتاريخيّة، كانفجار مرفأ بيروت الذي راح ضحيّته أكثر من 200 شخص وكيفيّة التعامل مع القاضي طارق البيطار لمنعه من متابعة تحقيقاته في القضيّة، وقضيّة التحويلات السويسريّة، وكيف تمّ “كف يد” القاضي جان طنّوس، المعيّن في عام 2021 لقيادة التحقيق حول التحويلات المالية المشبوهة لسلامة، وقد استجوب رجا سلامة، شقيق رياض سلامة، في خصوص شركة فوري المتورّط بها الأخوين، واستجوب أيضاً مروان خير الدين في قضيّة بشأن عمليات سحب نقدي ضخمة تمت من 3 حسابات لرجا سلامة في بنك الموارد، والذي ورد أنّها حققت عوائد استثمار عالية واستثنائيّة بين عامي 1993 و2019، حيث نمت من استثمار أولي قدره 15 مليون دولار إلى 150 مليون دولار، وفقاً لوثائق قضائية اطلعت عليها صحيفة The National.
هذا إضافة إلى قضيّة المصارف و”سرقة العصر” أو كما وصفها الخبير الاقتصادي توفيق كسبار: “أكبر انهيار مصرفي في التاريخ”، وكيف حرمت المصارف المودعين من مدخراتهم. أصبحنا في لبنان على موعد يومي مع كشوفات فساد “على عينك يا تاجر” من دون توقّع أي محاسبة أو أي خطوة تُعيد الحقوق المهدورة. كلّ ما ذكرناه، أفقد اللبنانيّين الأمل بقضاء مستقل، حتى بات معظمهم يطالبون بتحقيقات دوليّة. وبالتالي فإن أي تحرّك ضدّ أي جزء من هذه المنظومة المتشابكة في لبنان، يعدّ إنجازاً وبصيص أمل لإعادة ثقة اللبنانيّين بوجود عدالة أو محاسبة وإن خارج لبنان.
الوزير السابق خير الدين الذي ذكر في إنذاره أنّ تحقيقنا يعدّ “اغتيالاً معنوياً” له، وقد يعرّض المصرف لخطر وأنّ “تعابيري غير المسؤولة” قد تؤدّي إلى “هلاك” الودائع، ها هو اليوم رهن التحقيق في فرنسا حول شبهات الفساد المرتبطة به.
تجدر الإشارة هنا إلى أنّ وفدين من القضاة الأوروبيّين زاروا لبنان في كانون الثاني/ يناير وفي آذار 2023 على التوالي وقد استمعوا لى خير الدين في الزيارة الأولى. أمّا المدّعى عليه، سلامة، فقد تمّ “استجوابه” بأكثر من مئة سؤال في الزيارة الثانية.
سلامة يخضع لتحقيقات في دول أوروبيّة عدّة بتهمة تبييض الأموال، فهو وشقيقه رجاء متهمان باختلاس أكثر من 300 مليون دولار من البنك المركزي إلى حسابات سويسرية بين عامي 2002 و2015.
في هذا السياق، سبق أن كشف موقع “درج” كيف استثمرت شركات أوفشور مملوكة لسلامة بأصول خارجية، بلغت قيمتها نحو 100 مليون دولار، وكيف أنّ شركة مرتبطة بالحاكم استثمرت بشركة ابنه، ندي، وباعت لاحقاً أسهمها لبنك “عوده” الذي حقّق في الفترة نفسها تقريباً ربحاً بقيمة 1.6 مليار دولار من الهندسات المالية التي أقرّها سلامة عام 2016، بحسب لجنة الرقابة على المصارف في لبنان.
تأتي هذه الخطوة كفرصة لنشدّد فيها على صدقيّة تحقيقاتنا في “درج” ولتعزيز جهودنا في متابعة تحقيقاتنا الصحافية للكشف عن التجاوزات القانونيّة والأخلاقيّة التي أوصلت البلد إلى مشارف الهلاك. فهذه الخطوات تشكّل انتصارات صغيرة، تجعل كل الجهود الصحافية تستحق العناء.
الوزير السابق خير الدين الذي ذكر في إنذاره أنّ تحقيقنا يعدّ “اغتيالاً معنوياً” له، وقد يعرّض المصرف لخطر وأنّ “تعابيري غير المسؤولة” قد تؤدّي إلى “هلاك” الودائع، ها هو اليوم رهن التحقيق في فرنسا حول شبهات الفساد المرتبطة به. فهل سيتّهم خير الدين السلطات الفرنسيّة بهلاك ودائع مصرفه الذي حجزها منذ عام 2019؟
كشف تحقيق “درج” أنّه حوّل 6.5 مليون دولار أميركي لنجل حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، ندي، في الخارج وذلك في أواخر عام 2019، أي بعد الأزمة الاقتصادية في الفترة نفسها التي منعت القيود المصرفية المواطنين العاديين من الوصول إلى مدخراتهم.
كما كشف تحقيق “درج” في سياق مشروع “وثائق باندورا” أنّ لمروان خير الدين شركتين في جزر العذراء البريطانية. وحصل من خلال إحداهما، وهي “دريفت وود ليمتد”، على يخت بقيمة مليوني دولار أميركي في نيسان/ أبريل 2019 أي قبل أشهر من الانهيار الاقتصادي.
وبناءً على تحقيق الموقع في سياق مشروع “وثائق باندورا”، أرسل خير الدين، بعد نحو عام ونصف العام من النشر، إنذاراً لمعدّة التحقيق في 6 آذار 2023، ونشر “درج” الإنذار وردّ عليه في 6 نيسان 2023، متمسّكاً بما كشفته التحقيقات الصحافية، على أمل أن يبدأ مشوار التحقيقات القضائية الأوروبيّة والمحليّة لكشف المزيد من التفاصيل حول الشبهات التي تحوم حول عمله.
من هو مروان خير الدين؟
خير الدّين، هو رئيس مجلس إدارة “بنك الموارد” الذي أسّسه والده سليم خير الدّين عام 1993، ويشغل أيضاً منصب المدير العام في المصرف الذي تزيد قاعدة أصوله (asset base) عن مليوني دولار أميركي، مع 17 فرعاً ونحو 500 موظّف.
خير الدّين، البالغ من العمر 53 سنة، هو أحد مؤسسي “الحزب الديمقراطي اللبناني” وعضو في المجلس السياسي للحزب منذ تأسيسه عام 2001. تربط خير الدين علاقة عائليّة برئيس “الحزب الديمقراطي اللبناني”، طلال ارسلان، فهو شقيق زوجته. وقد عُيّن عام 2011 وزير دولة في حكومة نجيب ميقاتي، التي استمرّت حتى عام 2014.
كما رافق خير الدّين إرسلان بصفته مستشاراً له لدى استلامه حقائب السياحة، والمغتربين، والشباب والرياضة. وبصفته “مصرفيّاً مخضرماً”، كان عضواً في مجلس إدارة جمعيّة المصارف في لبنان، وعضو مجلس إدارة بورصة بيروت بين عامي 1994 و1999.
إقرأوا أيضاً: