fbpx

مريم التي دوّخت موسوليني 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في هذا كله، سعت مريم إلى سرقة الأضواء، ككثير من الكائنات التي لا تُطيق العيش في الظل، أو على الهامش، والتي تفتعل في كل مرة إشكالاً من هنا وموقفاً من هناك، لتظلّ على قيد الشهرة، والمشكل مع ديما له طنّة ورنّة، يؤمّن انتشاراً سريعاً. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تدخل ديما المصعد من دون أن تنتبه الى وجود مريم، ربما انتبهت، لكنها لم تُعر ذلك اهتماماً، أو تحسبت لشيء ما، فأبقت النظّارات الشمسية على عينيها، وأكملت التقليب في جوّالها.

 لم يرقْ لمريم ألا “تنفعط” بها ديما، ألا تنصعق بحضورها الآسر، ألا تصرخ بأعلى صوتها، كما يفعل الجمهور حين يلتقي مصادفة أحد المشاهير المحبوبين “أوووه ماريام”، ألا تتقدّم منها نادمة معتذرة بسبب اختلافها عنها، بالرأي.

كانت هذه اللحظة أشبه بليلة قدر، طالما تمنّت مريم أن تهبط عليها، وكانت تسنّ أسنانها وتشحذ لسانها تحضيراً لها، وفجأة، وفي داخل مصعد صغير في بناية بيروتية على شاطئ المتوسط، خرج المارد من زجاجته العتيقة، وقال لها: “شبيك لبيك عبدك بين إيديك”، وفي نسخة معاصرة استخدم أحدهم تقنية الهولوغرام، ووضعها وجهاً لوجه أمام ديما، ليحصل ما كان بالحسبان… 

ارتبكت مريم بدايةً، لكنها سرعان ما تماسكت، وقالت في قرارة نفسها: “هذه ليلتي وحلم حياتي”، والوقت مناسب جداً لألمّع سجلّي وأعيد تلاوة ولاءاتي ولأتوّج نفسي بطلة، والمصاعد لها عيون وآذان وعدوي “التلفون” بيدي، وسيعرف الحاج وجوقته، أنني على المسافة صفر من الهدف، عليّ أن أستغلّ الظرف لأهجم وأرمي سهامي، وإلا سيزعل مني الحاج ويرسل عليّ ذبابه الإلكتروني ينهشني على الملأ.

بدأت مريم بكيل الإهانات والشتائم، وديما لا تردّ، انقرصت، فضاعفت الدوز، وديما لا تردّ، توقّف المصعد وخرجتا منه لتدخلا إلى قاعة الجمعية الشيعية، لتقديم واجب العزاء. مريم “تشرقط” مثل خط التوتر العالي، وديما تطلب منها أن تحترم حرمة الموت، تُكهرب مريم الجوّ، من دون مراعاة لمشاعر أهل العزاء، وديما مصرّة على تكرار عبارة واحدة: احترام حرمة الموت. 

مريم مصرّة على أن تكون النسخة النسائية من بدري أبو كلبشة، على رغم التباين الواضح بين خامتيْ الشخصيتين، تخيّلتها وهي تلاحق ديما في قاعة الجمعية، فتحتمي ديما بأهل العزاء متحاشية الموقف المحرج، وهي تشمشم في إثرها وتقول: “أنفي لا يخطئ”، تجلس لبرهة قصيرة، ثم تهبّ هبّة رجل واحد، تقف بطولها وعرضها في مكان بارز، ومثل بدري أبو كلبشة، تُهوي على كفّها بالهراوة ثلاث مرات، وتسأل عن ديما ولا تجدها، فتثور مشاعر التحرّي في داخلها، وتقول: “أنا لي دوخت موسوليني، لن تدوّخني ديما”، فتجول بعينيها على الحاضرات وتجدها وتقترب منها ثانية، وتهدّدها، وربما ترفع سبابتها لتضيف على تهديداتها تأثيراً خاصّاً.

 لم يرقْ لمريم ألا “تنفعط” بها ديما، ألا تنصعق بحضورها الآسر، ألا تصرخ بأعلى صوتها، كما يفعل الجمهور حين يلتقي مصادفة أحد المشاهير المحبوبين “أوووه ماريام”، ألا تتقدّم منها نادمة معتذرة بسبب اختلافها عنها، بالرأي.

في مشهد آخر، أتخيّلها تتقدّم مثل قبضايات الحارة، متقمّصة شخصية أبو عنتر، من دون عفويته، تهدّد ديما بصوت خشن، وتنسحب خائبة، تعود إلى إمبراطوريتها الإعلامية لتقدم رواية مختلفة عن الحادثة، ليصدّقها الناس، يلثغ أبو عنتر بنصف حروف الأبجدية، ويرتّب أحرف المفردة الواحدة بطريقة فوضوية لكن جذّابة، بينما يوماً إثر يوم، ومقدمة أخبار بعد أخرى، تبرع مريم في تسميك اللغة وتنفير أهلها منها، نحواً وصرفاً وتركيباً وتعبيراً.

في هذا كله، سعت مريم إلى سرقة الأضواء، ككثير من الكائنات التي لا تُطيق العيش في الظل، أو على الهامش، والتي تفتعل في كل مرة إشكالاً من هنا وموقفاً من هناك، لتظلّ على قيد الشهرة، والمشكل مع ديما له طنّة ورنّة، يؤمّن انتشاراً سريعاً. 

من نافل القول، إن الاعتداء اللفظي واقتحام الحيّز الشخصي، هما نوع من الترهيب النفسي، الذي عمّمه “الحاج” وجوقته، تطبيقاً لمبدأ احتكار الحقّ. 

وإذا أغفلنا فوارق كثيرة بمستويات العنف، يذكر هذا الفعل باقتحام المستوطنين منازل الفلسطينيين بحجّة ملكيتها تاريخياً، وبينما يرافق الرصاص اعتداء المستوطنين، بمباركة زعماء اليمين المتطرّف، ترافق الشتائم اعتداء الأولين، كتعبير عن ثقافة “الحاجز” التي استحضرها “الحاج” من زمن الحرب الأهلية، وحرص على تمدّدها أفقياً، ليصبح كل مواطن أو مواطنة عنصراً ميليشياوياً يعمل لديه.

أما الشتائم والكلمات المختارة بعناية من قاموس الزواريب والصوت العالي؛ الردح بالمصري، فهي أفعال “نسائية” على نحو ما تقول الصورة النمطية، وهي تتناقض مع تمثّلات الذكورة، أعلاه، لكنها تنسجم معها، لكونها تعمل على الوقود الذكوري، لكونها فكرة ذكورية أساساً، من نوع استباحة كرامة المرأة بغية قمعها، شتم المرأة بغية إخافتها، وإهانتها لإجبارها على العودة إلى البيت. واللافت، أن هذه الطريقة صارت معتمدة في كثير من العائلات، في المجتمعات الضيقة، في الأماكن العامة، في الإعلام،في السوشيل ميديا، وفي قاعات العزاء! وهذا ما شهدناه في حادثة ديما.

تبدأ الأمور عادةً، من هنا، ثم تتطوّر تدريجياً: محاصرة، مقاطعة، تبرّؤ، منازلة، إعلان حرب، هدر دم، اغتيال، وهذا ما شهدناه مع لقمان سليم!

محمد أبو شحمة- صحفي فلسطيني | 11.10.2024

ضغط عسكري على الشمال ومجازر في جنوبه… عدوان “إسرائيل” في غزة لا يتوقّف

يمارس الجيش الإسرائيلي ضغطاً عسكرياً على سكان المخيم بهدف دفعهم إلى النزوح لجنوب القطاع، تنفيذاً لما يُعرف بخطة "الجنرالات" التي وضعها اللواء الإسرائيلي المتقاعد غيورا إيلاند، والهادفة إلى إجلاء المدنيين بعد حصار محكم.
05.04.2024
زمن القراءة: 3 minutes

في هذا كله، سعت مريم إلى سرقة الأضواء، ككثير من الكائنات التي لا تُطيق العيش في الظل، أو على الهامش، والتي تفتعل في كل مرة إشكالاً من هنا وموقفاً من هناك، لتظلّ على قيد الشهرة، والمشكل مع ديما له طنّة ورنّة، يؤمّن انتشاراً سريعاً. 

تدخل ديما المصعد من دون أن تنتبه الى وجود مريم، ربما انتبهت، لكنها لم تُعر ذلك اهتماماً، أو تحسبت لشيء ما، فأبقت النظّارات الشمسية على عينيها، وأكملت التقليب في جوّالها.

 لم يرقْ لمريم ألا “تنفعط” بها ديما، ألا تنصعق بحضورها الآسر، ألا تصرخ بأعلى صوتها، كما يفعل الجمهور حين يلتقي مصادفة أحد المشاهير المحبوبين “أوووه ماريام”، ألا تتقدّم منها نادمة معتذرة بسبب اختلافها عنها، بالرأي.

كانت هذه اللحظة أشبه بليلة قدر، طالما تمنّت مريم أن تهبط عليها، وكانت تسنّ أسنانها وتشحذ لسانها تحضيراً لها، وفجأة، وفي داخل مصعد صغير في بناية بيروتية على شاطئ المتوسط، خرج المارد من زجاجته العتيقة، وقال لها: “شبيك لبيك عبدك بين إيديك”، وفي نسخة معاصرة استخدم أحدهم تقنية الهولوغرام، ووضعها وجهاً لوجه أمام ديما، ليحصل ما كان بالحسبان… 

ارتبكت مريم بدايةً، لكنها سرعان ما تماسكت، وقالت في قرارة نفسها: “هذه ليلتي وحلم حياتي”، والوقت مناسب جداً لألمّع سجلّي وأعيد تلاوة ولاءاتي ولأتوّج نفسي بطلة، والمصاعد لها عيون وآذان وعدوي “التلفون” بيدي، وسيعرف الحاج وجوقته، أنني على المسافة صفر من الهدف، عليّ أن أستغلّ الظرف لأهجم وأرمي سهامي، وإلا سيزعل مني الحاج ويرسل عليّ ذبابه الإلكتروني ينهشني على الملأ.

بدأت مريم بكيل الإهانات والشتائم، وديما لا تردّ، انقرصت، فضاعفت الدوز، وديما لا تردّ، توقّف المصعد وخرجتا منه لتدخلا إلى قاعة الجمعية الشيعية، لتقديم واجب العزاء. مريم “تشرقط” مثل خط التوتر العالي، وديما تطلب منها أن تحترم حرمة الموت، تُكهرب مريم الجوّ، من دون مراعاة لمشاعر أهل العزاء، وديما مصرّة على تكرار عبارة واحدة: احترام حرمة الموت. 

مريم مصرّة على أن تكون النسخة النسائية من بدري أبو كلبشة، على رغم التباين الواضح بين خامتيْ الشخصيتين، تخيّلتها وهي تلاحق ديما في قاعة الجمعية، فتحتمي ديما بأهل العزاء متحاشية الموقف المحرج، وهي تشمشم في إثرها وتقول: “أنفي لا يخطئ”، تجلس لبرهة قصيرة، ثم تهبّ هبّة رجل واحد، تقف بطولها وعرضها في مكان بارز، ومثل بدري أبو كلبشة، تُهوي على كفّها بالهراوة ثلاث مرات، وتسأل عن ديما ولا تجدها، فتثور مشاعر التحرّي في داخلها، وتقول: “أنا لي دوخت موسوليني، لن تدوّخني ديما”، فتجول بعينيها على الحاضرات وتجدها وتقترب منها ثانية، وتهدّدها، وربما ترفع سبابتها لتضيف على تهديداتها تأثيراً خاصّاً.

 لم يرقْ لمريم ألا “تنفعط” بها ديما، ألا تنصعق بحضورها الآسر، ألا تصرخ بأعلى صوتها، كما يفعل الجمهور حين يلتقي مصادفة أحد المشاهير المحبوبين “أوووه ماريام”، ألا تتقدّم منها نادمة معتذرة بسبب اختلافها عنها، بالرأي.

في مشهد آخر، أتخيّلها تتقدّم مثل قبضايات الحارة، متقمّصة شخصية أبو عنتر، من دون عفويته، تهدّد ديما بصوت خشن، وتنسحب خائبة، تعود إلى إمبراطوريتها الإعلامية لتقدم رواية مختلفة عن الحادثة، ليصدّقها الناس، يلثغ أبو عنتر بنصف حروف الأبجدية، ويرتّب أحرف المفردة الواحدة بطريقة فوضوية لكن جذّابة، بينما يوماً إثر يوم، ومقدمة أخبار بعد أخرى، تبرع مريم في تسميك اللغة وتنفير أهلها منها، نحواً وصرفاً وتركيباً وتعبيراً.

في هذا كله، سعت مريم إلى سرقة الأضواء، ككثير من الكائنات التي لا تُطيق العيش في الظل، أو على الهامش، والتي تفتعل في كل مرة إشكالاً من هنا وموقفاً من هناك، لتظلّ على قيد الشهرة، والمشكل مع ديما له طنّة ورنّة، يؤمّن انتشاراً سريعاً. 

من نافل القول، إن الاعتداء اللفظي واقتحام الحيّز الشخصي، هما نوع من الترهيب النفسي، الذي عمّمه “الحاج” وجوقته، تطبيقاً لمبدأ احتكار الحقّ. 

وإذا أغفلنا فوارق كثيرة بمستويات العنف، يذكر هذا الفعل باقتحام المستوطنين منازل الفلسطينيين بحجّة ملكيتها تاريخياً، وبينما يرافق الرصاص اعتداء المستوطنين، بمباركة زعماء اليمين المتطرّف، ترافق الشتائم اعتداء الأولين، كتعبير عن ثقافة “الحاجز” التي استحضرها “الحاج” من زمن الحرب الأهلية، وحرص على تمدّدها أفقياً، ليصبح كل مواطن أو مواطنة عنصراً ميليشياوياً يعمل لديه.

أما الشتائم والكلمات المختارة بعناية من قاموس الزواريب والصوت العالي؛ الردح بالمصري، فهي أفعال “نسائية” على نحو ما تقول الصورة النمطية، وهي تتناقض مع تمثّلات الذكورة، أعلاه، لكنها تنسجم معها، لكونها تعمل على الوقود الذكوري، لكونها فكرة ذكورية أساساً، من نوع استباحة كرامة المرأة بغية قمعها، شتم المرأة بغية إخافتها، وإهانتها لإجبارها على العودة إلى البيت. واللافت، أن هذه الطريقة صارت معتمدة في كثير من العائلات، في المجتمعات الضيقة، في الأماكن العامة، في الإعلام،في السوشيل ميديا، وفي قاعات العزاء! وهذا ما شهدناه في حادثة ديما.

تبدأ الأمور عادةً، من هنا، ثم تتطوّر تدريجياً: محاصرة، مقاطعة، تبرّؤ، منازلة، إعلان حرب، هدر دم، اغتيال، وهذا ما شهدناه مع لقمان سليم!