في كانون الثاني/ يناير الماضي، انفجرت طائرة مسيرة بدون طيار في قاعدة أميركية عند الحدود العراقية في شمال شرق الأردن، مما أسفر عن مقتل ثلاثة جنود وإصابة العشرات – كانت هذه الحادثة الأكثر دراماتيكية في سلسلة من الهجمات التي شنتها ميليشيات مدعومة من إيران منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
وسرعان ما شنت الولايات المتحدة حملة على شبكة مالية قالت إنها تدعم “كتائب حزب الله”، الميليشيا العراقية التي أُلقي باللوم عليها في الهجوم. وبعد يوم واحد من الضربة، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على حمد الموسوي مالك مصرف الهدى العراقي، زاعمةً أنه أنشأ البنك بتوجيه من جناح النخبة في الحرس الثوري الإيراني لغسل الأموال لصالح الجماعات الإرهابية.
وجاء في بيان صحافي أن “وزارة الخزانة الأميركية تستخدم اليوم أدوات قوية لحماية النظام المالي العراقي والدولي، من إساءة الاستخدام من ممولي الإرهاب والمحتالين وغاسلي الأموال”.
لكن على الرغم من الخطاب المتشدد، فشل المسؤولون الأميركيون في اتخاذ إجراء ضد الموسوي، عندما دقت الإنذارات حيال مصرفه قبل ما يقرب من عقد من الزمان.
في عام 2015، حلّلت لجنة برلمانية برئاسة السياسي العراقي البارز أحمد الجلبي، طلبات للحصول على الدولار والفواتير والوثائق الجمركية وسجلات التحويلات المصرفية، وزعمت علناً أن مصرف الهدى حصل عن طريق الاحتيال على ما يقرب من 6.5 مليار دولار من خلال استغلال آلية غامضة تًعرف باسم “مزاد العملة أو مزاد الدولار”.
هذه الآلية هي من مخلفات الاحتلال الأميركي للعراق، إذ تعمل من خلال توجيه عائدات بيع النفط العراقي إلى حساب بالدولار فى البنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك. بعد ذلك، يبيع البنك المركزي العراقي الدولارات للبنوك، التي تقدم طلبات نيابة عن الشركات حتى تتمكن من دفع ثمن الواردات، والتي تتراوح من الشامبو حتى توابل الشاورما.
كتب الجلبي في رسالة رسمية تُلخص نتائج التحقيق الذي أشرف عليه، إلى “هيئة النزاهة الاتحادية” التي تأسست لمكافحة الكسب غير المشروع: “نعتقد أن هذا الدليل هو رأس جبل الجليد، إذ إن هناك عشرات البنوك في العراق تنفذ هذه العمليات على نطاق واسع”. وسُلّمت نسخة من هذه الرسالة إلى رئيس الوزراء ومسؤولين كبار آخرين، ثم سُرّبت وتم تداولها على نطاق واسع.
حصل صحافيو OCCRP على بعض ملفات اللجنة المالية في البرلمان، التي لم تخرج أبداً للعلن. ومن خلال فحص سجلات الشركة وتقارير الحكومة الأميركية، وبيانات مزادات العملة العلنية، وإجراء مقابلات مع أكثر من 12 مسؤولاً أميركياً وعراقياً، أكد الصحافيون مزاعم اللجنة البرلمانية حيال الفساد، بل ووجدوا أدلة إضافية لها علاقة ببنك الهدى والكثير من البنوك العراقية الأخرى (لم يرد مصرف الهدى والموسوي على طلبات الحصول على التعليق).
وساعدت النتائج في بناء صورة كاملة ومفصلة عن كيفية تمكن البنوك من الحصول على مليارات الدولارات من خلال تقديم وثائق أظهرت علامات واضحة على الفساد. ومن خلال تتبع أصحاب الشركات والحسابات المدرجة في الفواتير من طلبات الدولار، وجد صحافيو “OCCRP” أن الكثير من هذه الأموال تم توجيهها إلى حسابات مرتبطة بممولي إرهاب مزعومين، بما في ذلك ما لا يقل عن 28 مليون دولار أُرسلت إلى شركة تقول الولايات المتحدة إنها تعاملت مع أموال لأحد أعضاء الحرس الثوري الإيراني، الذي فرضت عليه لاحقاً عقوبات لتمويل المتمردين الحوثيين في اليمن.
يوفر التحقيق الذي قام به الصحافيون دعماً لمزاعم خبراء لطالما قالوا إن الفساد في مزادات الدولار كان منتشراً ومتجذراً، وفي كثير من الحالات؛ لم يتم التدقيق في المعاملات في ما يبدو. على سبيل المثال، استمر مصرف الهدى في المشاركة في المزاد لفترة طويلة بعد النتائج التي توصلت إليها اللجنة البرلمانية، إذ اشترى مئات الملايين من الدولارات سنوياً حتى عام 2020 على الأقل، وفقاً للسجلات.
ويقول الخبراء إنه على مر السنوات، استخدمت الدولارات جماعات تُعتبر من خصوم الولايات المتحدة تم ضخها من المزاد بما في ذلك الميليشيات المدعومة من إيران، وتنظيم الدولة الإسلامية، ونظام الرئيس السوري بشار الأسد.
قال مايكل نايتس، أحد كبار الزملاء في “معهد واشنطن للأبحاث”: “إن الميليشيات التي تُدير العراق الآن بنت نفسها باستخدام التمويل التهديدي المقدم من مزادات الدولار”، في إشارة إلى التمويل المستخدم في أنشطة غير مشروعة تهدّد أمن الولايات المتحدة، وقال: “إن الولايات المتحدة كانت بطيئة للغاية في اتخاذ الإجراءات اللازمة”.
في السنوات الأخيرة، شنت الولايات المتحدة حملة صارمة ضد المزاد. فقد حظر بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك ونظراؤه العراقيون نحو عشرين بنكاً عراقياً من التعامل في المزاد منذ عام 2019. لكن وفقاً لخبراء إقليميين وسياسيين عراقيين ومسؤولين أميركيين سابقين وحاليين، لم يتم إصلاح النظام الذي سمح ويسمح بهذا الفساد الواسع الانتشار. وفي مقابلة تلو الأخرى، وصف أشخاص مطلعون على المزاد كيف استمرت الانتهاكات على الرغم من أنها كانت واضحة منذ ما يقرب من عقدين.
وقال علي علاوي، وزير مالية سابق، لـ “OCCRP”: “كانت الناس تتحدث عن ذلك، لكن لم يفعل أحد أي شيء حيال الأمر”، مضيفاً أن “المزاد استمر لأنه كان بمثابة بقرة حلوب تدر أموالاً ضخمة، والكثير من الناس شاركوا في هذه العملية”.
ووصف ستيوارت بوين، الذي أشرف من عام 2004 إلى عام 2013 على الأموال الأميركية المخصصة لـ”هيئة إعادة إعمار العراق” في عهد الرئيسين السابقين جورج دبليو بوش وباراك أوباما، كيف أقامت الولايات المتحدة مزاد العملة “بأقل قدر من الاشراف” والمراقبة، ثم “سلمته للعراقيين الذين لم يكن لديهم أدنى فكرة عن كيفية التعامل معه، سوى استغلاله”.
وقال لـ “OCCRP”: “إذا أردت أن تعرف ما هو أصل المشكلة من بين أشياء كثيرة في العراق، مرة أخرى نحن السبب. لقد خلقنا الغول ثم قلنا إنه ليس غولنا!”.
وامتنعت وزارتا الخزانة والخارجية الأميركيتان عن التعليق.
من جهته رفض البنك الاحتياطي الفدرالي في نيويورك إجراء مقابلة مع OCCRP بشأن هذه القصة، ولكنه أفاد في تعليق وصل عبر البريد الإلكتروني بأن البنك يعمل مع البنك المركزي العراقي ووزارة الخزانة الأمريكية “لمواصلة تحديث وتحسين ضوابط الامتثال لدينا لمنع إساءة استخدام قنوات الدفع لدينا بأفضل طريقة ممكنة.”
وأضاف: “عند تقديم خدمات البنوك المراسلة وخدمات الحفظ للبنوك المركزية الأجنبية والمؤسسات الرسمية، فإننا نحافظ على أنظمة امتثال قوية تتطور مع مرور الوقت استجابةً للمعلومات الجديدة وبالتنسيق مع الوكالات الحكومية الأميركية الأخرى”.
وقال ماثيو زايس، الذي عمل مديراً في مجلس الأمن القومي الأميركي لمدة عامين في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، إن الفساد في مزاد الدولار ” كان معروفاً جيداً منذ سنوات”.
وأضاف زايس: “لكن السؤال الصحيح هو، لماذا انتظرنا حتى قُتل الأميركيون على يد كتائب حزب الله بداية العام قبل أن يلاحقوا بنكهم؟”.
سوء استغلال مزاد الدولار العراقي
في أيار/ مايو 2003، بعد شهر من إطاحة الولايات المتحدة بالرئيس العراقي صدام حسين، أنشأ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ﺼﻨﺩﻭﻕ ﺘﻨﻤﻴﺔ اﻠﻌﺭﺍﻕ (DFI) بهدف إدارة عائدات النفط في البلاد، وتم توجيه عائدات النفط إلى حساب صندوق تنمية العراق في مصرف نيويورك الفيدرالي.
في البداية، نقلت الولايات المتحدة جواً، ملايين الدولارات نقداً من الحساب إلى بغداد، حيث نقلها المسؤولون العراقيون بالشاحنات إلى البنك المركزي. وبحلول منتصف عام 2004، كانت الولايات المتحدة سلمت السلطة صندوق التنمية للعراق إلى حكومة انتقالية عراقية، وبذلك أفسحت عمليات النقل الجوي للنقود المجال أمام مزاد الدولار.
يسمح المزاد للبنك المركزي العراقي ببيع الدولار الأميركي المحتفظ به في حساب صندوق تنمية العراق في حدث يومي مفتوح للمصارف العراقية المعتمدة كافة. إذ تتقدم المصارف بطلب للحصول على الدولار نيابة عن التجار العراقيين الذين يقدمون فواتير السلع المستوردة. يحوّل الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك الأموالَ إلى حساب أحد البنوك العراقية، ثم – نظرياً – يتم إرسالها لدفع ثمن الواردات.
في تشرين الأول/ أكتوبر 2012، قدم بوين، الذي كان يشغل منصب رئيس مكتب المفتش العام لإعادة إعمار العراق، وهي الوكالة الأميركية التي تُشرف على جهود إعادة الإعمار والتي بلغت تكلفتها 63 مليار دولار؛ تقريراً الى الكونغرس يشير فيه إلى انتهاكات واسعة النطاق في مزاد العملة. ووجد تقرير تدقيق عراقي أن 80 في المئة مما يقارب مليار دولار يتم شراؤها في المزاد كل أسبوع كانت “مرتبطة بمعاملات غير قانونية” و”يُحتمل أنها ضاعت في الخارج بسبب غسل الأموال”.
لكن الولايات المتحدة لم تستطع اتخاذ إجراءات فورية بسبب عدم وجود اختصاص الولاية القضائية، بحسب بوين، الذي قال لـ ” OCCRP”: “إن العراقيين هم الذين يشرفون على المال العراقي”، مضيفاً “أن القانون الساري في هذا الوضع كان القانون العراقي”.
وبعد ثلاث سنوات، في كانون الأول/ ديسمبر 2015، ضغط الاحتياطي الفيدرالي على البنك المركزي العراقي لحظر 142 شركة صرافة من المشاركة في مزاد الدولار. وأشار البنك المركزي العراقي إلى مخاوف من أن الدولارات كانت تذهب لتمويل تنظيم الدولة الإسلامية المتطرف، الذي كان يسيطر على أجزاء كبيرة من سوريا والعراق في ذلك الوقت. وخلال السنوات التالية، استمر الاحتياطي الفيدرالي في حظر البنوك من المزاد لكن من دون إعلان القرار علناً.
لكن الفساد لم يتوقف. في عام 2018، خلص جويل رايبورن، الذي تم تعيينه مبعوثاً خاصاً للولايات المتحدة إلى سوريا في ذلك العام، إلى أن مزاد الدولار كان يمول نظام الأسد.
وقال رايبورن لـ “OCCRP”: “كنت أحاول اكتشاف سبب استمرارية السيستم المالي لنظام الأسد. هذه كانت المرة الأولى التي أدركت فيها أن هناك ثغرات هائلة في نظام تنفيذ العقوبات لدينا”.
وأضاف: “أصبح من الواضح أن الإيرانيين جعلوا الحكومة العراقية تزودهم بالدولار لأغراضهم الخاصة، وكذلك لدعم نظام الأسد “، وتابع: “لم تكن هناك طريقة أخرى يمكن للنظام الإيراني من خلالها توجيه إمدادات كبيرة من الدولار إلا من خلال مزاد الدولار”.
لا يوجد تفسير واحد أو سهل لسبب فشل الولايات المتحدة في اتخاذ إجراءات أقوى في وقت سابق لوقف الفساد في مزاد الدولار.
قال جيمس جيفري سفير الولايات المتحدة في العراق من عام 2010 إلى عام 2012، إنه خلال الفترة التي أمضاها في البلاد، كانت الولايات المتحدة تركز على الحفاظ على استقرار الدينار العراقي، ولم يُنظر إلى مزادات الدولار على أنها تشكل مشكلة كبيرة.
وقال في مقابلة مع “OCCRP”: “لم يكن غسل الأموال شيئاً نوليه اهتماماً خاصاً”، مشيراً إلى أن “الحرب الأميركية ضد تنظيم الدولة الإسلامية، التي خاضتها الولايات المتحدة بالتعاون مع الحكومة العراقية من عام 2014 إلى عام 2017، شكلت أيضاً مصدر إلهاء… لم تكن هناك رغبة في تقييد تدفق الدولارات إلى بغداد بينما كانت تلك الحرب مستمرة”.
كما أوضح علاوي، وزير المالية السابق، أن “المسؤولين الأميركيين كانوا على دراية بعمليات الفساد لكنهم فشلوا في تقدير عواقبها الكاملة”، لافتاً إلى أنه “ربما في بادئ الأمر قالوا، كما تعلمون، هذا مجرد وضع طبيعي …الأولاد سيتصرفون مثل الأولاد، فما هو الجديد؟ العراق فاسد”.
تقرير الجلبي عن الفساد يذكر مصرف الهدى
مع أنه كان من المعروف وعلى نطاق واسع أن الفساد في مزاد الدولار كان يتم، إلا أن تقرير اللجنة البرلمانية التي ترأسها الجلبي قدّم تحذيراً واضحاً وقوياً.
كان الجلبي، سليل عائلة عراقية عريقة، معارضاً سياسياً بارزاً في المنفى خلال حكم صدام حسين. وبعدما شغل مناصب حكومية رفيعة عدة بعد سقوط صدام، انتُخب عضواً في البرلمان في عام 2010. وترأس اللجنة المالية المكلفة بتدقيق أموال النفط المودعة في حساب نيويورك. ومن خلال عمله من مكتبه داخل منزله في مزرعة نخيل خاصة بأسرته في ضواحي بغداد، حقق هو وفريقه مع مجموعة من البنوك التي تشتري المليارات من خلال المزاد.
واستناداً إلى طلبات الحصول على الدولار التي مدّهم بها البنك المركزي – بما في ذلك السجلات الجمركية والفواتير وكشوف الحسابات وتحويلات السويفت – خلصوا إلى أن عشرات البنوك قد تورطت في عمليات فساد واسعة النطاق. وفي رسالة أرسلتها اللجنة عام 2015 إلى هيئة النزاهة الاتحادية، حددت اللجنة ثلاثة من المصارف المخالفة شملت مصرف الهدى، الذي ظهر اسمه لاحقاً في قرار العقوبات الأميركية بعد الهجوم بالطائرة المسيرة بعد قرابة عقد من الزمان.
راجع المحققون شريحة تشمل ثلاث سنوات من طلبات مصرف الهدى للحصول على الدولار، وتتبعوا 32 شركة زعم البنك أنها استوردت بضائع إلى العراق. ووجدت اللجنة أن 29 منها لم تكن مسجلة في العراق، كما هو مطلوب للمشاركة في المزاد.
الأموال التي أفرج عنها بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك لصالح مصرف الهدى – والتي بلغت ما يقرب من 6.5 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات، لم تُدفع للموردين الذين كانوا من المفترض أن يصدروا البضائع إلى العراق، وبدلاً من ذلك، حُوّلت إلى حسابات ثلاث شركات صرافة، بما في ذلك ما يقرب من 5.8 مليار دولار لشركة صرافة يشترك في ملكيتها مالك مصرف الهدى، حمد الموسوي.
وكان الموسوي قد حصل على دولارات “من البنك المركزي بوثائق مزورة وحولها إلى شركة يملكها ويتصرف فيها بالكامل”، كما كتب الجلبي في الرسالة ملخصاً النتائج التي توصل إليها.
ودعماً لهذه الادعاءات، قدمت اللجنة وثائق؛ حصل عليها فريق تحقيق “OCCRP”، بما في ذلك سجلات ملكية شركة الصرافة التي يملكها الموسوي ومراسلات مع سجل الشركات العراقية تؤكد أن ثلاثة فقط من المستوردين كانوا مسجلين في العراق.
خلال السنوات التسع التي فصلت بين هذه النتائج والإعلان عن إشعار العقوبات الأميركية، استمر البنك في الحصول على ملايين الدولارات في المزاد. في أيلول/ سبتمبر 2020 – آخر شهر مكتمل أصدر فيه البنك المركزي بيانات مفصلة عن المزاد – حول الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك 136 مليون دولار إلى مصرف الهدى. ولأن السجلات التفصيلية لتلك المعاملات ليست متاحة للجمهور، لم يكن من الممكن معرفة أين ذهبت الأموال، أو ما إذا كانت هناك أي مؤشرات أخرى إلى الفساد.
في عام 2018، انتخب الموسوي عضواً في البرلمان العراقي، وانضم إلى اللجنة البرلمانية لمكافحة الفساد.
ملفات الجلبي تكشف عيوباً في طلبات المصرف المتحد للاستثمار “UBI”
تقدم الملفات التي حصل عليها “OCCRP” من تحقيقات اللجنة البرلمانية برئاسة الجلبي، خريطة طريق لكيفية الاحتيال على مزاد الدولار.
تتضمن الملفات سجلات شهر واحد طلبها الفريق في عام 2013 من المصرف المتحد للاستثمار (UBI) تتضمن الفواتير المقدمة إلى البنك المركزي والتحويلات النهائية من الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك. تظهر السجلات أن “UBI” تقدم بنجاح للحصول على ما يقرب من 315 مليون دولار في شهر نيسان/ أبريل 2012.
وراجع صحافيو “OCCRP” السجلات مع ستة خبراء أميركيين وعراقيين، بمن فيهم بوين وعلاوي.
وتبين أنه وباستثناء معاملة واحدة تبدو شرعية لشراء أجهزة منزلية، كشفت الطلبات التي تمثل أكثر من 99 في المائة من الأموال التي طلبها المصرف المتحد للاستثمار UBI لذلك الشهر، دلائل على عمليات احتيال، بما في ذلك وثائق غير مطابقة أو مفقودة، وشركات وهمية، أو كليهما.
وعلى الرغم من أن الصحافيين تمكنوا من تحديد هذه العيوب من خلال عمليات تدقيق مباشرة للسجلات العامة، إلا أن البنك المركزي العراقي والاحتياطي الفيدرالي في نيويورك حوّلا الأموال، بناءً على طلب المصرف المتحد للاستثمار، لكن النقود لم تذهب إلى المصدرين اللذين زعمت الشركة أنهما يرسلان بضائع إلى العراق، ولكن إلى حسابات في جميع أنحاء المنطقة ليس لها علاقات واضحة مع البائعين المفترضين.
وانتهى الأمر بإرسال ما لا يقل عن مليون دولار، ظاهرياً لتمويل استيراد قضبان الصلب ومكيفات الهواء، إلى فاضل الدباس رئيس مجلس إدارة المصرف المتحد للاستثمار. في المقابل لم يتم تقديم أي مستندات جمركية أو تراخيص استيراد، ولم يظهر في سجلات الشركات المصدر المدرج في الوثائق، الذي يُفترض أن مقره في الإمارات العربية المتحدة (انظر المربع للحصول على التفاصيل).
لم يستجب فاضل الدباس لطلبات التعليق من “OCCRP”.
لكن الدباس كان تصدر الأخبار الدولية بسبب تمويله عقداً اشترى العراق بموجبه مئات الأجهزة المزيفة للكشف عن القنابل قبل انكشاف الفضيحة في عام 2009. ونفى الدباس في السابق ارتكاب أي مخالفات، ولم يتم توجيه أي تهم إليه.
كما وجد “OCCRP” الكثير من الأشخاص والشركات – المتقدمين والمتلقين للدولارات – على صلة بحسن ناصر جعفر اللامي، رجل الأعمال العراقي الذي ورد أنه اعتُقل في العراق بتهمة “تهريب الدولار” لفترة وجيزة العام الماضي قبل إطلاق سراحه من دون توجيه تهم إليه.
اثنان من رجال الأعمال ممن ظهرت أسماؤهم في الملفات، هما حسن هادي فرحان وحيدر جواد حسن، شريكان مع اللامي في شركة استشارية مقرها بغداد. كما يمتلك اللامي وحسن أقل بقليل من 10 في المائة لكل منهما في مصرف نور العراق الإسلامي، الذي مُنع من مزاد الدولار في أواخر عام 2019، بناء على طلب من الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بسبب مخاطر من أن يتم توفير الدولارات “بشكل مباشر أو غير مباشر للأفراد أو الكيانات الخاضعة للعقوبات الأميركية”.
تُظهر ملفات المصرف المتحد للاستثمار UBI، أن فرحان وحسن تقدما بطلب للحصول على ملايين الدولارات بناءً على فواتير من شركة مزعومة مقرها الإمارات، التي لا تظهر في سجلات الشركات. وفي حالة أخرى، تقدم حسن بطلب للحصول على نحو 7.5 مليون دولار من دون تضمين الوثائق الجمركية أو تراخيص الاستيراد، ثم أرسل 5 ملايين دولار إلى شركة صرافة مملوكة جزئياً للامي.
ولم يرد فرحان وحسن واللامي على طلبات للتعليق.
تم تحويل 28 مليون دولار أخرى من الأموال التي طلبها المصرف المتحد للاستثمار UBI إلى شركة تقول الولايات المتحدة إنها تعاملت مع أموال لسعيد أحمد محمد الجمل، وهو ممول مقيم في إيران، تمت معاقبته بزعم تقديم “عشرات الملايين من الدولارات من الأموال للحوثيين” من خلال شبكة من الشركات الوهمية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ولم تنجح الجهود المتكررة للوصول إلى جمال للتعليق من خلال شركاته.
على الرغم من كل هذه الأدلة، لم يتم منع المصرف المتحد للاستثمار UBI من مزاد الدولار، ولم يستجب البنك لطلبات التعليق. في عام 2018، تم وضع البنك تحت وصاية البنك المركزي العراقي بسبب “الفشل في الوفاء بالالتزامات المالية”. تُظهر بيانات البنك المركزي أنه استمر في التقدم بطلب للحصول على الدولار وتلقيه العملة الأميركية حتى أواخر عام 2020.
بعد وقت قصير من كتابة تقريره، توفي الجلبي في مزرعته عن عمر يناهز 71 عاماً.
وليس هناك ما يشير إلى أن النتائج التي توصل إليها الجلبي في تقريره المفصل، أدت إلى اتخاذ أي إجراء جاد ضد الفساد في مزاد الدولار.
وأشار انتفاض قنبر المتحدث السابق باسم الجلبي، إلى أن السمعة السيئة التي اكتسبها الجلبي بين المسؤولين الأميركيين ربما تكون قد ثبطهم عن النظر في النتائج التي توصل إليها. وكان المجلس الوطني العراقي، الذي أسسه الجلبي، قد نقل معلومات إلى السلطات الأميركية استخدمت لتبرير الغزو، وتبين في ما بعد أن الكثير منها مزيف.
وقال قنبر لـ”OCCRP”: “إنهم يعتقدون أنه كان مزعزعاً للاستقرار، كما أنهم لا يريدون، لا يريدون الاقتراب من أي شيء قاله أو فعله الجلبي”.
شارك في التقرير هنري بوب.
إقرأوا أيضاً: